|
ماذا ينتظر العالم من انتخاب أوباما .. رئيسا للولايات المتحدة؟
حامد الحمداني لم يترقب العالم الانتخابات الأمريكية خلال العقود الماضية كما ترقب هذه الانتخابات التي أوصلت الرجل الأسود أوباما إلى سدة الرئاسة في الدولة الكبرى الولايات المتحدة، ولم يشهد الشعب الأمريكي اهتماماً ومشاركة في التصويت كما جرى في هذه الانتخابات التي جرت في الرابع من تشرين الثاني الجاري، كما لم يشهد الشعب الأمريكي تنافساً على الترشيح للرئاسة كما جرى بين أوباما وهيلاري كلنتون ليقف وجهاً إلى وجه أمام المرشح الجمهوري جون ماكين الذي عُرف بتوجهاته اليمينية المتطرفه، وخصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفي المقدمة ما يتعلق بالعلاقات الروسية الأمريكية والصينية الأمريكية، وما يتعلق بالتواجد العسكري الأمريكي في العراق، والحرب الدائرة في أفغانستان. لقد تميزت فترة الثمان سنوات لرئاسة الرئيس بوش بكونها سنوات ثقيلة وصعبة، وذات نتائج كارثية ليس فقط للشعب الأمريكي، بل للعالم أجمع حيث اندفع الليبراليون الجدد من صقور الحزب الجمهوري في سياساتهم العسكرية والاقتصادية الرعناء التي اوصلتهم الحرب المتواصلة في أفغانستان والعراق منذُ الهجوم الإجرامي على مركز التجارة العالمية في نيويورك والبنتاغون في واشنطن عام 2001 دون أن يصلوا إلى ضوء في نهاية هذا النفق المظلم، والتي كلفت دافعي الضرائب الأمريكيين مئات المليارات من الدولارات، ناهيكم عن ألوف الجنود الذين سقطوا وما زالوا يسقطون قتلى في المعارك، وأضعاف ذلك من الجرحى والمعوقين، وكل ذلك جرى باسم مكافحة الإرهاب الذي كانوا هم من خلقوا ركائزه ودعموه بشتى الوسائل والسبل من أجل تنفيذ أجندتهم في الهيمنة على العالم. إن طالبان وما يسمى بالمجاهدين في أفغانستان، ونظام صدام كان من صنع أيدهم، كما هو الحال مع المجاهدين في البوسنة والشيشان وكوسوفو ونيكاراغوا وغيرها من بلدان أمريكا اللاتينية كلها صناعة أمريكية بامتياز كما أن السياسة الاقتصادية التي أفرزتها العولمة والشركات المتعددة الجنسيات، ورفع الحواجز أمام انتقال رؤوس الأموال في مختلف بلدان العالم ، وفتح الباب واسعاً أمام هذه الشركات لتمارس نشاطاتها الاقتصادية دون رقابة قد أوصلت الولايات المتحدة إلى هذا الانهيار الاقتصادي الخطير، والذي سرعان ما انتقل إلى جميع بلدان العالم ليتهاوى اقتصادها كما تهاوت قطع الدومينو، ليدخل العالم في أزمة اقتصادية لم يشهد مثلها منذ ازمة عام 1929، والتي تهدد الاقتصاد العالمي بالركود لسنوات طويلة هذا ما أفرزته العولمة التي بشر بها صقور الحزب الجمهوري من الليبراليين الجدد والتي انعسكت على الشعب الأمريكي وسائر شعوب العالم بكارثة اقتصادية وإفلاس الشركات والبنوك وشيوع البطالة وازدياد الفقر، وانتشار الإرهاب. وفي ظل هذه الظروف جرت الانتخابات الأمريكية لاختيار الرئيس الجديد ومجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ، وجاءت نتائج الانتخابات كما توقعها المتتبعون فوزا كاسحاً للحزب الديمقراطي ومرشحه للرئاسة باراك أوباما وهيمنة الحزب الديمقراطي على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، وإلحاق الهزيمة النكراء بالحزب الجمهوري ومرشحه للرئاسة جون ماكين، حيث حصل الرئيس المنتخب أوباما على 349 صوتاً في المجلس الانتخابي مقابل 162 صوتاً لجون ماكين ، وحصل الحزب الديمقراطية على 240 مقعداً في مجلس النواب و56 مقعداً في مجلس الشيوخ مقابل 167 مقعداً للجمهوريين في مجلس النواب و40 مقعداً في مجلس الشيوخ ، وهكذا بات الديمقراطيون بقيادة أوباما يسيطرون على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبات الطريق مفتوحاً لباراك أوباما لأجراء التغيرات التي وعد بها الناخبين على المستويين الداخلي والخارجي. ولا شك أن العالم أجمع تلقى هذا الفوز بسرور بالغ، وأمل في أن يجرى تغير حقيقي في السياسة الخارجية الأمريكية، والتصدي للمشاكل والمعضلات التي تجابه العالم بوسائل سياسية بعيداً عن الحروب والتهديد، واحترام المنظمة الدولية والقانون الدولي اللذان تجاهلهما الرئيس بوش، بل وتحداهما وشن الحرب على العراق، والسعي لبناء العلاقات السلمية والتعاون والاحترام مع دول العالم ، وفي المقدمة منها روسيا والصين والاتحاد الأوربي من أجل التصدي للأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة ومساعدة الشعوب على تجاوز هذه المحنة بأقل ما يمكن من الخسائر، والتصدي لمشكلة البطالة التي عمت العالم أجمع، وما يمكن أن تسببه من مخاطر وكوارث اجتماعية كبيرة. لقد أفلح الشعب الأمريكي باختيار أوباما على مكين الذي كان سيدفع العالم إلى المزيد من المجابهة مع روسيا والصين والانغمار في الحرب الباردة وما بعد ها . فقد شاهد العالم وسمع ما دار بين الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي [فلاديمير بوتين]، وممثل الولايات المتحدة [جون ماكين] في مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية في 11 شباط 2007 حيث وجه بوتين أثناء خطابه في المؤتمر اتهامه للولايات المتحدة قائلاً: {أن الولايات المتحدة تنشئ، أو تحاول إنشاء، عالم وحيد القطبية}. ثم عاد وفسر بوتين ما تعنيه هذه التسمية قائلاً :{ماذا يعني عالم وحيد القطبية؟ بصرف النظر عن محاولاتنا لتجميل تلك العبارة فإنها تعني العالم الذي يرتكزعلى وجود قوة واحدة تتحكم فيه، وتعني أيضا عالم له سيد واحد فقط، وإن هذه التركيبة أدت إلى كارثة، مضيفاً أن الولايات المتحدة قد تحدت حدودها الوطنية في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، بل وفرضت نفسها على الدول الأخرى، فالحروب الأهلية والإقليمية لم تتوقف، كما أن عدد الناس الذين يقتلون بسببها في ازدياد متصاعد. إننا لا نرى أي نوع من التعقل في استخدام القوة، بل نرى استخداما مستديما ومفرطا للقوة، وأضاف أن الولايات المتحدة قد خرجت من صراع لتدخل صراع آخر دون تحقيق أي حل شامل لأي منهم }. وبحضور وزير الدفاع الأمريكي الحالي [روبرت جيت] وعدد من نواب الكونجرس، دعا بوتين أمامهم إلى إعادة هيكلة نظام الأمن الدولي القائم حالياً بأكمله. وقد رد السناتور الجمهوري الأمريكي [ جون ماكين ] المرشح الرئاسي الخاسرعن الحزب الجمهوري بعنف على خطاب الرئيس بوتين قائلاً: {إن عالم اليوم ليس وحيد القطبية، وأن روسيا الاستبداديةّّ هي التي تحتاج إلى تغيير في سلوكها، وأضاف قائلاً إن على موسكو أن تفهم أنها لا تستطيع أن تتمتع بمشاركة حقيقية مع الغرب طالما أن أفعالها في الداخل وفي الخارج تتعارض بشكل أساسي مع لب قيم الديمقراطيات إليورو- أطلسية، وادعى جون ماكين أن عالم اليوم هو بالفعل عالم متعدد الأقطاب، ولا يوجد مكان للمواجهات العديمة الجدوى، لذا أتمنى أن يفهم الزعماء الروس هذه الحقيقة}!. وبعد هذه المواجهة الكلامية بين بوتين وماكين تحدث بعض المشاركين في المؤتمر عن قيام حرب باردة جديدة، لكن البعض الآخر قللوا من أهمية ما حدث، وقالوا إن خطاب بوتين يعد أحد الحركات التي دأبت روسيا على اتخاذها بصفة دورية للتعبير عن سخطها من تلاشي دورها الكبير الذي كانت تلعبه في الخريطة السياسية للعالم. وهكذا فإن الوضع الحالي للعلاقة الأمريكية الروسية يسبب للإدارة الأمريكية أشد القلق، ويجعلها تحسب ألف حساب للمستقبل، وهي لذلك عملت ولا تزال تعمل بأقصى جهدها ليس فقط لإبعاد روسيا عن الشؤون العالمية، بل ولتطويقها، ومد حلف الأطلسي إلى عقر دارها، حيث سعت إلى ضم دول أوربا الشرقية التي كانت تعرف بالمعسكر الاشتراكي، بل لقد تجاوزت ذلك إلى العمل على ضم الدول التي استقلت عن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مثل استونيا وليتوانيا ولاتفيا والمساعي جارية لضم أوكرانيا وجورجيا، وجمهوريات أسيا الوسطى مما أوصل العلاقات الأمريكية والأوربية مع روسيا إلى حالة من التوتر الشديد، مما ينذر بنشوب حرب باردة لا يحمد عقباها. كما أن ماكين كان قد أعرب في تصريحاته حول العراق عن رغبته في بقاء القوات العسكرية الأمريكية في العراق لأمد غير محدود كما هو الحال في اليابان وكوريا الجنوبية من أجل تنفيذ أجندة صقور الحزب الجمهوري في تطويق روسيا من جهة، وترتيب الأوضاع فيما دعته بالمخطط الأمريكي للشرق الأوسط الجديد من جهة أخرى. إن انتخاب الرئيس أوباما يضع أمامه المهمات التالية: أولا: في السياسة الدولية : 1ـ أعادة النظر في العلاقات المتوترة مع روسيا والصين على أساس الاحترام المتبادل وإقامة الشراكة في تحقيق السلم والأمن الدوليين بعيداً عن الإقصاء والتهميش، والاعتراف بدوريهما في السياسة الدولية باعتبارهما قطبين عالميين لهما دورهما الهام والفاعل في السياسة الدولية، واحترام دور منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حل المنازعات الدولية من خلال إصلاح هذه المنظمة التي مضى على تأسيسها من قِبل المنتصرين في الحرب العالمية الثانية 62 عاماً دون تغيير أو تطوير، والتعاون المشترك من أجل خير وسعادة البشرية والعيش بسلام واطمئنان. 2 ـ العمل المشترك في التصدي للأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم أجمع، والخروج من هذه المحنة بأقل الخسائر الممكنة، ومعالجة مشكلة البطالة والفقر والتصدي للإرهاب على مستوى العالم ليس فقط بوسائل القوة والسلاح بل بتأمين حياة كريمة للإنسان خالية من الجوع والفقر والعوز والبطالة. 3 ـ العمل على معالجة الأزمة العراقية الراهنة من خلال معالجة الأخطاء التي وقعت فيها إدارة بوش بتنصيبها بول بريمر حاكماً على العراق، ذلك الحاكم الذي تصرف برعونة منقطعة النظير بحله الجيش والأجهزة الأمنية وتأسيس ما سمي بمجلس الحكم على أسس طائفية وعنصرية، والتي سببت الكارثة التي حلت بالعراق وقادته للحرب الأهلية، وحولت البلاد إلى ساحة للصراع والموت والخراب والدمار مع المنظمات والميليشيات الإرهابية، وتلاشت وعود بوش قبيل نشوب الحرب بإقامة نظام ديمقراطي في البلاد فكانت النتيجة قيام نظام حكم ديني طائفي وعنصري شوفيني عاد بالعراق القهقرى عشرات السنين إلى الوراء. إن الوضع في العراق يتطلب إعادة النظر في مجمل العملية السياسية بما يضمن قيام نظام حكم ديمقراطي حقيقي في البلاد وحل كافة الميليشيات وتنظيف الجيش والأجهزة الأمنية من عناصر ميليشيات الأحزاب السياسية كافة، وتسليح الجيش بالأسلة الثقيلة والطائرات الحربية لكي يستطيع حماية حدود العراق، ومنع تدخل دول الجوار في شؤونه، وتأمين الأمن والسلام في عموم البلاد قبل سحب القوت الأمريكية. إن سحب القوات الأمريكية في ظل الظروف الخطيرة الراهنة من دون إحلال قوات للأمم المحتدة، ومن دون تأمين هذه الشروط سيحول العراق بكل تأكيد إلى ساحة للصراع الدموي من جديد حيث تتحفز إيران وحليفتها سوريا من جهة والقوى البعثية وحلفائها من عناصر القاعدة من جهة أخرى للسيطرة على الحكم في البلاد، وسيتحول العراق إلى قاعدة للإرهاب العالمي. 4 ـ السعي الجدي والحقيقي لحل القضية الفلسطينية التي تعتبر لب الصراع في الشرق الأوسط على أساس قرارات الشرعية الدولية بإقامة دولة فلسطينية في كامل أراضي الضفة الغربية وغزة، وعاصمتها القدس وسحب كافة المستوطنين من الضفة، وسحب القوات الأسرائلية من هضبة الجولان ، وإقامة علاقات حسن الجوار، ونبذ الحروب والاستيلاء على أراضي الغير. ثانياً ـ في السياسة الداخلية 1 ـ العمل الجدي والسريع للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية الراهنة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تأثرت اشد التأثير، والسعي الحثيث لمعالجة أسباب الأزمة، وإعادة النظر في أسس السياسات المالية والاقتصادية، وضرورة أشراف الدولة، وعدم ترك الحبل على الغارب للبنوك والشركات التي أطلقت لها العولمة العنان للتصرف كما تشاء فكان هذا الانهيار المالي الخطير الذي ضرب الولايات المتحدة، وسرعات ما امتد إلى دول العالم أجمع كما تمتد النار في الهشيم. 2 ـ الاهتمام الجدي بمشاكل المجتمع الأمريكي وفي المقدمة منها مسألة التأمين الصحي، والتأمين ضد البطالة، ومعالجة مشكلة البطالة التي خلفتها الأزمة الاقتصادية الراهنة، والحرص على تحقيق مجتمع أكثر عدالة، من خلال تخفيف الضرائب عن الطبقات الفقيرة والمتوسطة ، وتحقيق دخول لها تمكنها من تأمين حاجاتها المادية والعيش الكريم. 3 ـ الاهتمام الجدي بمسألة البيئة، ومكافحة التلوث بالتعاون مع المجتمع الدولي ومن خلال تطبيق اتفاقية أكيتو. أن الإدارة الجديدة التي ستتولى الحكم في 20 كانون الثاني 2009 برئاسة الرئيس المنتخب باراك أوباما ستكون بلا شك أمام جملة هامة وكبيرة من المشاكل والمعضلات التي خلفتها إدارة بوش، وستكون على المحك أمام الشعب الأمريكي وشعوب العالم أجمع، فالشعوب هي التي ستحكم في نهاية المطاف إن كان الرئيس المنتخب أوباما سيفي بوعوده التي قطعها على نفسه من أجل التغيير، فقد ضاقت الشعوب ومنها الشعب الأمريكي بسياسة بوش وصقور الحزب الجمهوري الذين أوصلوا العالم إلى هذه الحال اليوم لكن السيد أوباما بطبيعة الحال سوف لن يكون مطلق اليدين في تنفيذ ما يرتأيه من تغيير، فهو بطبيعة الحال يتحرك بحدود الممكن، فالسياسة الأمريكية لا يقررها الرئيس وحده بل تتولاه مؤسسة واسعة من الخبراء في مختلف المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكنه بالتأكيد يستطيع أن يؤثر في القرارات إلى حد كبير.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |