|
الاتفاقية الأمنية ترخص لفرع وكالة الاستخبارات الأمريكية في العراق
د. حامد العطية كان النظام البعثي طاغوتياً، يتجسس على مواطنيه، ويجمع المعلومات الاستخبارية عنهم، فأنشا الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، ورصد لها المبالغ الطائلة من ميزانية الدولة، ووظف فيها الألاف من الجلاوزة والمخبرين، وقد أرتضى الملايين من العراقيين الذين سقطوا في حضيض الانتماء للحزب لأنفسهم العمل مخبرين للنظام، فأعدوا التقارير الاستخبارية، ووشوا بأقاربهم وأصدقائهم، ولفقوا التهم الباطلة لأبرياء، وتسببوا بإعدام وتعذيب الكثيرين وتغييب آخرين في السجون لمدد طويلة، مما أشاع جواً من الرعب والقلق بين أفراد المجتمع، من المنتمين للحزب الفاشي الحاكم وغيرهم. أسقط الأمريكان النظام البعثي، حلفاؤهم بالأمس، فطويت صفحات مؤسساته الاستخبارية، وتطلع العراقيون إلى عهد جديد، يحيون في ظله من دون خوف، يحفظ لهم حقوقهم، ويمكنهم من ممارسة حرياتهم، وإبداء أرائهم بصراحة غير وجلين من تقرير مخبر أو وشاية كاره، واستبشروا خيراً بمظاهر الديمقراطية في النظام السياسي الجديد، فشاركوا في الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور، وتجرأ الكثيرون على الجهر بمعارضتهم للسياسات الحكومية، وصرحوا برفضهم للإحتلال الأمريكي، ولكن الكثير من العراقيون لم يتخلوا عن شكوكهم المتوارثة تجاه السلطة الحاكمة، ففضلوا البقاء ضمن الأكثرية الساكنة والصامتة، ولم يمض وقت طويل حتى تبدد التفاؤل الذي ترافق مع التغييرات الجديدة، فبدلاً من أن يقلل النظام الديمقراطي من اللجوء للعنف في حل الخلافات عصفت بالعراق موجة هوجاء من العنف السياسي والديني والطائفي والإثني. وسرعان ما تبين للعراقيين بأن الجمهورية الديمقراطية التي أرادها الأمريكان للعراق نسخة من جمهوريات الموز التي استحدثوها في ستينات القرن الماضي في بعض دول أمريكا اللاتينية، وما مظاهر الديمقراطية التي أوهموا الناس بها سوى طعم لاصطياد أحرار العراق، ومنذ ذلك الحين طالت عمليات الإغتيال الألاف من الأكاديميين والمثقفين والصحافيين، مما يذكرنا بفرق الموت التي أسستها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لتصفية النخب المعارضة لسياساتها وعملائها في دول أمريكا اللاتينية، وكان آخر ضحايا عمليات التصفية لمعارضي الإحتلال الأمريكي الشهيد الدكتور صالح العكيلي، عضو البرلمان العراقي والقيادي البارز في التيار الصدري. قبل أشهر تناقلت المصادر الصحفية خبر تجسس الأمريكان على رئيس الوزراء العراقي المالكي، وبالأمس القريب أقر الأمريكان، ولو بصورة غير مقصودة، بأنهم يتجسسون على أعضاء مجلس النواب، فقد صرح القائد الأمريكي الجنرال أوديرنو بأن إيران قدمت رشوى بملايين الدولارات لبعض النواب مقابل تصويتهم برفض الاتفاقية الأمنية، وهو إدعاء كاذب، لأن الذين سيصوتون ضد الاتفاقية الإمنية سيفعلون ذلك مدفوعين بإيمانهم ووطنيتهم، وعلى سبيل المجادلة نتسائل: كيف عرف القائد الأمريكي بموضوع الرشوة إن لم يكن يتجسس على النواب؟ وما ادعاء القائد الأمريكي الكاذب سوى إعتراف ضمني على إنشاء الأمريكان لنظام استخباراتي ليحل محل المؤسسات الأمنية والاستخباراتية البعثية. توفر لدي في الأيام القليلة الماضية دليلاً آخر على النشاطات التجسسية للأمريكان على العراقيين، فمنذ أشهر استرعت إهتمام فريق التواصل الألكتروني التابع لوزارة الخارجية الأمريكية سلسلة مقالاتي المعارضة للإحتلال الأمريكي البغيض والاتفاقية الأمنية المذلة التي يرمي فرضها على العراقيين، ورد الأمريكان على مقالاتي بأكاذيب وترهات وتهجم شخصي، وآخر تعليق لهم والمقالة التي أطارت صوابهم موجودان على كلا الرابطين التاليين: http://www.baghdadtimes.net/Arabic/index.php?sid=34556 http://iraqshabab.net/index.php?option=com_content&task=view&id=11873&Itemid=39 وما يهمنا هنا على وجه التحديد الفقرة الإستهلالية لتعليق المدعو زياد، الناطق بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، وفيما يلي نصها: (لقد اخطأ الدكتور حامد مرة اخرى عندما حكم خطأً بأنني لست مسلما ومن ثقافة غير عربية وهكذا هو دائما يرسم صورا في خياله ويبني عليها مواقفه ولكن الحقيقة هي شئ مختلف تماما. فأنا يا سيدي مسلم وثقافتي عربية ومولود في العراق واعرف مدينة الشامية التي ولدت قربها بل واعرف حقول الشلب وبساتين النخيل وان لم اكن مخطئا فقد زرت البيت الذي ولدت ونشات فيه قبل ان تهاجر من العراق. فأنا اعرف ثقافتك واعرف كيف تفكر... زياد وفي ردي عليه فندت ادعائه بكونه عراقياً ومن مواليد منطقة مدينتي الشامية، إذ من رابع المستحيلات أن يتسمى عراقي جنوبي بإسم زياد، أو حتى ينتحله، وهو الاسم الذي يعيد إلى أذهانهم تلك الشخصية المنحرفة الكريهة في تاريخ العرب، فلا يوجد في قاموسهم سوى زياد بن أبيه، ابن الفراش، الذي اشترى ضميره معاوية مقابل إلحاقه بأبيه أبي سفيان، خلافاً للأمر الرباني، فولد للخائن زياد ابنه اللعين عبيد الله، الذي كان والياً ليزيد على الكوفة، وأرسل الجيش الذي قاتل سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وآهل بيته وأصحابه، واسم زياد لا يقل كرهاً لدينا نحن الجنوبيون من يزيد والشمر ومعاوية، وأتذكر ذلك الطالب الأردني، واسمه معاوية، الذي قابلته في الجامعة الأمريكية في بيروت أثناء ستينات القرن الماضي فسألني: لم تكرهون اسم معاوية لهذا الحد؟ ثم أخبرني عن صديقه الذي يدرس في العراق، والذي توسل إليه بعدم كتابة اسمه، أي معاوية، على مظاريف الرسائل التي يرسلها له لأن ذلك أوقعه في متاعب مع مستضيفيه العراقيين، لذا استنتج بأن الادعاءات التي أوردها المدعو زياد حول ولادته ونشأته في منطقة الشامية بجنوب العراق وديانته ومذهبه مختلقة بالكامل، وأتساءل كيف تسنى له معرفة كل هذه التفاصيل عن مولدي ونشأتي، إلا إذا كانوا يتجسسون على العراقيين، وبالذات معارضي الإحتلال الأمريكي؟ واستوقفتني العبارة التالية في تعليقه: ( أنا أعرف ثقافتك وأعرف كيف تفكر) وفيها يكشف عن اسلوب استخباراتي أمريكي في العمل، ينطلق من افتراض: إذا عرفت ثقافة إنسان، أي البيئة الاجتماعية التي ولد فيها ونشأته، تستطيع معرفة طريقة تفكيره، وبالتالي تفهم دوافعه، ويمكنك التنبؤ بسلوكه، لذا توظف الاستخبارات الأمريكية مختصين بعلم النفس، ليدرسوا خلفيات معارضي الهيمنة الأمريكية، ويقدموا لموظفي الاستخبارات النصح حول كيفية التعامل معهم، فإذا كانت الاستخبارات الأمريكية مهتمة بجمع المعلومات عني، وأنا مجرد مواطن عراقي، غير ذي وزن سياسي، ولا حول ولا قوة لي في نظرهم، وإن كنت أرى نفسي قوياً بإيماني وحبي لوطني، فمن المؤكد أنهم يتجسسون على كل كبيرة وصغيرة من أفعال وأقوال المسئولين العراقيين، بل أرجح بأنهم يتنصتون حتى على خصوصياتهم في مخادعهم. لو أبرمت الحكومة العراقية الاتفاقية الأمنية مع المحتلين الأمريكان فسيكون ذلك بمثابة ترخيص مفتوح لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وغيرها من أجهزة التجسس والأنشطة السرية الأمريكية وفرق الموت للعمل بحرية كاملة على الأرض العراقية، وهو ما يتأكد لنا من مراجعة بعض بنودها، التي تمنح المحتلين حرية تامة في الدخول والخروج من الأراضي العراقية، وإقامة مختلف المنشآت الأمنية وشبكات الإتصال، والتجول في بلدنا بسيارات ذات أرقام عراقية مدنية، وبالنتيجة ستتحول القواعد الأمريكية في العراق إلى أوكار للتجسس على العراقيين، الموالين منهم للمشروع الأمريكي والمعارضين، وعلى دول الجوار أيضاً، كما ستكون هذه القواعد مصادر إسناد وإمداد لعملاء الإحتلال، ومنطلقاً لعمليات التخريب والإغتيال، تنفيذاً للأوامر التي ستصدرها السفارة الأمريكية في بغداد، والتي تتهيأ لاستقبال الألاف من الموظفين الأمريكيين، وغالبيتهم من الجواسيس وخبراء الاستخبارات. لو أبرمت الاتفاقية الأمنية، فسيتحمل المصادقون عليها في البرلمان والموقعون عليها في الحكومة المسئولية الكاملة عن نتائج قرارهم، المباشرة وغير المباشرة، وتضعهم في طائلة المسائلة الشرعية والقضائية، ومن أهم هذه النتائج الكارثية ترخيصهم للإستخبارات الأمريكية بالعمل في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |