لماذا لاتوجد مشكلة بين العلمانية والدينية في دولة أسرائيل .. نتعلّم كعراقيين!

 كاظم شلتاغ

 shltag@maktoob.com

من التجارب السياسية المعاصرة الفريدة في التاريخ الحديث هي التجربة الصهيونية الاسرائيلية التي جمعت بين كل المتناقضات وصهرتها بحيز واحد لتنتج فيما بعد دولة قوية  ، ولعلنا نحن العراقيين بحاجة ماسة الى دراسة وتأمل كل النماذج السياسية البشرية التي استوعبت جميع مواطنيها  بنوع من روح الالفة والمحبة لنسأل فيما بعد عن : كيف استطاعت هذه الدولة او تلك ان تجمع كل هذه التناقضات الداخلية ومع ذالك هي سائرة بلا مشاكل ؟.

عسى ولعل بعد هذا  ان نستفيد من احدها في بناء واقعنا السياسي الذي ليس له وجود الا في اساطير الف ليلة وليلة البغدادية  !.

ان من اهم مميزات التجربة الاسرائيلية الصهيونية في واقعنا المعاصر  والتي ينبغي التركيز عليها في المرحلة الراهنة هي قدرة هذه التجربة على استيعاب العلمانيين من ليبراليين رأسماليين غربيين مع نقيضهم اليساريين الاشتراكيين مضافا اليهم نقيضهم الدينيين الاسطوريين في حيز واحد ، فياهل ترى : كيف استطاعت هذه التجربة ان تقنع الكلُّ السياسي لاسيما منهم الدينيين والعلمانيين على الجلوس على طاولة واحدة ، لاوبل صهر هذين التوجهين في علاقة مصيرية بحيث اننا غدونا لانستطيع التمييز بين العلماني والديني في دولة بني صهيون ؟.

ثم لماذا نحن نجد هذه الظاهرة وكأنما هي من طبيعيات الامور السياسية في دولة الغار والشمعة اليهودية  ، بينما نجد ان هناك طلاق بائن وثلاثي الابعاد في دولنا العربية والاسلامية بمافيهن العراق بين الاسلاميين والعلمانييين المتعلمنين ؟.

ماهي القوة او الفكرة او الهدف او الحكمة التي استطاعت اقناع علمانيي اسرائيل ومتدينيها على الغاء مصطلح الصراع بينهما على الايدلوجية الفارغة والتوحد الى حد الانصهار في مصلحة وجودهم السياسي المشترك ؟.

ثم لماذا اذا حاول بعضنا ان يدمج بين التيارين العلماني والديني في احد دولنا او في التجربة العراقية الجديدة تقوم الدنيا ولاتقعد حزنا وبكائا على ايدلوجيا التعلمن او الدين الانتمائية لكل فصيل من الفصائل السياسية باعتبار ان هناك انفصام لاعودة فيه بين العلمانية والدين في هذه الحياة  ؟.

الغريب في التجربة الاسرائيلية كنموذج نستطيع دراسته بعمق والاستفادة منه بحرارة : ان هذه التجربة اليهودية اول من سعى لها هم يساريي بني صهيون تحت النظام السياسي القديم في العالم القيصري الروسي  ، ثم جاء بعدهم ليرفدهم التيار الليبرالي الراسمالي المناهض انذاك للعالم اليساري الاشتراكي ، لتكون الليبرالية الصهيونية مع اليسارية الاشتراكية الصهيونية اول من اتحد في العالم لقيام كيان دولة من العدم على ارض فلسطين العربية !.

ثم بعد ذالك جاءت المفاجئة الكبرى في العالم المعاصر وهي مفاجئة ان اليسار الاشتراكي اليهودي ومعه الراسمال الليبرالي اليهودي في العالم هم من اقام الدولة على اكتافه في نفس الوقت الذي اصرّ التيار الاشتراكي اليساري على ان تكون دولة اسرائيل يهودية دينية مئة بالمئة؟.

أليس هذا عجيبا ان يقيم اليساريون دولة دينية في فلسطين المحتلة العربية مع العلم ان اليسار والدين اول من دعى لتدمير بعضهما والبعض الاخر في العالم الحديث على يد وافكار وفلسفات ماركس اليهودي وسبينوزا الليبرالي اليهودي وباقي فلاسفة اوربية الشرقية والغربية الذي نتغنى نحن باسمائهم في عالمنا العربي المسطول ؟.

هل يعني هذا ان اول من روّج في عالمنا الثقافي العربي والاسلامي للصراع بين العلمانية والدينية هم اليهود انفسهم ، ومن بعد ذالك ذهب هم في الاتجاه المعاكس بالتمام لنشتغل نحن بعملية الصراع ويشتغلوا هم بعملية الوحدة والبناء ؟.

هل عندما يندمج العلماني والديني يصنع المعجزات لذالك توجهت دولة اسرائيل للدمج الكامل بينما عندما يُزرع الصراع بين التيارات الدينية والاخرى العلمانية يعمّ الخراب ؟.

عندما انظر للكنيست الاسرائيلي اجد ان صاحب اللحية والجديلتان الذي يقضي جلّ وقته باكيا متعبدا ناسكا عند حائط المبكى جالسا بكل الحب والرحمة والاخوية مع السيدة ليفني زعيمة حزب كديما التي تعاقر الخمر كل ليلة وتدخن من السجائر مالايطاق تعداده ، فهل يعنى هذا ان هناك خطئا في المعادلة السياسية الصهيونية ام ان هناك مسار صحيح في هذه العملية هو الذي هيئ يهود العالم ليصبحوا اسياده بلا منازع ؟.

نعم يبدوا اننا نحن العراقيون  بحاجة الى اخذ الحكمة من التجربة الاسرائيلية اليهودية لنهدئ قليلا من افتعال الازمات الفكرية والاعلامية بين مايسمى التيار المتعلمن والتيار الاسلامي ، والا ليس من المعقول ان لدينا في العراق ثلاث مكاميع من المتعلمنين الجهلة وانا رابعهم مقيمين الدنيا وغير مقعديها على التيار الاسلامي ، لالشيئ الا بسبب خوفنا على الايدلوجيا وحمدية صالح من ان تمنع من الرقص مع احترامي وحبي للرقص طبعا  ؟.

ان التجربة الصهيونية تعطينا نحن في العالم اليوم درسا لايمكن تجاوزه ببساطة مفاده : ان هناك وبالامكان ان يتوحد الانسان على هدف اعلى يجمع الكل الوطني والجغرافي على اتجاه واحد مع وجود اختلافات هنا وهناك لهذه التكتلات البشرية في الايدلوجيا وفي الافكار وفي الايمان ...، لكن كل هذا لايمنع ان تكون الامة متقدمة نحو هدفها الاسمى في الاعمار وفي البناء وفي الحفاظ على الامن وفي المطالبة بالتنمية الاقتصادية وفي الدفاع عن الكيان القائم ..... مع وجود اختلافات صبيانية هنا وهناك تسمى بالاختلافات الايدلوجية والتي اكتشفنا مؤخرا ان ماهي الا لعبة خلقها الاستعمار القديم لزرع الشقاق والفرقة بين ابناء الوطن الواحد !.

نعم المشكلة في الوعي الانساني وليس بالفكر الديني او العلماني ، فالانسان عندما يكون مهيئا تربويا وقادرا حضاريا على ان يكون اكبر من الايدلوجيا العلمانية والدينية عندها نصل الى انسان لايجد حرجا مطلقا ان يكون علمانيا ولكنه عند صندوق الاقتراع ينتخب اسلاميا من اصحاب اللحى الطويلة الذي يختلف فكريا مع العلماني الاخر لابل ونجد المتدين يخطب في برلمان الدولة بينما العلماني في فسحة روحية عند حائط المبكى على الذنوب التي اقترفها الاباء مع الله فيما مضى من ازمان !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com