كلية الحقوق العراقية في العهود الجمهورية

 

أ.د. سّيار الجَميل 

 info@akhbaar.org

ثالثا : التحوّلات والتداعيات

مقدمة : من اجل اغناء الرمز العراقي

استكمالا لكل من الحلقتين السابقتين من هذه " الدراسة " التي خصصتها عن تاريخ كلية الحقوق العراقية التي تعتبر اعرق مؤسسة اكاديمية في العراق، فانني اختتم في هذه " الحلقة "، لما يمكن قوله واختزاله عنها، عندما عاشت حياتها الصعبة على العهود الجمهورية طوال خمسين سنة مضت، والتي لم تلاق خلالها اي اهتمام يذكر، بل حوربت في الثلاثين سنة الاخيرة حربا لا هوادة فيها، وقلل من قيمتها وقيمة خريجيها، وصدرت التعليمات بتغيير اسمها ودمجها بالعلوم السياسية .. وفي هذه الحلقة من الدراسة، ارسل بدعوة صادقة وعلمية الى كل المسؤولين والاكاديميين العراقيين، العمل من اجل ارجاع اسمها  الى ما كان عليه (كلية الحقوق)، وهو الاسم التاريخي الذي عرفت به هي وكل من كليتي الحقوق العريقتين في كل من استانبول والقاهرة .  فهل ستتحقق دعوتي ومناشدتي هذه ؟ من اجل المحافظة على عراقة الاسم والمؤسسة . ومن اجل استعادة دورها المجيد في المستقبل ؟؟ هذا ما نتمنى تحقيقه لمؤسسة عراقية عاشت مائة سنة كاملة وصادفت كل التحديات عبر تاريخنا الوطني .. من اجل ان تبقى رمزا وطنيا لكل العراقيين في قابل الايام والازمان .

مواد الدراسة

بعد تأسيس جامعة بغداد 1957 ـ 1958 تطورت كلية الحقوق التي غدت واحدة من اهم كليات الجامعة الفتية، وازدادت اقدامها رسوخا في المجتمع العراقي . وقد اورد الدليل الذي نشرته ادارتها، عناوين المواد التي كانت تدرس في كلية الحقوق ومنها المواد التالية :اصول القانون،المدخل الى الشريعة الاسلامية،القانون الدستوري،الاقتصاد السياسي،تاريخ القانون،الاجتماع القانوني،العقوبات،القانون الاداري،الالتزامات،المالية، الاقتصاد،تشريع العمل،القانون الروماني،القانون التجاري،العقود المسماة،الوقف والمواريث،القانون الدولي العام، العقوبات الجزائية،التشريع المالي،اصول الفقه،الحقوق العينية الاصلية،المرافعات المدنية والتنفيذ،التامينات العينية،القانون الدولي الخاص،وكل هذه المواد الزامية، وهناك مواد دراسية اختيارية هي النظم السياسية،التحقيق الجنائي،الطب الشرعي، مع التركيز على اللغات خلال المراحل السابقة وخصوصا اللغة الفرنسية، وللطالب الحق في اختيار احد المواد الاختيارية في السنة الثالثة. اما في السنة الرابعة فمن حق الطالب اختيار احد الموضوعات التالية :علم النفس الجنائي،العلاقات الاقتصادية الدولية

سلسلة العمداء

الدكتور عبد المجيد الحكيم , وكان تولى العمادة عام 1960-1961, وهو استاذ مادة القانون المدني, حاصل على دكتوراه دولة في القانون من جامعة باريس عام 1956-1957.... وتولى العمادة من بعده الدكتور عبد الجبار عريم, للفترة 1962-1965, وهو استاذ مادة القانون الجنائي... وجاء دور الأستاذ شاكر ناصر, الذي تولّى العمادة  للفترة 1966-1968, وكان استاذ مادة الحقوق العينية الأصلية, ومنح لقب أستاذ متمرس عام 1983, وحاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد الزراعي من جامعة وسكنسن الأمريكية... وتولاّها الدكتور علي حسين الخلف, للفترة 1970-1973, وهو استاذ مادة القانون الجنائي ... ثم الدكتور عبد الحسين القطيفي , للفترة 1973-1976, وكان استاذ مادة القانون الدولي , وقد اشغل مناصب وكيل الخارجية، ومثّل العراق في المؤتمرات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي, وهو حاصل على شهادة دكتوراه دولة في القانون من جامعة باريس . وتوّلاها الدكتور رياض عزيز هادي للفترة  1976-1979, استاذ مادة النظم السياسية , ثم الدكتور نزار جاسم العنبكي, للفترة 1980-1983 وثانية للفترة 1998-2003, وهو استاذ مادة القانون الدولي، ثم الدكتور محمد عبد الله الدوري , للفترة 1983-1998, استاذ مادة القانون الدولي, وقد اشغل منصب ممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة ما قبل العام 2003 , ثم الدكتور على الجيلاوي , للفترة 2003-2005, والدكتور علي كاظم الرفيعي, وقد تولى العمادة عام 2005 ولا يزال حتى الآن .

مجلس الكلية

اما مجلس الكلية فكان يتالف من العميد ورؤساء الاقسام .. وانقل لكم اعضاء مجلس الكلية للعام الدراسي 1961-1962، اذ تأّلف من العميد وكالة الدكتور عبد المجيد الحكيم، والدكتور صلاح الدين الناهي، والدكتور عبد المجيد عزت، والدكتور حسن الجلبي والدكتور محمد يعقوب السعيدي،والدكتور علي حسين الخلف، والدكتور مالك دوهان الحسن، والدكتور عبد الرحمن البسام .وكان من اساتذة الكلية لاحقا كل من الدكاترة :  عبد الكريم زيدان، وشاكر ناصر حيدر، والدكتور صفاء الحافظ، والدكتور منذر الشاوي، والدكتور محمد علي ال ياسين،والدكتور هاشم الحافظ، والدكتور حسن الهداوي، والدكتور شاب توما منصور، والدكتور ابراهيم الوهب، والدكتور هاشم الدباغ، والدكتور عبد الله ياسين، والدكتور عبد الامير العكيلي، والدكتور محمد طه البشير،والدكتور علي سلمان العبيدي، والدكتور سعدون القشطيني .

مكتبة كلية الحقوق العراقية

ومن الطريف الاشارة الى ان مكتبة الكلية انذاك كانت تضم قرابة 9الاف كتاب ومجلة قانونية، ولكل كتاب ثلاثة انواع من الفهارس وهي مصنفة على طريقة ديوي، وكانت الكتب باللغات العربية والفرنسية والانكليزية والتركية والالمانية والاسبانية والهولندية . وتعد مكتبة كلية الحقوق العراقية من اقدم المكتبات العلمية الرسمية العراقية التي كانت تزخر بامهات الكتب والمجلات في شتى حقول القانون والمواثيق والارشيفات المهمة، كما حدثتني عنها الامينة القديمة عليها السيدة وسن طاقة .

الرواد العراقيون : ابرز الخريجين الحقوقيين العراقيين

كان من أبرز خريجيها الرواد العديد من رجالات العراق الذين خدموا مؤسساته الادارية والقضائية، وخدم بعضهم في وزارات اخرى، وتبوأ اغلبهم في مناصب عليا، ومنهم : عبد الجبار جميل، وداؤود السعدي، ومكي الاورفلي، وعبد الجبار التكرلي، وفائق الالوسي، ومصطفى العمري، وحسن سامي التاتار، وعباس العزاوي، وابراهيم الواعظ، وشاكر غصيبة، ويوسف فتح الله لوقا، وصالح مراد، وفهمي نصرت ( دورة 1920 ـ 1921) وعبد الله الشواف، وعطا امين، واحمد القشطيني، ومحمد رؤوف البحراني،وعبد العزيز السنوي، وطالب مشتاق، ونجيب الراوي، وشفيق نوري السعيدي ( دورة 1923 ـ1924) ومنير القاضي، وطه الراوي، وصالح جبر، وموفق الالوسي، واحمد زكي خياط، وجعفر حمندي، وهايك سيروب، وعبد الجليل برتو ( دورة 1924 ـ 1925)،وعبد القادر الكيلاني وكامل الجادرجي وذيبان الغبان، ونوري العمري، وموسى شاكر،ونظيف الشاوي،وعبد العزيز الباجه جي،وصادق البصام وشاكر الموصلي وهو شاكر سليم الحاج ياسين القصاب،وحسين جميل، وجميل الجميل ( دورة 1925 ـ1926)، وسالم الالوسي،وكامل الكيلاني، ومكي الجميل وتوفيق الفكيكي،والياس خدوري،وعبد العزيز جميل، وجواد الدجيلي وعبد الرحمن الدوري، وسامي النقشلي، وداؤد نيازي ( دورة 1926 ـ1027 )، وعبد الكافي عارف، وعبود الشالجي، وجميل الاورفلي، واسماعيل غانم الاعظمي ( دورة 1929 ـ 1930 ) . لقد تخرجت دفعات حقوقية ممتازة ابان الثلاثينيات، واعقبتها دفعات اكثر قدرة وكفاءة ابان الاربعينيات .. وعند نهايات الاربعينيات، بدا نجم دار المعلمين العالي يلمع من خلال النخبة المثقفة التي انخرطت فيها والتي تخرج في اروقتها على امتداد الخمسينيات ابرع الشعراء والكّتاب والمؤلفين والاساتذة اللامعين . ان نخبة مثقفة ثقافة عالية تخّرجت في كلية الحقوق بالعراق .. ومن اهم مرفق بقي قويا وصارما لا يضاهى ابدا .

وقفة مقارنة :

من خلال هذه الوقفة المئوية واستعادتنا تاريخ كلية الحقوق العراقية وجدت انها عاشت بهدوء، ولم تكن مشاكلها كبيرة مقارنة بالكليات العراقية الاخرى في كل من جامعتي : بغداد والمستنصرية . ان كلية الحقوق لم تزدحم بالثوار والراديكاليين، كما كان عليه الحال في دار المعلمين العالي، وبقيت الحقوق يتخّرج منها المهنيون والموظفون المؤهلون لموسسات الدولة، في حين بقيت دار المعلمين العالي مصنعا للمثقفين المبدعين الذين تأهلوا لخدمة المجتمع اكثر بكثير من خدمة الدولة . لم اجد من دراستي لكلية الحقوق العراقية انها كانت موئلا للاضطرابات السياسية او الاضرابات الطلابية كما كان حال كل من كليتي الاداب والعلوم، ولكنها بقيت مؤثرة جدا حتى في عهد الرئيسين عارف .. فضلا عن ان الكلية لم تشهد اي اجتياح حزبي او ايديولوجي كالذي عاشته بقية الكليات الاخرى ابان الخمسينيات والستينيات، اي على عهد المد الايديولوجي القومي والماركسي .. لا على مستوى الاساتذة ولا على مستوى الطلبة .. واعتقد ان السبب يكمن اساسا في كل من الاساتذة والطلبة الذين كان يأتي اغلبهم من المدن الكبيرة لا من الارياف والمدن الصغيرة .. وان منابت اغلبهم بورجوازية الطابع والتوجهات . كما حظيت بمكانة خاصة على عهد رئيس الوزراء الشهير الدكتور عبد الرحمن البزاز الذي كان واحدا من امهر اساتذتها وعمدائها .

ان مرحلة ازدهار كلية الحقوق كان في كل من الثلاثينيات والاربعينيات من القرن العشرين، اذ كانت كليات اخرى قد سبقتها في كل من الخمسينيات والستينيات سواء في عدد المبدعين او تأثيرهم السياسي والاجتماعي في طول البلاد وعرضها، وقبل هذا وذاك في مركزها بغداد . ان  العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين تمّثل انتكاسة مريرة في حياة هذه المؤسسة، اذ ستبقى واحدة من سلبياتها وتراخي قيمها انها منحت شهادة حقوق في يوم من الايام، وبتفوق عالي لأحد طلبتها كان قد قدّم اوراقا امتحانية بيضاء الى استاذه !! ولكن تبقى كلية الحقوق العراقية بكل مواريثها وتقاليدها مؤسسة خدمت العراق خدمات كبرى، وكانت بالنسبة لغيرها من كليات العراق، الام الحقيقية التي انبثق عنها الجميع .

واخيرا : ماذا بعد المئوية ؟

ان مائة سنة مّرت على هذا الصرح العريق الذي ينبغي على كل عراقي ان يفتخر به، اذ انه الصامد الوحيد الذي بقي معاندا كل التحديات وكل من كان يريد تبديله او تغييره .. وبالرغم من الضعف الذي اصابه على العهود الجمهورية، ونجحت محاولة تغيير اسمه من كلية الحقوق الى كلية القانون .. ولما لم يبق كيانا مؤسسيا لوحده في العراق، اذ تأسست أكثر من كلية للقانون، فلقد تساوى هذا " الصرح " القديم مع بقية الكليات الاخرى . دعوني اسجّل بعض الملاحظات التي اجدها بكل تواضع  ضرورات :

1.    العمل على اصدار ارشيف كامل ومصور لكلية الحقوق العراقية، يحكي قصتها وتاريخها على امتداد مائة سنة مرت، والاعتناء بتواريخ وسير اساتذتها كلهم، مع اظهار ادوارهم العلمية .. فضلا عن سجل باسماء كل الذين تخرجوا في اروقة الحقوق العراقية .. مع نبذة مختصرة عن المواد التدريسية ومتغيراتها .

2.    لعل من اكبر الجنايات العلمية التي ارتكبت في العهد السابق، تحويل اسمها من كلية الحقوق الى كلية القانون والسياسة، وبالاخص عندما أدمجت دراسة القانون بالعلوم السياسية .. وكان وراء هذا التغيير اسبابه التي من اهمها اقحام الايديولوجية في قلب هذه الكلية العريقة التي أبت واستعصت على العسكر والنظم الجمهورية كثيرا.. كما ان لا علاقة تذكر ابدا بين دراسة القانون ودراسة العلوم السياسية حتى يجمع كل من التخصصين في كلية واحدة . لقد كان ذلك جزءا من الحرب على كلية عراقية عريقة هي كلية الحقوق، مع كل اعتزازي بالعلوم السياسية التي قمت بتدريس بعض موادها ردحا من الزمن، واعتزازي بكل الزملاء الذين تخصصوا فيها !

3.    انه بالرغم من انفصال القانون عن العلوم السياسية، فأتمنى العمل على ارجاع عنوان واسم الكلية التاريخي والسابق اليها من جديد، فهي كلية للحقوق، وتكون مختصة بفق بدراسة القانون فقط . كما كانت قد تأسست عليه وان التسمية الجديدة ( كلية القانون ) التي فرضها النظام السابق، لا معنى له لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية العملية، اللهم الا ما يتجانس مع الترجمة الحرفية للقانون في كليات اخرى في العالم.

4.    العمل على تطوير وتجديد المناهج المتبعة اليوم في هذه الكلية، وان ينتقل ذلك الى بقية الكليات .. فالمناهج كلها قد تبدّلت اليوم تبدلا كاملا او شبه كامل .. وان من ضرورات كلية الحقوق ان تقرن مناهجها وميادينها بجامعات متطورة، وترى الفرق الهائل بين ما يجري به العمل في جامعات العالم، وما يجري في قاعات كلية القانون بالعراق .

لقد اسهمت كلية الحقوق خلال تلك الفترة والفترات اللاحقة وحتى يومنا هذا في اعداد الكوادر القانونية والقضائية المتخصصة ..كما قام طلبتها واساتذتها ومنذ نشأتها بدور فاعل في حياة العراق السياسية والثقافية والاجتماعية، فاستحقت هذه الكلية العريقة منا كل تقدير فتحية لها، لطلبتها وخريجيها، وادارتها، والرحمة لمن توفي منهم  .. والتهنئة لكل العراقيين بالذكرى الـ (100) لتأسيس هذا الصرح العلمي الكبير .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com