المثقف في مواجهة "الإسلام النفطـي"!!
 

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

تمثل محنة المثقف المتنور والحداثي في مجتمعاتنا "الإسلامية" الشرقية، أحد أكثر المآسي والتراجيديات حدة ومأساوية، فالمثقف – ونحن لا نعتبر جامع الكتب والمعلومات من هذا الصنف كون هذه الحالة لا تعدوكونها هواية – هوذلك الشخص الذي يعي مأساة المجتمع الشرقي وافتقاره إلى حالة الوعي العقلانية والواقعية التي تحلل أسباب ركون مجتمعاتنا إلى القناعة السلبية والخضوع لقوانين غير منطقية "غيبية" كتبرير لاستمرار الفاسدين والساديين في حكم شعوبنا، ومصيبة المثقف تكمن في وقوعه في حيرة من أمره، هل يتحول إلى الواقعية إلى حد أن يُتهم بكونه "ملحدا" لإنكاره وموقفه السلبي من الغيب؟ أم يواجه الدين "السلبي" بالدين "الإيجابي" كمنطق تجديدي من منطلق أن ليس للحديد إلا الحديد؟

بين هذا وذاك يقف المثقف شبه عاجز عن مواجهة تحالف السلطة مع الملالي والوعظ الديني الخرافي، وهذه الظاهرة موجودة في كلا الطرفين السني والشيعي غير أنها أكثر بروزا في الوسط السني، ومن خلال هذا الحلف الخبيث بين صنفين من الرجعية القبلية والدينية الخرافية – وهويختلف عن التدين كحالة عقلانية – فإن أقلية صغيرة تمتص خيرات المجتمع وإمكاناته الإنسانية لتسخيرها لهذه العصابة الصغيرة والوعاظ والملالي يمثلون الدرجة الثانية من هذه الطفيليات التي تنهش في مجتمعاتنا المتخلفة، والمؤسف مرة أخرى أن يقوم أشباه المثقفين بإلقاء اللوم كليا على الغرب و"الاستعمار" فيما يحيق بهذا المجتمع هروبا من المواجهة مع هذه العوامل الخرافية الناتجة عن درجة كبيرة من الجهل وغياب العقلانية عن إيجاد أي صيغة واقعية لإنقاذنا من هذه المحنة.

إن الفرد في مجتمعاتنا مصاب بداء خطير من العنصرية التي ربما هي أسوأ من العنصرية النازية التي ظهرت كتشوه في الثقافة الغربية، فالفرد في مجتمعاتنا حتى وهوواع لمدى التخلف والمأساة التي يعيشها مجتمعه، فهومستعد لمواجهة أخطار الهجرة اللا قانونية والموت في أعماق البحار هروبا من "المنطقة الآمنة" وسعادة الدكتاتور وعصابته، بينما هوفي مجتمعه لا يقوم ولوبدور بسيط في خلق مجتمع متوازن وتوعية المجتمع "المخدوع" الذي يصلي كل يوم وراء من يكذب عليه.

إن الوعي للوجود الإنساني لا يتم إلا في مجتمع مليء بأسئلة الشك والعقول التي تبحث دوما عن أجوبة وعن استكشاف المغيب والغامض، ففي الوقت الذي كان العالم الإسلامي يحوي في داخله أشخاصا كأبي علاء المعري (المتهم بالزندقة) وبشار بن برد والرازي الطبيب والفيلسوف وإبن سينا وابن رشد، كانت تلك المجتمعات تملك قابلية القفز نحومستقبل مليء بالاستكشاف والحصول على كثير من أسباب الحضارة وكان أؤلئك مسلمين حقا لكنهم ليسوا مسلمين من النمط السائد الآن بقدر ما كانوا ينظرون إلى ملكة التفكير على أنها ليست في إيطار الحلال والحرام الذي أصبح يتحكم بعقولنا، لكن الحكام والمستبدين، خصوصا المتوكل على إبليس العباسي الذي انتبه إلى مخاطر العقل المعتزلي المتحرر من التقليد والدين الخرافي، تحالف هؤلاء مع وعاظ كأحمد بن حنبل وأبوحامد الغزالي وأبوالحسن الأشعري في سبيل إجهاض هذه النهضة الفكرية التي بدأت تثير العامة على مصاصي دماءه وناهبي ثرواته، وكان العالم الإسلامي قد بدأ يتحرك على أسس من فهم الواقع وعلاقاته المادية والاقتصادية وتكوين النقابات التي كانت تمثل أرباب الحرف والأعمال وتدافع عن حقوقهم أمام السلطة، غير أن العقل السلفي الظلامي الذي ينظر إلى النص الديني على أنه "تجسد الله" المادي وبعون من الخلافة الغاشمة استطاعوا احتكار المنابر الإعلامية من مدارس ومصادر أدبية وجوامع لترسيخ ثقافة "الطاعة".

وكما تحدثنا في مقالات سابقة، فإن المصيبة الكبرى التي شوهت ثقافة هذه البلدان المشرقية الإسلامية هوأن مجموعة من "المثقفين" ينطلقون في نقد الذات على أساس من تنزيه هذه الذات وأن ما لحق بهذه الذات هوطاريء جاء من خارج لا علاقة له بهذه الذات، ونموذجا محمد عابد الجابري وأبويعرب المرزوقي خير مثالين على نموهذه النمطية المشوهة من نقد الذات وذلك يرجع إلى نموظاهرة "الإسلام النفطي" الذي يتمدد ليمول مشاريع إعلامية وصحافة ومؤسسات فكرية وتعليمية هي في ظاهرها – علمانية حيادية – من قبيل جريدة الحياة والشرق الأوسط وقناة إل بي سي اللبنانية وموقع إيلاف، ولكن في باطن هذه المؤسسات يقبع الوحش السعودي الوهابي الذي اشترى هذه المؤسسات فقط لكي لا توجه النقد إلى مذهب عبادة الأسلاف السعودي الذي أخذ يترنح بعد هزيمته في مواجه إلام الحرية والديمقراطية.

كلا الباحثين الجابري والمرزوقي يقومان بتفكيك التركيبة الحضارية لما يسمونه العالم العربي – وجعله منفصلا عن باقي العالم الإسلامي إنفصالا ذاتيا – بينما الواقع التاريخي يظهر أن الغالبية العظمى من الفقهاء والفلاسفة المسلمين لم يكونوا عربا "كعرق وقومية" بقدر ما كانوا إلى ثقافة موحدة متجسدة في العربية الفصيحة، كلا الباحثين يحاول رمي المثالب والتخلف والعجز الذي تعيشه المجتمعات العربية – نحن نوسع النطاق ليشمل كل العالم الإسلامي – وإلقاء هذه السلبيات على ذوات طارئة على "العروبة"!! فينسب الجابري ثقافة الطاعة – كليا – إلى الفرس والإيرانيين ومذاهب الشعوبية – التي هي مذاهب إنسانية تنظر إلى الإسلام إنسانيا – والتصوف "الهندي" و"المسيحي"!! والتشيع – على أنه الإرث الفارسي المجوسي اليهودي – وبالتالي فصل الإسلام عن تجلياته المتنوعة والإبقاء على النصوص الجامدة في خدمة "الإسلام النفطي"، والمرزوقي يقوم بذات الصيغ المهيئة مسبقا لترتيب أحكام تنتهي بفصل التاريخ الفكري الإسلامي بكل جوانبه المتنوعة كتجليات للنص المقدس القابل لتعدد التفاسير وبالتالي خلق وهم انفصال الإسلام عن معتنقيه وحصره في "إسلام النفط السعودي".

فالجابري في مؤلفاته يكرر ذكر الكتاب الفرس الذين عملوا في البلاط الأموي والعباسي وبالتالي أملوا على الحكم وأوحوا إلى الحكام الأمويين والعباسيين تبني خطاب الطاعة، متجاهلا كل الإرث الحديثي – الأحاديث النبوية – التي تؤكد على عقلية الطاعة والصلاة خلف البر والفاجر وما إلى ذلك، فقد وجدت ثقافة الطاعة قبل أن يكون للفرس أي دور حقيقي في الإمبراطورية الجديدة ونحن لا ننكر دور العقلية الكسروية في تحكم فلسفة الحاكم الأوحد لكنها ليست السبب الوحيد في توجه العالم الإسلامي – مع استثناءات تعرضت للقمع – نحوالطغيان والاستسلام والطاعة.

إن الإرث الحضاري الثقافي للمسلمين سيبقى يثير مكامن السؤال والبحث وذم التقليد – وما من كتاب في العالم ذم التقليد كالقرآن – ومهما حاول "مفكروا الإسلام النفطي السعودي" فإن سعيهم في تسخير الفلسفة لأعداء الفلسفة "الوهابية السلفية" سوف لن ينفع ولن يؤدي إلا إلى المزيد من الشك الذي سيخلق يقينا جديدا مبني على استيعاب الواقع الحضاري التعددي، ولاحظ معي عزيزي القاريء أن هؤلاء "المفكرين"!! لا يذكرون السعودية بسوء مع أنها الدولة التي تقبع في ذيل القائمة من حيث الحريات والحقوق، إنها الشر المستوطن على الأرض ولا بد من اجتثاثه يوما وتخليص المذبوحين والمرجومين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com