المطر يغسل العراق

 

فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدي

نائب رئيس هيئة النزاهة/ ماجستير في القانون

farisalajrish@yahoo.com

بعثت لنا الرحمة الالهية بالمطر ، بعد سنوات من اللامطر ، جلست على الشرفة اراقب المطر ينهمر بغزارة ويغسل العراق ونخيله وازقته ودروبه ، فاليوم يوم عرس المطر في العراق .

 أية ذكريات يبعثها المطر وتقلبها البروق، نفس الشذى القديم للعراق الازلي حملته نسمات المطر ، شذى الديم والنخيل وأشجار البرتقال والرازقي  ، تذكرت طفولتي ، بل طفولتنا نحن العراقيون جميعاً، حينما كان المطر ينهمر وينهمر حتى تغرق دروبنا وأزقتنا ويفيض الشط ، تذكرت الجزمة والقناع والكفوف والقبوط ،  كنا نركض ونركض ونرفع الشمسيات في مواجهة المطر ونحن نتسابق في طريق الذهاب الى المدرسة او حين نعود للبيت وقد غطى الطين جزماتنا والملابس ، نعم كان المطر مشكلة لامهاتنا يرحمهن الله .....

هل صادفتم المطر في يوم رفع العلم ... كان مدير مدرستنا في مدرسة الجمهورية الابتدائية في الحلة يصر على رفعه رغم سوء الاحوال الجوية بعد ان يصفنا تحت الشرفات لان المطر لم يكن يتوقف في شتاء العراق، وكنت انا من فريق رفع العلم ، فكنا نرفعه رغم المطر.

 كان جدتي تردد مثلاً قديما ذو مغزى ... يحكى ان قطرة المطر اذا سقطت في قلب وردة تحولت الى عطر فواح وان سقطت في  فم افعى تحولت الى سم زعاف .. الله  ما اعجب المطر ، يسقط على رؤوس العراقيين فيثير فيهم الشجون والقصائد والحنين ، ويسقط على رؤوس اعدائهم فيزيدهم سماً وحقداً على ابناء الرافدين، فهل يتعظ المتعظون . 

وحينما كان المطر ينزل شحيحاً في ذلك الزمن الذي ولى، كنت اسمع والدتي تقول... خير ... خير إنشاء الله، فأتصور الخير كله في سقوط الصنم، واحلم بالعراق الجديد.. عراق المطر الغزير القادم .

 سقط الصنم ولكن المطر بقى شحيحاً ؟ فكيف قبلنا بشحة المطر في العراق بلد الخيرات والمطر منذ الازل.

اليوم تبللت كردستان ونينوى وبغداد وصلاح الدين وديالى والانبار والحلة والعمارة والبصرة وكل مدن عراق المحبة حتى تخيلت السياب  يفيق من غفوته الابدية مبهوراً ليعيد كتابة انشودة المطر بلحن جديد... مطر .. مطر .. متى يستقر العراق؟

يا أصدقاء طفولتنا من العرب والكرد والتركمان من المسلمين والمسيحيين والصابئة ومن الشيعة والسنة وكل طوائف العراق .. تذكروا جميعاَ كيف كان المطر يوحدنا.. يوحد ملابسنا .. يوحد العابنا الصبيانية .. يوحد أمهاتنا .. يوحد قلوبنا.

ايها المطر اشتد واشتد وأملأ السهول والوديان والجبال بالمطر ، ولكن لا تغرق العراق ، لان العراق لا يغرق وما برح اطفاله يرفعون العلم ويلعبون تحت المطر.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com