كامل شياع .. قاتل الارهاب

 

  فوزي الاتروشي/ وكيل وزارة الثقافة

 info@iscc.se

مرت اكثر من اربعين يوماً على اغتيال المثقف والمناضل الكبير (كامل شياع) وما زالت المواقع الالكترونية والصحف اليومية تستحضره الى الذاكرة متألقاً، اخضراً، واقفاً على قدميه كما الاشجار الباسقة التي تموت وهي واقفة .

ومازالت الاقلام تنزف حبرها على اديم الورق في تجسيد ملامح وتقاسيم مثقف نموذجي وقف على خطوط النار بفعل معرفي غزير وبأقل قدرمن الصراخ والخطابية ليحرق اوراق الارهاب ويعرَي قبحه وجبنه وقذارة وسائله في القتل والتدمير .

كثيرة هي المواصفات التي ميزت هذا المثقف الراقي المشبع بالثقافة الانسانية وبالاليات الحضارية في التعامل مع الاخرين وفي النظرة الى دور الثقافة في ترقية المجتمع . ولكن تبقى ميزة (كامل شياع) الاكثر لفتاً للانظار وجذباً للاعجاب انه كان يعمل كثيراً ويقول قليلاً والقليل الذي كان يقوله كان يترجمه الى واقع عملي على الارض عبر ملاحظات واقتراحات واراء سديدة شكلت للجميع اغناءاً واضافة ثرية لعمل وزارة الثقافة . لذلك اشعر ان الشهيد (كامل شياع) كان يضرب الارهاب كل يوم في مقتل من خلال عمله الهادئ والصامت احياناً والبعيد عن الضجيج الاعلامي . قبل يوم من سفري الى دمشق على رأس وفد الاسبوع الثقافي العراقي زرته في بيته مع الزميل العزيز (طاهر ناصر) وكيل الوزارة، وكان كعادته منفتحاً متفائلاً مزدحماً بالافكار والتصورات والاراء التي تفتح امام المستمع افاقاً جديدة للعمل والبناء . تحدثنا كثيراً وكان الحديث كله سلة افكار طرية وآليات عمل تمسح الغبار عن المشهد الثقافي العراقي . خرجت من بيته وانا منبهر كالعادة بقدرة هذا المثقف على الطرح التجديدي وعلى تمثيل السياقات الديمقراطية المتنورة للثقافة وقدرته على اقناع المقابل مع الاحتفاظ بأعلى درجات التواضع وحسن الاصغاء الى الاراء المتناغمة او المتقاطعة مع ارائه .

لقد كان (د. ماهر الحديثي) وزير الثقافة يمسك بالحقيقة كاملة حين صرح ان قتلة (كامل شياع) ارادوا قتل الثقافة . فهؤلاء القتلة اختاروا النموذج الصامت ظاهرياً والفاعل والمؤثر والمثابر على العمل بعيداً عن الاضواء ولكن قريباً وقريباً جداً من مواقع العمل والانتاج والانجاز والاغناء الثقافي . اقول وبكل يقين ان الذين قتلوا بكواتم الصوت هذا الرمز الثقافي الكبير في حياتنا يشعرون الان بالهزيمة والخذلان وبمشاعر السقوط النهائي في الهاوية لانهم القتلى ولو احياء، ولأن (كامل شياع) هو الحي النابض فينا وهو راقد في القبر . طوال ايام الاسبوع الثقافي العراقي في دمشق كان (كامل شياع) حاضراً فينا وكان دافعاً اضافياً لأنجاح هذه الفعالية المتميزة في دمشق بأعتراف المسؤولين السوريين. كانت روحه حاضرة امام اعضاء الفرقة القومية للتمثيل وهي تقدم لوحة (المصالحة الوطنية) التي صفق لها الجمهور طويلاً في (قصر العظم) يوم الافتتاح وفي بلدة الزبداني . وكان حاضراً معنا في (حلب) حين كان الشاعر (الفريد سمعان) يفتح لنا اسرار قلبه العاشق الطري رغم تراكم السنين، وحين استعاد الشاعر (محمد علي الخفاجي) الذاكرة بقصيدته الجميلة الحافلة بالوهج والشوق والحنين الى (العلم العراقي) . كان الشهيد معنا في القاعة ابان عرض مسرحية (خريف الجنرالات)، ومعنا حين اعلنت الفنانة التشكيلية (ملاك جميل) عن عرض الازياء العراقية العربية – الكوردية التي اعادت الى الذاكرة العراق الذي اراده (كامل شياع) عربياً كوردياً تركمانياً وكلدواشورياً وسريانياً فالعراق جميل حين يحمل كل الوانه الحقيقية وحين لا يتجاوز لون على اخر .

ان اغتيال (كامل شياع) دفعنا الى وصل الليل بالنهار للخروج بنجاح متألق لايام الثقافة العراقية في دمشق، وحلب، وحمص، وحماه والمدن السورية الاخرى . والسؤال بعد كل هذا هو من قتل من ؟ الجواب يقيناً ان (كامل شياع) هو قاتل الارهاب بأمتياز لأن اغتياله واغتيال امثاله من مثقفي شعبنا يزرع فينا بذرة الامل من جديد ويشعل فينا شموع العمل ويدعنا نصدق للمرة الالف ان الميلاد يركن في رحم الموت وان السنبلة حين تجف تخلق خلفها الف سنبلة .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com