يوم الثورة على خليفة الشورى عثمان بن عفان .... دراسة تاريخية

 

حميد الشاكر 

al_shaker@maktoob.com 

 لاريب ان اليوم الذي قتل فيه خليفة الشورى  الثالث عثمان بن عفان من سنة خمس وثلاثين للهجرة النبوية المطهرة، هو من الايام التي تستحق الوقوف عندها طويلا لاخذ العبرة واسباغ التأمل واجالة النظر في هذا اليوم الخطير بتبعاته فيما بعد على تاريخ المسلمين واسلامهم  الى يومنا هذا، فهو اليوم الذي اختصر قصة خليفة بكاملها بدأت مسيرته الاسلامية الطويلة مع رسول الاسلام محمد صلى الله عليه واله، وهو شاب من عائلة أموية ثريّة كانت تناصب العداء للرسول الجديد وصاحبة سلطة عليا في قريش لها مالها مع نبي الاسلام محمد ص  ودينه الحنيف من حروب وتطاحن وقتال بين جاهلية اموية بأمتياز  واسلام هاشمي بكل ما للكلمة من معنى  ....، الى ان تنتهي حياته في غرفة بيته في المدينة وقد تناوشته ايدي الثوار المسلمين  يمينا وشمالا لتمزق مابقي من بدنه طعنا بالرماح وضربا بالجلاميد ونغزا بالسهام وشفرا بالسيوف ... وهو ابن الثانية والثمانين من عمره المتهيئ للرحيل لاخرته التي تنتظره  !.

وحقا انه اليوم الذي يستحق ان نسأل فيه السؤال الذي يكشف لنا اهمية فهم التاريخ واعادة قراءته كل يوم بالفعل في حياة البشرية وهو سؤال  : لماذا ؟.

نعم لماذا ُقتل عثمان بن عفان بسيوف المسلمين التي كانت من المفروض ان تتجه لقتال اعداء الدين وكفّار الملّة والاسلام في غابر الازمان  ؟.

ثم لماذا قام المسلمون من اقطار الاسلام المتفرقة بهذا الفعل الجمهوري الثوري الذي قلب المعادلة في الاسلام رأسا على عقب، وبدلا من النظر للخليفة على اساس انه ظل الله سبحانه في الارض وباسط العدل بين المسلمين، أصبح الخليفة هدفا لرجم الشيطان وتوجيه الحراب لصدره للتخلص منه ؟.

وماهي العوامل التي دعت جمهور المسلمين من، مصر، والكوفة،  والبصرة، والمدينة، كي تنتفض على سلطانها عثمان بن عفان لتنهي قصته بهذه  الثورة التي اطاحت بعرشه الفردي لتبدأ فيما بعد حقبة تارخية جديدة من بعده افضت الى انقلاب الخلافة الى ملك عضوض على يد اسرته الاموية  المنتقمة من الماضي والحاضر بكل افكارها التي طرأت على تركيبة الجزيرة العربية سياسيا بعد الاسلام؟.

من هو عثمان بن عفان ؟.

وماهي مؤهلاته الفكرية والسياسية والدينية كي يكون خليفة للمسلمين ؟.

ثم ماهي نكبته الزمنية والسياسية التي رافقت خلافته صاحبت الاثنا عشر عاما من الحكم ؟.

وعلى اي اساس تشكلت نواة الثورة الاسلامية ضده ؟.

ومن هم قادة الثورة ضد عثمان بن عفان ؟.

وهل هم اسياد قومهم من زعماء قبليين وصحابة وتابعين لهم باع في العزة والشرف كما يذكر اهل التاريخ ؟.

أم انهم مجرد رعاع وحائكي فتن كما يصورهم التاريخ الموالي للبيت السياسي الاموي في الاسلام ؟.

وماكانت الشعارات والحجج الدينية والشرعية لهؤلاء الثوار بالاطاحة بنظام عثمان السياسي ؟.

وكيف تقبل كبار الصحابة في المدينة النبوية الاسلامية موضوعة الثورة ضد عثمان ؟.

ولماذا لم يقف بجانب خليفة المسلمين عثمان بن عفان  كلهم الا بعض اللذين اذاهم عثمان في وجودهم المعنوي  كعلي بن ابي طالب وابناءه بينما المنتفعون من عائلته الاموية اول من تخلى عن نصرته واول من تركه الى مصيره المحتوم  بلا ناصر ولامغيث لفترة اربعين يوما دام فيها حصار بيته في المدينة المنورة من قبل الثوار   ؟.

ثم اين ذهب دهاء ابن عمه معاوية بن ابي سفيان  في سياسة الملك ؟.

وكيف سمح معاوية بن ابي سفيان ان يتسع الخرق على عثمان بلا ان يذكر لنا التاريخ نصيحة سياسية واحدة من معاوية الى عثمان الغارق في الفوضى السياسية في حكمه  ؟.

وهل يعتبر فعل المسلمين ذاك وثورتهم على عثمان هي وبالحق اول ثورة اسلامية داخلية على الخليفة الظالم ؟.

أم انها كانت مجرد انتفاضة مرتدين على الاسلام لتكون هي الردّة الثانية بعدما حصل بعد موت الرسول الاعظم محمد ص في الارتدادة الاسلامية الاولى ؟.

وماذا اراد ثوار العالم الاسلامي من مصر والبصرة والكوفة من عثمان بن عفان في بادئ الامر ؟.

وهل فعلا ارادوا تنحيته من خلافة المسلمين فحسب وانتخاب من هو اكفأ منه للقيادة  ؟.

ام انهم كانوا مقررين لتصفيته جسديا بعدما بدا لهم ان الخليفة وصل الى مرحلة النهاية معهم ؟.

............الخ .

كل هذه الاسألة وغيرها اختصرها يوم الثورة على عثمان بن عفان ليجيب عليها بطريقته الثورية والسريعة وليحسم كل الاجوبة بأول ضربة نزلت على رأس سلطان المسلمين في بيته في اواخر سنة خمس وثلاثين للهجرة بعد مضي اثنتا عشرة  سنة لحكمه العائلي،  ليكون مابعدها تاريخ المسلمين منشطر الى سماطين :

الاول : دعاة ثورة ضد الظلم ومطالبة بمساواة  .

والثاني : دعاة طاعة للسلطان بلا اي مسؤولية  .

********

1: عثمان بن عفان

 هو ابو عبدالله عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أمية بن عبد شمس ..، وأمه أروى بنت كريز بن جابر بن حبيب بن عبد شمس ...، اسلم بعد تأثره باسلام ابي بكر ودعوة ابو بكر له للاسلام مع مجموعة من اهل قريش منهم عبد الرحمن بن عوف  ( انظر :1ج/ السيرة النبوية / بن هشام ص 250 ) صاحبه في الهجرة للحبشة والعودة منها،حتى تسليم عبد الرحمن بن عوف الخلافة له في حادثة الشورى سنة ثلاث وعشرين للهجرة  التي تركها عمر بن الخطاب بعد مقتله، ثم اختلف عبد الرحمن بن عوف مع عثمان بن عفان على امور نقمها عليه كما نقمها باقي المسلمين الثوار على عثمان !.

نشأ عثمان بن عفان في عائلة أموية ثرية مترفة، وكان من خلال ثرائه هذا يمدّ الحركة الاسلامية الناشئة لدعوة  الرسول الاعظم محمد ص حتى انه جهز نصف جيش العسرة من ماله الخاص،...  تزوج من ربائب الرسول الاعظم ص تعاقبا  ( أم كلثوم ورقية )  وهاجر الى الحبشة الهجرة الاولى  ولكنه عاد تحت وطأة اشاعة أسلام اهل مكة التي بدرها كفّار قريش انذاك، وبقي فيها حتى الهجرة النبوية المباركة،...  لم يكن من اهل الحرب والتجربة  بل هو الى الموادعة اقرب في فترته مع الرسول الاعظم محمد ص في المدينة، وحتى شهادة  الرسول محمد ص وانتقال الخلافة الى ابي بكر ومن ثم الى عمر لم يوّل عثمان  شيئا من أمور المسلمين لتختمر عقليته للقيادة ولاهو ممن وهبه الله الحكمة ورباطة الجأش ليكون قادرا على قيادة المسلمين بعدالة ورياضة وسياسة   !.

 *******

 2: ولاية عثمان للخلافة 

  تولى عثمان بن عفان الخلافة سنة ثلاث وعشرين للهجرة بعد تقديم عبد الرحمن بن عوف له في الشورى على عليّ بن ابي طالب  ( ابن الاثير/ الكامل في التاريخ )، ومنذ تلك الساعة تغلّب عليه اهل عصبته من ال امية، بسبب ضعف شخصيته وعدم كفائته في ادارة شؤون الحكم  فكان الحاكم الفعلي على الحقيقة هم قطبي ال امية مروان بن الحكم في المدينة ومعاوية بن ابي سفيان في الشام وكذالك قطبهم الثالث سعيد بن العاص والي الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن ابي معيط الذي اخبره رسول الله انه من اهل النار كما ذكر المسعودي في تاريخه  !.

ويتبين ضعف عثمان بن عفان في ادارة الحكم والخلافة من خلال انفاذ امر هؤلاء النفر من ال امية ومواليهم  بحيث انه لايتمكن من القطع بشيئ اذا لم يرجع لمعاوية بن ابي سفيان مثلا عندما اشتكى اهل الكوفة من ظلم وتعجرف واهانات واليهم سعيد بن العاص انذاك بحيث سير اشراف الكوفة الى معاوية في الشام ليرى رأيه فيهم، وبالفعل كتب معاوية برسالة ليس فيها رائحة النصيحة ( سنناقش هذه الرسالة فيما بعد وكيف انها غاشّة لعثمان ) والصدق والذكاء المعهود من معاوية الى عثمان بن عفان يخبره عن المسرحين له من الكوفة  الى الشام بالقول :(( انه قدم عليّ قوم ليست لهم عقول ولاأديان أضجرهم العدل لايريدون الله بشيئ ولايتكلمون بحجة انما همهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم وليسوا الا كثر ممن له شعب ونكير/ تاريخ الطبري/ ج2 ص 635 )) ثم اعادهم الى الكوفة !.

وكذا عندما تأتي الوفود الى المدينة من اقطار المسلمين من البصرة ومصر والكوفة لتشتكي ولاتها وظلمهم وجورهم وفسقهم وخروجهم عن اخلاق الاسلام، فقد كان لعثمان بن عفان  رأي واحد هو العودة لولاته من اهل عشيرته  ليسألهم رأيهم في العمل مع القوم، حتى انه روي :(( لما كانت سنة خمس وثلاثين سار اهل مصر في ستمائة رجل ( سنذكر رواية اخرى تقول بالفي رجل من اهل مصر في نهاية الدراسةوعليهم بالقيادة ابو حرب  ) واهل الكوفة بمائتي رجل واهل البصرة بقيادة الصحابي عبد الرحمن بن عديس البلوي من اصحاب بيعة الشجرة  كما يذكره الواقدي في تاريخه بمائة رجل الى المدينة لرفع شكايتهم للخليفة عثمان وايجاد حل لاستهتار ولاته عليهم، ولما علم عثمان فزع من الامر وطلب من علي بن ابي طالب الانقاذ وان يسكّن القوم ويعطيهم عهدا وموثقا : ان الخليفة سينزل عند مطالبهم ويضمن لهم كل مايريدون من العدل وحسن السيرة ؟.

وبالفعل قام علي بن ابي طالب بدوره وسكن ثائرة الناس وهدئ من خواطرهم، واعادهم الى ديارهم، ولكن ماهي الا لفتة حتى اشار مروان على عثمان بارسال رسالة او هو قام من نفسه من غير الرجوع للخليفة بارسال رسالة  الى واليّ مصر لقتل الراجعين من المدينة، وماهو الا طريق العودة للثوار  حتى عثر اهل مصر وهم في طريق عودتهم الى ديارهم على غلام لعثمان بن عفان وهو يحمل بريدا من عثمان وبختمه  الى واليّ مصر  عبدالله بن ابي سرح يأمره فيه : بقتل من رجع من المدينة والتنكيل بهم ( / راجع المسعودي / مروج الذهب /ج2/ ص361) فعاد الثوار للمدينة تحت وطأة الشعور بالخيانة  وقتلوا سلطانهم بعد ان خيروه بين القتل والتنازل عن الخلافة   !.

 **********

 3: الاسباب الواقعية للثورة على عثمان

 لاشك ان ماذكرناه من فساد بطانه عثمان بن عفان، واجتراءهم على ظلم الرعية بل والنظر اليهم على اساس انهم عبيد لمملكة ال امية العثمانية،مضافا اليه مااظهره عثمان بن عفان من ضعف على ردع فساد اسرته وولاته واعتبار المسلمين هذا تواطئا منه على الجريمة ...،  كل هذه كانت عوامل تتراكم مع الزمن ضد رصيد عثمان بن عفان في الحكم، فهذا الرجل ابتلي بعدة ابتلاءات قاتلة لرجل اي دولة في هذه الدنيا ان كان مكانه، فهو مضافا الى الكثير من الهنات الشخصية والسياسية  ابتلي بثلاث ابتلاءات عظيمة ايضا هنّ  :

*********

اولا :( مقارنته بالخلفاء من قبله )

  فأن عثمان جاء بعد خلافة الشيخين ابو بكر وعمر الذي كانت تتسم خلافتهم  بالتحفظ الشديد من مراقبة المسلمين لهم في تصرفاتهم السياسية والدينية، فهم على اي حال يريدون ان يأخذوا مكان محمد الرسول وحكمه ص ولابدّ لهم بالالتزام قدر المستطاع بسنة حكمه وعدله بين الرعية والرحمة والرأفة بهم والتأسي به، مضافا لذالك حسن السياسة لقوم جلّهم من اعراب البوادي وداخلي الاسلام تحت فتح السيف والقوّة،  وبالفعل كان  ابو بكر دائما  يكرر مقولته :(( وليّت عليكم ولست بافضلكم )) او مقولته :(( ان رايتم فيّ اعوجاجا فقوموني .. )) وهاتان الكلمتان من السياسة والحكمة الكبيرة التي كانت تراعي بشدة فرط حساسية القبائل العربية بالعموم من قضية الزعامة عليهم، وقريش بالخصوص لما اشتهر عنها من الحسد فيما بينهم والبين الاخر، فكانت سياسة (( وليت عليكم ولستُ بافضلكم )) هي سياسة الحبل الرابط التي تجر وترخي بين قريش لعدم شعور احدهم بما فيهم الخليفة ابو بكر بالافضلية عليهم، ولهذا مدحت سيرة الرجل فيهم باعتبار انه لم يكن احدا يشعر بتمايز فاحش بينه وبين خليفة المسلمين في القدر وفي المنزلة ولم يكن احدا منهم ليتردد بقول الحق والمشورة له وعليه    !.

بينما عندما نذهب لسيرة عثمان بن عفان كمقارنة له بسابقه ابو بكر، وصبره على سماع كلمة الحق من اقرانه من صحابة رسول الله ص، فاننا سنجد ان البون شاسع لهذا الرجل عن ابي بكر فيما مضى، فهو لم يستطع تحمل اصدق لهجة على هذه الارض كما قال رسول الله ص لابي ذر الغفاري رض :(( ماأظلت الخضراء ولاأقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من ابي ذرّ )) لالسبب الا لان ابي ذر نهر منافقا من منافقي اليهود وهو كعب الاحبار كان يفتي ارضاءا للسلطان، عندما سأل عثمان من بحضرته :(( أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه ؟. فقال كعب : لابأس بذالك، فرفع ابو ذر العصا فدفع بها صدر كعب وقال : يابن اليهودي ماأجرأك على القول في ديننا !. فقال له عثمان : ما اكثر اذاك لي !. غيّب وجهك عني فقد آذيتنا .. فغرّب ابا ذرّ الى الشام / مروج الذهب / المصدر السابق/ وكذا اليعقوبي ج 2 ص 68 / وهكذا الطبري / احداث سنة ثلاث وثلاثين  )) .   

وكذالك سيرة عمر بن الخطاب التقشفية التي كانت لاتسمح مطلقا باستغلال السلطة للترف العائلي او الاعتداء الاخلاقي من قبل عائلة الخليفة على غيرهم، بحيث ان عمر كان من الحساسية تجاه المسلمين في هذا الامر بشكل مفرط حتى انه لايتورع من قود ابنه او احد عشيرته او اي انسان بلغه عنه انه اساء للرعية، حتى لايقال :  ان عمر مال في الحكم الاسلامي لهواه او لعشيرته !.

ويذكر ان اهل الكوفة كما يروي المسعودي في تاريخه المجلد الثاني وهو يتحدث عن الثروات التي تكدست ايام عثمان  شكوا واليهم في خلافته سعد بن ابي وقاص وذالك في سنة احدى وعشرين من الهجرة فبعث عمربن الخطاب  محمد بن مسلمة الانصاري فحرّق عليه باب قصره وسحبه في مساجد الكوفة يعرضه على المسلمين هناك ليتعرّف شكايتهم عليه، ومن بعد ذالك امر عمر بن الخطاب بعزله من ولاية الكوفة وبعث بعمار بن ياسر على الثغر وعثمان بن حنيف على الخراج وعبدالله بن مسعود على بيت المال وأمره ان يعلم الناس القرءان ويفقههم في الدين !.

فاين هذا الفعل في ذاكرة المسلمين التي لم تزل حية بعدُ في زمن عثمان بن عفان من ولاة عثمان ومافعلوه من اباحة لاحكام الاسلام واعتداء على حقوق المسلمين وكراماتهم وتواطئ عثمان معهم وثرائهم الفاحش على حساب العدل والانصاف وفقراء المسلمين   ؟.

تصوّر ايها القارئ اللبيب كيف ان والي الكوفه الوليد بن عقبة بن ابي معيط وهو ابن خال عثمان في زمن عثمان بن عفان يعاقر الخمر حتى الصباح تحت طنين اصوات المغنين والفجور والفسق، وليخرج عند الفجر بلباس النوم ليصلي بالمسلمين بالكوفة صلاة الفجر اربع ركعات ثم ليتقيئ على منبر رسول الله ص  وهو يلتفت للمصلين من خلفه ويقول لهم : هل ازيدكم بعدُ ؟!. ( انظر تاريخ اليعقوبي /ج2/ ص 59 ) .

ويذهب ثلة من المؤمنين من الكوفة الى المدينة للشكاية على الوليد بن عقبة وليشهدوا عليه عند خليفة المسلمين لشربه للخمر وكيف انهم نزعوا خاتم الامارة منه وهو سكران ...فما يكون من عثمان بن عفان الا ان نهرهم ودفع في صدورهم وقال لقادتهم  : تنحيا عني لابي زينب عوف الازدي وجندب بن زهير الازدي  !.

فخرجا فاتيا علي بن ابي طالب للشكاية اليه مما يفعل ولاة عثمان وكيف طردهم عثمان عندما طالبوه باقامة حدّ شارب الخمر على الوليد بن عقبة، فماكان من علي بن ابي طالب الا ان ذهب لعثمان وطلب منه احضار الوليد وسؤاله واقامة الحجة عليه ومن ثم ان ثبتت التهمة اقيم الحدّ عليه ؟.

وعندما احضر الوليد بن عقبة لم يجرأ احد من المسلمين اقامة الحد عليه خوفا من عثمان وقرابة الوليد وحبه له، الى ان قام امير المؤمنين علي بن ابي طالب بنفسه ( حسب رواية ابن ابي الحديد المعتزلي )  لاقامة الحد على شارب الخمر هذا وعثمان يصرخ باعلى صوته لعلي بن ابي طالب : ليس لك ان تفعل به هذا  !!!.

اين هذا من فعل عمر وعدله ؟.

وكيف للمسلمين ان يقارنوا بين خليفة سابق كعمر بن الخطاب بحزمه وشدته على ولاته واضاءا لرعيته، وخليفة لاحق كعثمان بن عفان  ؟.

والغريب ان هذا الوليد بن عقبة كان  واليا لاعمال عمربن الخطاب  ايضا لكنّ لأن الحاكم كان عادلا كان لايجرأ الوليد ولا غيره على الاعتداء على حقوق الرعية، بينما العكس حصل في زمن عثمان الذي افسد حتى الصالح !.

ومن هنا كانت نكبة المسلمين في تصرفات عثمان بن عفان وتساهله وتواطئه  في اقامة الحدود واعراضه عن محاسبة ولاته من عشيرته ومايفعلون كبيرا على المسلمين من جهة، وكبيرا على عثمان نفسه من جهة اخرى عند مقارنته باسلافه من الخلفاء !.

********

ثانيا :( سوء نوايا بطانة عثمان السياسية  )

 ثم ان عثمان بن عفان ابتلي ايضا بسوء نية بطانته السياسية من عشيرته كلها مع ضعف في شخصيته اصلا، وحتى ان اقرب عشيرته اليه اقتضت مصالحهم السياسية ان يخرج عثمان من هذه الدنيا باي وسيلة سوى ان يموت على فراشه ؟.

  ولكن لماذا نحن هنا نقول ان مصالح بطانه عثمان السياسية وابناء عشيرته اقتضت ان لايموت عثمان على فراشه، بل كانت مصالحهم تقتضي ان يدفع عثمان دفعا للتصادم مع الامة ليحصل له ماحصل من ثورة، ومن ثم قتل له في هذه الثورة ؟.

انظر معي عزيزي القارئ وتفكر بدقة بسؤال : لو لم يقتل عثمان بن عفان ليخرج على اثره معاوية بن ابي سفيان ليطالب بالخلافة ثأرا لمقتل عثمان فهل ستسير امور الخلافة بما سارت عليه بعد مقتله ؟.

بمعنى اخر: هل كان ليتوقع احد وصول معاوية بن ابي سفيان لخلافة المسلمين اذا قدّر لعثمان بن عفان  ان يموت على فراشه بلا مشاكل ثورية تذكر ؟.

بالطبع معاوية بن ابي سفيان لايملك اي رصيد اسلامي يؤهله للتطلّع الى الخلافة باعتبار انه ليس من السابقين في الاسلام، وهذه كانت اهم ميزة لمن يترشح لخلافة المسلمين في عرف صحابة رسول الله محمد ص كما انها هي التي قدمت ابا بكر للخلافة وكما انها نفس مافعل به ابو بكر وعمر، وليس معاوية بن ابي سفيان  هو ايضا من اهل الفضل والعلم والجهاد في الاسلام ليتمكن من التقدم للخلافة، بل هو ممن دخل الاسلام عام الفتح واطلق عليهم ابناء الطلقاء عند المسلمين لعفو  رسول الله ص  عنهم واطلاق سراحهم بعدما رجع الامر له ص في محاكماتهم بعد الفتح !.

اذن من هي الشخصية المرشحة اسلاميا وجماهيريا ان تخلف عثمان بن عفان لوقدّر له الموت الطبيعي على فراشه وبلا مشاكل تذكر ؟.

المقدّر ان يخلف عثمان بعد وفاته شخص واحد لاغير : هو علي بن ابي طالب بلا منازع سوى الزبير بن العوام كاحد اصحاب الشورى الذي اختارهم عمر بن الخطاب، او طلحة بن عبيد الله !.

فلو قيل ان لا الزبير يتقدم اذا تقدم علي بن ابي طالب للخلافة بعد عثمان ولا طلحة له من الجماهيرية الاسلامية مايتمتع به علي بن ابي طالب، اذن هل بقي من منافس لعلي بن ابي طالب للخلافة بعد عثمان بن عفان ان مات على فراشه وبلا افتعال قلاقل تذكر ؟!.

واذا كان التفكير المنطقي والسياسي والديني والاجتماعي لعصر مابعد عثمان بن عفان يقول بهذه النتيجة الطبيعية التي ستؤول اليها الخلافة من بعد موت عثمان بن عفان، فهل يعقل ان يكون موت عثمان بصورة طبيعية هو لصالح العائلة الاموية عندما تنتقل الخلافة لغيرهم ؟.

ان عثمان رجل له من العمر اثنين وثمانين سنة، اي انه من المعمرين بالنسبة لباقي اعمار من سبقوه في الخلافة، ومنتظر منه ان يموت باي لحظة، مما يعني ان الخطر الحقيقي على مصالح العائلة الاموية لايكمن في شيئ قدر كمونه في موت عثمان بشكل طبيعي !.

ومن هنا قلنا ان بطانة وعشيرة عثمان بن عفان هي الخاسر الوحيد من موت عثمان ان قدّر  على فراشه، من منطلق ان العائلة الاموية من العوائل الغير مرشحة بالمطلق لخلافة عثمان في الحكم القرشي للمسلمين في بادئ الامر، او انه ليس هناك شخصية اموية اخرى مثل عثمان وله سابقته في الاسلام ومن اهل الشورى ليقدمه المسلمون كخليفة بعد عثمان بن عفان ان مات على فراشه، بل ان الانظار كانت تتجه الى البيت الهاشمي وبالخصوص الى علي بن ابي طالب بعد موت عثمان بن عفان المتوقع بين الفينة والاخرى !.

وهنا لابد ان العائلة الاموية العثمانية الحاكمة في زمن عثمان كمعاوية بن ابي سفيان وسعيد بن العاص وعبدالله بن عامر والوليد بن عقبة بن ابي معيط ومروان بن الحكم ...... قد طرحوا هذا السؤال على انفسهم كرجال دولة يفكروا لمستقبل نفوذهم السياسي في الحكم : وماذا بعد ان يموت عثمان ويأتي المتوقع والظاهر من الاحداث انه المرشخ لخلافته علي بن ابي طالب ؟.

هل سيبقي امثال علي بن ابي طالب عمّال ال امية في مناصبهم ان وصل لخلافة المسلمين بشكل طبيعي  ؟.

وهل علي بن ابي طالب من المسلمين الذين يقبلون بمروان بن الحكم والوليد بن عقبة بن ابي معيط وسعيد ابن العاص وعبدالله بن ابي سرح .... واضرابهم ممن لعنهم رسول الله وطردهم ودعى عليهم بالنار كالطريد الحكم بن العاص او يكونوا ولاته على الامصار ؟.

قطعا لا، فليس مثل علي بن ابي طالب من يولّي شارب خمر او طالب دنيا او ساعي الى شهرة او هو ممن يحمل ضغينة على المسلمين ...... لولاية الدين، بل المتوقع والطبيعي ان يكون حكم علي بن ابي طالب حمل على المحجة البضاء كما قال عمر لعلي ورجوع الى حكم محمد رسول الله ص، وهذا يعتبر في عرف العائلة الاموية دمار شامل لوجودهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي استحصلوه في خلافة عثمان بن عفان، والذي هم غير مستعدين بالمطلق التنازل عنه !.

عندئذ ماهي الطريقة الوحيدة لخلط الاوراق واستباق حدث موت عثمان الطبيعي كي لاتقع الكارثة على ال امية بالجملة ؟.

لايوجد طريق غير التخلص من عثمان باي شكل ليثير فتنة من بعده تمنع وصول الخلافة للخليفة الطبيعي المنتظر !.

وهذا ماحصل بالفعل في قتل عثمان بن عفان ابّان الثورة عليه في سنة خمس وثلاثين للهجرة !.

نعم المتضرر الوحيد من قتل عثمان بن عفان هو البيت الهاشمي الذي كان يستعد لاستلام الخلافة بعد موت عثمان الطبيعي، بينما المستفيد الوحيد من قتل عثمان بن عفان هو العائلة الاموية التي استطاعت رفع شعار الثار لدم المظلوم عثمان للاستيلاء والاحتفاظ بالسلطة الى مالانهاية وتحويل الخلافة الى ملك عضوض !.

والان وبعد ان ادركنا المستفيد والخاسر من قتل الخليفة عثمان بن عفان، نتساءل كيف استطاع ال امية من التخلص من عثمان بن عفان وايصاله الى هذه النهاية المؤسفة ؟.

بمعنى اخر انه نحن ندرك ان ال امية لم تقدم على قتل عثمان مباشرة بايديها لتتخلص من كابوس موته على فراشه، فكيف اذا اوصل بني امية عثمان لهذا المصير بايدي اعدائهم الثوريين ؟.

هنا يبرز دهاء امثال معاوية بن ابي سفيان ومكرهم وعمق تخطيطهم السياسي للوصول الى اهدافهم ولكن بايدي اعدائهم انفسهم، لاسيما ان كان هذا العدو ساذجا او مندفعا بالعاطفة اكثر من العقل او خاضعا لتوهان الظلم وتخطيطه، او غير متأملا بلماذية انتهاج السياسيين الظلمة هذا المنهج من الحكم !.

نعم عندما يزداد ولاة ال امية في خلافة عثمان بن عفان ظلما ودكتاتورية وفسادا واهانة للمسلمين في امصارهم  يوما بعد يوم، فلم يكن ذالك مجرد غريزة فطرية اجرامية مغروزة في دماغ هذه العائلة التي مارست الجاهلية في الحكم بابشع صورها ولكن بغطاء اسلامي، وانما هي انتهجت هذا الاسلوب من القمع الغير المبرر للمسلمين حسب منهجية مدروسة كان الغرض منها : ايصال المسلمين الى مرحلة من الغليان الثوري ومن ثم الانفجار الفوضوي الذي يتيح الفرصة لتصفية عثمان بن عفان الخليفة جسديا لتقلب الطاولة فيما بعد على راس خلافة وحكم المسلمين انفسهم ؟.

بمعنى اخر : انني اعتقد وحسب رؤيتي لتحليل الحدث التاريخي الاموي ان ولاة بني امية في دولة عثمان بن عفان كانوا على ادراك ووعي لما يقومون به من انتهاكات اخلاقية وسياسية دينية ضد المجتمع الاسلامي، وانهم لم تكن الغريزة الفطرية فحسب هي التي تحركهم لممارسة الرذيلة في الحكم، بل كان هناك التدبير من وراء ذالك والتخطيط له، لاستفزاز جميع المشاعر الاسلامية والاخرى الدينية والثالثة السياسية ضد حكم عثمان بن عفان ليدفع المجتمع الاسلامي في الاخر للانتفاض على حكمه واشاعة الفوضى التي تسهل اغتيال الخليفة عثمان بن عفان،لاسيما ان عثمان نفسه اعان عائلته الاموية على هذا التفكير ببساطته وسذاجة تفكيره وحبه وميله لعائلته عاطفيا بشكل يهيئ لهذه العائلة فعل ماتريد وماتخطط له  ليكون من بعد ذالك العصيان في الشام والمطالبة بدم المظلوم عثمان بن عفان والاستيلاء على الخلافة بالقوة وتحويلها الى ملك عضوض جاهلي لايمت للاسلام بصلة او شرعية فكرية ؟!.

والدليل على ان هذا التفكير الاموي هو السائد كمخطط لتأليب الراي العام الاسلامي على حكم عثمان ومن ثم الثورة عليه وقتله، هو ان هذه العائلة الحاكمة مارست الظلم في جميع امصار المسلمين وتواجدهم في مصر وفي الكوفة وفي البصرة وفي المدينة وفي اليمن ..... ماعدى ولاية الشام التي كانت تحت حكم معاوية بن ابي سفيان التي كان فيها مسلمين بلا اسلام، اي انها من المدن التي لايدرك اهلها ابّان حكم معاوية لها من الاسلام الا انه معاوية بن ابي سفيان، حتى ان هذا الجمهور الشامي لايعرف من هم الصحابة السابقون ولاماهو الاسلام كفكر وعلم ورسالة .... مما جعل الامويون يتخذون من الشام قاعدة رجوع وانطلاق لحكمهم الاموي، ومن هنا كانت الشام من بين جميع الاقطار والجمهور الاسلامي تتمتع باحترام وعدل لانظير له في حكم الامويين العثمانيين من منطلق تهيئت الشام لتكون هي الوحيدة قاعدة الانطلاق بعد عثمان للاستيلاء على الحكم والخلافة وتحويله الى ملك يعرفه اهل الشام ولايعرفون من حكم الاسلام الشوري اي شيئ يذكر !.

فهل استوعب القارئ الكريم ماذا تعنيه ظاهرة انتشار الظلم الاموي العثماني في جميع اقطار الاسلام ماعدى الشام ؟.

وهل فهم اللبيب المتابع ماالحكمة والغاية من اشاعة الظلم في جميع اقطار الاسلام التي تفهم الاسلام جيدا، بينما تتمتع الشام بالعدل والانصاف في حكم ال عثمان الامويين ؟.

نعم ادرك اللبيب ان اشاعة الظلم في امصار المسلمين لدفعهم للثورة على عثمان قبل وفاته على فراشه، واشاعة العدل في الشام لتكون قاعدة انطلاق لال امية من سلاطين للطلب فيما بعد بدم المظلوم عثمان الخليفة ومن بعده الاستيلاء على السلطة والحكم والخلافة وقلبها الى ملك عضوض !.

والآن لنذكر بعض الامثلة التاريخية التي تشير الى غشّ ولاة عثمان بن عفان الامويين لخليفتهم وكيف انهم استطاعوا تأليب الراي العام الاسلامي عليه وعلى خلافته الى ان اطيح به وقتل ليخلوا الطريق لورثة عثمان بن عفان معاوية بن ابي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ..... وغيرهم  ان يرثوا ثمار دمه الذي سفك في المدينة على ايديهم ومن تحت منابع خططهم الجهنمية !.              

يذكر ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه للنهج المجلد الاول ص 105 : ان آخر لقاء لمعاوية مع عثمان بن عفان كان في اخر سني خلافته حيث تكاثرت الشكاية من جميع اقطار المسلمين على ولاة عثمان، فارسل عثمان لولاته ليتداول الامر معهم، فجاء معاوية بن ابي سفيان من الشام، وسعيد بن العاص من الكوفة، وعبدالله بن سعد بن ابي سرح من مصر، وعبد الله بن عامر بن كريز  من البصرة مضافا اليهم مروان بن الحكم في المدينة وعمرو بن العاص الاموي ايضا  ليستطلع رأيهم، والكل بالفعل ادلى برأيه، فمنهم من قال باستخدام الارهاب والسيف لكل من يظهر الشكاية وهذا كان راي سعيد بن العاص والي الكوفة، ومنهم من قال تسريح كل من يظهر الشكاية من العرب  للجهاد وشغلهم بالقتال ليشتغل كل واحد منهم بوسخه وقمله على رأسه خارج البلدان، وهذا كان راي عبد الله بن ابي سرح والي مصر، ومنهم من قال بالمال، وهذا راي عبد الله بن عامر، ومنهم من قال بعزل بعض الولاة وهذا رأي عمرو بن العاص،   واخرهم قال معاوية بن ابي سفيان كلمة واحدة : الادب خير !. ثم قفل راجعا الى الشام .

ماذا تعني هذه الكلمة من فم معاوية بن ابي سفيان لخليفة المسلمين الذي يشعر بان ثورة الامة على الابواب ؟.

هل يعني ان معاوية غافل عن ما يجري في قلوب الامة كلها من غليان على خلافة عثمان وولاته ولذالك اشار بالادب فقط  ؟.

ام انه عاجز عن اعطاء الراي السياسي السديد الذي ينقذ عثمان من الورطة ؟.

بالطبع لا ؟.

ان معاوية عندما القى هذه الكلمة وخرج من مجلس عثمان راجعا للشام مرّ على سادة قريش وكبار الصحابة بما فيهم علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وعمار وابو ذر والمقداد .... وغيرهم ليقول لهم وبصراحة تنبئ عن ذكاء الرجل وانه مدرك لما سيحصل لعثمان فيما بعد  قال : استودعكم شيخنا هذا العجوز ان لم يمت على فراشه فبيني وبينكم السيف ؟.

اعلم ياعمار ويابا ذر وياطلحة .... ان لي في الشام مئات الالوف من الرجال ومثلهم ابنائهم ومثلهم عبيدهم، لاتعرف علي وفضله ولاطلحة وتضحياته ولاالزبير ...ولا ولا الاسلام ومايعني .... الخ فان حدث حادث فلا خلافة لكم !.

ان هذا الكلام من معاوية ينبئ عن ان الرجل كان يخطط منذ زمن بعيد للاستيلاء على الخلافة بالقوة، حتى ان طغام واعراب اهل الشام الذي هيئهم لهذه المهمة لايدركون من الاسلام ورجاله الا معاوية بن ابي سفيان فحسب، وحتى رسول الله ص محمد لم يكن يدرك هؤلاء الاعجام والاعراب الشاميين اي شيئ عنه، وحتى عندما سير ابا ذرّ للشام من قبل عثمان وجلس ابو ذر لتفقيه الناس هناك بالدين ارسل معاوية لعثمان رسالة يقول فيها : أدرك الشام قبل ان يفسدها عليك ابو ذر !.

فالرجل يريد قطع صلة الشام واهلها نهائيا عن الاسلام واهله ليعدّهم للحرب القادمة، والتي وحسب رؤيته السياسية انها واقعة لامحالة، ومعاوية يدرك عجز عثمان عن ادارة الدولة والناس، بل انه كان يعين على اشعال فتيل التمرد عليه، بحيث ان الحادثة التي ذكرناها فيما مضى من مسيرة اهل الكوفة اليه، وارجاعهم والكتاب الذي 

كتبه لعثمان عنهم، ينبئ هذا الكتاب عن غش لعثمان من قبل معاوية واضح عندما كتب له :((انه قدم عليّ قوم ليست لهم عقول ولاأديان أضجرهم العدل لايريدون الله بشيئ ولايتكلمون بحجة انما همهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم وليسوا بالذين نخاف نكايتهم وليسوا الا كثر ممن له شعب ونكير )) والحقيقة ان قوله :( وليسوا بالذين نخاف نكايتهم وليسوا الاكثر ..) هذا الكلام فيه غش لعثمان بن عفان الخليفة من منطلق ان هؤلاء القوم هم الذين اصبحوا فيما بعد قادة للثورة على عثمان في الكوفة، بل وحتى قوله : وليسوا الاكثر ممن له شعب ؟. ايضا فيه غش اخر لعثمان باعتبار ان معاوية مدرك ان هؤلاء القوم هم قادة اهل الكوفة وقبائلها !.

فكيف ولماذا حاول معاوية تخدير مشاعر عثمان وعدم نيته لفت انظار عثمان لخطر هؤلاء الناس في كتابه  ؟.

الحقيقة لاجواب لهذا الا كون معاوية واضرابه من بني امية مروان بن الحكم وغيرهم قد كانوا يخططون للاطاحة بهذا الشيخ العجوز من خلال اثارة المسلمين عليه لتكون لهم الذريعة في العصيان والتمرد على الخليفة القادم من بعده، ولهذا وجدنا ال امية كلهم على قلب رجل واحد لدفع عثمان بن عفان للمزيد والمزيد من الضغط على المسلمين واثارة حفائظهم واحتقار مطالبهم العادلة كلما سنحت الفرصة !.

************

 ثالثا :( سوء ادارة عثمان السياسية والاقتصادية والاجتماعية   )

 مضافا الى البلايا الخطيرة التي ابتلي فيها هذا الخليفة المسكين من وقوعه وراء خليفتين كابو بكر وعمر، مضافا الى بلائه بسوء بطانته وعشيرته من ال امية التي كانت تضمر له الشرّ بلا وعي منه لذالك، كذالك هناك البعد الثالث في بليته وهي بلية سوء الادارة التي هي اصلا ورثها وهي سيئة من الخلفاء السابقين له، فقد ورث عثمان بن عفان ثقلا عظيما من اعباء الخلافة الاسلامية بعد عمر بن الخطاب مع مافي هذه الخلافة من منحنيات بحاجة الى عبقرية سياسية مع الاسف لم توجد ابدا في عثمان بن عفان ومنها على سبيل المثال وبشكل عناوين فحسب بحاجة الى بحوث مطولة نذكرها كأمثلة هنا لاعطاء الفكرة ابعادها فقط 

   اولا : فهناك العطايا الاقتصادية الاسلامية التي شرعها الاسلام ووضع لها ضوابط وقوانين حساسة جدا لم يلتفت عثمان لمبادئها الاسلامية، بحيث انه زاد في اعطيات قوم الاقتصادية وحرم اخرين بشكل غير مدروس ولايخضع لاي ضوابط اسلامية او سياسية مما اثار عليه جلّ الصحابة وزاد في نقمتهم على سياسته المالية والادارية للمجتمع، ومنها على سبيل المثال تعديل عطايا ام المؤمنين عائشة بنت ابي بكر ومساواتها بقريناتها من ازواج الرسول ص مما اثار حفيظتها بحيث انها كانت تتميز بالعطاء الاوفر في زمن عمر بن الخطاب على قريناتها، وهذا السبب هو ماجعل ام المؤمنين تنظم الى المحرضين على التخلص من عثمان يوم الثورة !.

وكذا ما انتهجه الخليفة عثمان بن عفان بشكل غير مسبوق في توزيع الثروة الاسلامية بحيث انه وفي جلسة اريحية يهب مروان بن الحكم خراج ولاية افريقيا كلها ويبقى فقراء المسلمين بلا عشاء لاطفالهم !.

ثانيا : هناك التغييرات الاجتماعية والسكانية والديمغرافية التي دخلت في الاسلام بلا شعور من الخليفة الجديد بعد عمر بن الخطاب  عثمان بن عفان ولاعلم منه في الكيفية العلمية التي من خلالها يتعامل من هذا المتغير الاجتماعي الداخل في الاسلام جديدا !.

ان عثمان بن عفان ورث نظاما اجتماعيا مغلقا في زمن عمر بن الخطاب، بحيث ان الصحابة في  زمن عمر بن الخطاب كانوا يخضعون الى نظام شبيه بالاقامة الجبرية في المدينة، وغير مسموح لاحد منهم مغادرة المدينة المنورة او عاصمة الدولة الاسلامية بغير اذن الخليفة عمر انذاك، وكذا لايسمح لاحد بالدخول والسكنى في العاصمة الاسلامية المدينة المنورة من الخارج سواء كان عربيا او خصوصا ان كان اعجميا، فغير مسموح مطلقا دخول اي عنصر غريب من خارج المدينة واهلها للسكن داخل المدينة، وحتى ابو لؤلؤة قاتل عمر كان غلاما للمغيرة ابن شعبة لم يسمح له عمر بالدخول والعيش في المدينة الا بعد كفالة المغيرة له والحاح منه !.

هذه السياسة الاجتماعية انفجرت وانهارت بعد مقتل عمر وانتقال الخلافة لعثمان بن عفان، الا ان عثمان لم يدرك هذا التغيير الديمغرافي والاجتماعي الذي حصل، وما يتطلبه من سياسات اجتماعية جديدة ينبغي ان يتعامل بها عثمان في خلافته، ولهذا فان الدارسين لحقبة الخليفة الثالث عثمان سيجدون ان هناك تخبط اجتماعي واضح في سياسة عثمان الاجتماعية سببت له المشاكل التي يراها ولكنه لايفهم من اين هي متأتية والكيفية التي ينبغي معالجاتها من خلالها، فكان هناك تمايز طبقي فاحش يستفحل في المجتمع بين عرب مسلمين واخرين مسلمين غير عرب دخلوا الاسلام بعد الفتوحات، وكذا برزت هناك الكثير من الظواهر الاجتماعية الخطرة جدا لم يلتفت اليها عثمان مطلقا ليس هنا موضع بحثها !.

ثالثا : وهناك ايضا سوء بالادارة السياسية لعثمان من خلال عزل الولاة وتعيين غيرهم على حسب الميول العاطفية لعثمان بن عفان، وهذا ايضا سبب الكثير من الاضطرابات السياسية للخلافة كما ألب الكثير من الصحابة الكبار عليه مثل غضب عمرو بن العاص على عثمان لعزله من ولاية مصر وتوليه عبدالله بن ابي سرح، فهذا كان مثل صارخ على الكيفية التي من خلالها كان عمرو بن العاص من المتحاملين على الادارة السياسية لعثمان حتى انه وقف في يوم الثورة ليمدح عثمان فذمه بشكل زاد من نار الثورة عليه !.

وكذا الموضوعة عندما لايولى طلحة بن عبيد الله واضرابه من الصحابة الذين يشعرون انهم ضحوا كثيرا من اجل الدين والاسلام بينما يولّى شارب خمر كالوليد بن عقبة مثلا او سعيد بن العاص لا لشيئ الا كونهم من عشيرة الخليفة واقربائه !.

****************

 رابعا : ( من هم الثوار ضد عثمان )

 لايستطيع رذيل في قومه ان يقود ثورة جماهيرية ضد حكومة قائمة، ومهما قيل لتشويه صورة من يريد ان يغير دولة وسياسة، فيبقى هذا الانسان اكبر بكثير ممن يريد ان ينتقص من همته !.

نعم الثوار الذين ذكرهم لنا التاريخ والذين شاركوا بالاطاحة بحكومة عثمان بن عفان وبوجوده ايضا، ومع ربما اختلافنا معهم في توجهاتهم الفكرية والدينية الا انهم من سادة الاقوام في مجتمعاتهم القبلية والدينية، وهذه الحقيقة يظهرها التاريخ من خلال ذكر اسمائهم ومايمثلوه في مجتمعاتهم ومالعبوه على الساحة السياسية التاريخية الاسلامية فيما بعد !.

وعلى اي حال، وكما ذكرنا سابقا ان الثوار انطلقوا من ثلاث امصار اسلامية كبيرة الثقل للخلافة الاسلامية انذا وهي كالاتي :

اولا  : مصر وقادة الثورة فيها.

1 : عبد الرحمن بن عديس البلوي .

2:كنانة بن بشير الليثي .

3: سوران بن حمران السكوني .

4: وقثيرة بن وهب السكسكي .

5 : قائدهم ( ابو حرب الغافقي ).

وكان هؤلاء القوّاد في الفين من انصارهم عندما خرجوا للمدينة .

ثانيا : الكوفة وقادة الثوار فيها .

1: زيد بن صوحان العبدي .

2: مالك الاشتر النخعي .

3: زياد بن النظر الحارثي .

4: عبدالله بن الاصم الغامدي .

وكان هؤلاء القوّاد قد خرجوا للمدينة بالفي رجل ايضا .

ثالثا : البصرة وقادة الثوار فيها .

1: حكيم بن جبلة العبدي  .

2:حرقوص بن زهير الاسدي / قائد ثوّار البصرة .

****

ان هذه الفصائل الثورية الجماهيرية الثلاثة وحسب مايذكره ارباب السير يبدو ان لها تنظيم سياسي عالي الكفاءة والتنسيق، بحيث ان توقيت الخروج لهم من امصارهم في سنة خمس وثلاثين للهجرة في وقت واحد وحجة واحدة وهي الحج لبيت الله الحرام لم يكن حدثا عبثيا ولاتنسيق فيه، وانما هو يؤشر الى ان هناك تنسيق ما بين هذه الجموع الثورية الاسلامية وامر للخروج لها صدر من قيادة عليا واحدة ايضا !.

نعم المتتبع لميول الثوار الفكرية وصلاتهم السياسية لقادة الصحابة المتواجدين في المدينة المنّور عاصمة الخلافة الاسلامية انذاك سيكتشف ان هناك ثلاث صلات واضحة لاهل الثورة موزعة كالاتي

اولا : أهل  البصرة

ولهم صلات واضحة بالصحابي طلحة بن عبيد الله في ذالك الزمان، والذي كان له زيارات متكررة لها وتجارة رائجة في هذا المصر، كما ان البصرة وللتدليل على التاثير السياسي لهذه الشخصية الصحابية المتنفذة  عليها هي اصبحت فيما بعد القاعدة التي اعتصم بها الزبير وطلحة وام المؤمنين عائش عند نكثهم لبيعة علي بن ابي طالب ابّان خلافته فيما بعدُ، مما يؤكد الى مانذهب اليه من ان ثوّار البصرة كان لهم تنسيق واضح بالقيادة الطلحاوية هذه وكذا ثوار الكوفة ايضا فلطلحة كذالك دارا كبيرة في الكوفة المعروفة بدار الطلحيين مما يدعم مقولة صلاته بالثوار من اهل البصرة واهل الكوفة   في المدينة في يوم الثورة على عثمان من سنة خمس وثلاثين للهجرة، كما ان هناك من يروي تأريخيا : ان طلحة كان يوجه الثوّار داخل المدينة نفسها وكان عثمان يدرك ذالك   !.

ثانيا : اهل الكوفة .

ويذكر اهل التاريخ ان هوى ثوارها كان مع الزبير بن العوام، كما انه كان للزبير بعض الصلات الاجتماعية والتجارية ايضا في البصرة كذالك  ربما تكون هي المساهم في اقامة العلاقة هذه بين الزبير والكوفة والبصرة معا، مع ان الميول الاجتماعية لاهل الكوفة كانت تقول غير ذالك وقد تغيرت بالكامل بعد مقتل عثمان وانتخاب علي بن ابي طالب للخلافة، بحيث ان اهل الكوفة كان اول من اطاع الخليفة الجديد علي بن ابي طالب في حرب الجمل التي ابادة عصاة البصرة بما فيهم الزبير بن العوام غدرا !.

ثالثا : أهل مصر .

ويذكر ان هواهم كان مع علي بن ابي طالب، ولم يذكر اهل التاريخ ماهية الصلات التي كانت لعلي بن ابي طالب مع اهل مصر، وكيف نشأت، لكن من المحتمل انه ومن خلال ربيب علي بن ابي طالب محمد بن ابي بكر انشأ محمد هذه الصلة ونظم لجريانها لعلي بن ابي طالب لتصب في حب اهل مصر لابن عم رسول الله ص !.

********

 خامسا :( مطالب الثوار وانتماءاتهم السياسية )

 مما تقدم من هويات واسماء ومناطق الثوار يتبين لنا ان ليس هناك توجه موحد مئة بالمئة اوقيادة موحدة ومشخصة  لهذه الاصناف المختلفة من الثوريين على عثمان في حكمه، بل هناك عوامل سياسية هي التي وحدّت الجمهور الاسلامي على المطالبة بعزل ولاة عثمان من الامصار ثم تطوّرت هذه المطالب لعزل عثمان بن عفان  نفسه من الخلافة بسبب الجور والظلم اللاحق بهذه الامة !.

اي وبمعنى اكثر وضوحا ان الظلم وحدّ الجمهور الاسلامي على المطالبة بالتغيير في السياسة المنتهجه للخليفة الثالث للمسلمين عثمان بن عفان، ولاريب ان مطالبات الثوار الاسلاميين هذه كانت تعبّر عن مطالب قادة الصحابة في المدينة المنوّرة بالقرب من عثمان، الا انها لم تستطع الظهور بشكل علني للملأ لتعبر عن ارادتها سياسيا، فهنا الكثير مما يشير الى ان مارفعه ثوار مصر من مطالب هي نفس ماكانت تنقمه صحابة رسول الله ص على سياسة عثمان في خلافته، ولهذا قلنا ان التعبير الظاهري جاء على لسان ثوار الامصار الاسلامية صراحة وبشكل ثوري بينما ان نفس هذه المطالب بالمضمون كانت تعبر عن توجهات سياسية لجلّ الصحابة الناقمين على عثمان بن عفان في حكمه !.

ومن هنا نفهم ان هناك اكثر من جهة كانت تغذي من ثورة النقمة على عثمان واكثر من عامل ساهم في تفجير الثورة في هذا الوقت بالذات، فهناك عوامل الظلم المستشري على يد ولاة بني امية في الامصار والذي يحاول الدفع بشكل مخطط له لثورة الامة على عثمان والاطاحة به قتلا باعتبار ان فكرة التنازل كما سنتناوله غير واردة على ذهن عثمان بن عفان مطلقا حتى وهو تحت السيف !.

وهناك توجيهات معظم الصحابة لاثارة الناس على عثمان والتخلص من حكمه والانتقال الى مرحلة جديدة !.

لكن هناك توجها واحدا في المدينة كان يفهم كل خيوط اللعبة ومداخلها ومخارجها الاموية منها وغير الاموية، وهو التوجه الهاشمي بقيادة علي بن ابي طالب الذي بالغ كثيرة بالنصح لعثمان وساهم بشكل اساسي بعدم انفجار الثورة وقتل عثمان فيما بعد، حتى انه خاطر بولديه الحسن والحسين للدفاع عن حياة عثمان التي يُراد لها ان تزهق من اكثر من طرف، ودفع بابنيه لحراسة بيت عثمان شخصيا لحراسته من الغيلة، وكذا دفع علي بن ابي طالب وشجبه للثورة في هذا الوقت بالذات، من منطلق ادراكه ان الثورة على عثمان ماهي الا حفرة لايقاع الامة المسلمة فيها او دفعها اليها لتخلط الاوراق على المستقبل القادم لخلافته هو، ولهذا كان حريصا ان تتفجر الاوضاع الاسلامية الى حد الفوضى التي يقتل فيها عثمان بن عفان وان كان هو من الناقمين على افعاله التي تسببت بكل ماحصل للامة !.

سئل مرّة علي بن ابي طالب في تقييمه لما حصل يوم مقتل عثمان ومارايه بكل الحدث من عثمان الى الثوار فقال عليه السلام : أستأثر فأساء الاثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع ( انظر نهج البلاغة / شرح محمد عبده ) !.

اي بمعنى ان عثمان وصل بالاثرة والتجاوز الى الحد الذي لايطاق من خلال عمّاله، ولكنّ ومع ان لكم الحق ايها الثوار بان تجزعوا من هذه المصيبة ولكنكم اسأتم الجزع عندما فقدتم الصبر لتفقدوا معه توازنكم الفكري ولم تلتفتوا الى مايحيكه ال امية من مخطط لبعد مقتل عثمان على ايديكم فوقع ماقدره الله سبحانه وتعالى !.

نعم كان مطالب الثوار محددة في ان يعزل عثمان بن عفان عماله عن امصار المسلمين مصر والبصرة والكوفة بسبب فقدان هؤلاء الولاة لابسط قواعد العدالة واحترام المجتمع والوازع الاخلاقي الديني !.

وهذا المطلب لم يكن بدعا في الدين ولاهو كفرّا بالاسلام، وانما هو مطلب اسلامي من حق المجتمع الاسلامي ان يمارسه على خليفته، كما ان من حق الخليفة على المسلمين بعد اشاعة العدل والمساواة بينهم ان يسمعوا ويطيعوا، وهذه كانت سياسة ابو بكر وعمر من قبل عثمان فكثيرا ماعزل عمر بن الخطاب ولاّة بسبب عدم موافقة الرعية بسياستهم، ولهذا دام عمر ودامت سياسته على احسن حال، بينما انتهج خليفة المسلمين الثالث عكس هذا السياسة فاصبح عثمان بن عفان رهين ولاته التي تطلب الامة عزلهم فلايستطيع مع ذالك سبيلا !.

 ********

سادسا :( رؤية عثمان للثورة ورؤية الثوار للشرع )

 كان عثمان بن عفان ممن يؤكدون على ان منصب الخلافة منصب الاهي يضعه الله في ظله على الارض وهو الخليفة، وربما اذا قرأنا جميع التواريخ الاسلامية التي تذكر رؤية عثمان بن عفان لمنصب خلافة المسلمين فاننا سنجد ان للرجل رؤية مفادها : ان الخليفة ماهو الا خليفة الله في الارض له حق الادارة الالهية في هذه الخلافة يفعل بها كيفما شاء بلا حق راجع للامة في تقييده !.

وهذه الرؤية هي رؤية الامويين الاسلامية او التي روّج لها الامويون ابّان سلطانهم الملكي على المسلمين، ومن ثم ليقنعوا خليفتهم العائلي عثمان  بهذه الرؤية للخلافة حتى انه وفي اخر ساعة من حياته يقول له احد الثوار :(( انزع نفسك منها )) فيقول له الخليفة عثمان :(( ماكنت لانزع قميصا البسنيه الله سبحانه وتعالى ))؟!.

ماذا تعني هذه الرؤية لعثمان بن عفان ؟.

تعني ان لعثمان بن عفان رؤية خاصة لموضوعة منصب الخلافة اقنعها به وبلا شك معاوية بن ابي سفيان الذي كان دائم المقول لاطلاق صفة خليفة الله على السلطان، وكذا مال الله على اموال المسلمين !.

ان ابا ذر كان احد الذي جلس في فترة نفيه للشام في مساجد اهل الشام ليفقه الشاميين على القول :(( مال المسلمين وليس مال الله سبحانه ؟.)) ايعلم القارئ الكريم لماذا ؟.

لان اهل الشام وسياسة بني امية في رعيتهم كانوا ينشرون ثقافة ان هذا المال هو مال الله سبحانه وضعه الله بيد خليفته من سلطان المسلمين ينفقه كيفما رأى !.

بينما ماكان يفهمه الصحابة كلهم من رسول الله ص ومن الاسلام هو التاكيد على : ان المال لله سبحانه ولكن وضعه لحقوق المسلمين يصرف عليهم بالعدل والسوية !.

وهنا يبدو الفرق واضح بين مال فيه حق للمسلمين لاينبغي سرقته ووضعه في غير مواضعه المعروفة اسلاميا ؟.

وبين مال لله ولكن ليس فيه حق لاحد غير خليفة المسلمين يضعه حيثما شاء !.

هذا هو الفرق ايضا في رؤية عثمان للخلافة ورؤية عمر وعلي وابو بكر وباقي الصحابة للخلافة، فبينما يمتنع ابو بكر من تسميته خليفة لله سبحانه ويفضل اسم خليفة رسول الله ص، ويمتنع عمر بن الخطاب من تسميته حتى خليفة خليفة رسول الله ويكتفي بامرة المؤمنين ... ياتي عثمان ليرى انه خليفة الله مباشرة مما اثر على تفكيره السياسي ونظرته لمطالب الامة العادلة !؟.

في يوم احاطة الثوار ببيت عثمان بن عفان يروي ( الطبري والمسعودي  وابن ابي الحديد ....الخ ) من المؤرخين الكبار ان عثمان بن عفان تدلّى براسه على الثوار من سطح داره ليسألهم بقوله :(( بم تستحلون قتلي وقد سمعت رسول الله ص يقول : لايحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث، كفر بعد ايمان، اوزنى بعد احصان، اوقتل نفس بغير نفس ؟!.)).

ان عثمان هنا لايبدوا انه شاعرا بالمطلق ماعليه وماله عندما يكون خليفة للمسلمين، من ما له او عليه عندما يكون من عامة المسلمين!.

ولهذا جاء عثمان بهذه الرؤية التي تدلل على ان الرجل لايمتلك فقه الحاكم والدولة في الاسلام وماعليه مما له !.

بينما اهل الثورة من الجمهور الاسلامي كانت حجتهم الاسلامية غير ذالك بالتمام عندما اجابوا عثمان بالقول :(( أما قولك لايحل دم الا باحدى ثلاث، فانا نجد في كتاب الله أباحة دم غير الثلاثة، دمّ من سعى في الارض بالفساد، ودم من بغا ثم قاتل على بغيه، ودم من حال دون شيئ من الحق ومنعه وقاتل دونه، وقد بغيت ومنعت الحق وحلت دونه وكابرت عليه ولم تقد من نفسك من ظلمك ولامن عمالك وقد تمسكت بالامارة علينا والذين يقومون دونك ويمنعونك انما يمنعونك ويقاتلوننا لتسميتك بالامارة فلوا خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال معك !)).

فهؤلاء الثوار يفهمون جيدا ان الاسلام وضع لهم حقوقا يجب ان تحترم، وان لهم الحق في انتخاب حاكمهم، كما ان عليهم السمع والطاعة في مقابل عدل الحاكم ورضاهم عنه ؟.

فاين هذا الفهم الاسلامي لشؤون الحكم من فهم الخليفة عثمان الذي لايرى له اي جريرة في هذه الملحمة الاموية العظيمة التي دخل فيها من غير ان يدرك عدوه من صديقه فيها ولاحول ولاقوة الابالله العلي العظيم .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com