لماذا يريد رب بوش وبالين من العراق التوقيع على الإتفاقية الأمنية؟

 

د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

ادعى الرئيس الأمريكي بوش بأن الرب يكلمه، فيما أكدت مرشحة الحزب الجمهوري لمنصب نائب الرئيس السيدة بالين بأن الرب أرسل أمريكا إلى العراق في مهمة ربانية، ولو تفوه غيرهما بمثل هذا الكلام لاقتادوه لمصحة عقلية، ولو قيل لي: لم تقحم الدين بالسياسة؟ فسأرد بأن بوش وبالين سبقوني لذلك، فماذا يريد ربهما من العراق؟

من غير المعقول أن يكون رب بوش وبالين معنياً بالقضاء على النظام البعثي واستبداله بنظام آخر، لأن الطاغية صدام والمالكي وكذلك آل الحكيم وحتى البرزاني والطالباني كلهم في جهنم وفقاً لمعايير الرب التوراتي لبوش وبالين، وحتى الرب الإنجيلي الأقل قسوة يعدهم من الكفار، والمسيح في الإنجيل يذكر أتباعه مراراً وتكراراً بأن رسالته لليهود فقط، وعندما طلبت منه سيدة كنعانية شفاء ابنتها قال لها: هذا الخبز للسادة فقط وليس للكلاب! هذا هو رب بوش وبالين، تنزه النبي عيسى عما يفترون، فأجابته السيدة الكنعانية الأكثر إنسانية ورحمة من رب بوش وبالين: ولكن الكلاب يأكلون من فتات موائد أسيادهم، فاستحى رب بوش وبالين وشفى ابنة الكنعانية (إنجيل متى، 15: 29-39).

يهوه رب العبرانيين كما يصفه أحبارهم في التوراة المزيفة والمحرفة عنصري ودموي، لا يقل قسوة وشهوة للدماء من أرباب الوثنيين، بل لعله أشد قسوة من كثير منهم، وهم الذين قالوا بأن يد الله مغلولة، غلت أيديهم ورقابهم، تعالى الله عما يصفون، يفترون على الله الكذب بادعائهم بأنه كان يسافر معهم في غمامة، وكلما لمح عدواً لهم أهوى عليه بشواظ من نار لتحرقه، وقالوا زوراً وبهتاناً بأنه ربهم وحدهم لا رب العالمين، وبأنهم أبناء الله وأحباؤه، وبأن أرض الميعاد ملك خالص لهم أقطعه الله لهم ولذريتهم، وبأنه أحل لهم قتل أصحاب الأرض الأصليين وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وحدود أرض معيادهم المزعومة من النهر إلى النهر، أي من الفرات في العراق إلى النيل في مصر.

بوش وبالين يحملان بيد التوراة  وباليد الآخرى الإنجيل، وهما لا يجدان بينهما تناقض أو إختلاف، فما بدأه يهوه يكمله رب الإنجيل، لأنهما سخرا الدين لأغراضهما الدنيوية، والهدف النهائي للرسالتين، كما يفتريان، عودة جميع اليهود إلى فلسطين، لتتحقق نبوءة التوراة بظهور المسيح الحقيقي، كما يتوقع اليهود،لا عيسى بن مريم الذي كذب اليهود بنبوءته ورفضوا رسالته، أما أتباع رب الإنجيل فينتظرون عودة المسيح ابن الرب لينصر أتباعه، ويقضي على مخالفيهم، من أتباع الديانات الأخرى.

لا تتيح المعطيات السكانية لحكومة الصهاينة مد سلطتهم على أرض الميعاد، إذ لا يكفي عديد اليهود في العالم لاستيطانها والسيطرة عليها، كما فعلوا في فلسطين العربية، فاختاروا عوضاً عن ذلك بسط نفوذهم على المنطقة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الأمريكان، فولد  المشروع الأمريكي الصهيوني لتكوين شرق أوسط جديد، الذي يجسد الحلم الصهيوني بالعودة إلى أرض الميعاد وإخضاعها من الفرات للنيل، وبعد توقيع السادات لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني والتطبيع معه امتد النفوذ الصهيوني المباشر وغير المباشرإلى نهر النيل، وغدا كل ما يتمناه الكيان الصهيوني ينفذه النظام المصري، والدليل على ذلك مشاركة الحكومة المصرية في فرض الحصار على قطاع غزة وحرمان أهله من الغذاء والدواء، عقاباً لهم لتجرأهم على رفض المشروع الصهيوني الأمريكي، ومن قبل فقد ضمنوا خضوع  مملكة الوهابيين وتوابعها الخليجية، ولكن استعصى عليهم ما وراء الجليل الأعلى في الشمال، أي لبنان، فقد كان أبطال حزب الله المؤمنون بالمرصاد لهم، وإن كرروا المحاولة سيمنون بهزائم جديدة بإذن الله، وأنظارهم اليوم صوب بلاد الرافدين، فهم لا ينسون ما فعلته بابل بأسلافهم، لذا أرسلوا تابعهم بوش وجيشه المرتزق لغزو العراق، لا كرها بالطاغية صدام، وإنما لتحقيق وعد رب بوش وبالين، وبسط سيطرتهم حتى الفرات، لذا لم نعجب للأنباء عن تغلغل الصهاينة في العراق، مستترين بقوات الإحتلال، وبحماية مشددة من عملائهم الإنفصاليين في الشمال، ولم نتفاجأ بمصافحة طالباني للسفاح الصهيوني باراك وزيارة النائب الألوسي للكيان الصهيوني، ومبادرة أصحاب الأقلام المأجورة للدفاع عنهما.

لم يتبق لتحقيق الحلم الصهيوني بأرض الميعاد من النيل إلى الفرات سوى الإتفاقية الأمنية، ولو أبرمتها الحكومة والبرلمان في العراق فستكون أكبر خدمة للصهيونية، بعد وعد بلفور، وسيكون أكثر الناس إبتهاجاً بذلك هم الصهاينة وأنصارهم، لذا نتسائل وبإلحاح: ألم تقتنع الحكومة العراقية بعد، وسواء أفتى المراجع بذلك أو لم يفتون، بأن الإتفاقية الأمنية أكبر المحرمات سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً ودينياً؟ ولن يوقعها إلا الخانع للمخطط الأمريكي الصهيوني، ولو أبرمت فلننتظر أعظم البلاء

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com