جون ماكين .. هل ستنقذه الملايين الصامتة ؟

 

أ.د. سّيار الجَميل 

 info@akhbaar.org

الولايات المتحدة هذا اليوم امام مفترق طرق بين الجمهوريين والديمقراطيين .. وسيتوقف هذا اليوم التاريخ العالمي مجرد لحظات ليس عن عمله في كل الوجود، بل ليشهد العالم كله اجمل لعبة امريكية تؤدى على المسرح امام الملايين من البشر .. صحيح انها تعبير واضح عن الديمقراطية التي سماها الامريكيون بانفسهم عن انفسهم، منذ زمن طويل : انها آلة تعمل من تلقاء نفسها .. ولكن يبقى منصب الرئيس في اكبر دولة في العالم يعني الكثير ليس للولايات المتحدة نفسها، بل للعالم كله .. وخصوصا اولئك الذين يتأثرون بخطط واستراتيجيات الولايات المتحدة الامريكية من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية والاعلامية .. ان كل دورة انتخابية عامة تمر في امريكا، يدخل العالم كله نفسه في حالة انذار لمعرفة من سيتولى ادارة هذا الذي لم يعد يؤثر فقط في العالم، بل بيده مصير العالم .

ان الصراع بين جون ماكين وباراك اوباما، كما يبدو الى حد الان اعلاميا، كان اكبر صراع بين ارادتين اثنتين، لا يمكنها ان تنحصر بين جمهوريين او ديمقراطيين، بل انها اكبر من ذلك بكثير، انها ارادة تحديات بين من يريد اوباما ولا يريد جون ماكين وبين محافظين جدد وبين ديمقراطيين جدد .. بين من يقبل بالمتغيرات وبين من لم يقبل بها .. بين تاريخ من التقاليد الامريكية الموروثة وبين من يرفض ذلك التاريخ .. بين من يقبل بالدم الامريكي وبين من يقبل بتعدد العناصر .. ان الصراع لم يبق حتى اليوم سياسيا، بل دخلته عوامل جديدة منها اجتماعية واخلاقية لتوضيح حقيقة ما يقال للعالم وما يريده الشعب الامريكي نفسه على ارض الواقع ؟

يقول ريك ديفس مؤكدا، وهو مدير حملة المرشح الجمهوري للبيت الابيض جون ماكين، أن فوز سناتور أريزونا في الإنتخابات الرئاسية هو في متناول اليد، وذلك في رسالة الكترونية إلى حوالى خمسة ملايين شخص من انصار الجمهوريين. واستطرد يقول : "اذا كنتم تشاهدون مثلنا في المقر العام للحملة (الجمهورية)، المحطات التلفزيونية الاخبارية فانكم سمعتم المحللين يقولون ان ماكين وحملته قد انهارا". واضاف : "اذا كنتم تتابعون السباق الى البيت الابيض منذ البداية فانكم قد سمعتم اصلا هذا الامر" قبل ان يشكك في استطلاعات الرأي. واوضح ان ناخبا من اصل سبعة لم يحسم امره بعد. وقال ايضا : "هذا يعني انه في حال صوت 130 مليون شخص الثلاثاء فان 18,5 مليونا سيتخذون قرارهم في اللحظة الاخيرة". واضاف : "اعتقد اننا سنكون في سباق تنافسي جدا". مؤكدا بقوله : "نعتقد اننا سنربح الانتخابات".

وسواء ربح جون ماكين على ايدي الملايين الصامتة ام خسر الجولة، فانني اعتقد ان التاريخ سيسجل لأول مرة صعود شاب اسود اسمه باراك اوباما وصل الى قمة التحدي، وقال للعالم : ها انا ذا صوتوا لي، بل وقال للملايين الصامتة : هل تريدون ان تكونوا ديمقراطيين حقيقيين نظرية وتطبيقا، ام لا ؟

أما جون سيدني ماكين الثالث الذي يكبر اوباما بـ 25 سنة (ولد 29 أغسطس 1936)، فهو ليس من الساسة الامريكيين اللامعين، صحيح انه عضو مجلس النواب عن ولاية أريزونا، ولكنه رشّح عن الحزب الجمهوري لملئ فراغ تاريخي لا اكثر ولا اقل، عارضا تاريخه الشخصي امام الناس، كونه احد المشاركين في حرب فيتنام مقابل كاريزما اوباما وثقافته السياسية ! انه قائد عسكري قبل ان يكون رمزا سياسيا، فلقد انحدر من اب وجد كانا اميري بحر في الولايات المتحدة .. ومضى ليكمل دراسته في اكاديمية البحرية الامريكية في ميريلاند حسب تقاليد عائلته .. ولم يكن هذا الرجل لامعا او المعيا في دراساته الاكاديمية، إذ تخرج في المرتبة ال-894 من بين 899 طالباً. ولكن ما جعله يتقّدم على غيره انه يمتلك سيرة بطولية امريكية في حرب فيتنام، وان قصته فيها تصلح ان تكون فيلما من افلام هوليوود لمغامرات تلك الحرب .

لقد  تخرج عام 1958، وتعلم الطيران، واصبح طيارا عام 1960، ولم يولد اوباما بعد . وتمّ ارساله الى حرب فيتنام عام 1967، ليقود طائرات "سكايهوك A-4". عندما كان على متن حاملة طائرات في خليج تونكين، نجا من الموت في كارثة أسفرت عن مقتل 134 جنديا آخر .. كما سقطت طائرته في بحيرة، ونجا من الموت ثانية، واسر وتعّرض للتعذيب من قبل الفيتناميين، ثم عولج وعزل لسنتين .. ثم عاد للخدمة ليضع على صدره بعض الاوسمة والنياشين التي لم يعرفها اوباما!

ان الناس في الشرق الاوسط، لم تعد تهمهم كثيرا قضية الانتخابات الامريكية، ومن سيفوز هذا الجمهوري ام ذاك الديمقراطي، ذلك ان الاستراتيجية الامريكية تكاد تكون هي الحد الفاصل بين ما يمكن عمله وما لا يمكن حتى النظر فيه .. صحيح ان جون ماكين من أبرز المؤيدين للحرب على العراق ثمنا لصعوده السياسي، وقام بزيارة مفاجئة للعراق، وانه زار اسرائيل، وأيد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهي خطوة لم يشأ المجتمع الدولي أبداً الإقدام عليها، وانه  أعلن دعمه الكامل لإسرائيل في مواجهة إيران ..  فان اوباما لا يقل عنه التزاما بما تنص عليه الاسس الخفية للاستراتيجية الامريكية، سواء اختلفت ايديولوجيته مع جون ماكين ام اتفقت ؟ ان اوباما اكثر قدرة من ماكين على الاقناع وانه يجذب الناس اليه وان فرصه بالفوز كبيرة جدا على حساب ثقل دم جون ماكين .. ولكن لنبقى ننتظر فوز اوباما والديمقراطيين، اما جون ماكين، فدعونا نرى من ستقرر مصيره الملايين الصامتة حتى الان .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com