|
لولا العراق لما فاز أوباما
د. حامد العطية حتى اخر لحظة، لم استبعد رجحان كفة المرشح الجمهوري ماكين، بسبب لون جلده، لا أكثر ولا أقل، ولكن الأمريكيين فضلوا المرشح الديمقراطي، باراك أوباما، ذي الأصل الأفريقي، لو تنبأ أحد بذلك قبل خمسين سنة لاتهموه بالجنون، آنذاك كان الأمريكيون السود ممنوعين من مخالطة البيض، لهم مدارس وكنائس خاصة، ومقاعد في مؤخرة الحافلات العمومية، وحنفيات منفصلة لشرب الماء، والويل لمن يجرأ على الدخول لمطعم أو مقهى للبيض، وفي حينها كان بعض السود يشنقون من أغصان الشجر على أيدي العنصريين الجنوبيين، وبالطبع لم يكن لهم تمثيل يذكر في الحكومة ومؤسساتها المنتخبة، وبالأمس القريب ترشح أحد قدامى الأمريكيين السود المناضلين في سبيل حقوقهم، وهو القس جيسي جاكسون، لمنصب رئيس الجمهورية، لكنه فشل في الحصول على عدد كاف من الأصوات للمضي قدماً في حملته الانتخابية. يتفق المحللون السياسيون على أن وراء فوز أوباما عاملين رئيسين،الأزمة الاقتصادية واحتلال العراق، في البدء تمحورت الحملة الانتخابية للمرشحين حول العراق، دعا أوباما لانسحاب سريع للقوات الأمريكية، لانتفاء الجدوى ولتقليص النفقات الباهضة، ورد عليه ماكين بضرورة البقاء في العراق، ولقرن من الزمن، لو تطلب الأمر،لأن الانسحاب من دون نصر مبين للقوات الأمريكية يؤذن بنهاية الهيمنة العسكرية الأمريكية، وفي حينها استقطبت حملة ماكين المؤيدين للحرب فيما انحاز معارضو الحرب لأوباما، ومن دون اعتبار للفروق العنصرية. ثم تفاقمت أزمة الرهن العقاري، وانعكست نتائجها الوخيمة على الصعيد المالي، فانهار عدد من المؤسسات المالية، وأصاب الأمريكيون الهلع لسماعهم بإفلاس المصارف الاستثمارية والعقارية الكبرى وتعثر أداء شركات تصنيع السيارات الضخمة، ولم ينقطع سيل الأخبار الاقتصادية السيئة حتى بعد تخصيص حكومة بوش قرابة التريليون دولارلانقاذ الاقتصاد الأمريكي من الهاوية، مما أقنع الكثيرين بأنه ترقيع في ثوب مهلهل، فتصاعدت نقمة الشارع الأمريكي على إدارة الرئيس بوش وسياسات الحزب الجمهوري. الاحتلال الأمريكي للعراق والإنحلال الاقتصادي حالتان متلازمتان، بل يمكن القول بأن الاحتلال أفضى للإنحلال، أو على الأقل زاد من حدته بشكل كبير، إذ تقدر بعض المصادر بأن الاحتلال يكلف الخزينة الأمريكية عشرة بلايين دولار في الأسبوع الواحد، وبالتالي فقد بلغت التكلفة الإجمالية لخمس سنوات من الاحتلال ما يقارب الثلاثة تريليون دولار، ولتغطية عجزها المالي اضطرت الحكومة الأمريكية لإصدار المزيد من سندات الخزينة الأمريكية والاستدانة من البنوك الأمريكية والأجنبية، لذا فقد كانت الحكومة الأمريكية مثقلة بالديون عندما تفجرت أزمة الرهن العقاري، مما أدى إلى تسارع وتيرة الانحدار الاقتصادي. كان معظم الأمريكيين المتوجهين لصناديق الاقتراع يوم الرابع من تشرين الثاني الحالي متخوفين من فقدان وظائفهم بسبب الركود الاقتصادي والطرد من منازلهم على خلفية أزمة الرهن العقاري وخسارة مدخراتهم نتيجة تدهور أسعار الأسهم والفوائد على السندات، وهم يلقون باللائمة على حكومة بوش وسياساتها الرعناء، السياسية والعسكرية التي قادتهم لاحتلال العراق، وما أنتجته من دين حكومي ضخم وركود اقتصادي، لذا كانوا على استعداد للتصويت لأوباما ذي الأصل الأفريقي، حتى وإن كان لونه أسوداً وأبوه مسلماً، نكاية بالرئيس بوش واحتلاله للعراق وبرامجه الاقتصادية الفاشلة التي جرت الويلات عليهم، وأملاً في التغيير الذي وعدهم به المرشح الديمقراطي. يرد في نسخة التوراة المتداولة بأن من يزرع الريح يحصد العاصفة، وقد جاء الرئيس بوش إلى العراق ليزرع الشر، فلا عجب أن يحصد هو وحزبه خسارة مخزية ومذلة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، دفنت معها أحلامه بإعلان النصر في العراق، سواء وقعت الحكومة العراقية الاتفاقية الأمنية المقبورة أم لم توقع، فصارت الرئاسة الأمريكية من نصيب الديمقراطي الأفريقي باراك أوباما، لذا يحق لنا القول بأنه لولا العراق لما فاز أوباما، وعلى الرئيس الجديد أوباما الاتعاظ من مصير بوش ويسارع للانسحاب من العراق والتخلي عن أوهام الهيمنة العالمية، وإلا فسينتهي، مثل سلفه بوش، مذموماً مدحورا.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |