|
قراءة أولية للأتفاقية الامنية الاميركية العراقية ... حرب الزمن حميد الشاكر مؤسف ان لايطلّع المثقفون والسياسيون والعلماء والشعب العراقي على الاتفاقية الامنية المزمع توقيعها بين العراق واميركا الا من خلال الصحف الصفراء كجريدة الشرق الاوسط السعودية المشهورة بنفسها الطائفي البغيض وعدائها المعروف للعراق وطنا وشعبا ، ولكن وعلى اي حال هذه مسؤولية حكومتنا العراقية المنتخبة التي ارادت ابعاد الاضواء عن المناقشات والمباحثات الاولية التي تدور حول بنود الوثيقة والتي تتسم بطبيعتها بقابلية التعديل المتجدد ، لتطرحها اخيرا كوثيقة نهائية وثابتة وبامكان الشعب العراقي تقبلها بشيئ من الترحيب ، وهذه هي نفس مشكلة اللذين يتصيدون بالماء العكر لدق اسفين التناقض بين الحكومة العراقية وشعبها ، عندما تمتلك نسخة الاتفاقية بطرق مشبوهة لتطرحها للرأي العام العربي والعراقي ، وليس امام هذا الراي العام الا قبول مايطرح امامه باسم اتفاقية امنية بين العراق واميركا ، ولااهمية بعد ذالك لمصداقية وواقعية هذه الوثيقة وتقادم زمنها وغير ذالك باعتبار انه ومادام الحكومة العراقية احجمت عن طرح اي وثيقة رسمية للراي العام العراقي ، فلماذا لاتطرح وسائل الاعلام المعادية للعملية السياسية العراقية ماتشاء !. والمهم هنا هو اننا نريد تناول هذه الوثيقة بشكلها المنشور صحفيا فحسب لنقرأها على اساس مضمونها الامني والسياسي والاجتماعي وكذا الاقتصادي الذي تناولته الوثيقة بابعاد متعددة وبشكل مختصر جدا ولنبدأ بالنظرة العامة لنقول : ان الاطلالة الاولى لبنود وفقرات الاتفاقية الامنية تطلعنا على ان هذه الاتفاقية هي شبيهة بشكل كبير لاتفاقيات قائمة الان بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة الامريكية ، بموجبها مُنحت الولايات المتحدة الامريكية امتيازات لاحتكار قواعد عسكرية من خلالها تطلّ على المنطقة برمتها بشكل كبير يهيئ لها العمل المستقل بكل حرية ، فهي اتفاقية ان اردنا تمثيلها على واقع الارض العربية شبيهة بالتمام باتفاقية امارة قطر مع الولايات المتحدة والتي منحت من خلالها امارة قطر مساحات جغرافية عسكرية منعزلة تماما عن ادرة الامارة القطرية ، وخاضعة بالكامل لوزارة الدفاع الامريكية تقيم عليها مدن عسكرية بكامل محتوياتها تحت اشراف الادارة الامريكية مباشرة وهذا هو الشيئ القائم الان في قاعدة السيلية الامريكية في قطر !. وعلى هذا الاساس نقول ان النظرة الاولى للاتفاقية الامنية المُراد توقيعها بين الادارة الامريكية والحكومة العراقية هي نسخة مكررة لاتفاقيات موجودة على ارض الواقع العربي وغير العربي لحيازة وزارة الدفاع الامريكية بالخصوص ارض داخل الوطن العراقي تديره بشكل تام اجهزة المخابرات والدفاع الامريكية مئة بالمئة !. وهذا في الواقع ماتتحدث عنه الاتفاقية الامنية المزمع عقدها وتوقيعها بين الادارة الامريكية وحكومة العراق المنتخبة والذي على اساسه استخلصنا نتيجة : ان الادارة الامريكية تسعى للاستحصال على قواعد عسكرية اكثر في الشرق الاوسط بالعموم والعراق بالخصوص !. نعم ولكنّ كيف استخلصنا نحن هذه النتيجة النهائية ؟. وماهي البنود التي تشير بصراحة الى نيّة الادارة الامريكية اقامت قواعد عسكرية ومن ثم مخابراتية على الارض العراقية ؟. وبعد ذالك كيف لنا فهم المدّة الزمنية لهذه الاتفاقية الامنية ؟. وهل هناك مايشير في بنودها المذكورة الى زمن مفتوح ام ان هناك مايقيد هذا الزمن بالفعل بشرط زمني ؟. وهل هذه الاتفاقية هي بصالح العراق المستقل والسيد والحر ؟. ام انها اتفاقية خطرة جدا حتى على وضع العراق القائم بحيث اننا نرى رقبة العراق وضعتها هذه الاتفاقية تحت مقصلة الادارة الامريكية تقطعها متى تشاء ؟. ان هذه الاسألة تقريبا تشير الى كل ماذكرته بنود الاتفاقية الامنية في الواقع المراد صياغته وتثبيته والتوقيع عليه من قبل الدولة العراقية ، ففي الاتفاقية الامور المطلوبة التالية من قبل الادارة الامريكية : اولا : استحصال مواقع جغرافية على الارض العراقية لغرض اتخاذها قواعد للقوات العسكرية والعناصر المدنية الامريكية . ثانيا : تكون هذه المساحات الجغرافية خارج ادارة وسيطرة الدولة العراقية ، وخاضعى بالكامل للادارة الامريكية . ثالثا : من حق القوات الامريكية العسكرية والمدنية اقامت منشآت ومباني وبناء طرق على هذه المساحات الجغرافية حسب متطلبات القوات العسكرية الامريكية . رابعا : لايحق للحكومة العراقية دخول هذه المنشآت الا بعد استحصال موافقة الادارة الامريكية لهذه المنشآت . خامسا : تجهز هذه المنشآت والمدن العسكرية حسب متطلبات الجيش والقوى المدنية ، ولاتخضع السلع والمعدات والتجهيزات والداخل والخارج لهذه المنشأت لسلطة الدولة العراقية مطلقا . سادسا : تمنح المعدات الحربية وكذا المدنية لمستخدمي هذه المدن والمنشآت العسكرية التراخيص في الدخول والخروج من العراق مع ضمان عدم خضوع اي شيئ يتصل باستخدام هذه المنشآت العسكرية والمدنية للتفتيش من قبل الحكومة العراقية ، مع ضمان خضوع الواردات بكافة اشكالها والصادرات كذالك واعادة تصدير الوارد ان ارتأت الادارة الامريكية ذالك لاي قانون جمركي ضريبي عراقي . سابعا : من حق هذه المدن والمنشآت العسكرية بناء ماترتأيه ضروريا لوجودها الامني او اللوجستي او الخدمي ( يعني مطارات هبوط وابراج مراقبة وابراج تصنت ومخابرة ... وهكذا ) بدون ان يكون للدولة العراقية اي حق بالتدخل او اعاقة ماتتطلبه هذه المنشآت العسكرية او تفتيش مايدخل او يخرج عبر هذه الوسائل . ثامنا : البريد والمخاطرات وباقي الاتصالات الداخلة والخارجة من العراق وخارجه لاتخضع لمراقبة السلطة العراقية وكذا لاتخضع لقوانين الجمركة والضرائب العراقية . تاسعا : كل مايتصل بحاجة هذه القواعد العسكرية والاخرى المدنية المتصلة بالدولة العراقية فعلى الجانب العراقي تسهيل هذه المتطلبات القانونية والخدمية كارقام السيارات المرورية والاشارات المتفق عليها قانونيا وكذا التسوق وباقي المتطلبات الخدمية بلا خضوع لهذه المتطلبات لقوانين الضرائب العراقية . عاشرا : مايختص بادارة المنشآت العسكرية والمدنية القانونية والامنية والاقتصادية ... المزمع انشاءها داخل الجغرافية فانها لاتخضع بالمطلق الا للادارة والقانون الامريكي ، وفي حال حصول جرائم جنائية او اخرى امنية او ثالثة اقتصادية فليس من حق الحكومة العراقية التدخل وفرض سيادتها على داخل هذه المنشآت الامريكية او فرض قانونها العراقي على هذه الجرائم . احد عشر : الواردات من خارج العراق لهذه المنشآت العسكرية ، والصادرات من هذه المواقع العسكرية للخارج العراقي لاتخضع بالتمام الى اشراف الدولة العراقية ، او مساءلتها او اعاقة الحركة لها ،وانما هو شأن تختص به سلطات المنشآت العسكرية والادارة الامريكية فحسب . اثنا عشر : من حق هذه المنشآت العسكرية والمدنية الامريكية داخل العراق ان تتعامل بالعملة النقدية الورقية الاجنبية كالدولار وغير الاجنبية كما تقتضي حاجاتها الخدمية ، وكذا اصدار السندات المالية باعتبارها قانونية ونافذة المفعول باي صيغة ترتأيها هذه المنشآت الامريكية حسب مقتضى متطلباتها بدون ان يكون هناك اعاقة او تدخل من قبل الحكومة والدولة العراقية في هذا الشأن . الثالث عشر : تتمتع هذه المنشآت بكامل حريتها الاجتماعية حسب القانون الامريكي داخل هذه المنشآت والمواقع المدنية والعسكرية ، مع مراعاة الاعراف والاخلاق الاجتماعية العراقية خارج هذه المنشآت والمواقع الامريكية . هذه هي الاطلالة الاولى للبنود التي اكدت عليها الاتفاقية المُراد توقيعها مع الجانب العراقي من قبل الادارة الامريكية باعتبارها طوق النجاة الذي سيخرج العراق من البند السابع لمجلس الامن الدولي الى رحاب حرية الاتفاقية الامنية الامريكية !. والحقيقة انه كما ذكرناه في البنود الثلاثة عشر المختصرة لبنود الاتفاقية الثمانية والعشرون بفقراتها المتشعبة كثيرا ، فان الصورة تبدو انها واضحة للقارئ الكريم ، وان المُراد تثبيته امريكيا على الكاهل العراقي هو : اقتطاع اجزاء من ارضه لبناء قواعد عسكرية لوجستية وكذا مخابراتية معلوماتية وهكذا امنية ضاربة وسريعة الحركة مستقلة تماما في ادارتها بشكل مطلق عن الدولة والحكومة العراقية ، وفي حال توقيع هذه الاتفاقية من قبل الدولة العراقية ، فستصبح هذه القواعد والمدن والمنشآت تحت ادارة الولايات المتحدة مباشرة ولايحق للحكومة العراقية ابدا الاقتراب من هذه المواقع العسكرية ومايدور فيها او يتم اقامته او العمل عليه ، ومضافا طبعا ماشرطته بنود الاتفاقية من صادرات وواردات وانشاءات ومطارات وطائرات وملفات داخلة خارجة وعناصر تعتقل في النهار للتحقيق مع العراقيين وفي الليل يتم تسليمهم للحكومة العراقية .......... وهكذا ، فالخلاصة هي ان هذه الاتفاقية الامنية هي عبارة عن اقامة دولة صغيرة للولايات المتحدة داخل الدولة العراقية الكبيرة !. وهذا مايتعلق بشكل ومضمون وماهية بنود الاتفاقية الامنية ومطالبها الامريكية من قبل الجانب الامريكي !. اما مايتعلق بزمن الاتفاقية وهل هي مؤقتة ام مطلقة ؟. فقد اجابت الاتفاقية على انه وفي عام :(( 2011)) تنتهي مهمة الاتفاقية ويتم انسحاب القوات الامريكية من العراق ، وكذا ذكرت الاتفاقية في المادة الخامسة والعشرين من الاتفاقية الفقرة السادسة انه : في حال طلب العراق من الطرف الامريكي الخروج من العراق قبل (( 2011)) فانه بالامكانية ذالك ، ولكن في كلا البندين الاول والثاني اشترطت الاتفاقية انه : في حال طلب العراق لتمديد الفترة لبقاء القوات الى مابعد (( 2011)) وكذا في حال تعرض امن العراق او ديمقراطيته للخطر من قبل التهديد الخارجي فان للحكومة والقوات الامريكية اعادت النظر في الاتفاقية من الاساس وصياغة اتفاقية جديدة لاتلتزم بزمن هذه الاتفاقية !. مايعني وبكل صراحة ان ليس هناك زمن محدد وقاطع لخروج قوات الاحتلال الامريكية من العراق ، باعتبار انه من السهل على الادارة الامريكية عند وصولنا لعام (( 2011)) ان تضغط الادارة الامريكية على حلفائها من العراقيين او على العراقيين كلهم لاعادة صياغة الاتفاقية حسب ماتقتضيه مصالح الادارة الامريكية في العراق ، وكذا ايضا من السهل على الادارة الامريكية ان تفتعل اي حجة للاطاحة بالامن في العراق عند اقتراب موعد عام ((2011)) لتقول ان الديمقراطية العراقية بخطر ويجب اعادة صياغة بنود الاتفاقية الامنية من جديد !. الخلاصة ان الزمن المشروط في هذه الاتفاقية الامنية لخروج القوات الامريكية من العراق هو ايضا نفسه مشروط بشروط مشبوهة لااعتقد ان العقل العراقي السياسي لايلتفت لمكرها الخبيث ، كما انه كل بنود ومطالبات الادارة الامريكية في الاتفاقية لاتوحي بان هذا العمل الكبير داخل الجغرافية العراقية واقامة دولة صغيرة للولايات المتحدة داخل الجغرافيى العراقية هي قابلة للزوال في مجرد اربعة سنوات من الان ، ومن هنا نحن على يقين ان هذه الاتفاقية بشكلها الحالي خطرة جدا على مستقبل العراق السياسي والامني وكذا الاجتماعي !. يتبقى ان نقول : ان هذه الاتفاقية ببنودها التي تمنح صلاحيات واسعة جدا لدولة الادارة الامريكية المخابراتية والعسكرية داخل العراق ، يشم من رائحتها (( كما اراه انا شخصيا كتحليل )) ان هناك طبخة انقلاب مرتقبة للادارة الامريكية تحضر له من خلال بنود هذه الاتفاقية للاطاحة بالوضع العراقي الديمقراطي الجديد والاتيان بجنرالات مدعومين بقوى الاحتلال التي ستتركز في هذه المنشآت العسكرية والمدنية والمخابراتية الامريكية قبل نهاية زمن هذه الاتفاقية ، لصياغة اتفاقية غير محددة بامد او زمن معين للوجود الامريكي في العراق ، باعتبار ان الادارة الامريكية مدركة تماما ان الشعب العراق اذا ماوافق اليوم (ربما) على هذه الاتفاقية كحل وسط فانه سوف لن يقبل بالقطع في المستقبل تجديد هذه الصفقة القاتلة لسيادة العراق وشعبه مما يضطر الادارة الامريكية لتغيير الوضع في العراق وتسليمه للدكتاتورية الاجرامية العسكرية او المدنية الموالية لبقاء الاحتلال الامريكي في العراق ، وهذا ماسوف تحضر له الاتفاقية ان وقع عليها الجانب العراقي ببنودها المذكور هذه !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |