|
الثابت في الشرائع السموية والدنيوية أن المسئولية عن الجرم المحرم مشتركة بين مقترفيه وأعوانهم ومموليه والمحرضين عليه بالفكر وكل من سمع به ووافقت هواه، واستناداً إلى هذا المنطق من الخطأ تحميل منظمة القاعدة وحدها المسئولية عن الإرهاب في العراق، بل يشترك في الجريرة النظام السعودي وأتباعه الوهابيون وأسيادهم الأمريكان، فهل من الجائز مكافأة الأمريكان على تصديرهم الإرهاب لنا بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية؟ لكي ندرك العلاقة الخفية بين أمريكا والإرهاب في العراق لا بد من نظرة شاملة على المنطقة وأحداثها الهامة خلال السنوات الخمس الماضية، وتكشف لنا هذه النظرة الفاحصة وجود ثلاثة أطراف فاعلة: الأمريكان وحلفاؤهم والإرهابيون والشيعة، ويفرض السياق المنطقي والعقلاني وقوف أمريكا وحلفاءها المخلصين صفاً واحداً ضد الإرهابيين ومفكريهم ومصادر تمويلهم للقضاء عليهم انتقاماُ لتنفيذهم عملية الحادي عشر من أيلول، ويدعو نفس المنطق لموقف أمريكي إيجابي، أو على الأقل محايد، من القوى الشيعية لكونها مناهضة للإرهاب السلفي، لكن جاءت القرارات والعمليات مناقضة تماماً لما يفرضه المنطق وهدف محاربة الإرهاب الذي قالت أمريكا بأنه يتصدرقائمة أهتماماتها، فقد تأكد خلال الفترة الماضية بأن المستهدف الرئيس من الإحتلال الأمريكي للعراق هم الشيعة لا الإرهابيون، فهل لدى الأمريكان منطق آخر أم أولويات مصلحية مختلفة؟ تعادي أمريكا والدول الغربية إيران الإسلامية بسبب سياساتها الإقليمية المناصرة للقضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية والمناهضة للهيمنة الأمريكية والرافضة للإملاءات الغربية على الدول المنتجة للنفط في المنطقة، كما تلتقي مواقف الدول الغربية مع الصهيونية في معاداتها لحزب الله وسياسته التحررية في لبنان والمنطقة، وهذه اعتبارات ذات أولوية مطلقة على ما عداها، بما في ذلك مقتضيات الأمن الامريكي الداخلي ومحاربة الإرهاب، كما اقتنع الأمريكان والغربيون بأن كل الشيعة الملتزمين معارضون بحكم العقيدة للمصالح الغربية، وبالتالي فهم يشكلون خطراً على هذه المصالح، وفي ضوء هذه المعطيات فإن من الطبيعي أن تنظر أمريكا وحلفاؤها إلى شيعة العراق بعين الشك والريبة، بل لقد صنفتهم مع بقية أعداءها من الشيعة، ولا يستثنون من ذلك إلا الشيعة بالولادة والاسم فقط والمذعنون بالكامل لمشيئة الأمريكان والمنخرطون في مشروعها للهيمنة على المنطقة وتقويض المشروع الشيعي الاستقلالي التحرري. لا يخفى على أحد بأن هوية منظمة القاعدة الإرهابية سعودية بالكامل، فالمؤسس أسامة بن لادن والعديد من قياداتها والألاف من أفرادها وأغلبية المشاركين في هجمات الحادي عشر من أيلول الإرهابية سعوديون، فلا غرابة أن يشكل السعوديون نسبة عالية من سجناء جوانتنامو من الإرهابيين والمشتبه بانتماءهم لمنظمة القاعدة الإرهابية، وكان لهؤلاء الإرهابيين السعوديين دور رئيس في إنشاء ودعم حكومة طالبان الراعية للإرهاب في أفغانستان، ناهيك عن نشاط السعودية المحموم لنشر التنظيمات المتطرفة في دول مثل الباكستان ولبنان، وتشير كل هذه الأدلة إلى أن السعودية هي موطن ومنبع الإرهاب، والمحرض عليه بالفكر والمصدر الرئيس لتمويله، ولنسأل المنزهين للنوايا الأمريكية من المحسوبين على المذهب الشيعي لماذا تغفل أو بالأحرى تتغافل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية عن هذه الحقائق الصارخة وتتهم دولاً أخرى مثل إيران الإسلامية بالإرهاب؟ ولماذا تتحالف أمريكا وربيبها النظام الصهيوني مع منبع الإرهاب الوهابي وتتجاهل التحريضات على الإرهاب الصادرة من كهان الوهابية العاملين لدى النظام السعودي؟ ساهمت أمريكا بصورة مباشرة في تنظيم وتمويل وتسليح وتدريب السلفيين، والذين يشكلون نواة تنظيم القاعدة، واستخدمتهم في أفغانستان والبلقان، ولم تثنيها عملية الحادي عشر من سبتمبر من استعمالهم ضد شيعة العراق، وتتعاون مع حلفائها في لبنان لتوجيههم ضد حزب الله، لذا لا تحرك أمريكا ساكناً عندما يخرج كاهن وهابي أو زمرة منهم بفتاوى وبيانات تكفر وتحقر معظم البشر، بما في ذلك بعض المسلمين، وتهدر دمائهم وتحرض على قتلهم وتدعوا الناس للإنضمام إلى صفوف الإرهابيين، وتعدهم زوراً وبهتاناً بالنصر الرباني والخلود في الفردوس، وتحض الأتباع على بذل المزيد من الأموال لدعم التنظيمات الإرهابية وتمكين الإرهابيين من تنفيذ المزيد من عملياتهم الإجرامية. تسكت أمريكا عن هذه الأنشطة الإرهابية الصادرة من السعودية لسبب بسيط، وهو أن الإرهابيين ينفذون مشيئة أمريكا ويخدمون مصالحها، لذا منذ احتلال أمريكا للعراق استهدفت عملياتهم الإرهابية المدنيين العزل من الشيعة في العراق، وبعد انتصار حزب الله على الكيان الصهيوني في 2006م استنفروا قواهم ونظموا صفوفهم وسلحوا أتباعهم في لبنان مهددين ومتوعدين الشيعة، فهل من المعقول أن يكون تسلسل الأحداث هذا محض صدفة أم أنه مخطط مدبر ومجدول؟ هناك استنتاج واحد فقط ينقذنا من الحيرة ويقدم التفسير المقنع للتناقضات الظاهرية، وهو أن الإرهاب منتج سعودي بترخيص أمريكي، وما تنظيم القاعدة في الحقيقة، أو بالتحديد عداؤه لأمريكا، سوى استثناء على قاعدة تطابق مصالح الإرهاب السلفي مع الأهداف والمصالح الأمريكية، وعندما تطلب المخطط الأمريكي في العراق قمع وإرهاب الشيعة لدفعهم إلى اللواذ بحمى أمريكا أوعز الأمريكان لحلفائهم الوهابيين لكي يرسلوا الإرهابيين السعوديين ويحرضوا غيرهم بالفتاوى التكفيرية، فكان لهم ما أرادوا، وشجعت جهات سعودية شبه رسمية الإرهابيين على الذهاب للعراق للانخراط بما أسموه بالجهاد ضد المحتلين، وسهل لهم الأمريكان الدخول للعراق بتركهم الحدود الشرقية من دون حراسة وتهيئة البيئات الحاضنة لهم،، لكن من الواضح بأنهم ركزوا جهدهم على قتل الشيعة الأبرياء، بهدف إشعال فتنة مذهبية، وكلنا نتذكر استهداف هؤلاء الإرهابيين للمناطق الشيعية المعروفة بمقاومتها للإحتلال الأمريكي، وفي مقدمتها مدينة الصدر. نتساءل من جديد: هل من المعقول أن تسكت أمريكا على التحريض السعودي الإرهابي، لو كان متعارضاً مع مصالحها، وهي التي أجبرت السعوديين على تغيير مناهجهم الدراسية وإغلاق عدد من مؤسساتهم الخيرية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ أجزم بأن من رابع المستحيلات إقدام الحكومة السعودية على ذلك من دون رخصة أمريكية، مما يؤكد بأن الحكومة الأمريكية والنظام السعودي سوية خططا وحرضا وسهلا قدوم الإرهابيين السلفيين إلى العراق لقتل وترويع الأكثرية الشيعية والوصول بهم إلى درجة من الضعف تدفعهم إلى الركون لحماية القوات الأمريكية المحتلة والرضوخ لمشيئة الحكومة الأمريكية وخططها الخبيثة في العراق والمنطقة، والتنازل عن حقوقهم كأكثرية لصالح الأكراد والسنة، وهذا ما كاد أن يتحقق لهم بالكامل لولا التيار الصدري الذي عارض الإحتلال وتصدى ببطولة للإرهابيين، مما أربك المخطط الأمريكي الخبيث، لذا حاول الأمريكان تصفيته من دون نجاح، وحرضوا شركائهم على استهدافه بالعمليات العسكرية الخائبة والملاحقات القانوية الباطلة، نستنتج بأنه وعلى الرغم من محاولات بعض الأطراف الأمريكية تحميل الشيعة جزءاً من المسئولية عن العمليات الإرهابية في العراق تؤكد الأدلة بأن منبع الإرهاب والداعم الرئيس لها هم الحكام السعوديون وأتباعهم المهووسون بالقتل والمحرضون على الفتن، ومن خلفهم الأمريكان الذين لا يحرك حكام الوهابية ساكناً من دون موافقتهم. لا شك في أن السعودية المصدر الرئيس للإرهاب في العراق، ولا جدال بأن النظام السعودي مذعن تماماً للهيمنة الأمريكية، ومن المؤكد استهداف الإرهابيين للعراقيين الشيعة، لذا نستنتج بأن الإرهاب القادم من السعودية وبتحريض من كهنتها دخل العراق لتحقيق مصالح أمريكية معادية للشيعة، فهل من المعقول أن نكافأ الأمريكان على قتلهم مئات الآلاف من الشيعة وغيرهم من الأبرياء بالتوقيع على اتفاقية استراتيجية معهم؟ لو حدث ذلك فسيكون من حقنا أن نتهم الموقعين على الاتفاقية بالتحالف والتواطء مع الأمريكان والإرهابيين، بل الخيانة للعراق والعمالة للمحتلين، والعمل مع أعداء العراق ضد المصالح العراقية الوطنية وضد الأكثرية الشيعية المضطهدة. 18 تشرين الأول 2008م
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |