|
أمة الشعر متى تتحول الى أمة العلم والفكر؟
حميد الشاكر معروف عن أمة العرب فيما مضى من ايام الجاهلية انها أمة الشعرّ والشعراء ، اي ان الشعر هو ديوانها التاريخي وديوانها العاطفي وديوانها الديني وديوانها السياسي ..... وهكذا باقي دواوين أمة العرب كان لايجمعها غير الشعّر في بوتقة التدوين والذاكرة الانسانية ، وكذا الشعراء فانهم ايضا كانوا هم الفرسان لهذه الامة وهم الاساطير واسمائهم هي التي تتردد على الالسن وفي المنتديات ومن على فضائيات المنابر الاعلامية الخشبية في العصور الجاهلية الغابرة !. وحتى هذا اليوم ورثت بعض الشعوب العربية ، كالشعب العراقي صفة تأليه الشعر الى حد العبادة ، بحيث اننا نجد من الظواهر التي اصبحت شبه طبيعية هي تقدم القيمة الادبية والاجتماعية والفنية للشعراء وخاصة منهم العاميون هذه الايام ، على جميع فئات الادب والفكر والفلسفة والعلم والفن في العراق ، وترى عالم الذرّة المسكين الذي اصبح دماغه شبكة معقدة من تحليل المعادلات الرياضية والتي تلاحقه كل مخابرات العالم الاجرامية لتصفيته باعتبار انه من اكبر الخطر الحضاري في عالم العلم اليوم ، او ترى صاحب الفكر الفلسفي الذي يحاول اكتشاف سبل النهضة بالامة من جديد ،... تراه في العراق لايملك قوت يومه وهو يجلس على احد المقاهي ببجامة النوم المتسخة التي توحي للمارين بانهم امام شحّات او متسوّل يستحق الصدقة لاغير ، بينما وعلى مسافة واحدة ولكن عبر الشارع نفسه ترى الشاعر العامي الذي صبغ شواربه المفتولة المنحدرة مع موروثه العشائري ، ولبس الملابس العصرية الانيقة وهو يعتلي منبر الجماهير العراقية لينثر عليهم درّر الشعر الشعبي بالوانه العشقية والاخرى المدحية والثالثة الهجائية ... وهو مصحوبا بهتافات الذائبين عشقا بالاه الشعر الاسطوري الخطير ؟!. هذا مثل بسيط لكيفية استيلاء شيطان الشعر على امة العرب بالعموم في القديم من الزمان والشعب العراقي بالخصوص مع تطاول الزمن ، مما يدفعنا نحن المساكين الذين ليسوا من فئة الشعراء الشعبيين ان نتسائل ببراءة عن هذه الظاهرة الشيطانية التي لاتريد الفكاك من هذه الامة لنقول : ألم يأتي الاسلام بفكر ديني ليمحق الجاهلية بشعرها ويعلي العلم بكلمته وعلمائه ؟. فكيف عاد شيطان الشعر من جديد ليبعث على حين غرّة وليقود الامة بكلمته العامية هذه المرّة في العراق ؟. ربما القارئ الكريم يدرك ان هناك حربا شعواء شنها الاسلام عندما اتى في الماضي كفكر جدد لامة العرب كل كيانها ، واسقط في طريقه العهد القديم بكل رموزه وكلماته بما فيها الشعر كخزين ذاكرة والشعراء كفرسان ميدان ، ليضع مكانهم الكلمة كعنوان تفكر وادراك وشعور وعلم ، وعلي بن ابي طالب كفارس قيادة وفيلسوف تنظير وقائد ثورة ورجل حرب ، ولكن ماهي الا سنين قليلة حتى نظم الشعر والشعراء انفسهم من جديد ليعودوا بمكر وخديعة للواجهة وليعلنوا بخبث : ان القرءان والاسلام لم يناهض الشعر والشعراء ، وانما ناهض المضامين والغايات !. وبدأوا بسرد الادلة من القرءان والسنة وكيف ان حسّان بن ثابت كان شاعرا للرسول وكيف انه ص قال له وكيف ان القرءان قال والشعراء ولم يقل والشعر .... وهكذا ، وبالمحصلة عاد المنتج الجاهلي بامتياز لنراه اليوم تتقدم كلمته حتى على كلمة القرءان الكريم المقدسة ، فندوة قراءة قرءان في العراق ربما يحضرها ثلاثة او اربعة ، لكن قلي بربك اليس ندوة شاعر شعبي لايحمل من الادب ولا الثقافة ولاحتى الذوق الاخلاقي السليم يحظرها اكثر من ثلاثمائة انسان على الاقل ؟. المشكلة الحقيقية هي ليس في الشعر والشعراء كمنتج ثقافي موجود في جميع الامم والحضارات ، ولكن الكارثة الواقعية هي عندما تتقدم كلمة الشعر في التاثير والاهتمام الجماهيري على كلمة العلم والفكر في نفس هذا المجتمع !. كذالك هي المشكلة لاتتبلور بالنسبة لنا في ان يأخذ الشاعر حيزه الادبي والفني المعروف في العراق اليوم او في الامة ، لكن الفضاعة الكبرى بالنسبة لنا هي عندما نرى زحف الشاعر الشعبي وصل الى ذروته اللامعقولة من الهيمنه الكاملة على العقل الجماهيري ووسائل الاعلام الحكومية وكذا قيمته الادبية لينتهي اخيرا الشاعر الشعبي بالتطلع لقيادة السياسات العامة للبلد وللدولة ولمناهج التعليم الدراسية .... وغير ذالك من الشؤون الحياتية للفرد والجماعة !. عندئذ من حقنا ان نقول وباعلى الصوت : مهلا !. مايكون الشعر والشعراء في بناء امة تتطلع للبناء الحضاري المعاصر بقيادة العلم والتطور في دنيا الواقع ؟. وما مضمون الشعر والشعراء حتى تسلط عليهم كل هذه الاضواء الاعلامية الرسمية وغير الرسمية على حساب اهل الفكر والادب والسياسة والفلسفة والفن بصورة عامة ؟. الحقيقة انه ومن خلال التجربة رأينا ان عالم الشعر العربي الجاهلي في الماضي لم ينهض من تخلفه وغفوته الا عندما اتى الاسلام بكلمة العلم لتحل محل كلمة الشعر والخيال ؟!. ولم تصبح هذه الامة امة واعية ومدركة لمعنى الحياة الحقيقية وفاهمة لاهدافها الحضارية الكبرى ، الا عندما ابدلنا امرؤ القيس هذا التافه المعاقر للخمر والهارب من البناء والحضارة الى نار الثأر والجريمة ... بمحمد رسول الله ص وعلي بن ابي طالب !. وسوف لن تقوم الامة من غفوتها التخديرية اليوم كذالك الا عندما نبدل اهتماماتنا من خزعبلات النواب والجواهري بمحمد باقر الصدر وباقي مفكري ومثقفي العراق الجادين ببناء الانسان الذي لم يأذن الزمان بخروجهم المنتظر .... وهكذا ، فكيف يُراد لهذه الامة الحضارية كالامة العراقية ان تتخدر بافيون الشعر العامي الذي هو وان درسناه بتمعن مفسد حتى للذوق العام الفكري منه مصلحا لاي شيئ ؟. هل يعلم بعض اصحاب المصالح المنتفعة من نشر ثقافة الشعر والشعراء ودفعهم للواجهة على اساس انهم المنتج الحضاري الكبير الذي سيبني الحياة من جديد والذي يمثل القيمة الاعلى ادبيا من الكتّاب والمفكرين والمثقفين واصحاب القلم الذي اقسم به الرحمن الرحيم سبحانه ... هل يعلم هؤلاء ماهي الكلمة الشعرية وكيف هي كلمة لاتحرك الا الخيال الفارغ وانها كلما كانت كاذبة وخادعة وتافهة كانت هي الاجمل وهي الاعلى كعبا في عالم الشعر وفنونه ؟. واين هذه الكلمة من كلمة الثقافة والفكر التي تحاكي الضمير والعقل ، وتعطي التصور وتدفع للصدق مع الحياة ومن ثم تغيير هذه الحياة والعالم !. اين كلمة الشعر التي على اساسها يُحترم ويفضل ويقدم معتوه تافه لايدرك من الدنيا اي شيئ ، من كلمة مختص بالكيميائيات الطبيعية او كلمة عالم ذرّي بيده نقل الدولة والمجتمع والأمة من ظلام العصور الوسطى الى نور العلم والتكنلوجيا الحديثة ؟. اين هذه الكلمات الراسخة في بناء الانسان من كلمة القرءان الى كلمة الفلسفة والفكر الى كلمة العلم والفضيلة ... من كلمة الشعر السخيفة التي ليس لها همٌّ يذكر سوى صف القوافي والبحث عن الموسيقى وانعاش الخيال والاحلام التي ضررها على الانسان اكثر من نفعها بالحقيقة ؟. هل ستصحو امتي العراقية وتتوجه ببوصلة اهتمامها واحترامها لكتابها ومثقفيها ومفكريها الذين يصنعون الحياة بجّدية على شعرائها وحرامييها ومجرمييها من تجار الكلمة وبائعي الاحلام ، وتطالب برؤية الندوات الفكرية والاخرى الثقافية والثالثة العلمية والفلسفية من على فضائياتهم واعلامياتهم الحكومية وغير الحكومية وان كانت دماء المناقشات الفكرية ثقيلة بعض الشيئ على المزاج العراقي الطروب ؟. ارجو ان يدرك الانسان العراقي ان كلمة العلم تبني الحياة بالفعل بينما كلمة الشعر تهدمها وبلا مبرر الا الخباثة !.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |