محيي هادي والاضطراب في القرءان ... ألم وأخواتها

 

حميد الشاكر 

al_shaker@maktoob.com 

قرأت مانشره الاخ محيي هادي في صوت العراق حول الحروف المقطعة في القرءان على أمل ان اكتشف هذا الاضطراب القرءاني الذي عنون به مقالته المرحوم محيي هادي من أسبانيا، والحقيقة اني قرأت نفس ماهو موجود في كتب التفسير الاسلامي او بعضه حول هذه الحروف المقطعة من غير ان ادرك الاضطراب الذي اشار له الاخ محي، الا اللهم ربي قوله بما معناه: (ان كثرة تفاسير او محاولة معرفة العلماء لمقاصد هذه الحروف هو الذي يعتبر اضطرابا للقرءان من منطلق تنوع التفسيرات)!.

وهذا في الحقيقة اضطراب في فهم الاخ محيي هادي لماطرحه العلماء من ملاحقة تبينية لهذه الحروف وليس هو اضطرابا في نص القرءان الكريم نفسه!.

ثم لااعلم لماذا اعتبر الاخ محيي هادي حقيقة: ان الاضطراب في النص القراني الكريم ولم يعتبر ان فهم العلماء للنص في الحروف القرءانية المقطعة هو المضطرب، من منطلق انه من الاسهل القول باضطراب عقل مَن لم يفهم مقصود المقول القرءاني، ولكن من الصعب القاء تهمة الاضطراب على النص القرءاني باعتبار ان النص لم يأتي بالاضطراب اصلا او لم يخلق هو الاضطراب لعقول المفسرين بل عقول المفسرين المسلمين هي المضطربة والباحثة عن الاضطراب!.

بمعنى اخر لنأخذ ماذكره من تفسير في اول حديثة عندما ذكر تفسير الجلالين وانهما يقولان ب (( الله اعلم )) لبيان مقاصد هذه الحروف وكيف ان علمها عند الله سبحانه، فعلى هذا الفهم لامشكلة تذكر اصلا في عمل النص القرءاني، بل النص القرءاني يكتفي منك انت كمفسر وعالم اذا لم تدرك معاني ومقاصد واهداف هذه الحروف المقطعة ان تقول او تؤمن بأن العلم عند الله وكفى، ولاحاجة منك او عليك بعد ذالك لملاحقة الاحرف ومعانيها من خلال اجتهادك العقلي لتضع عدة تفاسير ومعاني تراها انت انها الاقرب لمعاني هذه الاحرف كأن يكون المعنى (أ أنا ل الله م أعلم ) ... وهكذا، وليس عليك وزر او ذنب يشكله النص القرءاني عليك ان انت اكتفيت بعلم الله سبحانه لمقصود هذه الحروف المقطعة، ومن هنا النص القرءاني والحروف المقطعة لاتخلق اي اضطراب يذكر في عقل المجتهد والمفسر والانسان، بل الانسان والمفسر والمجتهد هو الذي يخلق الاضطراب لمعنى النص وليس العكس يامحيي!؟.

بكلمة اكثر وضوحا: نحن عندما نقول ماهو الدليل على ان الحروف المقطعة هي من اضطرابات النص القرءاني الواضحة ؟.

فعليك ان تذكر نصين قرءانيين متناقضين لايمكن الجمع بينهما في اي حال من الاحوال، وهذا يسمى ( تضاربا او اضطرابا ) اي انه يخلق حالة من التنافر في النصوص القرءانية هي التي تدفع بالعقل للاضطراب والتضارب وخلق حالة عدم الانسجام والتوازن للفهم البشري!.

أما انت في هذه الاطلالة من تناولك للنص القرءاني فلم تأتنا بنص قرءاني للاحرف المقطعة في بداية السور القرءانية، ثم اتيت باحرف مقطعة اخرى تدلل على الاضطراب وعدم التناسق لذالك اكتشفت التضارب بين ( أ ل م ) و ( ك ه ي ع ص ) مثلا، وانما انت ذكرت: ان المعاني التي فهمها المفسرون من هذه الاحرف هو المختلف وهو المضطرب، واذن ماذنب الاحرف المقطعة القرءانية واتهامك للقرءان بانه مضطرب في هذه الناحية ؟.

نعم اذا اردت ان تكتشف الاضطراب في القرءان كان عليك ان تأتي بنص قرءاني ظاهرا ومعنى يوحي بلا لبس لجميع العقول الانسانية السوية، اي لاتختلف عليه ولا على معناه الافهام الطبيعية، ثم تذكر نصا قرءانيا آخر تنطبق عليه نفس المواصفات في الفهم والادراك، وكلاهما يتناقض ويتضارب بعضه مع البعض الاخر، عندئذ نقول انك اكتشفت الدرّة الضائعة في تضارب واضطراب القرءان فيما بينه والبين الاخر!.

وعلى هذا نقول لك يا أستاذنا المحترم: انك لم تستطع ادراك ومبدئيا مفهوم ومعنى ( الاضطراب ) فكيف لك ان تطبق مفهوم الاضطراب على القرءان الكريم المنسجم في كل ذاته ؟.

ان القرءان الكريم يقول:(( ولوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا ))

ويقول سبحانه: (قل لئن اجتمعت الانس والجنّ على ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا / 88 / الاسراء)

وقال سبحانه:(( قل ان كنتم في ريب مما نزلّنا على عبدنا فأتو بسورة من مثله ..))

وكل هذا يصبُّ في اطار ان من اهم الظواهر القرءانية الاعجازية هي ظاهرة الانسجام والاتساق القرءاني المبين، فكيف فهمت: ان هناك اضطرابا في القرءان العظيم من خلال لفتات لاتستحق ان يقال فيها الا انها عجز فكري عن فهم مفهوم ومعنى مصطلح ( الاضطراب ) في اللغة العربية ؟.

تمام يكفيك اذا اردت ان تعي المقاصد القرءانية ان تتوقف عند فهم (الله اعلم ) وبدون اضطراب في ادراك الحروف المقطعة في اوائل السور القرءانية، فهذا ايضا من مقاصد هذه الحروف بالفعل وهو: افهام الانسان المسلم انه ليس قادرا على فهم كل شيئ في الوجود، ولذالك هو غير قادر على فهم معنى حرف واحد او حرفين او ثلاثة ... من حروف اللغة العربية في القرءان ومقاصدهن، فكيف له ان يفهم محتويات كتاب قرءاني الهي مشتق علمه من العلم المطلق ؟.

او كيف للانسان ان يدعي ان عقله باستطاعته استيعاب اي حقيقة في هذا العالم بمافيها حقيقة الله سبحانه خالق هذا الوجود العظيم ؟.

الا ترى معي ان قولنا: ان من مقاصد واهداف وغايات هذه الاحرف القرءانية المقطعة المذكورة في اول السور القرءانية هو افهام الانسان ودفعه الى الاعتراف انه عاجز عن معرفة كل شيئ في الوجود ؟.

الا ترى ان هذا المعنى القرءاني لتعليمنا التواضع وان فوق كل ذي علم عليم، انه من المقاصد والاهداف والغايات التي خلقتها هذه الاحرف المقطعة في داخل الانسان، انها من المقاصد الشريفة والغايات العظيمة والنبيلة لذكر هذه الاحرف في القرءان وعلى هذه الشاكلة ؟.

نعم انا ادرك انك لم تقرأ هذا المعنى للحروف المقطعة في القرءان في اي تفسير قرأته انت، وسوف لن تجد تفسيرا فيه هذا المعنى للحروف القرءانية المقطعة، باعتبار انه اجتهاد شخصي لنا في فهم القرءان فهما جديدا مختلفا عن فهم التراث وكتب التفاسير القديمة والحديثة، ولكن الا يكفي فهمنا هذا للحروف المقطعة للقرءان الكريم لتدرك ان المعنى لهذه الحروف ليس فيه اي اضطراب بل انه الدليل الكبير على عظمة اسلوب التربية الفكرية للانسان في القرءان على التواضع العلمي ؟.

ثم انك ياصديقي ومع هذا لم تذكر الا ماذكره المفسرون من طلسمات ذهنية تحاول تفسير وتبيين هذه الحروف المقطعة في بدايات السور القرانية لتتخذها دليلا على الاضطراب القرءاني، ولكن لماذا لم تذكر باقي التفاسير العقلية المنطقية التي ذكرت في تفسير هذه الحروف المقطعة، مثل تفسير دلالة هذه الاحرف على نبوة محمد وانه كان رجلا اميا لايعرف يقرأ ويكتب، وان الامي لايستطيع تهجئة الحروف ومحمد العظيم ص قد استطاع تهجئة هذه الحروف بلا معلم فمن علم الامي كيفية هجائية الاحرف وقراءتها وفه رسمها بلا تعليم ؟.

وكذا مايذكر من معاني منطقية وعلمية ايضا تقوا بان: ألم مبتدأ وذالك الكتاب خبره، مايعني ان هذه الاحرف هي من جنس الكتاب العربي الذي تتداوله لغتكم العربية ايها الكفار من قريش، فأتوا بسورة منه ان كنتم حقا تقولون انه مفترى من عند غير الله سبحانه، فاذا كان القرءان بالامكان افتراءه فهاهو الكتاب القرءاني من هذه الحوف العربية مكوّن فافتروا سورة منه!.

وهذا المعنى ايضا فيه تحدي في الحروف القرءانية المقطعة!.

كذالك انا ليّ رأيا خاصا بي يقول ان هذه الحروف القرءانية المقطعة في اول السور غاياتها ومقاصدها هي انشاء عملية اولية للامة الاسلامية التي آمنت بهذا القرءان لمحو الامية الاقرائية والكتابية لهذه الامة، مما اضطر النص القرءاني ان يذكر نصف الحروف الهجائية للغة العرب كي يتسنى لهؤلاء العرب بعد معرفة الكيفية التي من خلالها يفهمون رسم الحرف العربي من قرائته فيما بعد، وهذا ماحصل بالفعل حيث كان النص القرءاني هو صاحب الفضل من نقل هذه الامة العربية من جهل الامية في القراءة والكتابة الى نور العلم بهذه الملكة الانسانية المهمة لبناء اي حضارة!.

والان لماذا لم تذكر اخيي المحترم محيي هادي كل هذه المعاني المنطقية والعلمية لمعاني هذه الحروف المقطعة في القرءان الكريم، وذهبت لذكر الطلسمات فحسب لمعاني هذه الاحرف التي ذكرت على لسان المفسريين من علماء ومجتهدين اسلاميين ؟.

هل هي محاولة للقول ان القرءان مضطرب وانه يتضارب بعضه مع البعض الاخر وانه ليس كتابا سماويا وانه بالامكان ايجاد الثغرات فيه التي تؤكد عدم عصمة نسقه وتناسقه من الاختلال ؟.

ان كان هذا المقصد والغرض فالنصيحة واجبة ان القرءان ونصوصه اكبر حجما من طاقة الانس والجنّ ان اجتمعا فماهي مقدرتك او مقدرتي نحن المساكين ياخي محيي هادي لمعارضة ومعاندة القرءان العظيم ؟.

والا ترى معي ان الحروف المقطعة في بدايات السور القرءانية كانما هي منزلة لامثالك لتقول لهم: لم تستطيعوا ادراك فهم معنى الحرف (ق) فكيف لكم ادعاء قدرتكم على الاطاحة بالقرءان كله وان فيه اضطراب وتناقض!؟.

اترك هذا لشخص اكبر ملاكا منك لذهن على الاقل يفهم معنى ((الاضطراب)) الاصطلاحي في المفهوم وفي المقصود ثم ليطبقه على مايجده في القرءان من تضارب!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com