|
ما الحكمة من الاستعجال في عودة اللاجئين العراقيين
أوميد كوبرولو رسالة إلى معالي رئيس الحكومة العراقية المحترم حضرة معالي السيد نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية المحترم: تحية عراقية خالصة وبعد... بدون شك إنكم أثبتم منذ تشكيلكم الحكومة العراقية الحديثة ولهذه الساعة بأنكم الأنسب والأقدر والأفضل في رئاسة حكومتنا في عهد البلاد الجديد من خلال معالجتكم لقضايا الساعة التي يمر بها شعبنا العظيم بكل حكمة وعقلانية. وأثبتم من خلال عراقيتكم الأصيلة وانتماءكم إلى تربة وادي الرافدين ونزاهتكم وعدم تفريقكم بين أبناء شعبكم الخالد وفق أسس طائفية أو شوفينية، بأنكم دائما مع المظلوم على الظالم ولن تسكتوا عن جهة تحاول هضم حقوق الآخرين حتى أن توقفونها عند حدها، حتى ولو تأخرتم في ذلك نتيجة الأمور الصعبة التي كانت تحيطكم في بداية التشكيل والعراقيل التي كانت تضعها تلك الجهات المشبوهة أمامكم. وبدون شك أيضا عندما كان العراق في بداية الأمر ضعيفا كثرت أعداءه، وكل واحد من أولئك الأعداء الأوباش كانوا يحلمون في كسب الأكثر من خيرات البلاد على حساب الأغلبية من أبناء الوطن الغالي. فاستغلت بعض الجهات العميلة لقوات الاحتلال الأرعن وخصوصا تلك الجهات الشوفينية والطائفية الظروف الصعبة التي كانت تمر بها بلدنا الحبيب وجيشه الباسل في بداية تكوينه، لتحاول النيل من وحدتنا وتقسيمنا إلى مسميات مرفوضة. وبدون شك إنكم دوما كنتم تناصرون وحدة العراق وشعبه وترفضون تقسيمه بأي شكل من الأشكال. وكان اهتمامكم الكبير لبناء جيش عراقي قوي يتمكن الاعتماد على نفسه في حماية أرضه وشعبه من أعدائنا الداخليين والخارجيين ضربة قاضية توجه إلى صدور الأعداء المحتلين وعملاءهم الخونة الأشرار الذين لن ينالو غير الخيبة والخسران ولن ينتهي بهم الأمور سوى إلى مزبلة التاريخ التي تستوعب أولئك المخلوقات البشرية القذرة مهما كثرت أعدادهم وقواهم. فبلدنا بألف خير ما دمتم سيادتكم قائدا شهما له. وشعبنا تتحسن أوضاعه يوما بعد آخر ومن الأفضل إلى أفضلها. وحتى أعدائنا باتوا يعملون ألف حساب لذلك. تراهم يسارعون في كسب بعض المكاسب حتى لو كانت صغيرة وتافه دون أن تفوتهم الأوان. ولكنكم وبعقلكم الكبير وأفكاركم المنيرة تحاولون أن تصدوا كل الأعاصير الصفراء عن بلدنا دون أن تنال منا شيئا. سيدي معالي رئيس الوزراء.. بدون شك مبادرتكم في عودة اللاجئين العراقيين قرار عظيم ولا نقاش فيها أبدا ولكنني استنادا إلى بعض العوامل المهمة في هذه المرحلة الصعبة الحساسة التي يمر بها بلدنا أرى أن قراركم هذا سابق لأوانه. حيث هناك مواضيع كثيرة الأهمية تتطلب من حكومتكم الرشيدة معالجتها قبل مطالبتكم حكومات دول العالم بالضغط على اللاجئين العراقيين في العودة إلى بلادهم. إن الذي يجب أن لا تنسوه بأنه لا يوجد عراقي واحد يعشق أرضه وشعبه في خارج البلاد، يتمنى أن يقضي لحظة واحدة خارج بلده وأهله وأحبته لولا هناك ما يجبره على هذه الغربة المرة ومعاناته القاسية. فلا أدري ما هي أسباب الاستعجال هذه في إصراركم على عودة اللاجئين ما دامت هناك الكثير من المسببات قائمة لبقاء اللاجئين خارج بلادهم؟ أ ليس العراقيون الموجودون في العراق أولى أن ينالوا اهتمام سيادتكم الكريمة قبل أولئك الموجودون في الخارج؟ أ ليس الأفضل أن توقفوا هجرة الآخرين من أبناء وادي الرافدين الذين لا زالوا يجبرون على مغادرة البلاد بشتى الأسباب؟ بدون شك هناك عوامل مصيرية مهمة جدا يصعب تحقيقها في فترة قياسية وحكومتكم المؤقرة مشغولة بأمور جمة. وهذه العوامل التي نقصدها هي من أهم الأسباب التي تؤدي إلى هجرة العراقيين خارج البلاد في الوقت الحاضر مثلما هي مربوطة بعودة اللاجئين العراقيين إلى وطنهم الحبيب. وأول هذه العوامل هي حالة الأمان والاستقرار التي لا زالت متدهورة رغم التحسن الكبير بعون العمليات العسكرية الناجحة التي تنفذها ألوية الجيش العراقي الحديث في المدن العراقية كافة عدا التي في قبضة الإدارة الكردية. فلا ينكر إنكم قطعتم شوطا كبيرا في هذا المضمار ولكن هذا لا يعني بأنكم قضيتم كليا على المسببين في تدهور أمن واستقرار البلاد. فلازالت هناك جهات ضالة خارجة عن القانون تلطخ شوارعنا بدماء أبناءنا الأبرياء وتقتل بسمة براعمنا الصغار وتيتمهم وتأرمل النساء. فيجب المزيد من اليقظة والحذر وعدم إعطاء الفرصة للمجرمين الخارجين عن القانون والجهات العميلة الضالة لتنفيذ المزيد من مخططاتها الإجرامية ضد أبناء شعبنا الأبرياء. تعلمون جيدا يا معالي رئيس الوزراء بأن حكومات معظم بلدان العالم تظن بأن شمال العراق هي المنطقة الأكثر أمنا واستقرارا في العراق ويرفضون على هذا الأساس قبول اللاجئين من تلك المنطقة، ولكن ورغم ذلك تجد العشرات من أبناء تلك المنطقة أيضا يغامرون بحياتهم وحياة أطفالهم من أجل حصولهم على إقامة اللجوء في أحد الدول الأجنبية وحتى أحيانا يضطر الكثيرون منهم إلى تغيير قومياتهم أو أوطانهم أيضا. فإن دلت ذلك على شيء فما تدل سوى على استمرارية فقدان الأمن والاستقرار في ربوع العراق من شماله وحتى جنوبه. من جانب آخر يا سيدي إن غالبية اللاجئين العراقيين يتواجدون في دول أوربا المتحضرة والمتقدمة أكثر من غيرها من بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا وأستراليا. فالأطفال هنا لن يرو قاطبة المسلحين ولا الميليشيات المسلحة ولا التدمير والتخريب والانفجارات حتى وفي الأفلام أيضا، لكونها ممنوعة عليهم. فكيف تريد انسجامهم مع مجتمع عكس ذلك تماما؟ ألا يؤثر ذلك على نفوسهم وسلوكهم الذاتية، وتسبب عندهم الأمراض الكثيرة؟ فقبل كل ذلك يجب الاستمرار على الإصلاح في الداخل وتعليم الطفل العراقي، نواة جيل المستقبل على نمط آخر من الحياة عكس الذي يعيشه الآن، ورسم صورة جميله في خياله، صورة خالية من الدم والقتل والسلاح والعداء. صورة مليئة بالحب والأمان والسلم لكي يتفرغ لدراسته حتى نربي جيلا صالحا لبلدنا. الميليشيات المسلحة التي تزرع الرعب والقلق في نفوس المواطنين يجب القضاء عليها ومحوها كليا من أرض العراق ما دامت هناك جيش نضامي وشرطة ورجال أمن ومخابرات وقوانين في البلاد. كما يجب التشديد على محاسبة المقصرين لكي يكونوا عبرة للآخرين. ويجب أن يكون القضاء والحكم والاعتقال والتوقيف من اختصاص الدولة العراقية وحدها ومحاسبة الجهات التي تقوم بالاعتقالات العشوائية للمواطنين وفق مزاجاتها ونزواتها العنصرية والطائفية. سوء الأحوال الصحية والمرافق الصحية وانتشار الأوبئة والأمراض نتيجة تراكم الأوساخ والقاذورات والشحة في الماء الصافي وانقطاع التيار الكهربائي في معظم ساعات اليوم هي الأخرى من العوامل المهمة التي تتطلب المعالجة والتحسين. الصحة في الخارج وخصوصا في الدول الأوربية في ذروة التقدم. فمثلا طبيب الأسنان يبعث لكل إنسان طفل، شاب أو شيخ عجوز دعوة للحضور إلى فحص أسنانه كل ستة أشهر لو لم يراجع ذلك الإنسان بنفسه المركز الصحي الخاص بطب الأسنان الكائن في منطقة سكناه وهكذا بالنسبة للمراكز الصحية الأخرى. كبار السن بعد الأربعين من أعمارهم يخضعون إلى فحص بدني كامل باستمرار خلال فترة لا تزيد على خمس سنوات لتحديد نسب السكر والكولسترول والدهون عندهم، ومعالجة كافة الأمراض التي هم على وشك الإصابة بها. في عراقنا الحبيب لا زال الوضع الصحي متدهور للغاية رغم وجود الأطباء الأكفاء، فأين وزارات الصحة والبلديات والكهرباء اللاتي يتحدثن باستمرار عن مشاريعهم الضخمة التي لم تنعكس على حياة المواطن العراقي حتى ولو بقليل، فلا زال التيار الكهربائي ينقطع عنه أغلب ساعات اليوم، ولا زال لا يحصل على الماء الصافي باستمرار، ولا زال الأوساخ والقاذورات جزءا من حياته اليومية حتى وفي المستشفيات. ألا يعتمد تحسن الوضع الصحي في البلاد على نجاح عمل تلك الوزارات بالدرجة الأولى؟ الأوضاع الاقتصادية والظروف المعاشية لا تقل في أهميتها عن بقية العوامل المهمة. فلا زال والوضع الاقتصادي والظروف المعاشية التي يمر بها المواطنين متدهورة في العراق. حيث الفقر والجوع يلاحق أكثر من ثلثي الشعب العراقي والبطالة تنتشر بصورة مرعبة. فكيف لو يعود أكثر من أربعة مليون عراقي من خارج البلاد؟ أ ليس من الواجب على الحكومة رفع المستوى المعاشي للمواطن العراقي وتحسين وضعه الاقتصادي بتخصيص راتبا شهريا مقطوعا له ولأفراد عائلته حاله حال المواطن الأوربي؟ فأين مستحقاته من خيرات البلاد الكثيرة كالنفط وبقية الموارد؟ التربية والتعليم لا زال على نمطه القديم في بلدنا ولم تشهد أي تحسنا ملحوظا في أساليبها. الأطفال في الخارج يتعلمون القراءة والكتابة وهم في دار الحضانة، وللطلاب أساليب ووسائل حديثة أخرى وعديدة إضافة إلى المعلم والكتاب تساعدهم في سهولة التعليم، فإضافة إلى ساعات الدراسة اليومية والدروس الإضافية، الطالب يتعلم المواضيع بمصادر يحصله بسهولة من المكتبات المنتشرة في أحياء مدينته إضافة إلى استفادته من الأجهزة الإلكترونية المتوفرة في بيته، في كل صف من صفوف المدرسة التي يتواجد فيها وكافة الدوائر والأماكن التي يتردد عليها. ويتعلم أيضا من خلال زياراته مع زملائه إلى المرافق الحياتية ودوائر الدولة ومنشئاتها الحيوية ومتاحفها ومرافقها التاريخية والسياحية والصناعية والزراعية والثقافية والدينية والاستماع إلى المواضيع من اختصاصيها. ألا يتحتم على الطالب العراقي أيضا أن يترقى إلى مستوى الطالب الأوربي في التعليم؟ أم هل وزارة التربية والتعليم عاجزة وغير قادرة على وضع الأساليب البديلة لتحسين الوضع الدراسي في مدارس البلاد؟ التساوي في الحقوق والواجبات بين أبناء الشعب واحترام حقوق جميع المكونات مهما كانت كبيرة أو صغيرة عامل مهم أيضا يجب الاهتمام به. هناك جهات سياسية تشارك في إدارة البلاد وتقوم باضطهاد حقوق بعض فئات الشعب العراقي وتحاول تهميش دورهم بقوة ميليشياته المسلحة التي تزرع الرعب والقلق في نفوس المواطنين وتجبرهم على الانصياع إلى أوامرهم أو الهجرة من أراضيها وقراها ومدنها. فعلى الحكومة العراقية أن تكون دوما سندا للفئات الصغيرة ولا تسمح لتلك الجهات المسلحة على هضم حقوق الآخرين إضافة إلى إخراج تلك الميليشيات المسلحة من المناطق التي لا يحق لها التواجد فيها. هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن العوامل التي ذكرناها أعلاه كلها تتطلب المزيد من العمل الطويل الجاد لتحسينها حتى لا يفكر اللاجئ العراقي الذي يعود إلى أرضه في بلده الهجرة ثانية من جديد وألا فما أهمية عودته ما دامت هناك عوامل جمة قائمة حتما تجبره إلى التشرد والهجرة بعد فترة من عودته ثانية. لذا سماحة معالي رئيس الحكومة العراقية يجب التريث عن قراركم العظيم في عودة اللاجئين لكي لا يجبر بعضهم من قبل الحكومات إلى مغادرة الدول التي يعيشون فيها ويتشردوا ثانية باحثين على دولة أخرى تأويهم وفقكم الله ورعاكم لخدمة وبناء العراق العظيم الذي يستاهل أن نفديه بأرواحنا ونروي أرضه بدمائنا.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |