|
الأرمن ضحايا تقلبات الزمن
نبيل يونس دمان ▼ يحكى من ايام الدولة الاشورية المترامية الاطراف ان ملكتها( شميرام) وقعت في عشق امير الارمن الجميل( آرا كيفتسيك) قبل ان تراه، حاولت كسب محبته، لكنه لم يأبه بها، فكررت المحاولة بالتلويح بالحرب او اداء الجزية، ولكنه لاعتداده بنفسه لم يذعن لها بل رفض دعواتها وتحدى جيوشها، فما كان منها الا ان قادت حملة ضخمة على بلاده، ولعدة ايام خاض الطرفان قتالا شديدا سقط في معمعانه الشجعان واشتعلت النار بالعربات العسكرية، وفتى الارمن ينزل كل يوم بخفة ورشاقة، وقلب لا يعرف الخوف لخوض القتال فيجندل الابطال، عندها امتشقت شميرام حسامها المرصع من يد خازن السلاح، دخلت الحوم، وعندما شاهدت فتى الارمن اضطرم في قلبها النار، وكم تاقت الى لقائه في مواضع الغرام وليس في ميدان القتال. في تلك الاثناء صاحت شميرام " دونكم واميرهم ،اقتلعوه حياً ايها الابطال". لكنها لم تصل الى مرادها، فقد وهب آرا نفسه للموت غير هياب، واضطر الفرسان الى طعنه طعنة الموت، امرت شميرام بحمله الى خيمتها، فنظرت الى الجمال الآفل، ورثت ذلك الشباب الفاني، وعندما تأملته جيداً، ترقرق الدمع في عينيها فسقطت دموعها كأنها اللآلي على صدره، ثم سلمت جثته لقومه ليدفن وامرت ببناء مدينة صغيرة باسمها، تخليدا لزحفها العظيم على بلاد( فاسفوراكان) الواقعة بين الجبال العالية والاودية الخضراء، فسميت المدينة الجديدة شميرامه كيرت( مدينة شميرام– بالارمنية). ▼ الارمن شعب آري له مكانة في عمق التاريخ، بلاده ارمينيا التي عرفت باسماء عديدة مثل : ارماني، خلدي، اراراطو، وغيرها، مرت بازمان قاسية ودارت على ارضها الجبلية الوعرة حروب على مدار القرون، وكان نصيب شعبها المحن والكوارث، ووسط اتون الصراعات بين امم عظيمة في التاريخ كالاشوريين، البابليين، الميديين، الرومان، الفرس، والاغريق، وبعدئذ اجتاحت بلادهم موجات طورانية من قلب آسيا عرفت باسماء مختلفة مثل السلاجقة، والتركمان، والمغول، ثم دخلت امم اخرى لتلعب ادواراً مهمة في الوصول الى ما هي عليه ارمينيا اليوم مثل : العرب، الروس، الاكراد، الجورجيين، الشركس. ▼ من رجال ارمينيا العظام: هاييك، آرم، ومن الآلهة خالديس، فاهاكن الذي هو اله الحرب في اعتقادهم، وعن ولادته تقول اسطورة: السماء والارض كانتا في مخاض وفي المخاض كان البحر القرمزي ومن النار كانت شفتاه وعيناه كانتا الشموس وعن الادب الارمني القديم، ندرج مقطع من قصيدة شعر انشدها الشعب الارمني، عند زواج ملكه من ابنة ملك اللالان( الشركس): نحن شهدنا خيوط المطر الذهبي، عندما اصبح ارداشيس ملكاً... ونحن رأينا حبات اللآلئ، عندما اضحت ساتينيك عروساً... ▼ في تلك الازمان السحيقة، كان الارمن يعتقدون بإلهة الخصب والارض سموها( اناهيد) توازي افروديت عند الاغريق، وفينوس عند الرومان، وعشتار عند البابليين، عبدها الارمن على انها ام الحكمة وحاميتهم. ولكن كل ذلك تغير بعد ولادة المسيح عليه السلام، ففي حدود عام 314 م استطاع كريكور المنور ان يحول الملك الارمني درطاد وبالتالي الشعب الى المسيحية. تعتبر مدينة ايتشمايازين منذ القدم وحتى اليوم، المركز الرئيسي لكنيسة الارمن، فيها دير بُني عام 303، وهو تحفة فنية في معماره، وغني بلوحاته الفنية، ومخطوطاته القيمة. وفي هذا المجال نقتبس من كتاب رحلة ريج في العراق ما يلي : وعلى مرحلة واحدة من سيللوك، مزار مسيحي كبير اسمه( جهن كه دى) او( جه ن كه للى) وهنا ايضا دير( سوورب قارابت) وهو دير القديس مار يوحنان المعمدان، وهو يبعد عن( موش) ست ساعات بالقرب من( ميغاكيات) وهو رافد يصب في الفرات. وهذا الدير مزار له شهرته العضمى بين الارمن بعد( جه مبازين) فهم يذهبون اولا الى( قيصري) وفيها دير شهير، اعتقادا منهم ان رأس القديس يوحنان مدفون فيه، ثم ياتون الى( جه ن كه دى ) ومن بعدها يتجهون الى( جه مبازين ) ويروون عن الدير الرئيسي الكثير من القصص الخرافية، فالقديس هناك مشهور بتعليم الناس الفنون والتجارة – الا الموسيقى- ولا يسمح بدنو النسوة منه اكراماً ل( هرودياس) ( انتهى الاقتباس). في عام 406 وضع مسروب وساهاك الابجدية الارمنية، ومع الزمن اضحى ذلك الحدث، نقطة تحول مهمة، لتدوين التاريخ والمعتقدات والاعراف وترجمة الكتب الدينية، الادبية، والعلمية الى لغتهم التي يتفاهمون بها. ▼ اهم مدن ارمينيا: وان، ارضروم، سيواس، قيصرية، آني كاماخ، قارص، دوفين، بايزيد، اورفه، ارداشاد، قره باغ، اضنه، ملاطية، زيتون، مرعش، وغيرهما، اهم انهارها: آراكس، كورا، دجلة، والفرات، اهم جبالها: آرارات البالغ ارتفاعه( 5205 م ) سوفان داغ وآراغاتس، واهم بحيراتها: فان، وسيفان. اشتهر من ملوكها ديكران ( 95- 55 ق.م ) الذي سمي عن جدارة ملك الملوك، ويعتبر عهده من احسن العهود، حيث ارسى امبراطورية واسعة، امتدت من بحيرة قزوين شرقاً، الى البحر الابيض المتوسط غرباً، ومن جبال القفقاس شمالاً، وحتى شمال بلاد ما بين النهرين ولبنان وسوريا. ▼ تعتبر معركة( ملاذ كيرت) سنة 1071 فاصلة، حيث انتصرت القبائل الطورانية الزاحفة المدمرة كالعاصفة بقيادة (طغرل بك) على الروم البيزنطيين، فابتلت ارمينيا من ذلك التاريخ بتلك القبائل الشديدة والقاسية. وتدور الدوائر على الارض فتهب موجات بربرية متخلفة من اعالي الاناضول ومنغوليا وتزحف على بلادهم لتسحق ليس فقط الارمن بل الشعوب المحيطة ايضا من الاشوريين والسريان، المغول اولئك المتجمدي العواطف،الزاحفين جنوبا كالجراد الحقوا اشد الاذى في زحفهم، بالشعوب والعمران، والضرع والزرع، حتى وصل اوج اذاهم الى دار السلام( بغداد). ▼ اصبحت ارض ارمينا كما اسلفنا ساحة بين المتصارعين على الهيمنة والخيرات، فمرة كان يسود الفرس واخرى الاتراك، وفي القرون الاخيرة اصبح للقياصرة الروس طموح الوصول الى المياه الدافئة، فاصبح الجزء الشرقي من ارمينيا تابعا لروسيا منذ عام 1829 ثم جمهورية مستقلة عن الاتحاد السوفيتي عام 1991،عاصمتها اليوم يريفان، وعدد سكانها اكثر من ثلاثة ملايين نسمة. اما باقي البلاد المتمثل بارمينا الكبرى او الغربية فقد دارت عليها الدوائر واشتدت عليها النوائب خصوصا في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني اعوام 1895، 1909، وحتى مجيء جمعية الاتحاد والترقي، فشنت حملة ابادة شاملة على الارمن المسالمين. تتوجت ابان السفر برلك( النفير العام) بصدور الفرمان العثماني في 24 نيسان 1915 بإبادتهم، فازيلت قراهم وحواضرهم وخلت ضفاف البحيرات والانهر منهم، هدمت كنائسهم، طمست معالمهم، وقبور اجدادهم الممتدة لآلاف السنين، كانت تلك همجية لا مثيل لها في العصر الحديث وتزعم تلك الحملة: أنور باشا وزير الحربية، طلعت باشا وزير الداخلية، جمال باشا وزير البحرية، وغيرهم من مقترفي جرائم الابادة الجماعية وتصفية الجنس بعينه، لقد بلغ عدد القتلى اكثر من مليون ونصف قتيل جلهم من الاطفال والنساء والشيوخ، ان اهوال تلك الفترة السوداء لم تزل في ذاكرة احفادهم حتى اليوم، تتناقل الاجيال مآثمها، ولن يعدل ذلك الميزان الا باعتراف الاتراك بجريمتهم تلك وتسوية وتعويض ما لحق بالارمن واعادة الحق الى نصابه، يكاد يستحيل ان تستقر دولة الاتراك، دون معالجة تلك المشكلة وارضاء الارمن الذين انتشروا في جهات الدنيا الاربع. بل يعتورني اليقين عاجلا ام آجلاً بان الاتراك سيذهبون يوما زرافات ووحدانا من برلمانيين وحكوميين وعلية القوم، متشابكي الايدي الى حيث موطن الارمن، هناك يقدمون الاعتذار تلو الاعتذار، يحنون رؤوسهم اجلالا امام تلك الانفس البريئة الطاهرة التي ازهقت ارواحها على ضفاف الانهر والبحيرات، في سفوح الجبال ومجاهل الغابات، لعل الرب يغفر بعض خطايا ابائهم واجدادهم. للمقارنة نذكر، عندما تفجرت الثورة الصناعية في اوربا قبل قرنين كان هَم الرأسمالي الاكبر ارباحه، لذلك ألحَق اشد الاذى في الطبيعة فألقى نفايات المصانع في الانهر والبحيرات، اتذكر في الثمانينات عندما نمت وتطورت بسرعة منظمات الخضر والطبيعة، ذهب الابناء الى ضفاف البحيرات والانهر معتذرين للطبيعة ما لحق بها على ايدي بني البشر. ▼ ساسلط الضوء على عينات من هذا الشعب تعرفت عليهم في العراق وارتبطت معهم باواصر الصداقة والمحبة. لابدأ من بلدتي القوش ففي نهاية الحرب العالمية الاولى هاجرت بعض العوائل الارمنية الى القوش وعددها 72 عائلة، حسب ما جاء في مذكرات الخوري يوسف منصور كادو. قسم منهم من اتباع ليون باشا، والقسم الاخر من اتباع انترانيك، وقد قبلتهم القوش كعادتها، رحبت بهم، تقاسمت معهم الخبز، ولكن للاسف حصلت مشاحنة وبين الفريقين مما حدى ببعض اتباع ليون باشا ، الذهاب الى مركز ولاية الموصل، فاخبروا الوالي بان قسم من الارمن الموجودين في القوش ضد الدولة العثمانية، وينقلون الاخبار الى القيادة الانكليزية. على اثر ذلك ارسل الوالي اربعين خيالاً باسلحتهم للقضاء على جميع العوائل الارمنية في القوش، وصل الخيالة بعد الظهر الى البلدة وعسكروا في خان سعيد بك، فلما وصل الخبر الى القس يوسف كادو، ذهب حالا الى وكيل الخان واسمه( عبد)من اهالي الموصل وطلب منه ان يمهل جميع العوائل الارمنية الى صباح الغد، لحل موضوع هؤلاء المساكين سلمياً، ثم طلب منه ان يقدم لهم الاكل والشرب على حساب الكنيسة، وهكذا قام الوكيل الامين بالواجب باخلاص وحسب الاتفاق مع القس. بعد ذلك مباشرة ارسل القس شخصا اسمه( ججو سرّا) الى مثلث الرحمات البطريرك عمانوئيل تومكا، ليسلمه رسالة، وفور استلام البطريرك لها ومعرفته فحواها، ذهب ومعه الباتري يعقوب الى المسؤول الالماني، واخبروه بالتعدي الذي يحصل لمسيحيي القوش. وبامره وامر والي الموصل ارسلوا قوة مسلحة اخرى الى القوش لارجاع قوة الخيالة الآنفة الذكر، وصلوا في الوقت المناسبة ومعهم اوامر الوالي الجديدة بانسحاب الجميع من البلدة، وهكذا انتهت الفتنة. بقيت تلك العوائل مدة سنة ونصف السنة، ثم نزحوا الى بغداد والبصرة وغيرها من المدن العراقية. احدى تلك العائلات تركت ابنتها وعمرها 10 سنوات في القوش فاخذتها امراة اسمها( ببي خوشكه) من بيت كجوجا، وكانت مهنتها قابلة توليد النساء. فلما كبرت البنت الارمنية واسمها مريم( باجي) زوجتها الى ابنها صادق سلومي، وامتهنت باجي فيما بعد نفس مهنة حماتها، واصبح لها عدد من الاولاد، نذكر منهم المرحوم سليمان، يلدا( حاليا في اميركا) ومنصور( ايضا في اميركا). في اواسط التسعينات من القرن التاسع عشر وصل احد الشباب الارمن هربا من اضطهاد الكتائب الحميدية، وبعد فترة تزوج من الفتاة الالقوشية( ببي زرته) وولد لها ابن سمي يلدا في حدود عام 1909( الذي يظهر في الصورة ادناه) تزوج يلدا ارمنايا بدوره واصبح له من الاولاد: الــّو، بحـّو، والشهيد كريم. ▼ اذكر ايضا صادق الضرير، الذي كان يذكر دائماً ذبح اعمامه السبعة امام عينيه وكيف سجن وسملت عيناه، عاش بقية حياته في بيت سليمان ياقونا، في الستينات كنت كلما اسأله عن اصله يقول " انا من بَشقلة ". هناك ايضاً سليمان ذو اللحية الشقراء والقامة الطويلة والشعر الاصفر، تكفلته اسرة اعرابي اسمه عوّاد كان يسكن آنذاك في قرية " ماكنان" ونظرا لقيامه برعي الاغنام في سهل القوش وبهندوايا، كان يلتقي الرعاة وقد حاول بعضهم ضمه اليهم، ومنهم المرحوم ايشوع رحيما في قرية بهندوايا، ايضا عاش مدة في دير ماركوركيس في( بعويزة) قرب الموصل، وعمل مدة اخرى راعيا لاغنام دير السيدة قرب القوش، وفي النهاية وبتأثير مباشر من عواد تزوج سليمان من فتاة اعرابية واصبح له اولاد، عرفتُ منهم محمد، حميّد، ويقال ان له بنت اسمها حمدية، يسكنون حاليا قرية( بدرية ) التي اخليت من سكانها الاثوريين واسكن فيها العرب في زمان البعث البائد، عمل حميِّد سائقا للترنبول( سكريبر) في مشروع السد الذي كنت مهندساً ميكانيكيا فيه، كان يتكلم معي السريانية ( السورث ) بطلاقة، وكذلك التقيت باخيه محمد الذي هو الاخر كان يتفن لغة ابائي واجدادي، وقد عمل فترة راعياً لأغنام بيت ياقونده الالقوشي. ▼ عندما كنت اعمل في سنجار للفترة 1977- 1978 التقيت بعدة عوائل ارمنية، وقد تأكد لي بان فقير الايزيدية المعروف (حمو شرو) قد وفر الحماية لمئات العوائل الارمنية والسريانية الهاربة من السيف العثماني، وقسم كبير منها انتهى في سوريا ولبنان، وللمفارقة اذكر ايضا حارسا من اهالي تلعفر لمخيمنا في سهل سنجار كان يخاطبني بخال الاولاد( لم يدر بخلده كم ازعجني كلامه الذي يشير الى اجبار العشرات من صبايا الارمن للزواج من رجال تلك البلدة). ▼ وفي فترة الكفاح المسلح توطدت علاقتي ب( احمد) اداري احد الاحزاب الكردية المعارضة( كوك ) في وادي كوماته المحاذي لتركيا، جلب انتباهي بيض بشرته وزرقة عيونه، فقال " يا ابا لينا، لا تستغرب، انا من اصل ارمني". وفي نفس المنطقة ايضا وصلت في ربيع عام 1983 وجبة ملتحقين بالانصار من الخارج ، كان من بينهم على ما اظن( ابو يعقوب) ابن اخت النقابي الارمني المعروف آرا خاجادور، وقد استشهد لاحقا ليضاف اسمه الى قائمة الخالدين. ▼ يشدني الحنين والعطف على الارمن الطيبين، وقد اشرفوا بدورهم على الانقراض من بلاد ما بين النهرين( كان ظهورهم فيها قبل الميلاد عندما كان التجار الارمن ينحدرون من اعالي الجبال الى بابل بواسطة اكلاك على نهر الفرات) نظرا للمصائب التي المّت بالبلاد على مدى نصف قرن، تحملوا الضيم والقهر والحروب والجوع اسوة بباقي مكونات الشعب العراقي. اتحدث عن بصمات الارمن في وطننا من خلال كنيسة الارمن الارثوذكس( انشأت عام 1954 وافتتحت في 1957) قرب ساحة الطيران، ذلك الصرح المعماري والهندسي الرائع، فقد كان يجلب تصميمها وطرازها السواح الاجانب، وقبلهم يخطف ابصار العراقيين. وكذلك المدارس الارمنية ومحلات سكناهم في كمب الارمن وكمب سارة خاتون( سارة تاتيوسيان)، ولا يفوتني ذكر ناديهم الرياضي( الهومنتمن - تأسس عام 1949) قرب القصر الابيض، مستشفى اراتون للعيون في بارك السعدون، ستوديو آرشاك، ستوديو اصلان، حلاقة كيغام في شارع الرشيد، محل هاريتون لتصليح التلفزيونات. ▼ من الشخصيات الارمنية الشهيرة في العراق : كولبنكيان الذي بنى ملعب الشعب الدولي في بغداد( انشأ عام 1962- وافتتح عام 1966) وكانت له حصة 5% من نفط العراق حتى عام 1972 حيث اممها نظام البعث، علما بانه كان يصرف جل امواله في المشاريع الخيرية وبناء المستشفيات. ▼ جلب انتباهي جورج آرتين تاجريان ذلك الرياضي الذي رفع اسم العراق عالياً، عندما مثل العراق في اولمبياد مكسيكو عام 1968 في سباق الدراجات للمسافات الطويلة، لا علم لي باخباره من ذلك الحين، فمثله عملة نادرة ترعاها غالبية حكومات المعمورة . ▼ اسماء اخرى مثل المغنية سيتا هاكوبيان المعروفة برقتها وعذوبة صوتها، اتذكر كيف اجبرها نظام صدام عام 1980 للظهور في التلفاز لتغني قادسيته المجنونة، وهي حامل في شهرها الاخير. عندما بث تلفزيون نينوى لاول مرة برامجه في نهاية الستينات وبداية السبعينات، كانت فتيات الموصل اسيرات التقاليد البالية، يخجلن من الظهور على الشاشة، الا الفتاة الارمنية( ريتا سورين) لقد قطع صوتها الجميل صمت الفتيات الموصليات، وكان ظهورها كل يوم في بدلة وشعر وماكياج مختلف، يضيف جمالاً الى جمالها الطبيعي، لا اعتقد من هو من جيلي قد نسي ذلك الوجه المدور المشرق، الذي أطل كل مساء من تلفزيون الموصل، الله يكون في عونها أينما تكون اليوم. لن انسى ابدا المصور الارمني المعروف آكوب كريكور في الموصل- مدخل الدواسة، كم كانت تجذبنا نحن طلبة الجامعة آنذاك الصور التي التقطها بعدسته والتي تضاهي ببهائها وافكارها اشهر الصور في العالم، وقد عرفت ابنه الوسيم مهران في قسم الهندسة الكهربائية، للاسف ورد خبر وفاته مؤخرا وهو طريح الفراش في الموصل، وعلى افقر حال، دون زواج، ومتقاعد من عمله في دائرة صحة نينوى، للحقيقة اقول ان موته حفزني لكتابة ما انا بصدده. وتستمر قائمة الاسماء الارمنية التي طبقت شهرتها آفاق العراق منهم: الباحث ومؤلف كتاب( مباحث عراقية) الاستاذ يعقوب سركيس، الدكتور استارجيان مؤلف كتاب تاريخ الارمن عام 1950 في الموصل، والكاتب يوسف عبدالمسيح ثروت، عازفة البيانو بياتريس اوهانيسيان، الممثلة آزادوهي صموئيل، مصور الاثار كوفاديس ماركاريان، المصور الصحفي امري سليم لوسينيان ، المصور السينمائي خاجيك ميساك كيفوركيان، اغا ميناس مدير ادارة الرحالة الشهير ريج. ▼ الارمن اصحاب صنائع وحرف في بغداد والبصرة والموصل وكركوك، توارثوها عن ابائهم واجدادهم منذ ايام وطنهم في تركيا، عندما غزاهم الشاه عباس محمد خُدابنده( 1603- 1617) ألحق بهم اشد الاذى، ولكن امام خسارته مع العثمانيين وانسحابه الى ايران، جلب معه الصنائعيين الأرمن وانشأ لهم مدينة في شمال ايران ازدهرت فيما بعد بحرفها وصناعاتها، وبعد مدة من الزمن هاجرت مجموعة منهم الى بغداد. اتذكر عندما عملت مهندسا في الطرق والجسور كان يحصل خلل فني في مضخات الوقود او الهواء وفي تقاسيمها ومنظماتها ومصفياتها، فكان لا يتم اصلاحها بالوجه المطلوب الا على ايدي الارمن المتخصصين، ليس في المدارس او الجامعات بل بالخبرة العملية، وهذا ما شهدته بنفسي في محلاتهم في طريق معسكر الرشيد او في كركوك، او في معامل الطرق الشمالية في نينوى على يد الفني طوروس( سلسلة جبال معروفة في الاناضول). وكذلك اشتهر الارمن في لف الماطورات، وتصليح الاعطال في المكائن والسيارات، والاجهزة الدقيقة، والتلفزيونات وغيرها. اما المتداول بين الشعب العراقي بان الارمن من اهم الطوائف المنظمة والمهتمة بمطبخها وترتيب بيوتاتها، كم كانت الست( ديكرانو) انيقة، مهندمة، ومتميزة بين المدرسات في متوسطة القوش، لن انس يوما ربيعيا في حدود عام 1966- 1967 عندما مررنا انا وزملائي امام المدرسة، فقطع طريقنا فراشها المرحوم(عيسى ملو) وبيده ورقة وقلم ليطلب من احدنا كتابة الاسم الذي لم يستطع حفظه للست الارمنية المعينة حديثاً ديكرانو( نسبة الى الملك الشهير- ديكران) كانت الطالبات ينادينها( الست ديكو) تحبباً. وكذلك زميلتي في كلية الهندسة في السبعينات آراكس( نسبة الى نهر شهير يمر في اراضي ارمينيا) آكوب ذات العيون الزرقاء الواسعة ومن صفوة جميلات جامعة الموصل، كنت اهرع منذ الصباح لاحجز مقعدا لها وآخر لصديقتها( سناء غريب) حتى احظى بابتسامة منها او بكلمة ثناء تكشف عن اسنانها البيضاء، اخيرا تزوجت آراكس من المعيد في قسم الهنسة المدنية رمزي عبد الاحد، وتوجهوا من يومها الى اميركا لاكمال الدراسة. في اواخر السبعينات جلب انتباهي والدها آكوب صاحب محل في الموصل- الدواسة لبيع انواع البولبرينات حيث كانت له طريقة فريدة وناجحة في تصنيفها وترتيبها. اتذكر ايضا مجموعة من فاتنات الارمن في الاول عام في كلية العلوم سنة 1971، وقد قصدن الموصل من محافظات مختلفة، جمعتهن اللغة والقومية المشتركة، وقد حدث لتلك المجموعة ان تعرض لهن استاذ علم الحيوان الدكتور عبدالجبار السماك، وحين افتضح سلوكه فصل من الجامعة في عهد رئيسها محمد المشاط، واشيع في وقتها انه باع اسئلة الامتحان الى الطالبات الارمنيات. ▼ عرفت من الارمن ايضا المهندس( غريب عرب) الذي كنت اعرفه من ايام الجامعة وكان قبلي بعدة دورات، عند تنسيبي الى مديرية طرق نينوى عام 1977، كان المهندس غريب امام ناظري، انساناً محبوباً من العمال والادارة معا، لا يحب المظاهر، بسيط الهندام اغلب الوقت يأتي الى الدائرة الكائنة في الجانب الايسر من دجلة، ووجهه لازال معفراً بتراب الطرق التي يشرف عليها في منطقة زاخو، ان الطرق التي حلم بها المنهدس غريب وغيره من الغيارى ان تكون شرياناً للحياة، تحولت في زمن الدكتاتورية الى طرق عسكرية، لسحق اي نهوض قومي وديمقراطي للمنطقة الشمالية. ▼ اضيف اسم اخر وهو مهران( من اهالي زاخو) الذي كان ملاحظا فنيا في معمل سكرين- قرب سرسنك، جمعتني معه والصديق الكردي حسن نعمت سفرة الى بلغاريا في نهاية عام 1979، في مقهى يالطه بصوفيا جلب انتباهي مهران وهو يتكلم بطلاقة مع احدى النادلات، فقلت يا مهران كيف تجيد التكلم باللغة البلغارية، فاجاب بان الفتاة من اصل ارمني، عندها ايقنت ان سيل المهاجرين الارمن وصل الى تلك الارض ايضا، ابان سنوات الابادة الجماعية. ▼ تناهى الى سمعي وانا اقضي اجازة في استنبول عام 1978 بان اشهر اطباء المدينة من الارمن. وفي عام 1985 شهدت عرضا ارمنيا في احد مسارح موسكو، اثار اعجابي فيه اولئك الفتية الجبليين بملابسهم الداكنة الملتصقة على اجسادهم، ومعهم فتيات موردات الخدود ومطرزات بالزهور، اهتزت ارضية المسرح تحت وقع اقدامهم وهم يؤدون الرقصات على ايقاع الموسيقى المناسبة، وفجأة تقدم احدهم وبيده مجموعة من السكاكين الحادة واخذ يلعب بها في الهواء، واخيرا مسكها كلها باسنانه، وواصل اللعب حتى اطلقها مرة واحدة، لتنغرز كلها في الارض منتصبة. ▼ وقبل ان انهي الموضوع لابد ان اتطرق بالتفصيل الى عائلة ارمنية في الحبيبية ببغداد، وهي اسرة آزاد س. كاتنجيان وزوجته الطيبة التي نسيت اسمها لكني لازلت اتذكر طيبتها وجهلها المطلق التكلم باللغة العربية! اما اولادهما فاكبرهم بابكين ثم اوهان الذي طالما درسته مادة الرياضيات اعوام 73- 74، كارو( من كارابيت)، ابنتهم الشابة آليس( على اسم نهر في ارمينيا) العاملة في محل التجميل في الكرادة. احتفظت بعلاقة سنوات مع تلك العائلة، ومنهم تعلمت بعض الجمل باللغة الارمنية منها : پاري لويس( صباح الخير) إگور هوسي( تعال هنا) كنا تور كزي( اذهب اقفل الباب) گيرا گور گير( تفضل للاكل ) انت جميل( تون اغفوريكس) ومناف پاروك( مع السلامة). وردني في عام الفين واثنين، انهم رحلوا او بعضهم الى جمهورية ارمينيا، اجدها الان مناسبة، ان اهدي جزيل تحياتي الى تلك العائلة، والى الارمن قاطبة فائق تقديري واحترامي. المصادر : ◄ الارمن عبر التاريخ- مروان المدور- بيروت 1982. ◄ شميرام – ميخائيل اورو- بيروت 1958، ص 199-217. ◄ رحلة ريج في العراق عام 1820- بغداد 1951،ص 4، 309. ◄ فيشخابور- الأب ألبير ابونا- بغداد 2004، ص 113- 115. ◄ لقاء مع الشماس حنا شيشا كولا.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |