|
مام جلال .. تريد أرنب خذ أرنب .. تريد غزال خذ أرنب ...!
ناظم ختاري في لقاءه مع السفير الأمريكي في بغداد قبل يومين، شدد السيد مام جلال طالباني رئيس جمهورية العراق، على ضرورة تعريف الشعب العراقي بمضمون الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها مع الولايات المتحدة . لاشك إن توجها كهذا وتعريف الشعب بقضاياه المصيرية من قبل قادته السياسيين يعد أمرا صحيحا وضروريا وواجبا وطنيا في الأنظمة الدستورية، ولكن يبدو لي إن دعوة السيد الرئيس جاءت متأخرة إلى حد بعيد، كون الاتفاقية وصلت إلى نهايتها، وهي قاب قوسين بين التوقيع عليها أو رفضها، ولا يوجد هناك أية إشارة لطرح مثل هذا الأمر على استفتاء شعبي لكي يقول الشعب كلمته فيها، ولكنها أي الاتفاقية ستطرح على مجلس النواب للموافقة عليها أو رفضها، ومعروف لدى الجميع إن مجلس النواب تشكل على غفلة من الزمن في انتخابات غاية في التزوير وفرض الإرادات، إذ هناك كتل وأعضاء فيه قد يقبلون بالاتفاقية أو يرفضوها اعتمادا على موقف جهات خارجية ومصالحها، وهي معروفة للجميع . إن الدعوة إلى تعريف الشعب بمضمون الاتفاقية، جاءت بعد شهور طويلة من مفاوضات عسيرة جرت بين الفريقين العراقي والأمريكي، افتقد فيها الفريق العراقي إلى الدعم الشعبي بسبب حجب المعلومات عنه، والآن وصلت إلى مرحلة تستخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية مختلف الأساليب لكي يتم تمريرها والتوقيع عليها، دونما انتظار الطرف الثاني باعتباره شريكا في هذه الاتفاقية التي لا تتم من غيره، بينما العديد من القوى السياسية العراقية لازلت تتعامل مع هذه القضية المصيرية من منطلقات مصالح الغير، عبر عنها بوضوح وزير التربية العراقي الخزاعي تمسكا بفتوى خامنئي بِشأن هذه الاتفاقية، فأقل ما يقال عن هذا الموقف، فإنه يعد خروجا عن المصلحة الوطنية وعدم ولاء للعراق من قبل هذه الأطراف، وفي نفس الوقت يعد تدخلا سافرا من جانب خامنئي في شؤون العراق، والموقفان كانا ولما يزل بحاجة إلى ردع شعبي على الأقل، كون الوزير عبر ومثلما أشرت عن موقف أقطاب عديدة في الحكومة نفسها التي تتولى المفاوضات عن الطرف العراقي، علاوة على مواقف كتل عديدة في مجلس النواب، الذي تتوقف عنده عملية التصويت على الاتفاقية رفضا أو قبولا . أثناء هذه الفترة الطويلة من المفاوضات تجاهلت القوى الحاكمة، أية مطالبة أو دعوة مخلصة، حول ضرورة إشراك الشعب العراقي في هذه المفاوضات المصيرية التي بقيت طي الكتمان بالرغم من إنها تهم سيادة بلده وتمس مصالحه، فقد كان لابد من إضفاء الشفافية على سيرها وتوفير الأجواء اللازمة لإطلاع جماهير الشعب على مراحل التفاوض، ولاشك إن مساهمة جماهير الشعب العراقي في هذه المفاوضات وإطلاعها على كل ما كان يدور بين الفريقين، كانت ستساهم إلى حد بعيد على توحيد الصفوف من هذه الاتفاقية علاوة على توفير المزيد من الثقة سواء لجهة التوقيع عليها أو رفضها . أما أن تأتي الدعوة في مثل هذا الوقت المتأخر، فلاشك إنها غير موفقة، ولا تنم عن حرص كاف على مشاركة الشعب العراقي في قضية مصيرية بهذا الحجم، خصوصا ليس هناك في ثنايا الدعوة آلية محددة توفر للشعب العراقي إبداء رأيه في بنود هذه الاتفاقية، سوى ما يقال بأن مجلس النواب يعتبر ممثلا عن الشعب العراقي، مع إن مواقف كتل عديدة في مجلس النواب معروفة، لا يمكن لها أن تختلف عن مواقف المحيط العراقي الذي عمل كل ما في استطاعته، لاحتواء التجربة العراقية والهيمنة الفعلية على العراق وشعبه، وفي هذا المجال ارتكبت جرائم فضيعة بحقه، لا ينبغي على العراقيين نسيانها . ومن هنا يمكن للمرء أن يقول في دعوة السيد الرئيس، إنها دعوة لتعريف الشعب بها، وحثه على قبولها دون أن يكون هناك وضوح تام لبنود الاتفاقية بالنسبة له، وتغيبه المقصود عن المساهمة في صياغتها أو الإطلاع على سير المفاوضات بشأنها، وليست دعوة لأن تكون كلمة الشعب هي الفيصل بصدد المسودة النهائية . ومن المعروف، ليس فقط الشعب العراقي كان مغيبا عن هذه المفاوضات وأسرارها التي كانت حبيسة أيدي القوى الحاكمة، بل إن القوى السياسية العراقية المشاركة في السلطة أو العملية السياسية أوغير المشاركة فيها، كانت هي الأخرى مغيبة أيضا، مما أدى الأمر بإجماله إلى عدم تبلور الموقف العراقي القوي والمطلوب في قضية بالغة الأهمية والخطورة . إذ أن التوقيع على الاتفاقية أو رفضها لابد أن يترافق مع ما يجمع عليه الشعب العراقي من مفهوم واضح حول السيادة الوطنية وشروطها، والحاجة الماسة إلى حماية هذه السيادة من القوى التي تعمل داخل الحكومة وفي مجلس النواب لتقوضها أو التفريط بها لصالح إيران أو أية دولة عربية وقفت على الدوام بالضد من مصلحة الشعب العراقي منذ سقوط النظام الدكتاتوري . ولذلك فإن ما تبقى من الوقت، قبيل التوقيع على الاتفاقية أو رفضها يستدعي البحث في آلية لبناء موقف سياسي واضح مبني على أساس المصلحة الوطنية ويستند على دعم الشعب العراقي له، وليس إلى توجيه دعوة إليه، أفضل ما فيها، لا تخرج عن خيارات المثل العراقي الشهير (إذا تريد أرنب خذ أرنب ... وإذا تريد غزال خذ أرنب) . هذه الدعوة وعلى هذه الشاكلة ودون أية آلية وفي هذا الوقت المتأخر، لا تضيف شيئا لموقف الأحزاب المتنفذة في الحكومة العراقية بشأن مشاركة الشعب في تقرير مصيره وتبني شكل علاقاته، في ظل هذه الظروف الغير الاعتيادية وتركة النظام البائد، وبالتالي فهي لا تترك الفرصة للشعب العراقي لإبداء ملاحظاته على مسودة الاتفاقية وعملية رفضها أو قبولها. أما أصحاب القرار فإنهم أحرار وأخيار، أن يأخذوا الأرنب أو الغزال أو الاثنان معا، ويذهبوا بها إلى إيران أو سوريا أو أي مكان آخر، فلا شأن للشعب بهم أبدا .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |