|
لا تقحموا المرجعية في نفاقكم السياسي
علي الأركوازي يشعر المرء بالغثيان كلما رأى قادة العراق الجدد يهرعون الى النجف الاشرف في كل صغيرة وكبيرة للاستئناس برأي المرجعية المتمثلة بالسيد علي السيستاني وكأن السيد الجليل هو ولي امر المسلمين والحاكم بأمره في العراق . ان الدستور العراقي الذي صوت عليه غالبية الشعب العراقي قد اكد على ان الاسلام دين الدولة الرسمي و هو مصدر اساس للتشريع ثم اعقب ذلك ببند آخر على ان لا يسن اي قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام , كما اكد على انه لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية , ولم نسمع او نقرأ في مواد الدستور على ان هناك سلطة دينية من حقها ان تبت في القرارات المصيرية المتعلقة بالعراق او ان يكون رأيها هو الفيصل في اتخاذ القرارات سواء كانت تلك القرارات او القوانين داخلية او خارجية , فلماذا يتم تجاهل ارادة الشعب والمتمثلة بالبرلمان ويشد قادتنا الرحال الى ارض النجف ؟ . لو عدنا الى ذلك التناقض الكبير في مواد الدستور والمتعلقة بالاسلام والديمقراطية نجد ان هناك مساحة كبيرة قابلة للتصادم بين المفهومين فثوابت الاسلام لا يمكن ان تلتقي مع ثوابت الديمقراطية فبينما الاسلام من ثوابته التوحيد والمعاد والنبوة نجد ان الديمقراطية الحقيقية لا تجبر احدا على ان يؤمن بتلك الثوابت الاسلامية , كما ان العراق كدولة كائن اعتباري لايمكن تحديده بدين معين حتى لو كانت الاغلبية تعتنق هذا الدين لانه يجب ان يكون معبرا عن جميع طوائف الشعب , وتوصيفه بدين معين فيه تجاهل لقطاعات كبيرة داخل الشعب ودعوة للطائفية والتفرقة وهو ما يؤدي في النهاية الى انحياز الدولة للطوائف التي تدين بدين الدولة حتى لو ادعت الدولة وتظاهرت بغير ذلك , ولا نعتقد بأن من شارك في كتابة الدستور قد فات عليهم هذا الامر لكن مبدأ التوافق الذي تم على ضوءه تقسيم كل شيئ في العراق الجديد حدا بالاسلاميين الى ترضية العلمانيين , وتم تمرير الدستور والتصويت عليه في فترة حرجة من تاريخ العراق جعلت من رفض الدستور رفضا للنظام الجديد وتأييدا للنظام السابق شأنه شأن الكثير من القرارات والقوانين التي اجبر المواطن على الموافقة عليها على مبدأ "مجبر أخاك لا بطل". نحن نكن للسيد السيستاني كل تقدير واحترام والرجل قد اوضح بما لا يمكن لاحد نكرانه بأنه مع كل ما فيه خير للعراق وشعبه ومواقفه كانت حيادية الى حد بعيد ووقف في اغلب المسائل التي زج فيها من قبل السياسيين على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب العراقي , كما انه كان من اوائل الذين دعوا الى اجراء انتحابات حرة ونزيهة بعد تحرير العراق من النظام السابق , كما لا يمكن ان ننسى بأنه قد امر بأن لا يُقحم او يزج بأسمه لصالح اية جهة سياسية داخلة في العملية الانتخابية , وهويشكر على تلك المواقف , لكن الغريب في الامر هو ما بدأنا به كلامنا وهو موقف القيادات الجديدة وسباقهم على من يصل الى السيد السيستاني اولا في عملية نفاق سياسي واضح , والأمّر من ذلك هو دخول العلمانيين الذين كنا نعول عليهم الكثير لاخراج العراق من النفق المظلم الذي يُراد له ان يدخله ليكون دولة لولاية الفقيه على شاكلة النموذج الردئ في ايران في السباق نحو النجف . ترى ماهي دوافع كل جهة من تلك الجهات سواء كانت قيادات اواحزاب اوشخصيات في العراق الجديد الى الزج بالسيد السيستاني في الامور السياسية وعند اتخاذ القرارات المصيرية متجاهلين عن عمد وجود البرلمان الذي من حقه دستوريا مهمة تشريع القوانين والمصادقة على المعاهدات الدولية , ومن خلال متابعتنا للوضع العراقي نستطيع ان نلخص تلك الدوافع في نقاط نجتهد فيها ونلخصها فيما يلي: اولا – قوى واحزاب سياسية فقدت رصيدها الجماهيري ( على فرض انه كان لها رصيد ) تريد من خلال التمسح بعباءة المرجعية الدينية ان توهم الشارع العراقي بأن المرجعية تساندهم وتدعمهم مستغلين ولاء واحترام غالبية الشعب العراقي لرجال الدين عموما و للمرجعية الدينية في النجف الاشرف خصوصا . والغريب في امر تلك الاحزاب ان اسم السيد السيستاني لم يكن ضمن ادبياتهم الحزبية ايام المعارضة بل على العكس كان الكثير منهم يُشكك في زعامة السيد السيستاني وتصدية للمرجعية بعد وفاة السيد ابو القاسم الخوئي في اوائل التسعينيات من القرن الماضي , كما شككوا في اعلميته التي هي احدى ابرز الشروط الواجب توفرها في من يتصدى للمرجعية حسب الفقه الشيعي وكان ولاء قيادات تلك الاحزاب للمرجعيات الايرانية في قم وطهران , فما عدا مما بدا . ثانيا – اشتداد حدة التنافس بين اقطاب الائتلاف العراقي الموحد وتقاطع مصالحهم وخلافاتهم التي تزداد يوما بعد آخر تدفع الاحزاب المنضوية تحتها الى التسابق لنيل رضا المرجعية ليسجل احدهم انتصارا على حساب الآخر , والمتابع لتصريحات اتباع الدعوة والمجلس وتيارات الصدر والجعفري والفضيلة والرساليون يجد ان اسمى غاية لهم هو مباركة المرجعية لخطواتهم , ونرى زياراتهم المكوكية الى النجف الاشرف ولقائهم بالسيد السيستاني وما يرافق ذلك من تسخير اعلامهم لابراز تلك الزيارات مع انهم يعلمون جيدا ويعلم ابناء الشعب كذلك بأن السيد السيستاني لا يمثل لاغلبهم اي شيئ بل انه يعتبر العدو اللدود لبعض تلك التيارات وكلنا نتذكر تهديدات التيار الصدري له وطلبهم منه ان يترك العراق خلال 48 ساعة بعد ايام من تحرير العراق , ناهيك عن بعض الاحداث التي تضعهم في احيان كثيرة في مواقف لا يحسدون عليها منها ما كان في نهاية شهر رمضان هذا العام وتحديد يوم عيد الفطر عندما اجمع المراجع الكبار في النجف وقم وطهران على ان يكون الاربعاء اول ايام العيد الا السيد السيستاني الذي رأى ان الخميس هو اول ايام العيد مما وضع اقطاب الائتلاف في ورطة رأيناه بوضوح في التخبط الاعلامي على الاقل عندما لم يعرفوا ما يصنعوا هل يُعَيدون الاربعاء فتنكشف ولاءاتهم الحقيقية لمراجع قم وطهران ام الخميس مع السيد السيستاني الذي يسبحون بحمده آناء الليل واطراف النهار , وللاسف لم نعلم اي اليومين اختاروا ...... ثالثا – تيارات علمانية يأست من اللجوء الى الديمقراطية المزعومة في العراق لنيل حقوقها فألتجأت الى المرجعية لعل وعسى ان يكون موقفها مساندا وداعما لهم وعلى رأس تلك التيارات تأتي الاحزاب الكوردية , لذا رأينا الرئيس الطالباني والسيد نيجرفان البارزاني والدكتور برهم صالح وغيرهم يطرقون باب المرجعية مع علم اولئك بأن المرجعية كانت الجهة الاولى التي اعلنت رفضها لمطالب الكورد والمتعلقة بالفدرالية كأساس لنظام الحكم في العراق ومسألة كركوك . رابعا – شخصيات علمانية كانت لها شنة ورنة ايام المعارضة لكنها خرجت صفر اليدين في الانتخابات الماضية فألتجأت الى المرجعية كمحاولة منها لاعادة الحسابات وترتيب الاوراق في انتظار الانتخابات القادمة . من كل ذلك وبسبب النفاق السياسي للاحزاب والقيادات السياسية في العراق الجديد يتضح لنا بأن المرجعية الدينية في النجف الاشرف قد اخذت او اتيح لها ان تأخذ دورا محوريا سواء رضيت بذلك ام لم ترض في رسم سياسة العراق , وهنا مكمن الخطر لان المستقبل الذي نرجوه للعراق هو ان يكون العراق دولة ديمقراطية علمانية , البرلمان اعلى سلطة تشريعية فيها , وان الحكم يكون فيها للشعب لا ان يتحول العراق الى دولة اسلامية يكون فيها رجل الدين وليا على امور الناس , والخطر الاكبر هو ان العراق بلد متعدد الديانات والمذاهب والاعراق ولا يمكن لطائفة واحدة او مذهب واحد ان يتحكم بالسلطة ويرسم سياسات البلد ناهيك عن ان الذي يقحمونه في هذه الامور ليس عراقيا اصلا بل رفض ان يتسلم الجنسية العراقية التي نرى بأنه يستحق الحصول عليها لانه عاش في العراق اكثر من نصف قرن كما ان جنسية بقية المراجع الكرام في النجف ليست عراقية فالشيخ اسحاق الفياض افغاني الجنسية والشيخ بشير النجفي باكستاني الجنسية والسيد محمد سعيد الحكيم ايراني الجنسية . ان محاولات الاحزاب الدينية وبعض الاحزاب والشخصيات العلمانية في الحصول على مكاسب حزبية ومناصب في الحكومة او مقاعد في البرلمان عن طريق التمسح بعباءة المرجعية سيكون لها عواقب وخيمة على العراق وامنه ومستقبله , لذا نطالبهم بالكف عن تلك المزايدات الرخيصة وان لا يقحموا المرجعيات الدينية في الشأن السياسي الذي ليس لهم الحق في التدخل فيها لانهم متى ما تدخلوا في السياسة لم يعد لهم تلك الحصانة والقدسية التي لهم بل سيتحولون الى رجال سياسة من حق اي مواطن ان ينتقدهم او يُخطئ آرائهم . ان الدور الحقيقي للمرجعية ومنذ ان وجدت بعد غيبة الامام الثاني عشر للشيعة كانت في نشر علوم آل البيت عليهم السلام , وفي خدمة الذين يقلدونهم عن طريق رسائلهم العملية التي فيها الاجوبة الشرعية على المسائل المستحدثة كما اوصى الامام الغائب عندما قال (وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم). اننا مع عودة النجف الاشرف الى سابق عهدها منارة للعلم وطلابه لا ان تكون بوابة لتجار السياسة للتسلط على رقاب الناس وغصب حقوق الشعب بأسم المرجعية في نفاق سياسي معيب لاصحابه .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |