|
إذن .. فعلها مجلس النواب ..!!
ناظم ختاري عبرت في عدة مقالات نشرت لي، حول إلغاء المادة رقم 50 من قانون انتخابات مجلس المحافظات، والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي اندلعت اثر ذلك والحملات التضامنية التي وقفت إلى جانب حقوق الأقليات الانتخابية، وثم المقترحات التي تقدم بها السيد دي مستورا والذي حاول جهده من أجل إعادة حقوق الأقليات إلى نصابها، بعدما ضاعت بضياع المادة رقم 50 التي لم تكن منصفة هي الأخرى لحقوق الأقليات الانتخابية، عبرت فيها عن قناعتي بأن الحقوق لا تعطى وإنما تؤخذ، وأكدت فيها أكثر من مرة وبأكثر من صيغة، إن العديد من الكتل البرلمانية ستخصص الكثير من جهودها كي لا تحصل الأقليات على حقوق متوازنة في انتخابات مجالس المحافظات، وطبعا من منطلقات تعصب قومي وطائفي، وبدافع العداء الأعمى لكل حق من حقوق هذه الأقليات الموغلة في أعماق تاريخ هذه البلاد، أو اقتلاعها من أرض هذه البلاد نهائيا، وأعتقد إن الهجرة الواسعة التي بدأها أبناء الأقليات في عهد الدكتاتورية البائدة والتي تضاعفت في ظل الظرف الحالية، التي تهيمن فيها القوى الطائفية المتعصبة والقومية الشوفينية على زمام الأمور في العراق، تسير بهذا الاتجاه، وقد يكون من المفيد أن نذكر بأن مصيرها هو قريب إلى مصير يهود العراق الذين تم تهجيرهم قسرا في العقود الماضية عن بكرة أبيهم و بنفس هذه الأساليب القذرة، مع اختلافات بسيطة . إذ صوت مجلس النواب، بأغلبية أصوات الحاضرين على تقزيم مقترح السيد دي مستورا، والإبقاء على حقوق تمثيل رمزية للأقليات ضمن قانون انتخابات مجالس المحافظات، وعلى مستوى عدد من المحافظات العراقية وهي البصرة وبغداد والموصل , فقد حدد التصويت الذي جرى أمس في مجلس النواب على مقعد واحد للمسيحيين في البصرة ومثله في محافظة بغداد وإلى جانبه مقعد وحيد للصابئة المندائية، ومقعدا واحدا لهم في الموصل مع واحد للإيزيدية وآخر للشبك، وهذا يعني في حقيقة الأمر تحجيم قانوني لتمثيلها في المؤسسات الدستورية للدولة العراقية وتهميش دور أبناء هذه الأقليات في صناعة القرار المتعلق بمصيرهم على مختلف الأصعدة، في الوقت الذي كانوا يعانون من إقصاء حاد، خلال الفترات الماضية على مختلف الصعد . شخصيا لست مستغربا منما فعله مجلس النواب في هذه المرة، ولا استغربت في السابق من غرائب أخرى ليس بينها وبين الجريمة ولو شعرة واحدة سوى التسمية ( القانون – الجريمة ) ارتكبها نفس هذا المجلس، أو الأحزاب التي تتشكل منها كتله المتنفذة، سواء خلال هذه الدورة البرلمانية الاعتيادية أي منذ الانتخابات العامة الأخيرة، أو قبلها أثناء ولاية الجمعية الوطنية المؤقتة أو المجلس الانتقالي والأمثلة عليها كثيرة ولكن ليس هناك مجال لذكرها الآن، لست مستغربا من مساعيها كونها وببساطة شديدة أحزاب طائفية وقومية تعبر عن نفسها بوضوح، فمن الطبيعي أن تكون ولاءاتها إلى انتماءاتها وليس إلى الوطن الذي يتشكل من قوس قزح جميل وألوان عراقية زاهية من أقوام وأديان وطوائف مختلفة، وليس هناك ما يشير إلى أنها تستطيع تبني مشروعا وطنيا قادرا على الحفاظ على هذا التنوع وحماية العراقيين جميعا بما فيهم أبناء الأقليات القومية والدينية، ليس هذا فقط، بل إنها مستعدة لأن تقذف بأي واحد من أبناء الأقليات في البحر لحساب هذا الولاء الطائفي أو القومي المتعصب والمتخلف . على أية حال نحن أمام حقيقة واقعة، تتكرر فصول السطوة على حقوق الغير على الدوام وبشكل يومي في كافة أنحاء العراق وعلى كافة مستويات مؤسسات الدولة العراقية، التنفيذية منها أو التشريعية، فالإجراءات والجرائم التي كانت ترتكب في السابق بحق أبناء الأقليات، كانت عادة من غير غطاء قانوني، كون القانون كان في الغالب مغيبا وغير ذي أهمية حتى بالنسبة إلى أخطر القرارات التي كانت تتخذها مختلف الحكومات التي تعاقبت على دفة الحكم في بلادنا المغضوب عليها، كانت كلها تحصل بفعل المتنفذين فيها والذين كانوا يحاولون عادة إضفاء الطابع الاجتماعي عليها، والذي لم ينجح كثيرا إلا في ظل الأوضاع الحالية الحرجة، والتي تسعى فيها قوى أشرت لها، إلى إضفاء الطابع القانوني عليها ما دامت هناك أرضية اجتماعية تحققت أو تتحقق لها، وأعني بذلك العلاقة التي كانت تربط العراقي بالعراقي الآخر من قومية أخرى أو دين آخر أو طائفة أخرى، لم تعد قائمة على أساس الانتماء إلى الوطن أو على أساس مبادئ التسامح والمحبة للأسف الشديد، بينما تتسع يوما بعد آخر الفجوة بينهم، والقوى الطائفية المتعصبة والقومية الشوفينية أصبحت تدفع بشكل أقوى في هذا الاتجاه . إلا أنه وأمام هذا الوضع الذي يعتبر مأزقا متأزما لكل العراقيين، وليس فقط لأبناء الأقليات، ومحاصرة لدور القوى الوطنية والديمقراطية الحقيقية وتحجيما له، ينبغي أن لا ندع ونترك المجال كي تمرر هذه القوى، مخططاتها الرامية لإقامة دولة الميليشيات والعنف الطائفي والديني والتعصب القومي، وهذه المسألة بقدر ما هي ضرورية للحفاظ على بقاء أبناء الأقليات في أرض الوطن وإيقاف مخططات تهجيرهم إلى خارجه، فإنها تعد ضرورية أيضا للتصدي بهمة عالية لقيام دولة القانون والمواطنة، البديل الحقيقي عن الهجرة الجماعية وترك البلاد للضواري، كون عواقب هذه الهجرة ستكون وخيمة على أبناء الأقليات ومستقبلهم، إذ يبلغ تعدادهم أو من تبقى منهم في الوطن أكثر من مليون ونصف مليون نسمة، ليس من السهولة بمكان، أن يحزموا أمرهم وهاجروا خلال شهر أو شهرين وإلى الأبد وينتهي الأمر، إذ أن هجرة هذه الأعداد تحتاج إلى سنين طويلة تفقد في سياقها حتى تماسك علاقاتها العائلية، وتشكل عبئا ثقيلا وعميقا على تكوين أفرادها في الجانب النفسي، علاوة على إمكانيات مادية هائلة مفروضة على أبناءها، التي تستنزف كل طاقاتهم منذ أن بدأت الهجرة هذه تشتد بوتائر عالية . ومثل هذا الأمر يفرض على القوى الوطنية والديمقراطية واليسارية أن تدعو إلى رص الصفوف، وترجمة الوقوف إلى جانب محنة الشعب العراقي التي تشكل محنة الأقليات جزءا معقدا منها، إلى خطوات عمل حقيقية، إذ ليس هناك من قوى بين مجموع القوى العراقية قادرة على تبني مشروع عراق القانون وعراق المواطنة وعراق الأمن والاستقرار والرفاهية والعدالة الاجتماعية، غير هذه القوى الأنفة الذكر التي تفرض عليها وطنيتها ومحنة الشعب العراقي، أن تتبنى مشروعا من أجل تضافر جهودها المشتركة مع جهود ممثلي هذه الأقليات وبقية القوى ذات المصلحة الحقيقية، في المراحل الانتخابية القادمة، لانتزاع الأغلبية البرلمانية من أيدي القوى الحالية، وبهذا المشروع لوحده، يمكن للشعب العراقي إيقاف المزيد من الانزلاق، وتحرير العراق من الطائفية العمياء والتعصب القومي البغيض، وانتزاع حقوقه كاملة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |