المطلوب اعتذار خليجي عربي للعراقيين!

 

رياض الحسيني/ كاتب وناشط

 سياسي عراقي مستقل

 aswathurra@gmail.com

 في منتصف نيسان من العام المنصرم كتبت مقالا بعنوان "مجادية المثقفين" لامني وقتها من لامني لانني وعلى حد وصفهم قد وسمت به بعض "الوطنيين جدا" بوصف لايليق بهم! لم يدم الانتظار طويلا حتى جاء اليوم الذي يظهر كل منا على حقيقته ويكون وصفي لهم بـ "المجادية" وصفا دبلوماسيا لايرقى اليه الشك فمن يستجدي طرف ما بكلماته المكتوبة لايقل عمن يستجدي الناس بكلمات منطوقة! الفرق الوحيد ان الاول يلبس الطقم الخليجي الفاخر وربطة العنق المؤنقة بينما لايجد الثاني قوت يومه.  

 كمواطن عراقي اقول انني لم ولن اتفاجأ حينما اقرأ بين الفينة والاخرى مطالبات من هذا الطرف السياسي او ذاك الاعلامي وهم يقفون بالنيابة عن دولة ما ويطالبون العراقيين كشعب والسياسيين العراقيين الحاليين كحكومة بالاعتذار من دولة ما سواء اكانت عربية او جارة. صراحة عدم تعجبي يكتنفه عدم اكتراث لاسباب عديدة اولها ارتباط هؤلاء الصنف من الناس ارتباطا وثيقا بتلك الدول وتحديدا من النواحي المادية وان كان يقع ضمن نظرية "مازاد حنون في الاسلام خردلة...."!

المؤلم اننا لم نسمع لحد اللحظة اية مطالبة رسمية من تلك الدول التي عانت كما الشعب العراقي من سياسات صدام البغيضة، اقول لم نسمع منهم مانسمعه اليوم ممن المفترض بهم انهم "مواطنون عراقيون" وليسوا رعايا لتلك الدول. ترى كيف يُطلب من ضحية ان تعتذر لضحية اخرى لو صح التعبير عما فعله نفس الجلّاد؟! حتى لايساء الفهم فنحن لسنا ضد "الاعتذار" كمبدأ للتصافي والتلاقي ولكننا ضد مبدأ القفز على الحقائق وخلط الحابل بالنابل وبرأينا ان صاحب الفعل اولى بالاعتذار من صاحب ردته.

الانكى من ذلك ان بعضهم يقارن ظلما وعدوانا وليس من ثمة شك ان القضية خارجة عن حسن النية وصفاءها، باعتذار اليابان للصين وايطاليا لليبيا! مقارنة غريبة وخبيثة في ذات الوقت فمنذ متى كان الشعب العراقي كالشعب الالماني الذي قاتل بحماس منقطع النظير من اجل استعباد العالم وبناء امبراطورية على الدماء والجماجم؟! متى كان الشعب العراقي كالايطاليين اللذين قتلوا حتى الرضّع في المهد لا لشئ سوى محرك الحقد والكراهية ضد العرب والمسلمين؟ ثم كيف يقبل هؤلاء سواء اكانوا سياسيين او مثقفين على انفسهم ان يطالبوا بشئ هم انفسهم لم ولن يفعلوه؟!

طالموا ان هؤلاء "الوطنيون" قد احتكموا للتأريخ واستلبوا منه امثلة للاعتذار نقول أليس الاجدر بهم مطالبة البريطانيين وحكومتهم مثلا عما اقترفته اياديهم في العراق قديما وحديثا؟ أليس الاولى مطالبة الاحتلال الامريكي عما فعله ويفعله جنوده يوميا من انتهاك للحرمات واذلال للشعب العراقي بحجة "ارساء دعائم الديمقراطية"؟ أليست من الوطنية في شئ ان يطالب هؤلاء كل الدول العربية وتحديدا الخليجية منها عما فعلته في العراق سواء اكان بقصد او من دون قصد وهي الدول التي كانت الداعمة لصدام ماديا واعلاميا ولوجستيا لثماني سنوات في حرب لاناقة للعراقيين فيها ولاجمل؟! أليس من المفترض بهؤلاء المطالبة بوقف دفع التعويضات لهذه الدول من جراء سياسات صدام التي اتخذها في معزل عن رأي الشعب العراقي الذي تستخدم ثرواته اليوم لدفع فاتورة حروبه النيابية سواء العربية منها او الدولية بينما تستخدم اموال صدام المهرّبة في قتل الشعب العراقي بحجة دعم "مقاومة المحتل"! لو كان هؤلاء حقا صادقون في دعواهم ان يطالبوا اولا تلك الدول بالمعاملة بالمثل لاخذ زمام المبادرة "الانسانية" وتقدّم اعتذارها للشعب العراقي اولا وتسقط ديونها اسوة بما فعلته كل دول العالم المتحضر تقريبا بينما هذه الدول تحديدا رفضت اسقاط اي "فلس" من ديونها في وقت هي مسؤولة مسؤولية مباشرة عما حلّ بالعراق من هدم وتدمير وتشريد وقمع وانتهاك طول ثلاثة عقود خلت.

يبدو ان هؤلاء سواء اكانوا من المستفيدين الاوائل من مثل تلك الدعوات او من المتصيدين في الوحل او من المطرودين الباحثين عن مجد ضائع ايا كان الامر فهو في النهاية يقدح بوطنيتهم قبل اي شئ اخر. بيد ان مطالبات على تلك الشاكلة وعلى هذا الوزن انما تنم عن مدى الانانية وايثار المنافع الشخصية على حساب شعب لم يكن يوما عدائيا ووطن طالما عانى من دسائس الاقربون قبل الاباعد!

في نهاية المطاف فانني وتعضيدا لهؤلاء "الوطنيون جدا" اطالبهم اولا كما اطالب الحكومات العراقية السابقة واللاحقة باعتذار رسمي كما اطالب الشعب العراقي باعتذار جماهيري صاخب من "الدكتورة الدرويشة السفيرة حسنة ملص" وورثتها الشرعيين لما لاقته هذه "المناظلة" من انتهاك على مدى خمسة عقود من التهكّم والغمز واللمز حتى التصق اسمها "الثلجي" بأسم العهر العربي "الثلجي" ايضا!

  أعلّمه الرماية كل يوم  ***  فلم اشتدّ ساعده رماني

وكم علّمته نظم القوافي *** فلما قال قافية هجاني

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com