الاقلية في العراق .. اكثرية

 

نزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

ما قبل المقال .. تنويه هام جدا جدا 

بين الفينة والاخرى، اقرا في بعض المواقع الالكترونية، تقولات على لساني، يصفها الموقع بالحوار الخاص، انا لم اصرح بها او اكتب عنها، ولذلك فانا غير مسؤول عنها اطلاقا، ويمكن لمن يريد ان يطلع على آرائي ومواقفي، ان يقراها من خلال ما اقوم بنشره عبر بريدي الالكتروني الرسمي فقط، والمدون، عادة،  في كل مادة انشرها، او بما اصرح به بالصوت والصورة لوسائل الاعلام المرئية والمسموعة، وما دون ذلك لا يعبر عن رايي ابدا، فانا لا اتحمل مسؤولية التقولات التي ترد احيانا في بعض المواقع الالكترونية، والتي تحاول تشويه آرائي من خلال نشرها ناقصة او مستقطعة من تصريح او مقال.

لكل ذلك اقتضى التنويه، وعذرا سلفا.

 *******************************************

تعاني الاقليات في عالمنا العربي على وجه التحديد، من الكثير من المشاكل السياسية والثقافية، وما يتعلق بالهوية التاريخية، وذلك بسبب طبيعة الانظمة السياسية التي تحكم هذه البلاد، فهي اما انظمة (دينية) او (قومية) مشوهة من جانب، او بسبب انها وصلت الى سدة الحكم بطرق غير شرعية كالوراثة او السرقات المسلحة (الانقلابات العسكرية) او عن طريق الدعم الاجنبي.

ولانها كذلك، فان الانتماء للوطن ياتي تاليا في اجنداتها (الدستورية) والقانونية والسياسية، ولهذا السبب فان الاقليات في هذه البلاد تعاني من التهميش والقمع والاهمال، لانها مواطنون من الدرجة الثانية ان لم يكن اكثر.

اما اذا حكمت الاقلية (العنصرية او الطائفية) في بلد ما من هذه البلدان، فانها تضطر الى تهميش الاكثرية وبقية الاقليات على حد سواء، لانها تعيش الرعب والخشية الدائمة من التغيير ولذلك تعمد الى التوسل اما بالاجنبي، كما هو الحال في بلدان الخليج التي تحكمها اسر بمثابة الاقلية في بلدانها، او بالقسوة والاستبداد، او بكليهما كما كان عليه حال النظام الشمولي البائد الذي حكم في العراق.

والعراق ليس بدعا من هذه البلدان، فبسبب التمييز العنصري والطائفي الذي مارسه النظام البائد وعلى مدى نيف وثلاثين عاما، ظلت الاقليات الاثنية والدينية تعاني التهميش باقسى صوره، اسواها تمثل بحالات التعريب التي تعني فرض هوية قومية على هذه الاقليات، واجبارها على تغيير قوميتها الحقيقية التي خلقها الله تعالى عليها، حتى اذا سقط الصنم، وانطلقت العملية السياسية الجديدة، تنفست هذه الاقليات الصعداء، مستبشرة بعهد سياسي جديد يعتمد المساواة والمشاركة الحقيقية، وغياب كل انواع التهميش والاقصاء والقمع والاهمال، على قاعدة ان العراقييين متساوون في الحقوق والواجبات، وهذا ما تم تثبيته في الدستور العراقي الجديد الذي صوت عليه العراقيون باغلبية ساحقة، ولاول مرة في تاريخ العراق الحديث.

لكن الذي يبدو من خلال التجربة، وهي اكبر برهان كما تقول الحكمة، ان بعض العراقيين لم يتمكنوا حتى الان، بالرغم من مرور قرابة ستة اعوام على التغيير، من تغيير قناعاتهم، او انهم اصيبوا بمرض الطاغية، كما يعبر عن ذلك علماء الاجتماع عندما يقولون بان بعض ضحايا الديكتاتور يحاولون تقمص شخصيته عندما يزيحونه عن السلطة ويحلون محله، فاذا بهم يسعون الى تهميش الاقليات او اقصائها او الحلول محلها، بالضبط كما كان يفعل الطاغية، لمجرد انهم تمكنوا من السلطة.

لقد اثارت عملية التغافل عن حقوق الاقليات، من خلال اسقاط المادة (50) من قانون انتخابات مجالس المحافظات، الكثير من الشكوك حول مصداقية الزعماء الجدد الذين حلوا محل الطاغية الذليل، بعد اسقاطه في التاسع من نيسان عام 2003، ففي الوقت الذي كان يفترض بهم ان يحرصوا اشد الحرص على تثبيت حقوق الاقليات قبل حرصهم المستميت على تثبيت حقوقهم، اذا بهم يتكئون على الاقليات لينهضوا، او هكذا خيل لهم.

وانا هنا بمقالتي لا ادافع عن الاقليات بقدر دفاعي عن العراق، تاريخا وحاضرا ومستقبلا، وبقدر دفاعي عن العملية السياسية والنظام الديمقراطي الجديد الذي نسعى جميعا لبنائه، لنضمن به مستقبل اجيالنا القادمة.

وان ما يدفعني الى هذا الحديث، جوابا سمعته من احد الحضور في الندوة السياسية والحقوقية التي عقدتها الجمعية العراقية لحقوق الانسان في الولايات المتحدة الاميركية مؤخرا في ولاية ميشيغن، والتي حاضرت فيها عن حقوق الاقليات في العراق، فعندما نوهت الى ظاهرة غياب الابناء عن مثل هذه الندوات والذي قد يفقدهم فرصة التعرف على بلدهم الام العراق، اجابني احدهم بقوله {لقد حاولت ان اصطحب ابنائي معي لحضور الندوة، الا انهم اجابوني بقول افحمني بقوة، اذ قال لي احدهم، اذا كنت انت والماما، الذين ولدتم في العراق، قد تجاوزكم وتجاوز حقوقكم الدستورية الطبيعية قانون الانتخابات وبهذه الطريقة المجحفة والظالمة، لدرجة انه لم يبق لكم شيئا من حقوقكم، فما بالنا نحن الابناء الذين ولدنا خارج العراق، ولم نر العراق بام اعيننا لحد الان؟ ترى هل سينصفنا وطننا المفترض؟}.

هكذا اذن، فالدفاع عن الاقليات هو دفاع عن العراق، ودفاع عن اجيالنا التي لم تولد في داخل الوطن الام، انه دفاع عن انفسنا امام الاجيال القادمة، انها محاولة مني لتغطية وجهي خجلا امام ابناءنا الذين لم يولدوا في العراق، بسبب الظروف القاسية التي مرت على الاباء طوال نصف قرن تقريبا، ولا تزال.

نحن العراقيون نفتخر بانتمائنا الى هذه التربة من الارض لاسباب عديدة، تقف على راسها التاريخ الذي نفتخر به والذي يعود الى اكثر من (6) آلاف سنة، فمن من العراقيين لا يفتخر بمسلة حامورابي؟ ومن منهم لا يفتخر بحضارات العراق القديمة، البابلية والاشورية وامثالها؟ ومن منا لا يفتخر بالكتابات ومدارس الخط؟ ومن منا لا يفتخر بكون العراق هو مهد الديانات والمدارس الفقهية بانواعها؟ ومن منا لا يفتخر باحتضان العراق لمراقد الائمة الاطهار من اهل بيت النبوة والرسالة، ولمراقد الكثير الكثير من ائمة المذاهب وعلماء اللغة والفقه والمنطق والاصول؟ وهو الذي يحتضن مراقد الكثير الكثير من انبياء الله ورسله؟.

العراقيون يفتخرون بانتمائهم الى هذه التربة الطاهرة التي بنيت عليها حضارات انسانية متنوعة ومتكاملة، امدت البشرية، ولا تزال، بالكثير جدا من العلوم والفنون والمعارف الانسانية.

والسؤال، هو:

ترى من بنى هذه الحضارات، اهم المسلمون؟ المسيحيون؟ الكرد؟ العرب؟ ام التركمان؟ ام من؟.

وياتي الجواب من عمق التاريخ ليقول، ان كل هؤلاء ساهموا ببناء هذه الحضارات، ولذلك نفتخر بها جميعا، وبحق اقول فان حضارات العراق بناها العراقيون جميعا مسلمهم ومسيحيهم وصابئهم، عربيهم وكرديهم وتركمانيهم، آشوريهم وكلدانيهم، وكلهم كلهم جميعا، ولذلك يفخر الجميع بها، وبعودة سريعة الى تاريخ رجالات العراق من حمورابي الى يومنا هذا، من علماء وزعماء وفنانين وشعراء وقادة وغيرهم، فسنجد ان القائمة تحتوي على انتماءات من كل الاديان والمذاهب والطوائف والقوميات، ما يعني ان كل العراقيين باختلاف انتماءاتهم تركوا لنا بصمة لن يعفها غبار الزمن ولن يغطها مرور الايام والتاريخ.

تخيل، مثلا، ان شاعرا هو من اعاظم شعراء العراق الحديث ممن كتبوا في السبط الشهيد الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، الا وهو عبد الرزاق عبد الواحد، هو من العراقيين الصابئة المندائيين، ولروعة ما كتب عن السبط الشهيد ظنه كثيرون انه مسلما شيعيا، وانا افخر بقصيدته لانه صابئيا وقبل ذلك لانه عراقيا كتب عن الحسين السبط، وحسبه ذلك فخرا.

اننا نفتخر بالعراق لانه يتمتع بكل هذه القدرة العجيبة والعظيمة على احتضان كل هذا التنوع الاجتماعي وطوال كل هذه الالاف من السنين، فلم يكن الدين يوما سببا لفرقة او القومية سببا لشحناء او المذهب سببا لعدم المصاهرة، ابدا.

انها القدرة الفريدة على احتضان هذا التنوع وبكل هذا الانسجام والتعايش والتآلف، الذي انتج الحضارات المتعاقبة والتي اكتملت بعضها بالبعض الاخر، من دون الغاء او تجاوز او استهانة.

ويمكننا ان نسوق العلاقة الانسانية الرائعة التي جمعت بين علمين من اعلام العراق، وهما الشريف الرضي (ابو الحسن محمد بن الحسين النقيب الموسوي الذي يمتد نسبه الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) جامع كتاب نهج البلاغة للامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، وابي اسحاق الصابي (ابراهيم بن هلال بن ابراهيم بن زهرون بن حيون) من اعلام علماء الصابئة المندائية، العلاقة التي تاسست وقامت وبنيت واستمرت على اسس روح المحبة والايثار والسماحة والفضل والاعتراف بالاخر والحوار الايجابي والانفتاح والتعايش، كواحد من اروع نماذج قدرة العراق على احتضان التنوع، ليس من اجل التصادم والتقاطع، وانما من اجل التعايش والتكامل والحوار، وكم اتمنى ان يطلع كل العراقيين على هذه العلاقة والرسائل التي تبادلها العلمان بينهما، لنواصل تاسيس العلاقة الانسانية بين العراقيين بغض النظر عن اي انتماء سوى الانتماء الى هذا الوطن والى تاريخه وعاداته وتقاليده الانسانية الرائعة.

لكل ذلك، اعتقد شخصيا بان اي ظلم، مهما كان بسيطا، يقع على الاقليات في العراق، انما هو استهانة بتاريخنا وتهديد لحاضرنا ومستقبلنا، لان الاقليات في العراق رمز التاريخ الوطني.

انه ظلم للعراق، كل العراق، لان عراقا بلا مسيحيين، ليس بعراق، كما ان عراقا بلا مسلمين ليس بعراق ابدا، وان عراقا بلا كرد، ليس بعراق، كما ان عراقا بلا عرب او تركمان او صابئة او آشوريين او اية شريحة اجتماعية اخرى، ليس بالعراق الذي نعرفه والذي قرانا عنه، والذي نريده اليوم وفي كل يوم.

 فالعراق الذي ورثناه والذي نريده وتريده اجيالنا، هو العراق المتنوع والمتعدد في تركيبته الاجتماعية، ولذلك ينبغي ان لا نسمح لاحد ان يعبث بهذا التنوع من خلال محاولته الغاء شريحة او ظلم اخرى، ابدا، فالتعددية في العراق هي سمته وهي ميزته، وهو بذلك يشبه تعدد وتنوع احواض واشجار وثمار وفواكه البستان، الذي هو الاخر، التعددية سمته والتنوع ميزته، ولولاهما لما سمي بستانا بالمعنى الحقيقي الشامل للكلمة والمصطلح.

نحن نريد العراق المتنوع والمتعدد في كل شئ، فعظمة العراق بتنوعه وبتعدديته، التي منحته القوة اجتماعيا وتاريخيا وعلميا وادبيا وسياسيا وحداثيا وحضاريا وفي كل شئ.

ولذلك اقول، وبكل صراحة، فان من يريد ان يلغي (الاقليات) انما يريد ان يلغي تاريخ العراق، وهو بعمله هذا يهدد مستقبل العراق، من خلال تهديد نسيجه الاجتماعي المنسجم والمتجانس.

لماذا يفتخر بعضنا بانجاز الاقليات التاريخي ولا يكرم حاضرهم، فيقر بحقوقهم الدينية والقومية والتاريخية والثقافية، تلك التي ساهمت في صناعة العراق الحالي، من خلال مساهمتها في تشييد حضاراته عير التاريخ؟.

لماذا يكرمهم تاريخا ويظلمهم حاضرا؟.

وعندما نتحدث عن الاقليات يقفز الى الذهن السؤال التالي:

ترى، هل توجد في البلدان الديمقراطية مفاهيم الاقلية بالتوصيفات الموجودة عندنا؟.

بمعنى آخر، هل توجد في اميركا مثلا اقلية سوداء واكثرية بيضاء؟ او اقلية عربية واكثرية روسية؟ او اقلية مسلمة واكثرية مسيحية، وهكذا؟.

اسمحوا لي ان اجيب بالقول ان مفهوم (الاقليات) بالتوصيفات المعروفة عندنا لا وجود لها الا في المجتمعات المتخلفة سياسيا.

حتى في الهند لا توجد مثل هذه التوصيفات للاقليات.

ففي الدول المتقدمة هناك توصيف واحد للاكثرية والاقلية، الا وهو التوصيف السياسي فقط، اما التوصيفات الدينية والاثنية واللون والجنس وما اشبه، فلا وجود لها اطلاقا، نعم قد تذكر هذه التوصيفات عندما يراد شرح طبيعة المجتمع ومكوناته، فهي لا تذكر عند الحديث عن الحقوق والواجبات، كما انها لا تذكر عند الحديث في السياسة، لان المائز بين الناس في هذه البلدان هو السياسة فقط، فهناك اكثرية برلمانية واخرى اقلية برلمانية، ولهذا السبب فان الاكثرية والاقلية في البلدان الديمقراطية غير ثابتة، فقد تكون الاكثرية اليوم اقلية غدا، والعكس هو الصحيح، فان الاقلية اليوم قد تتحول الى اكثرية بعد غد، وكل ذلك بارادة الشعب، عبر صندوق الاقتراع، وليس بقرار سياسي او بمادة قانونية.

ان تمييز الناس على اساس الانتماءات الدينية والاثنية، وعلى اساس خلق الله عز وجل، كاللون والجنس، لهو من اشد انواع الشوفينية قسوة على المجتمع الذي يبتلى بها.

السؤال الاخر الذي يقفز الى الذهن بعد هذا الحديث، هو:

ترى، متى سنتخلص من التوصيفات الحالية للاقلية والاكثرية (الدينية والمذهبية والاثنية وغيرها) المعمول بها حاليا في العراق الجديد؟ بمعنى آخر، متى سنستغني عن (الكوتات) في قانون الانتخابات؟.

اعتقد ان من الممكن ذلك بالشروط التالية:

اولا: اذا كان المعيار هو الانتماء الى الوطن، في العملية السياسية، وليس الانتماء الى الدين او المذهب او القومية.

ثانيا: اذا وصلنا الى مرحلة تتاسس فيها احزابنا على اساس المواطنة فقط وليس على اساس الانتماء الديني او المذهبي او القومي، بمعنى آخر، عندما نلحظ في احزابنا السياسية تغيرا في شروط الانتماء، فيكون انتماء العضو اليها بمواطنيته، وبعراقيته، وليس بدينه او مذهبه او قوميته.

ثالثا: عندما نشعر جميعا بان البرلمان هو لكل العراق، غير مقسم بكتله السياسية على الاديان والمذاهب والقوميات، ولن نشعر بذلك الا عندما نلحظ انه يدافع عن حقوق المسيحي (وهو من الاقلية بالمفهوم السائد) قبل ان يدافع عن المسلم (وهو من الاكثرية بالمفهوم السائد) ويدافع عن التركمان قبل ان يدافع عن العرب، وهكذا.

وليكن قول الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب علي السلام {الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه} شعارنا جميعا في الدفاع عن حقوق المواطن، بعيدا عن كل التوصيفات الاخرى.

رابعا: عندما يتمتع الناخب بحقوقه كاملة ليس بصفته من الاكثرية او من الاقلية، ابدا، وانما بصفته مواطنا عراقيا اولا واخيرا.

فعندما يريد ان يتمتع المواطن العراقي بحقوقه الدستوية، لا يسال عن دينه او مذهبه او قوميته، وما اذا كان من الاقليات ام لا؟ فان كل ذلك يزيد من الاحتقان الديني والطائفي والقومي.

هنا في اميركا مثلا، فعندما كان يؤخذ لون المواطن بالاعتبار عند التعيين او عند التسجيل في المدرسة او الجامعة او عند الحاجة الى التطبيب او ما الى ذلك، كانت الولايات المتحدة تعاني من التمييز باقسى اشكاله، اما عندما تجاوزت كل ذلك عبر النضال المستميت بما بات يعرف بحركة الحقوق المدنية التي قادها الزعيم الاسود القس (مارتن لوثر كينغ) والذي تحول يوم مقتله الى عيد وطني يحتفل به البيض قبل السود، وهو يوم عطلة رسمية فيدرالية، اي عامة، فانها راحت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي اكثر فاكثر.

خامسا: عندما يكون الاختيار على اساس الكفاءة والتجربة والخبرة والنزاهة، وليس على اساس الدين او الطائفة او القومية، على اعتبار ان العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات، ما يعني ان لكل منهم الحق في ان يتسنم المنصب الذي يناسبه في الدولة، ليس من ناحية الانتماء الديني او لكونه من الاكثرية او الاقلية او من الناحية المذهبية او القومية، ابدا، وانما من حيث الكفاءة والخبرة والسمعة والحرص والامانة، وهي القيم التي حددها القران الكريم عند اختيار المرء لتسنم موقع ما في الدولة، كما ورد في سورة يوسف، بقوله عز وجل { يا ابت استاجره فان خير من استاجرت القوي الامين} فالقوة هنا تعني الكفاءة التي تجعله قويا على التنفيذ، اي قادرا على ذلك، والامانة تعني الحرص على المال العام والنزاهة وبياض اليد وعدم تورط صاحبها بسرقة او فساد مالي او اداري، اما قوله تعالى  {قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم} فهو الاخر يشير الى تلك القيم الانسانية التي لا ينبغي ان ناخذ بغيرها عند الاختيار، اذ يشير عز وجل الى صفات الامانة والعلم بالشئ اي الخبرة.

اما محاولات البعض مصادرة تسميات الاقليات، بحجة انتماء هذا المسيحي الى حزبه او ذاك الشبك الى تنظيمه، فهذا نوع من انواع الضحك على الذقون، ولو كان الامر صحيحا وسليما، فهل سيقبل الكرد مثلا تطبيق الحالة على انفسهم اذا حاول الائتلاف (الشيعي) ذلك بحجة ان في صفوفه من هو كردي؟ وهل يقبل السنة بذلك لو حاول التحالف الكردستاني فعل الشئ نفسه معهم بحجة ان في صفوفه من هو سني؟ وكذلك الشيعة لن يقبلوا بالامر اذا ما حاول التحالف الكردستاني او جبهة التوافق فعل الشئ معهم، لماذا؟ لان كل كتلة تدعي بانها الممثل الشرعي الوحيد لشريحتها الاجتماعية، اليس كذلك؟ فاذا كان الامر صحيحا للكبار، فلماذا لا يكون صحيحا للاخرين؟.

ان اي مسعى لمصادرة حقوق الاخرين وباية حجة كانت، هو التفاف على الحقيقة ومحاولة غير ديمقراطية وغير دستورية للالتفاف على حقوق الاخرين، الى ان نتجاوز الاحتقان الديني والطائفي والقومي (السياسي) وعندها، فلكل حادث حديث.

اتمنى ان يعمل الجميع من اجل عراق خال من التوصيفات غير السياسية للاكثرية والاقلية، عراق ليس فيه الا اكثرية برلمانية واقلية برلمانية، قابلتان للتغيير عند كل استحقاق انتخابي، وبذلك سنكون قد اقتربنا اكثر فاكثر من جوهر الديمقراطية، التي لا تفهم معنى للاكثرية الدينية ولا للاقلية القومية، او ما شاكلها من التوصيفات غير السليمة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com