الحقائق الناصعة في عملية الهروب من سجن الحلة (2) .. الرسالة الثانية

 

محمد علي محيي الدين
abu.zahid1@yahoo.com

ما من مناضل ثوري يعيش بين أربعة جدران في عزلة عن العالم الخارجي وبعيدا عن حزبه وحركته الوطنية ويرتضي لنفسه حياة السجن بقسوتها وآلامها ،إلا وتراوده فكرة الهروب لاستعادة حريته والالتحاق بحزبه لممارسة دوره النضالي بأية طريقة ووسيلة فرديا وجماعيا،ولقد اشتدت وازدادت هذه المحاولات البطولية الناجحة والفاشلة منها بعد انقلاب شباط 1963 الفاشي الدموي ونحن معتقلون في مركز شرطة الكاظمية حيث وردت لي رسالة من احد الرفاق –خارج المعتقل- يستنهض فيها عزائمنا للهروب بهدف الالتحاق بحركة الشهيد الخالد حسن سريع،إلا أن المحاولة فشلت لوجود معتقلين عاديين في نفس الموقف ،وقد ذكرت تفاصيل ذلك في مقال نشرته طريق الشعب بعددها 104 السنة 70 الأحد 10 تموز 2005 بعنوان(محاولة للالتحاق بحركة حسن سريع)وعشرات غيرها من مختلف سجون ومعتقلات العراق قام بها الشيوعيين العراقيين.

وعندما تتوحد الإرادة الثورية المنظمة للمناضلين لابد أن تنتج فعلا ثوريا وتلك الإرادة الثورية المنظمة والموحدة قد تجسدت في عملية نفق سجن الحلة عام 1967 ،بالعمل الجماعي المنظم والإرادة الصلبة التي هزت أركان الحكم العارفي الرجعي وقوضت أركانه المتداعية وهيئة الطريق لإسقاطه لولا الانشقاق الخطير الذي عصف بوحدة الحزب وتماسكه وجعله يحارب في جبهة داخليه أشغلته الى حين عن مواصلة نضاله مما مهد لمجيء البعثيين للسلطة بقطارهم الأمريكي والثورة البيضاء المفضوحة التي كانت تبادل أدوار بين عملاء متمرسين في خدمة الاستعمار،ولعل الانشقاق من الممهدات الأولى التي سهلت المرور لهؤلاء بما ظهر لاحقا من انضمام قادة المنشقين الى الانقلاب وإسناده والعمل في صفوف البعث،ولا زال بعضهم يسيرون في ذات الفلك في عدائهم للحزب والشعب فيما يظهر من مواقفهم المتذبذبة اتجاه الحالات الكبرى العاصفة في العراق.

لقد كانت عملية النفق أرادة وهدف كل المناضلين المشاركين في العملية وكان هدفهم الالتحاق بصفوف الحزب لممارسة دورهم والإسهام في نضاله لإسقاط الحكم بعد أن رفع الحزب شعار العمل الحاسم ورتب أوضاعه لإسقاط السلطة الهزيلة،ولم يدر في خلد أي منا الالتحاق بجهة أو أطراف أخرى غير الحزب الواحد الموحد الإرادة هذا من جهة ومن جهة أخرى نقول للحقيقة والتاريخ وأنصافا لدور المناضلين الآخرين،أن هناك نية ومحاولات بين عدد منهم في التخطيط للهروب ،لكن هؤلاء المناضلين كانت مداولاتهم تنحصر على موقع محدد وهو المطبخ القريب من القلعة القديمة ،مع أن هذا الموقع غير مأمون ويشكل خطورة كبيرة لوجود ربية للحراسة قبالة المطبخ وتراقب ما يجري في السجن من السطح ،إضافة لبعده عن السياج الخارجي للسجن،ومع ذلك بادر هؤلاء المناضلين باتخاذ الخطوات التمهيدية للهروب وقاموا بعمل جدار خشبي من الفايبر لقطع المطبخ وتقسيمه الى مخزن ومطبخ للاستفادة منه في أخفاء العملية وخزن التراب المستخرج،لكن كل هذه المداولات والنشاطات كانت تتسم بالفردية رغم أن اثنان منهم هما حافظ رسن وحسين ياسين كانا عضوان في المنظمة الحزبية للسجن،والتي كانت بقيادة نصيف الحجاج إضافة للشاعر مظفر النواب وعقيل حبش والملازم فاضل عباس ولم تسفر هذه المحاولات عن شيء،ولم يجري العمل بها لما ظهر لهم من أخطار وصعوبات.

وعندما جاء الراحل حسين سلطان من سجن نقرة السلمان في نيسان 1967 ،كان يحمل في مشروعاته فكرة الهروب الجماعي من موقع أفضل وأكثر أمانا وفاعلية،وعند وصوله السجن طرح هذا المشروع للمداولة مع حافظ رسن وكتب رسالة الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي طارحا عليهم خطة الهروب وإمكانية أبداء المساعدة في تسهيلها وتأمين نجاحها،وكان أبو علي قد استوحى فكرة الهروب من خلال قراءته لقصة هروب مماثلة من نفق قام بها سجين روسي ،وكان قد سمع من أحد سجناء نقرة السلمان وهو الرفيق (سالم) الذي حدثه بحضور الرفيق ناصر حسين عن محاولة سابقة للهروب من سجن الحلة بواسطة حفر نفق من الصيدلية،إلا أنهم ولأسباب أمنية ولنقلهم الى خارج السجن اضطروا لردم الحفرة وإغلاق فتحتها بوضع قطع من القماش فيها وعمل صبة تتميز عن الصبة الأصلية لمن يريد الاهتداء إليها.

ولم يكن الراحل حسين سلطان على معرفة كاملة برفاق المنظمة الحزبية في السجن إلا حافظ رسن حيث يرتبطان بعلاقة وطيدة سابقة وسبق أن عملا في تنظيمات الخارج،لذا خصه بطرح هذا المشروع لأنه موضع ثقته،وما يؤكد هذه الحقيقة قول الزميل عقيل حبش في مذكراته ص30 بأن حسين ياسين ابلغه مع حافظ رسن بأن النفق قد يتغير مكانه ولا حاجة لخروجكم الى العمل في المطبخ،وقد أستفسر عقيل وفاضل من مظفر النواب عن سبب تغيير المكان فأجابه النواب لا علم لي بذلك وفي اليوم التالي سأل عقيل حافظ رسن عن سبب تغيير منهاج العمل فأخبره حافظ رسن بأن هذا رأي المنظمة،وبعد ساعة أبلغني حسين ياسين عن عدم ملائمة المطبخ لوجود نقطة حراسة تطل على النفق(المطبخ) ،وقال حسين ياسين أن هناك اقتراح من أحد الرفاق أن يكون النفق من داخل أحدى القاعات دون أن يذكر أسم الرفيق والمكان الجديد،وهذا ما تقتضيه ضرورات الصيانة وسرية العمل،وهذا الاعتراف غير المباشر من الزميل عقيل يؤكده ناصر حسين الذي كان مع حسين سلطان في سجن نقرة السلمان عندما كان حاضرا عند حديث سالم الى حسين سلطان ،كما يؤكده الأخ على عرمش ،وإننا عندما بدأنا العمل وجدنا ذات المواصفات التي ذكرها حسين سلطان عن سالم ،فقد كانت الحفرة مردومة بالتراب الى عمق متر واحد،وأن غطاء الحفرة الحديدي مغلف بالأسمنت ووجدنا قطعة القماش التي تسد الفتحة،وهذا ما يؤكده علي عرمش في مقاله،من هنا يأتي دور الراحل حسين سلطان في تحديد الموقع الجديد وبالتالي التخطيط للعمل،ومن هنا أكتسب العمل طابع التنظيم الحزبي والسرية التامة،سيما وأن الراحل أبو علي كان على اتصال دائم بالحزب من خلال الرفيقة وابلة الشيخ التي كانت في زيارات دائمة لأخيها عزيز الشيخ.

وعلى هذا فأن الأخوة المناضلين الذين يفكرون بالهروب قبل مجيء حسين سلطان الى سجن الحلة ما كانوا يمتلكون أي تصور عن موقع أفضل وأكثر ضمانا لنجاح العملية ،وقد أنحصر تفكيرهم بموقع المطبخ فقط رغم ما عليه من مخاطر،والى لقاء في رسالة ثالثة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com