المادة الثانية من الاتفاقية الأمنية تفويض على بياض للإحتلال الأمريكي

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com 

لا تذهب أبعد من الصفحة الأولى من الاتفاقية الأمنية، وبعد سطور فقط من ديباجتها، ومن دون بذل جهد كبير، أو تمحيص دقيق، ولا حاجة لأن تكون مختصاً بالعلاقات الدولية والقانون الدولي أو  خبيراً بصياغة الاتفاقيات والمعاهدات، حتى تكتشف أول ثغرة في الاتفاقية الأمنية، يستطيع الأمريكيون النفاذ منها إلى أي بقعة من أرض العراق، بل كل العراق لو أرادوا.

أقصد على وجه التحديد المادة الثانية، وموضوعها: تعريف المصطلحات، ولعلكم تتساءلون كيف انشقت مادة تعريف المصطلحات عن ثغرة كبيرة تكفي لابتلاع العراق برمته؟ وبدوري أوجه هذا السؤال لوزير الخارجية العراقي وخبراءه ومستشاري مكتب رئيس الوزارة الذين قالوا للشعب العراقي بأن المعاهدة تحفظ سيادة واستقلال العراق؟ فهل من المعقول أن يتغنى فلكي بالقمر وهو يعرف جيداً بأنه أقبح من وجه مجدور؟

تنص الفقرة الأولى من المادة الثانية على ما يلي: (المنشآت والمساحات المتفق عليها: هي المنشآت والمساحات المملوكة لحكومة العراق التي تستخدمها قوات الولايات المتحدة أثناء فترة سريان مفعول هذه الاتفاقية. تقدم قوات الولايات المتحدة إلى حكومة العراق، فور دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، قائمة بجميع المنشآت والمساحات المستخدمة من قبل قوات الولايات المتحدة اعتباراً من ذلك التاريخ، وذلك للمراجعة عليها من قبل الطرفين وموافقتهما عليها كذلك في تاريخ لا يتعدى يوم 30 يونيو/ حزيران 2009، وتشمل المنشآت والمساحات المتفق عليها تلك التي تجوز إتاحتها إلى قوات الولايات المتحدة خلال فترة سريان مفعول هذه الاتفاقية لأغراض هذه الاتفاقية حصرياً، ووفقاً لما يتفق عليه الطرفان فيما بينهما)  

لو شبهنا العراق بمنزل كبير، ويريد أجانب استعمال عدد من حجراته، فاجتمع ممثلان عن الطرفين للاتفاق حول ذلك، وتمخض اجتماعهما عن اتفاق مكتوب، ولكن هذه الوثيقة الأساسية بين صاحب المنزل العراقي وممثل هؤلاء الأغراب أغفلت ذكر الحجرات التي سيستعملها هؤلاء الأغراب، واشترطت أن يتفق عليها فيما بعد، مما يمنح الأغراب ميزة طاغية، فهل يعتبر هذا اتفاقاً متكاملاً بين طرفين متكافئين؟ 

  تصوروا إتفاقية أمنية يراد منها تنظيم استمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق، ولكنها لا تبين أماكن تواجدهم، لا في المتن ولا في ملحق، بل ترجؤ تحديد ذلك إلى موعد لاحق، فالمطلوب من العراق التوقيع على الاتفاقية الآن، ثم "فور دخولها حيز التنفيذ"، أي الأول من كانون الثاني 2009م، ستقدم أمريكا قائمة بالمنشآت والمساحات التي تريدها، وأمام العراقيين مهلة حتى آخر حزيرا ن من العام القادم "للمراجعة عليها" واعتمادها، وفي تقديري فإن هذه الفقرة من المادة الثانية وحدها تخل إخلالاً جسيماً باستقلال وسيادة العراق، وتتعارض مع السلطات التشريعية للمجلس النيابي العراقي باعتباره السلطة المختصة بإعتماد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وكما هو مبين في الملاحظات التفصيلية التالية على هذه الفقرة:

·        تفرض الفقرة الأولى من المادة الثانية على البرلمان العراقي منح الحكومة الأمريكية تخويلاً مفتوحاً لتطلب المواقع التي تريد انتشار وتواجد قواتها فيها، كما تفوض الحكومة العراقية الموافقة عليها من دون الرجوع للبرلمان.

·        شمول التخويل المفتوح لمنشآت ومساحات أخرى غير تلك المتفق عليها قبيل نهاية حزيران 2009م، والتي يجوز لحكومة أمريكا طلب إتاحتها لقواتها فيما بعد.

·        بحكم هذه الفقرة تكون موافقة الطرف العراقي على المنشآت والمساحات المبينة في الطلبات الأمريكية تلقائية أو شبه تلقائية، إذ يقتصر دور الطرف العراقي على "مراجعتها" و"الموافقة" عليها، وفقاً لما تنص عليه الفقرة، وبتاريخ زمني محدد.

·        كان لزاماً تحديد أماكن تواجد القوات الأمريكية في المعاهدة أو ملحقاتها، لكنها بدلاً من ذلك أرجأتها إلى تاريخ لاحق، وهو أمر غير مبرر، إذ لا يوجد ما يقتضي تعاقب هذين الأمرين زمنياً، أي اعتماد الاتفاقية أولاً ثم يليه تحديد أماكن التواجد، وكان باستطاعة الطرف الأمريكي تقديم قائمة بهذه الأماكن في مرحلة التفاوض حول الاتفاقية، وقبل مناقشتها واعتمادها، لذا فالقصد الوحيد من ذلك هو حرمان البرلمان العراقي من الاطلاع على الأماكن التي سيطلبها الطرف الأمريكي، مما يرجح وجود سوء النية لدى الطرف الأمريكي، كما يتحمل الطرف العراقي المفاوض المسئولية الكاملة عن تمرير هذا الأمر.

·        كان من المفترض أن تعرف المادة الثانية المقصود بـ"المنشآت والمساحات"، لكنها بدلاً من ذلك تطرقت إلى القائمة التي سيقدمها الطرف الأمريكي، لذا فقد خلت الاتفاقية من تعريف لهذين المصطلحين الأساسيين بالنسبة للإتفاقية، مما يترك المجال مفتوحاً لشتى التفسيرات، والتي من المرجح أن لا تكون لصالح الطرف العراقي، ونتساءل ما المقصود بالضبط بكلمة المساحات؟ وأغلب الظن بأنها ترجمة للكلمة الإنجليزية areas، ومن الممكن تأويلها بأنها مساحات من الأراضي العراقية وليست مواقع محددة، فهل هنالك ما يمنع من مطالبة الطرف الأمريكي بمساحة تمتد على طول الحدود العراقية- الإيرانية أو غيرها من المساحات ذات الحساسية الشديدة بالنسبة للأمن الخارجي والداخلي للعراق؟ ولا يحق للطرف العراقي في هذه الحالة سوى "مراجعة" الطلب الأمريكي والموافقة عليه ضمن المهلة الزمنية المحددة، ولو حدث خلاف بين الطرفين حول هذه المواقع أو المساحات فلا تعترف الاتفاقية الأمنية بحق الطرف العراقي في رفض الطلبات الأمريكية.

·        من البديهي أن  تتضمن مادة التعاريف معاني المصطلحات الهامة المستعملة في الاتفاقية لئلا يختلف حول تفسيرها فيما بعد، لذا يعتبرإدراج موضوع القائمة التي سيقدمها الطرف الأمريكي بعد اعتماد الاتفاقية ضمن هذه المادة خروجاً على قواعد صياغة مثل هذه الوثائق ذات الصبغة القانونية، أو شبه القانونية، ومن الواجب إفراد موضوع القائمة في مادة مستقلة، خاصة بذلك، لا ضمن التعاريف، ومع الأخذ بالاعتبار أن معديها من الطرفين خبراء متمرسون، يحق لنا التساؤل إن كان ذلك مقصوداً لصرف الإنتباه عن قائمة المنشآت والمساحات، والتي تعد من أركان الاتفاقية.

 يتأكد من هذا التحليل لمضمون ومدلولات المادة الثانية إخلال الاتفاقية الأمنية بمبدأ المساواة بين طرفيها، وترجيحها للطرف الأمريكي، وغبنها الفادح للطرف العراقي، نتيجة عدم شمولها على تحديد "المنشآت والمساحات" التي ستتواجد فيها القوات الأمريكية، وإرجاءها إلى ما بعد الإعتماد، مما يعطي الطرف الأمريكي ميزة كبرى، ويحرم البرلمان العراقي من ممارسة سلطته الدستورية بمناقشة أماكن هذه القوات، وعدم إقرارها إذا رأى مصلحة للعراق في ذلك، كما أغفلت المادة تعريف مصطلح "المساحات" بصورة واضحة ودقيقة، مما يفتح المجال أمام الطرف الأمريكي لتأويلها بما يتناسب مع مصالحه، ولهذه الأسباب وحدها، والتي تنبثق من مادة واحدة في الاتفاقية الأمنية، نستنتج وجود سوء نية وأغراض خفية لدى الطرف الأمريكي، وبالتالي فالطرف الأمريكي غير جدير بثقة الطرف العراقي، مما يحتم على البرلمان العراقي رفض إبرام أي اتفاقية أمنية مع الطرف الأمريكي، والمطالبة بإنسحاب كامل وسريع وغير مشروط لقوات الإحتلال والتحقيق في إحتمال ضلوع وزارة الخارجية العراقية والوفد المفوض في التضليل المتعمد للحكومة والبرلمان العراقي.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com