|
الفروق الجوهرية بين الاتفاقية الأمنية لأمريكا مع العراق ومثيلتيها مع اليابان وكوريا الجنوبية
د. حامد العطية ليست الاتفاقية الأمنية المزمع إبرامها بين الحكومة الأمريكية والحكومة العراقية الوحيدة من نوعها، إذ هنالك العشرات من اتفاقيات مماثلة بين الحكومة الأمريكية ودول أخرى، ودراسة هذه الاتفاقيات مفيدة في تحليل الاتفاقية الأمنية، والتوصل إلى تقييم أفضل لنتائجها على حاضر ومستقبل العراق، وبالفعل فقد تبين من مقارنة بين مسودة الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا وإتفاقيتين بين الطرف الأمريكي وكل من اليابان وكوريا الجنوبية وجود فوارق جوهرية، جديرة بإهتمام أصحاب القرار السياسي والمحللين والشعب العراقي وهي كما يلي: · تستند اتفاقية وضع القوات مع اليابان إلى معاهدة التعاون والأمن المشترك بين الحكومة الأمريكية واليابان والموقعة في كانون الثاني لعام 1960م، وبالتحديد المادة السادسة منها، كما تستمد اتفاقية وضع القوات بين الحكومة الأمريكية وكوريا الجنوبية سندها القانوني من المادة الرابعة من معاهدة الدفاع المشترك بين الدولتين المصادق عليها عام 1953م، وبالمقارنة لا يوجد سند قانوني مماثل للاتفاقية بين العراق وأمريكا. · اقتصرت الاتفاقيتان مع اليابان وكوريا الجنوبية على بيان الوضع القانوني للقوات الأمريكية على أراضي الدولتين، أما الاتفاقية مع العراق فقد احتوت على توصيف للروابط الاستراتيجية بين الحكومتين الأمريكية والعراقية، كما يتبين من المادتين الرابعة والثامنة والعشرين، مما يغير جذرياً من طبيعة هذه الاتفاقية، ويجعلها شاملة واستراتيجية. · أتت المادة الثانية، الخاصة بالتعاريف، في الاتفاقية مع العراق على ذكر "المنشآت والمساحات" التي ستشغلها القوات الأمريكية، فيما أفردت الاتفاقتان مع اليابان وكوريا الجنوبية لهذا الموضوع مواداً خاصة بذلك وتفاصيل وافية. · لم تتضمن الاتفاقية مع العراق قائمة بالمنشآت والمساحات، وأرجأت ذلك إلى ما بعد إبرام الاتفاقية، في حين نصت الاتفاقيتان مع اليابان وكوريا الجنوبية على أن المقصود بالمنشآت والمساحات هي المواقع التي تشغلها القوات الأمريكية عند إبرام هاتين الإتفاقيتين، إضافة لما يتم الاتفاق حوله فيما بعد. · تمنح الاتفاقيتان مع اليابان وكوريا الجنوبية حكومتي الدولتين الحق الرئيسي في ممارسة السلطة القضائية على القوات الأمريكية وعناصرها المدنية في حالة ارتكابهم مخالفات خارج أداءهم لواجباتهم الرسمية وبصورة مطلقة، بينما قيدت الاتفاقية مع العراق هذا الحق بجعله مقتصراً على المخالفات "الجسيمة والمتعمدة"، وأرجأت بيانها لما بعد إعتماد الاتفاقية. · لا تشترط الاتفاقية مع اليابان تسليم السلطات اليابانية الأمريكيين المقبوض عليهم بسبب ارتكابهم مخالفات خارج تأديتهم واجباتهم الرسمية إلى السلطات الأمريكية، وعليها التبيلغ عن ذلك فقط، ووفقاً للاتفاقية مع كوريا الجنوبية يحق لسلطاتها القضائية حبس الأمريكيين المخالفين في السجون الكورية، ولا يسلمون للسلطات العسكرية الأمريكية إلا بطلب منها، أما الفقرة الخامسة من المادة الثانية عشرة من الاتفاقية مع العراق فقد نصت على ما يلي: " يسلم أفراد القوات والعنصر المدني، فور إلقاء القبض عليهم أو توقيفهم من قبل السلطات العراقية إلى سلطات قوات الولايات المتحدة...وتتولى سلطات الولايات المتحدة عندئذ مهمة احتجاز عضو القوات أو العنصر المدني المتهم." يتبين من هذه المقارنة بأن الاتفاقية بين العراق وأمريكا استراتيجية وشاملة، ولا تقتصر على وضع القوات، كما أن الاتفاقيتين بين أمريكا وكل من اليابان وكوريا الجنوبية تمنحان حكومتي هاتين الدولتين حقوقاً ومزايا لا تمنحها الاتفاقية بين أمريكا والعراق للحكومة العراقية وسلطاتها القضائية، مما يقودنا للاستنتاج بأن الاتفاقية تحت التفاوض فاقدة للسند الدستوري والنظامي ، حيث لا تستند هذه الاتفاقية إلى معاهدة دفاع أو أمن مشترك بين العراق وأمريكا، كما هو الحال في حالتي اليابان وكوريا الجنوبية، وبالتالي فقد تجاوزت السلطة التنفيذية سلطاتها في التفاوض بشأنها من دون تخويل مسبق من السلطة التشريعية، صاحبة القرار الأول والنهائي في هذا الصدد، كما تبين من المقارنة بأن بعض مواد هذه الاتفاقية غير المشروعة مجحفة بحق الطرف العراقي وبصورة فادحة، وبالذات في موضوع الولاية القضائية، واستناداً إلى ذلك واعتماداً على القاعدة القانونية والفقهية التي تقضي بأن كل ما أسس على باطل فهو باطل، لذا فإن الاتفاقية الأمنية باطلة، موضوعاً ومحتوى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |