|
نظرات في مذكرات الأستاذ جعفر هجول (2)
محمد علي محيي الدين وعند حديثه عن طقوس شهر رمضان المبارك ومعتقدات الحليين تناسى مسـألة هامة لا نزال نعاني من آثارها حتى الآن وهي مسألة الرؤية الشرعية للهلال فقد ذكر(وقد يبدأ الصوم منهم قبل يوم أو يومين أو ثلاثة احتراما أو ضمانا لوقوع اليوم الأول منه ضمن أيام صيامه تحسبا للخلاف الذي يحدث بسبب عدم الرؤية للهلال أو عدم وضوح الرؤيا) وجميع ما ذكره الأخ الكريم لا يمت الى الحقيقة بصلة فليس صيام الأيام الثلاثة السابقة لرمضان احتراما للشهر أو تحسبا للاختلاف في رؤية الهلال،أو ضمانا لوقوع رمضان خلالها ولذلك أسبابه الشرعية التي قد يعرفها ألأستاذ وتجاوز عنها فصيام يوم أو أكثر قبل رمضان هو أما وفاء لدين سابق أو تقربا وطلبا للمثوبة ،لأن الصوم يشترط فيه النية من الصيام والنية أما أن تكون قضاء لدين أو الصيام استحبابا وتقربا أو صيام الشك وهو قد يجزي في حالات الخطأ رغم أن التقليد في مضامينه العامة لا يحمل المكلف مسئولية اخطأ بل يتحمله رجل الدين الذي يقلده ذلك الشخص،والاختلاف في رؤية الهلال له أسبابه الكثيرة منها الاختلاف بين العلماء في أساليب الرؤيا فبعضهم يوجب الدليل القاطع بتزكية الشاهدين والتأكد من صحة موقفهم الديني وما هم عليه من ورع وتقوى وفي أحدى الأعوام رفضت شهادة شخص من المتدينين لأنه حليق اللحية فيما تقبل الشهادة لدى آخرين دون شرط وهناك مسألة وحدة الأفاق وعدالة الشاهد وطرق الرؤيا من خلال المخترعات الحديثة وهذا موضوع يطول شرحه درسناه عندما كنا طلاب علوم دينية! ويبقى الخلاف في هذه المسألة ما بقيت التفرقة بين المذاهب لتأكيد وجودها وأدامته هذه الفروق لغايات بعيدة عن الدين وقيمه السمحاء. وعند حديثه عن المشتهاية وهي من طقوس الشيعة الأمامية البحتة التي لا يشاركهم فيها جميع الفرق الإسلامية،فقد ذكر في هامش الصفحة 22 (علي (ع) أكبر وأجل من أن يشتهي من حطام الدنيا ،ولكنها كانت عن مشورة طبيبه النصراني الذي عالجه من ضربته حيث أن الماش كما يدعي الطبيب له فائدته في إيقاف النزف الدموي) وهذا الخبر يعوزه الدليل لأن الأمر المتداول شفاها بين الناس يشير الى أنه عندما ضربه أبن ملجم بالسيف ونقل الى منزله سميت لدى عامة الشيعة بيوم الجرح ويقال أنه (أشتهى) في اليوم الثاني أكلة ماش مع الرز وهذا ليس غريبا ولا يزري بمقامه أو شخصه لأنه عرف بالزهد وأن طعامه الأثير هو الخبز والبصل أو التمر أو الملح ولا يجمع أداميين في أكلة واحدة وهو من المتواتر في كتب التاريخ لذلك أشتهى في ذلك اليوم هذه الأكلة الغريبة لديه لأنه لم يدمن على أكلها سابقا تأسيا بالفقراء من الناس ،ولذلك سمي أبو الفقراء وأمام الزاهدين وما الى ذلك من ألقاب جعلته في مقدمة المناضلين من أجل الفقراء وإزالة الفوارق الطبقية والمساواة بين المسلمين وهذا هو مذهبه في الحياة وللقارئ مراجعة تاريخه في مضانه من كتب التاريخ فسيجد ما هو عليه من زهد وسماحة وعطف على الفقراء ومحاولة لإسعاد الناس وتأمين احتياجاتهم والتأسي بهم في المأكل والملبس لذا عده بعض المستشرقين من أوائل الداعين الى الاشتراكية البدائية في العالم. وعن مواكب عاشوراء أفاض الأخ الكريم بتناول هذه الظاهرة ومشاركة الجماهير الشعبية فيها وكيف أستغلها الشيوعيون للترويج لأهدافهم الوطنية الإنسانية والتفاف الجماهير حولهم لصدقهم وابتعادهم عن كل ما يشين وأورد أسماء المواكب والقائمين عليها ولكنه صفح وتجاوز الكثير وأورد نزر قليل منها ومن شعرائها وقرائها وللقارئ العودة الى ما كتبه الأستاذ عدنان الظاهر ففيه الكثير مما كانت عليه الحلى عبر تاريخها الطويل،وقد أهمل الكاتب الكثير من ممارسات وطقوس هذا الشهر وما كان عليه الناس ولعل لذلك أسبابه الوجيهة عند الكاتب لأن كتابه ليس خاصا بمثل هذه الممارسات ولكن أشارته لبعض وتجاوزه عن آخر فيه غبن للآخرين. وعند حديثه عن عيد نوروز أو الدخول أو عيد الشجرة أوعيد الربيع وما الى ذلك من أسماء ،ذكر السينات السبعة وهي التي يطلق عليها(سبع سينات) لا السينات السبعة لأن الأسم للمؤرخ مهم جدا وهناك أردوده يرددها الباعة في هذا اليوم(سبع سينات بالعانة) أي سبعة أشياء تبدأ بحرف السين تباع بعانة واحدة ،وقد ذكر مسألة(البركان) و(الشراب) جمع شربة التي يستعملها الناس للذكور والإناث وبين بعض ممارسات الناس في هذا اليوم وذكر إنهم يضعون الخضرة فيها ،والخضرة الموضوعة فيها هي لب الموضوع فقد يتصور القارئ أنهم يقتطعون شيئا من الخضرة ليوضع في تلك الأواني والحقيقة أنهم يضعون قطعة قماش مشبكه في رقبة الشربة أو الإبريق و تملأ بحبات الشعير ليرش عليها الماء يوميا وتتغذي مما ينضح من الإبريق فتخضر وترتفع وتشكل منظرا بديعا يتناسب وما يزين الإبريق أو الشربة من زخرفة ملونه ومنهم من يجعل الزرع طبقتين أو أكثر ،وهو من عادات هذا اليوم إضافة لتقلية السمسم وسبق البيض وتلوينه ووضع الحلويات في صينية واستحباب أكل السمك وأكلها عند دخول الدنيا أي عند بداية السنة باحتفالات وطقوس معروفة ولو أردنا تناول ما يمارسه الناس في ذلك اليوم لاحتجنا الى حيز أوسع وهو ما تناولناه فمفصلا في مجلة التراث الشعبي العراقية. وعند أشارته لأبناء الحلة وأديانهم وطوائفهم وقومياتهم تناسى أسر كبيرة انقسمت بين المذهبين كآل الجباوي وربيعة الذين كانوا على المذهبين وان لم يكن للتفرقة البغيضة أثرها تلك الأيام وحتى هذه الأيام التي استعرت فيها الفتنة الطائفية التي روج لها المحتلين ولكنها لم تنل من عرى المحبة لأبناء الحلة الذين لا يؤمنون بهذه التفرقة القذرة. وفي ص 45 أورد شيئا عن مؤسس حركة السلم العراقية وعلمها المعروف العلامة الجليل الشيخ عبد الكريم الماشطة وأورد شيئا مختصرا عن حياته في الهامش،وكان الأولى الشارة الى الكتاب الموسع الذي نشره الأستاذ الفاضل أحد الناجي عن الشيخ الماشطة وإسهاماته في حركة السلم وتأثيره السياسي في الحلة وقيادته للحركة الديمقراطية فيها وهو كتاب واسع يعد من أفضل ما كتب عن الشيخ الماشطة والمرجع الأساسي عنه ،وإغفاله ليس له مبرر لأن الأستاذ الناجي من أقرب المقربين الى الأخ جعفر هجول وكان عليه الإشارة لمن يريد الاستزادة عن هذا العلم الحلي العراقي الكبير. وفي ص50 أشار الى الشخصيات البارزة في المجتمع الحلي ممن شكلوا علامات بارزة في تاريخ الحلة وأسهموا في الحركة الثقافية والفكرية بما لهم من سبق وريادية في مجالات اختصاصهم وقد تناسى اثنان منهم لا يمكن لأي مؤرخ حلي تجاوزهما لأنهم شكلوا علامة بارزة في تاريخ العراق الحديث أولهم الشاعر الناثر الثائر الشيخ الدكتور محمد كهدي البصير ،والثاني أحمد نسيم سوسة العالم الكبير وصاحب المؤلفات التاريخية التي كانت ولا زالت من أكبر المراجع في تاريخ العراق وهو عضو المجمع العلمي العراقي والمجامع اللغوية العربية الأخرى وعضو مؤتمرات المستشرقين ومن أشهر أساتذة الجامعة العراقية. ولو كان ألأخ الكريم مطلعا على كتاب الأستاذ عامر تاج الدين الأحزاب والحركات السياسية في الحلة قبل طباعة كتابه هذا لاستفاد منه،وأورد أسماء أخرى لها تأثيرها في الحركة الوطنية،ولكن يبدو أنه لم يطلع عليه قبل طباعة كتابه فقد كانت هناك وجوه أسهمت بشكل مميز في النشاط السياسي والاجتماعي والثقافي لراغب المزيد الاطلاع على الكتاب المذكور. وقد أورد أن ثورة 23 يوليو تموز المصرية قد حدثت سنة 1952 والصحيح 1953 ولعله من أخطاء الطبع. وفي ص55 ذكر أن الحلة أكتنفها الوجوم لإعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي فهد وحازم وصارم،والحقيقة أن الوجوم لم يكن وحده لهذا العمل الجبان فقد نظمت مذكرة موقعة من مئات الأشخاص تطالب بتخفيف حكم الإعدام الصادر بحق القادة العراقيين وقد قام الشهيد كاظم الجاسم على ما حدثني الراحل الشيخ أحمد العبد الله بجمع مئات التواقيع ابتداء من ناحية السنية وانتهاء بقرية البو شناوة بناء على طلب الحزب لتقديمها مع تواقيع الآخرين لإيقاف الحكم أو تبديله وفعلا أمام الضغط الشعبي والخارجي أضطر النظام الملكي البغيض الى إلغاء الحكم وقد صدر الحكم ثانية بعد إلقاء القبض على الخائن مالك سيف والعثور على رسالة من الخالد فهد لدى يهودا صديق مما أتخذ ذريعة لتنفيذ الحكم بحجة ممارسته العمل السياسي وهو في السجن واستغلال الأحكام العرفية بعد نكبة فلسطين عام 1948،وهو ما ذكرته في مقالي عن الشهيد المنشور في المواقع الالكترونية. وعن انتخابات عام 1954 يضاف الى ذلك أن السلطة رغم ما ذكر ما قامت به من ممارسات للتزوير والترهيب والتلاعب بالنتائج قامت بمهاجمة المسيرة الانتخابية التي قادها العلامة الماشطة وألقت القبض عليه وحوكم من قبل القضاء العراقي في يوم مشهود حضره الآلاف مما جعل القاضي يبرأ الشيخ مما نسب إليه بعد أن تطوع للدفاع عنه أشهر المحامين الديمقراطيين القادمين من بغداد ونزاهة القاضي الذي لم يرضخ لنداء السلطة بالحكم على الماشطة واستجاب لنداء العدالة والقانون. ولعلي أوافق الكاتب على كل ما ورد في كتابه عن الحلة وأحداثها إلا حادثة مقتل ناصر حسون الخلف على يد مجيد العذاري وزوجته وأقول رفقا بأعراض الناس فهذه أمور طواها النسيان وفي استذكارها تذكير بحادثة تجلب العار على مرتكبيها ولعل لهم أبناء أحياء يجللهم العار بما أرتكب أبائهم من جرم ليس لهم يد فيه لأن الحوادث الشفاهية يتناساها الناس وإذا أرخت في كتاب تبقى خالدة لا يمكن نسيانها وتجاوزها لأجيال،أما إيراده لمقتل إبراهيم عبدكه فهو من الجميل الرائع الذي لا يؤاخذ عليه ففيه العبرة والفائدة لأن مصير القاتل القتل لا محالة ،وعكس من خلاله الأخلاق التي يتحلى بها صناديد الرجل وشجعانهم في تقدير البطولة في رفضه أقامة الدعوى على قاتله لأنه طالب بحق بأخذ الثار منه لأنه كان قاتل أبيه،فما أحرى لصوص وقتلة هذه الأيام أن يتحلوا بأخلاق القتلة الرجال من أمثال إبراهيم عبدكه . وأورد في ص80 وما بعدها معلومات قيمة عن أسهام مدينة الحلة في الحركة الثقافية والفنية من خلال أنشاء سينما الفرات الصيفي التي كانت الأولى من نوعها في الفرات الأوسط،وأنشأتها أسرته الكريمة والسادة من آل القزويني الذين كانت لهم زعامة الحلة الدينية والاجتماعية وهم وجوهها وسادتها المحترمين ولهم عبر تاريخ مدينة الحلة تاريخ مذكور لقرون بوصفهم أسرة دينية علمية لها تأثيرها الاجتماعي والأدبي على الأسر الحلية الأخرى وتعدت شهرتها الحلة لتجاوزها الى بغداد والنجف وسابقتهم العلمية والاجتماعية كانت وراء سعيهم للتجديد واللحاق بركب الحضارة الإنسانية من خلال أنشاء دور السينما التي كانت معلما من معالم التقدم في ذلك الوقت ،وهذا الجانب الفريد جعل أبناء النجف رغم ما أظفوا على أنفسهم من صبغة دينية يتوجهون أسبوعيا الى الحلة لمشاهدة الأفلام التي تعرضها السينما وكانت زيارة الخميس للنجفية للحلة تزيد بضخامتها على الزيارات الأخرى لهذه الليلة فكانت السيارات تزيد على العشرات والوافدين يزيدون على المئات لمشاهدة الأفلام التي تدخل في باب التقدم والحضارة بعد أن حموا منها بسبب نظرة رجالهم الى السينما وتحريمها في الوقت الذي يهرع أبنائهم لمشاهدتها ما يبين نوع القطيعة بين الفكر المفروض والتطلع المشروع للشباب ويوضح بشكل جلي أن رجال الدين وسادة الحلة تقدميون حضاريون وليس مثل الآخرين يحاولون الوقوف بوجه التقدم والوعي ،ويوضح الفرق بين رجال يظهرون تدينهم وتزمتهم وهم يسعون للأنس والبهجة وآخرين أصدق نمنهم يمارسون عملهم في وضح النهار والفرق واضح بين المدلس من أولئك والصادق من هؤلاء. وفي ص82 ذكر أن آل الصحاف من أهالي الحلة وهذا شيء فيه الكثير من المبالغة ،فهذه الأسرة ضئيلة العدد قليلة الشأن ثبتت شهرتها من خلال أبنها محمد سعيد الصحاف العلج البعثي المعروف الذي تنكر لحليته وانتمائه المذهبي وأنصرف لخدمة البعث سيدا ومدينة ودين وقد منع أحدى الأغاني التي كانت في وصف مدينة الحلة خشية اتـهامه بالميل لمدينته،فيما تناسى المؤلف أسر لها أثرها ووزنها في المدينة سواء بين الوجوه أو التجار أو المثقفين مثل ىل عوض علماء الحلة وشعرائها وأدبائها لقرون عدة وآل علوش الأسرة الحلية الكبيرة والمعروفة بمثقفيها وتجارها وسياسييها وآل الجباوي بمختلف أقسامهم وآل الماشطة الذين لهم شهرتهم في المجالات المختلفة وغيرهم الكثير فيما أورد أسماء لأسر ليست لها المكانة التي هي للأسر التي أهملها. وقد أشار في ص95 إلى أن هذه الأنباء نشرت في جريدة الفرات الأوسط السرية الناطقة بلسان منظمة الفرات الأوسط للحزب الشيوعي والصحيح أنها جريدة صوت الفرات التي درت سرية وعلنية وكان يرأس تحريرها شهيد حزبنا الشيوعي العراقي البطل حسن عوينة ويعمل في أدارتها الكثير من أبناء الحلة ممن هم على علاقة طيبة بالكاتب. وفي الصفحات 95-96 أشار للمظاهرة الكبرى التي نظمها وقادها باقتدار الشيوعيين العراقيين الى جانب بعض التجمعات السياسية الأخرى،وقد ذكر في النهاية أن شقيقه الراحل جاسم هجول كان ينتظره في مقهى سيد شاكر للتأكد من سلامته،والمعروف أن الراحل كان من أوائل البعثيين وقادتهم في الحلة فكيف له الجلوس في المقهى بانتظار شقيقه ،ورفاقه وجماهير حزبه –أن كان لهم جماهير- تشارك في أكبر مظاهرة للدفاع عن القضايا القومية التي ارتدى البعث لباسها،أن هذا يعني -في رأيي على الأقل- أن البعث لم يكن مشاركا في المظاهرة بدليل ابتعاد قياديه عن المشاركة فيها،وهذا يعني أن البعث لا وجود له في التظاهرة ولم يشارك فيها وأن زج أسمه ضمن تشكيلاتها لأنه لا يحضا بالجماهيرية في تلك الفترة أن أسمه خلق من قبل الشيوعيين بعد أن ناصبهم العداء وجعلوا يرددون أسمه في مظاهراتهم وبياناتهم مثل (تسعه بالشهر ماتوا البعثية) و(اتحاد فدرالي والبعثي جوه نعالي )و0ماكو مؤامرة تصير موتوا يبعثية) وما الى ذلك من هتافات كانت رائجة بعد ثورة تموز وجعلوا أسمه كبيرا وأن كان حضوره صغيرا. ومن خلال حديثه عن جبهة الإتحاد الوطني وضع البعث في الدرجة الثانية بعد الحزب الشيوعي وقبل الوطني الديمقراطي والاستقلال ،وإذا كان الترتيب حسب الحجم والتأثير فالبعث لا يمتلك ما يمتلكه ذينيك الحزبين وأن كان على أساس القدم فالبعث أحدث تشكيلا منهما والمعروف أن الحزبيين المذكورين لهم سابقة في النضال السياسي قبل تأسيس البعث ناهيك عن دخوله للعراق،والغريب أنه عندما تحدث عن الجبهة جعل مصدره مذكرات الرفيق الراحل معن جواد (أبو حاتم) وكان الأولى العدة الى البحر الكبير عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي لأنه الأصل والتاريخ المعتمد للحزب وما فيه أكثر أمانة مما لدى الآخرين. وتحدث عرضا عن إلقاء القبض على قيادة منطقة الفرات ومنظمة الحلة في بيت محمد الحياوي في منطقة المهدية ،وكان عليه العودة لمذكرات باقر إبراهيم المطبوعة والتي احتوت على تفاصيل أكبر وأكثر شمولية أو مذكرات حسين سلطان لا استنادا الى مذكرات الراحل معن لأن أولئك هم المعنيين بالأمر وهم شخوص الحدث. وتحدث عن اليوم الموعود صبيحة الرابع عشر من تموز 1958 وأورد حقيقة هامة مر عليها مرور الكرام حيث عثر شقيقه على النشرة السرية المنبئة بحدوث الثورة،مما يعني أن البعث لا يعلم بالثورة أو ساعة انطلاقها وبالتالي يثبت رغم ما ثبت سابقا أن الشيوعيين لوحدهم كانوا على علم بالثورة والتنسيق مع ضباطها العراق أو بالأحرى اللجنة العليا التي نفذت الثورة،بدليل تهيؤ جماهيرهم للإسهام فيها وإسنادها والمشاركة فيها ومواجهة ردود الأفعال المحتملة ضدها،وبالتالي فأن مشاركة الآخرين التي أشار إليها كانت مجارات للشيوعيين لا عن معرفة أو تخطيط مسبق. وفي ص 106 ذكر تشكيل حكومة الثورة من أحزاب جبهة الاتحاد الوطني وأقحم أسم الفقيدة الراحلة نزيهة الدليمي ضمن وزرائها ،والحقيقة أن الحزب لم يشارك في الحكومة بوزير رغم أنته قائد الثورة بسبب المعارضة التي جوبه بها من المشاركين بالثورة وتآمر الأحزاب التي في الجبهة تحت أعذار وحجج ليس هذا مجال تناولها،وقد أشرك الحزب في الوزارة بشخص الرفيقة نزيهة الدليمي بعد مظاهرة الأول من أيار المليونية عام 1959 عندما رفع شعار مفاجئ دون علم قيادة الحزب (حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيم) مما جعل قاسم مجبرا على أشرا الحزب بعد المطالبة الجماهيرية التي جاءت عفوا دون تخطيط مسبق. وعند تطرقه الى الراحل على هادي وتوت ومحاولته الانتماء للحزب الشيوعي وكيف تلقفه البعثيين بعد ذلك وأشار في الهامش عما يشاع عند وفاته بأن صدام دس له السم لأنه (شيعي وسيد وبرتبة كبيرة) وأنا أنزه قلم أخي الكريم عن التطرق لمثل هذه السفا سف التي أشاعها الطائفيون وأؤكد له أن علي هادي وتوت لن يقتل بالسم لأنه لا يمتلك أي تأثير في وقته ولكنه مات غما وكمدا لما أرتكب من جرائم بحق الشعب عندما أستغله البعثيون وهو منهم وكان على علاقة خاصة ومتميزة بأحمد حسن البكر بعد الثورة وقبلها وقد عين رئسا لمحكمة الثورة وعلى يديه جرى تصفية الكثير من الأبرياء تحت واجهة التجسس التي لم تثبت صحتها لحد الآن ثم عين آمرا للانضباط العسكري وهو منصب رفيع يعادل وزير وله سلطات استثنائية في الاعتقال والحجز وكان فعلا وراء اعتقال الكثير من رفاقهم وقادة البعثيين وتصفيتهم ،وعين بعدها مديرا لحوانيت الجيش ورفض المنصب ليبقى معززا في بيته يتمتع بمميزات المنصب دون أن يشغله حتى ذهاب البكر ومجيء صدام وقد قتل أحد أبناءه في الحرب العراقية الإيرانية ولم يحزن عليه لأنه مات شهيدا ،ولذلك فقد مات هما وكمدا لخيبته في الحصول على مكان أرفع بعد الخدمات الجلى التي قدمها للبعث وجعلته بغيضا الى الآخرين. ورغم أنه وسط الأحداث إلا أنه لم يشر من قريب او بعيد الى مؤامرة الشواف والإنذار الحزبي الذي حدث قبلها بعد ورود أنباء عن تحركات معادية للحزب يقف ورائها البعثيين والرجعيين والظلاميين،والدور القذر لزعيم القومية العربية جمال عبد الناصر في دعم الانقلاب والإسهام به وما رافق ذلك من أمور مهمة كمسيرة أنصار السلام وبدء التآمر على الحزب وما الى ذلك من أحداث. وذكر في ص 133 عن تعينه في مدرسة كشر وإسهامه في أعداد جيل من أبناء فقراء الفلاحين وأعداده تربويا يتناسب مع ثقة الثورة وتربيتهم التربية الوطنية التقدمية،أقول لقد تحولت هذه المدرسة والقرية والعشيرة الى بؤرة للبعثيين وتخرج منها عشرات القتلة والسفاحين البعثيين ممن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين وسميت بقلعة البعث لما عرف عن أهلها من تفان واندفاع لنصرة البعث عبر تاريخه وكانت من أهم القرى المشمولة برعاية البعثيين لسابقتها ولا أدري كيف أنشأهم الأخ الكريم وطنيا وقد تخرج منها أجيال من القتلة والسفاكين والغريب أن علي إبراهيم(الدكتور حاليا) كان معلما في مدارسها وهو عضو لجنة مركزية حاليا ولم يتمكن أبناء هجول من تنظيم شيوعي واحد في هذه القرية العاصية. وعندما تطرق الى الإسهام في انتخابات نقابة المعلمين أورد معلومات مبتسرة وقليلة وكان عليه الإشارة لما كتبه صديقه عدنان الظاهر بوصفه المرشح والناشط في تلك انتخابات وكيف أعتدي عليه وأصيب بجروح ،وللقارئ مراجعتها على موقع الدكتور في الحوار المتمدن ففيها تفصيلات وافية. وفي ص 161 أشار الى الانقلاب الدامي في شباط الأسود عام 1963 والظروف التي مر بها ولكنه لم يشر من قريب أو بعيد الى سفاح الحرس القومي وقائده في تلك الفترة والذي أرتكب أبشع الجرائم بحق الحليين وأفعال يندى لها الجبين وما حدث له بعدها وكيف سجن ولماذا سجن وأنا أكراما له لا أذكر أسمه لأنه من أصدقائه المقربين ويعرفه أبناء الحلة جيدا. ومن أجمل ما ورد في الكتاب والذي علينا أن نجعله درسا هو أن البعثيين بعد انقلاب عبد السلام عليهم كانوا من المهيمنين على الجامعة المستنصرية لهم كلياتهم الخاصة بهم ولكن يد عبد السلام القذرة لم تجتث هؤلاء من أصولهم ،ولم يقبل جعفر هجول في المستنصرية لأنه شيوعي ولأن البعثيين أصحاب الحول والقوة فيها ،وهذا يجري الآن بعد سقوط صدام فقد عاد البعث من جديد وهيمن على الكثير من الوزارات والمؤسسات وأصبح لأبنائه اليد الطولى في أدارة البلد لغباء الحكام الحاليين واستعانتهم بهم لافتقارهم الى الخبرة والممارسة وبدء البعث بممارسة أعماله بطرقه الخبيثة بتقديم أبناء البعثيين على لآخرين وهيمنتهم على دوائر الدولة وهو نفس الدرس الذي لم يتعظ به حكام العراق سابقا بالإبقاء على ذيول البعث التي تتمدد وتتمدد حتى تسيطر وأن غدا لناظره قريب. وفي الختام لا يسعني إلا الإشادة بما كتبه الأخ الكريم وما وثقه من حوادث وأحداث أسهمت بشكل أو آخر في كتابة تاريخ الحلة وأن ما ذكرته لا يغض من قيمة الكتاب وأثره وتأثيره لما فيه من محطات رائعة وأحدث جميلة ولمحات تستحق الإشادة والتقدير،والشكر الجزيل لأستاذ جعفر على هديته والى اللقاء بعد طبع الجزء الثاني من المذكرات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |