|
الديمقراطية (3)
رشيد كَرمـة هذا هوالجزء الثالث *مـن تتمة وجهة نظر نقدية مختصرة لكتاب " الإمبراطورية " الذي ألفه ُ كل من ـ إنتونيونيغري، ومايكل هارت ـ نشرها الشهيد الشيوعي المتفاني "كامل شياع" في مجلة الثقافة الجديدة العدد 309 لعام 2003 تحت عنوان ( تناقضات عصر الإمبراطورية ووعوده ) . والحقيقة أن مؤلفا الكتاب حاولا قسرا ً القفز على أكثر من مرحلة تأريخية، ولقد ذهبا إلى أبعد من ذلك عبر تفسيرهما ( تشكل وتكون ) طبقة عمالية عالمية دون اللجوء والحاجة الى حزب ثوري ولد وفق حاجة ضرورية ووفق ظروف ذاتية وموضوعية، ليقود نضال الناس ـ العمال ـ للتحرر من قبضة رأس المال . ولم يشر الكتاب الى ماإتسمت به النظم الحاكمة في كل العالم من قسوة وقمع ورعب بغية سحق الحركات الإجتماعية التي لم ترفع شعار سلطة البرولتاريا يوما ً، ولكنها حاولت إرساء مبادئ ديمقراطية، برلمانية وصولا ً للعدالة الإجتماعية، غير أن الدعم الرأسمالي للنخب الحاكمة كان من الوسع والكرم مما أدى الى هجرة بشرية متعددة الأوجه، هجرة ربما تبدوللبعض مؤقتة ً في الظاهر ولكنها ستغدوأبدية، طالما نتحاشى الولوج للحديث عن ( حزب، تنظيم ) وندعي كما مؤلفا الكتاب، بإنتفاء الحاجة الى التضامن العالمي وفق صيرورة قوى الإنتاج . ومن منطلق آفاق الثقافة الجديدة ’ ولغتها الديمقراطية البناءة، أن نأخذ بالنقد والتحليل تجربة العمال ليس في الإتحاد السوفيتي والمنظومة ( الإشتراكية ) وإنما في كامل نظام الأحزاب الشيوعية، والعمالية سواء في البلدان الرأسمالية وفي بلدان بقيت حتى هـذه اللحظة التأريخية تتأرجح بين اليمين واليسار ’ بين الخاص والعام . ونظرة سريعة الى بلدان الشرق وأحزابها ( اليسارية ) نجد أنها أخذت في الآونة الأخيرة التفكير جديا ً في الأساليب الديمقراطية، للحد الذي يترائى للمرء أنها أحزاب وتجمعات ديمقراطية أكثر مما هي أحزاب شيوعية، سواء من جهة تنظيمها وأهدافها وتوجهها ومن جهة مشاركتها في العمل السياسي، ضمن إطار برلمانات يطغي عليها طابع الهيمنة الدينية . وسواء سجل الموافقون والمعترضون رأيهم الإيجابي والسلبي على المشاركة السياسية للحزب الشيوعي العراقي في خضم كم ليس قليل من المتغيرات، ألا أن الخشية تأتي من صراعات وتضادات من (صُلب ِ، داخل ) الحزب نفسه . ومن الجدير بالذكر أن كل المتخاصمين يبدون إعتزازهم بالحزب ويحتفلون بعيد مولده، بعيدا ً عن تعدد وجهات نظرهم، وهذه إحدى مميزات الشيوعيين العراقيين . يذكران الحزب الشيوعي العراقي قد عانى ومنذ الأربعينات من القرن الماضي، جملة من الإجتهادات ’ أدت بالتالي إلى إنشقاقات وتكتلات، أضرت بنضال العمال والفلاحين، حيث لم تعد هذه التشكيلة الإجتما ـ إقتصادية مهمة بنظر منظري مابعد مرحلة الإنهيار السوفيتي فلقد ( أفتوا ) أن لاعودة الى مسميات الثوابت الوطنية والخصوصية الثقافية، لأن هذا خيار خاطئ وضار حسب تعبيرهما . وحيث تكثر الرهانات في ظل بلدٍ مُحتل كالعراق، وغيرُ مٌكتمل السيادة والإستقلال في كثير من الجوانب بعد إنهيار مؤسسات الدولة نتيجة العبثية والهمجية التي إتسم بها عهد الدكتاتور صدام حسين وبطانته، لاينبغي ان لا نهمل إرثا ً نضاليا ً تريد به العولمة أن ننساه بغية بناء بديل جديد . وليس غريبا ً أن يذكر أكثر من باحث ماركسي، أن هُناك َمأزقا ً حقيقيا ً يواجه الأحزاب الشيوعية يتعلق بتأجيل جملة وحزمة كبيرة وواسعة للبناء الإشتراكي فلم تعد الأولوية لها أي للإشتراكية ولمضامينها، لذا فإن من قرء كتاب " الإمبراطورية " يجد ومنذ اللحظة الاولى ذلك الإحساس الذي يفضي الى القول أن لابد من طريق جديد، وفهم جديد بعيدا ً عن الأطر الماركسية والماركسية ـ اللينينية . وكأنما يريد الكتاب حل كل الأحزاب الشيوعية، ومواجهة الإمبراطورية القائمة بأسلحة جديدة، القوى المضادة للإمبراطورية ما هـي القوة والقوى المعاصرة المكلفة بمهمة التحرير؟ إنها ليست الطبقة العاملة الصناعية حصرا، بل بروليتاريا عصرنا التي تشمل " كل أولئك الذين يتم إستغلال عملهم بشكل مباشر وغير مباشر والذين يخضعون للمعاييرالرأسمالية للانتاج وإعادة الإنتاج " إن أحداثا مثل حركة الإحتجاج في بكين 1989 والانتقاضة الفلسطينية وإضطرابات لوس انجلوس 1992 ، تمرد اقليم تشاباس في المكسيك 1994 ، الإضراب الكبيرفـي فرنسا 1995 وفي كوريا الجنوبية 1996 هـي فـي جوهرها مؤشرات علـى رفض الإستغلال والقهر وعلـى حتمية النضال والتضامن ...,. مؤلفا كتاب الامبراطورية يراهنان علـى إبداعية الفعل المشترك للجمع وقوة العمل الحي والرغبة لاطلاق إمكانات التأريخ يتجاوز الرأسمالية لإرساء بداية عصر الانسان كما تخيله " ماركس " . لكن هل ستقود محصلة رفض الرأسمالية مـن قوة متنوعة وغير متجانسة الى بلوغ البديل المرغوب الذي هوالشيوعية ؟ وهل الشيوعية مخطط طوباوي جاهز أم غاية لاتبلغُ غايتها: فكرة معيارية وموجهة تقود فعل التحرر دون أن تفضي الى تحقق ناجز في اية لحظة معينة ؟ ذلك ما يجيب عليه " نيغرىوهارت " بالرجوع الى القيمة الإيجابية للنفي فمن مفارقات النضال المعاصر انه لا يسير وفق وصفة واحدة، وغير مؤطر بنظرية ثورية ..... الطبقة العاملة ما عادت طبقة متجانسة ونضالاتها مبعثرة وحديثة ذات مد زمني قصير متقطعة وغير متصلة في زمن الإتصالات السريعة التي تضغط عنصري الزمان والمكان . نضالات اليوم لا تعمل كحلقة مترابطة الأجزاء وكمد ثوري يجتاح العالم بل انها من مناطق إنبثاقها تصعد عموديا لتضرب مباشرة ًمدار العولمة أي رأس الرأسمالية وقلبها . النضال اليوم لا يتبع مجرىً افقيا ً، لذلك لا معني للأممية البروليتارية التي ولـي زمانها كما يعتقد " نيغري وهارت " .................................. النضال اليوم ينتقل كما ينتقل فيروس الكومبيوتر الذي يكيف شكله وفق سياق الطرف المُستقبـِل، شكل النضال المعاصر يحاكي طبيعة السيادة الامبراطورية التي لا تفترض نزاعا ً رئيسيا ًونزاعات ثانوية وإنما على شبكة مرنة للصراعات الصغيرة الناشئة عن تناقضات مراوغة، متوالدة وغير متموضعة في مكان محدد . فكما للسيادة الامبراطورية بُعداً غير مكاني ( الذي هوالمعني اللغوي لمصطلح اليوتوبيا اي المدينة الفاضلة والخيالية ) فان النضال ضدها لا ينحصر في مكان بعينه ِ وجبهة ٍ بذاتها . جوهر هـذا النضال يكمن فـي رفض العمل والسلطة ( إطروحة الكتاب هذه تنحومنحاً فوضويا ً ) ونبذ العبودية الطوعيٌة بجميع أشكالها ، وبفضل هذا الرفض يمكن تلٌمس بداية الطريق نحوسياسة تحررية مستمدة ٍمما يسميه " نيغري " بالكينونة الضديٌة للجمع المرتبط لعلاقة تناقض وجودي " تناقض عدائي " مع سلطة رأس المال ...... فـي عصر ما بعد الحداثة، الذي هوعصر العولمة والإمبراطورية، تتجسد مرتكزات هذه الكينونة الضدية في قوى ثلاث هي:ـ الإنشقاق، موجات الهجرة الواسعة، والترحل بين البلدان . فالإنشقاق، كمصطلح قانوني يعني سحب الحق من مالكه المزعوم الذي هوالإمبراطورية الرأسمالية . والهجرة الجماعية يصفها الكتاب بعبارات مستوحاة من إستهلال " البيان الشيوعي " تقول: شبح يطوف العالم، إنه شبح الهجرة ... كل قوى العالم القديم تحالفت في حملة لا تعرف الرحمة ضدها، لكن حركة الهجرة لا يمكن مقاومتها . شبح الهجرة المتمثل بموجات نزوح ٍ هائلة ٍ للكفاءات العلمية ِوالبروليتاريا الزراعيةِ والصناعية والخدمية ِ سيؤسس كما يتوقع الكتاب، شرطا منقطع الجذور أي معولما ً للفقر والبؤس . أما الترحل فسيجلب جنسا ً جديدا ً من الغرباء يجتاح أوربا والعالم الأول كما إجتاح برابرة الشمال معقل الإمبراطورية الرومانية ’ نضال هذه القوى ذات القابلية العالية على الحراك يطرح ُنمطا ًشديد البأس للصراع الطبقي داخل الإمبراطورية . ما بعد الحداثة وضدها ’ نمطا ًمازال حتى الآن فـي طور العفوية ’ لكنه يحمل فـي ثناياه وعود إنتاج إنسان جديد [ مابعد الإنسان الذي تخيلته الحداثة ] ’ وجماعة متضامنة يوحٌدها النشاط الحسي والذهني، وقوة حياة مبدعة يصنعها جمع تعددي ومتنوع ’ مُتآ لف بعاطفة الحب ورغبة الحياة، حركية وهجانة الجمع ليستا بذاتهما تحرريتان ولكنهما سيكونان كذلك إذا ما سيطرتا على شروط إنتاجهما . إن "نيغري " و" هارت "يتحدثان عن قيام برلمانات للجمع، ويتخيلان مصانع إجتماعية لإنتاج الحقيقة تأخذ المبادرة مـن سلطة الإمبراطورية: لجان شعبية (( ليس على طريقة القذافي بالضرورة )) وسوفيتات، ولجان مصانع علـى الطريقة الإيطالية وحتى ديمقراطية مباشرة . الهوامش للفائدة أنظر الرابطان http://www.irak-k-k.org/wesima_articles/makal-20081010- http://www.irak-k-k.org/wesima_articles/makal-20081014-24878.html يتبع وللموضوع صلة
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |