حذار إنها معاهدة سياسية استراتيجية وليست مجرد اتفاقية وضع القوات (SOFA)

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com 

لأشهر عدة ردد المسئولون الأمريكيون بأن الغرض من الاتفاقية الجاري التفاوض على بنودها مع العراق تنظيم وضع قواتها التي ستبقى مرابطة في العراق بعد انتهاء تفويض الأمم المتحدة بنهاية العام الحالي بمقتضى الفصل السابع المتضمن في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1790، وهذا ما أكده المسئولون العراقيون مراراً وتكراراً، لذا فقد قال مساعدو الرئيس بوش بأن المعاهدة لن تعرض على الكونجرس الأمريكي للمصادقة عليها، أسوة بالعشرات من اتفاقيات وضع القوات، المعروفة بـ SOFA، المبرمة بين أمريكا ودول أخرى، وسيكتفى بموافقة الرئيس الأمريكي بإعتباره رئيس السلطة التنفيذية.

ثم نشرت مسودة الاتفاقية الأمنية، والتي أعد صيغتها فريقا التفاوض الأمريكي والعراقي، وقدمت للراي العام العراقي بإعتبارها إتفاقية وضع قوات، ورداً على صيحات الرفض للإتفاقية المتصاعدة من الأوساط السياسية والشعبية في العراق ارتفعت أصوات أنصار الاتفاقية لتؤكد مجدداً بأنها إتفاق "فني" بحت لتنظيم وجود القوات الأمريكية بعد إنتهاء التفويض الأممي الممنوح لها، وبدون ذلك سيكون وضعها في العراق بدون سند نظامي، فهل الاتفاقية الأمنية محور النقاش والجدل في الأوساط العراقية هي فعلاً SOFA أم شيئاً آخر؟

يعرف أحد المصادر اتفاقية وضع القوات بأنها" ليست إتفاقية على تأسيس قواعد أو تموضع قوات، بل  تعرف الوضع القانوني للقوات الأمريكية وممتلكاتها على أراضي دولة أخرى، والهدف من هذه الاتفاقية تحديد الحقوق والواجبات بين الولايات المتحدة والدولة المستضيفة بخصوص أمور مثل الولاية القضائية في الأمور الجنائية والمدنية وارتداء البزات العسكرية وحمل السلاح والجمارك ودخول وخروج الأفراد والممتلكات والبت في النزاعات"  (GlobalSecurity.org)

حكومة أمريكا طرف في ما يزيد على تسعين اتفاقية وضع قوات مع دول مختلفة في العالم، وجميعها متشابهة إلى حد كبير، من حيث الهدف والمضمون، وقد لا يختلف إثنان حول طبيعتها، ولكن الاتفاقية الأمنية بين أمريكا والعراق، وبالمقارنة بها، استثناء على القاعدة، وهو استثناء كبير لدرجة يجعلها معاهدة سياسية استراتيجية شاملة، لا مجرد إتفاقية وضع قوات، وهاكم البرهان على ذلك.

تزخر مسودة الاتفاقية الأمنية بالأدلة على كونها معاهدة شاملة ذات صبغة سياسية وأمنية، بدءاً بالمقدمة أو الديباجة، والتي تبين أغراض وأهداف الاتفاقية، وكما يلي: " تعزيز أمنهما المشترك، والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين، ومحاربة الإرهاب في العراق، والتعاون في مجالات الأمن والدفاع، ومن خلال كل ذلك، ردع التهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق"،  كما تحدد المادة الرابعة من الاتفاقية المهام التي تحقق أغراض الاتفاقية، وهي ذات صبغة سياسية وأمنية، ويتجلى ذلك في أوضح صورها في الفقرة الأولى من هذه المادة، والتي تنص على مايلي: (. تطلب حكومة العراق المساعدة المؤقتة من قوات الولايات المتحدة لأغراض مساندة العراق في جهوده من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في العراق، بما في ذلك التعاون في القيام بعمليات ضد تنظيم القاعدة والمجموعات الإرهابية الأخرى والمجموعات الخارجة عن القانون، بما في ذلك فلول النظام السابق)

ولنتوقف برهة مع المادة السادسة والعشرين، والمتضمنة وعوداً أمريكية بمساعدة العراق على الخروج من تحت نير العقوبات الجائرة وفقاً للفصل السابع من نظام مجلس الأمن الدولي، وهذا موضوع غير مرتبط بوضع القوات الأمريكية في العراق، لا بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ويبدو بأنها المكافأة التي تلوح بها الحكومة الأمريكية أمام العراقيين ليقبلوا بالاتفاقية، أو الأصح المعاهدة، ولو كانت مجرد إتفاقية وضع قوات لما احتاج الأمر لمكافآت وحوافز للطرف العراقي.

ويعود التركيز على المحاور الاستراتيجية والسياسية والأمنية ليبرز بقوة في المادة الثامنة والعشرين، وموضوعها ردع المخاطر الأمنية، والتي ترسم دوراً كبيراً لحكومة أمريكا في الشؤون العراقية: (من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في العراق والمساهمة في إدامة السلام والاستقرار الدوليين، يسعى الطرفان بنشاط من أجل تعزيز القدرات السياسية والعسكرية لجمهورية العراق وتمكين العراق من ردع المخاطر التي تهدد سيادته واستقلاله السياسي ووحدة أراضيه. ولهذا الغرض يعمل الطرفان مع بعضهما البعض بصورة وثيقة حول مسائل تتعلق بترتيبات الدفاع والأمن)، وتقضي الفقرة الأولى من هذه المادة بأنه في حالة ظهور خطر خارجي أو داخلي  يجوز للحكومة العراقية طلب المساعدة من الحكومة الأمريكية، ( وتتخذ الولايات المتحدة الإجراءات المناسبة، والتي تشمل الإجراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي مزيج منها، لمواجهة مثل هذا الخطر)، وتستكمل الفقرة الثانية هذا الموضوع بتبيان جوانب أخرى من العلاقة الاستراتيجية المراد تأسيسها بحكم الاتفاقية: ( يوافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات الأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق)

يتبين من استعراضنا لبعض مواد مسودة الاتفاقية الأمنية، بأنها أكثر بكثير من إتفاقية وضع قوات، ولا شك في كونها معاهدة استراتيجية، سياسية وعسكرية وأمنية، بين طرفين، هما حكومة أمريكا، وهي الطرف القوي والمهيمن، والطرف العراقي الضعيف والمستجير بقوة وجبروت وسند الطرف الأمريكي، وهي بالتالي بين طرفين غير متكافئين، والقرار الفصل في تنفيذها عائد للحكومة الأمريكية، وأي طلب للمساعدة من العراق خاضع لمشيئة وقرار أمريكا وحدها، بالإيجاب أو الرفض، لذا تقترب المعاهدة من إضفاء صفة الوصاية للطرف الأمريكي على الطرف العراقي.

تقتضي هذه المعاهدة الاستراتيجية تبادلاً للمنافع بين الطرفين الأمريكي والعراقي، بموجبها يحصل الطرف العراقي على الدعم الأمريكي في مواجهة التهديد لسيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه ونظامه السياسي من المصادر الخارجية والداخلية، ومن خلال الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما يلتزم الطرف الأمريكي بالمساعدة في إدامة وتعزيز النظام السياسي العراقي ومؤسساته السياسية والأمنية، ومقابل ذلك يتعهد الطرف العراقي بإداء دوره في تحقيق "الأمن المشترك" للطرفين وتعزيز السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الإرهاب، وبالإضافة لذلك يوافق الطرف العراقي على مرابطة القوات الأمريكية على أراضيه، ومن دون سقف عددي أو تحديد لمواقعها.

لقد حاولوا خداع الشعب العراقي ونوابه في البرلمان بإدعائهم بأن الاتفاقية الأمنية هي اتفاق على وضع القوات، وتكفي مراجعة سطحية وسريعة لموادها للتأكد من كونها معاهدة استراتيجية، ذات أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية، وتبيانها للأحكام الخاصة بوضع القوات التي تشتمل عليها عادة إتفاقيات وضع القوات لا يغير في طبيعتها الأساسية الغالبة، أي كونها معاهدة استراتيجية.

لو صممت الحكومة العراقية على المضي قدماً في التعاون الاستراتيجي مع الحكومة الأمريكية، وخلافاً لإرادة الشعب العراقي الرافض لذلك، يتحتم عليها، وفقاً لأحكام الدستور، صرف النظر عن الاتفاقية الأمنية المتداولة حالياً، والبدء من الصفر بإتخاذ الخطوات التالية: أولاً، طرح نية الحكومة للتفاوض مع الحكومة الأمريكية بهدف التوصل إلى معاهدة شاملة، مع بيان لإطارها العام، على مجلس النواب للتصويت عليها، وعند الرفض يطوى ملف الموضوع نهائياً، أما في حالة الموافقة تتخذ الحكومة الخطوة الثانية، وهي التفاوض حول مواد المعاهدة مع الطرف الأمريكي، ثم، وكخطوة ثالثة، تقدم مسودة المعاهدة للبرلمان العراقي للتصويت عليها، ورابعاً، وبشرط إعتماد المعاهدة تتفاوض الحكومة حول إتفاقية وضع القوات.

في ضوء الحقائق المعروضه هنا، وفي حالة عرض الإتفاقية الحالية على البرلمان العراقي فلا خيار أمام ممثلي الشعب سوى التصويت برفضها، لمخالفتها للدستور ولإخلالها بسيادة واستقلال العراق، كما ينبغي مسائلة المسئولين الحكوميين عن إيهام العراقيين بأن موضوع الاتفاقية هو وضع القوات الأمريكية في العراق فقط.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com