|
حريق سينما عامودا
عبداللطيف الحسيني غسان جان كير ثقافة السينما الغائبة والغريبة إن قلنا سينما، تفر كلمة مُلازمة لها تجاورها : محروقة. (السينما المحروقة) هذا ما نعرفه، ويعرفه الجيل الذي لم يواكبوا تلك المرحلة. ولا نقول عنها بأنها كارثة. بل نكبة، ونكسة وكارثة. لان حريق السينما التهم، وابتلع أجيالا من أهالينا. حيث لا أسرة إلا وفقدت ابنا وقريبا، وجارا لها في تلك النكبة. نعم إننا نعي ما نقول إن حريق السينما كان نكبة لنا. ولأن موضوعنا ليس تأريخ النكبة تلك، فمن يود الاستفاضة في موضوع النكبة، ندله على كتابين. الأول لملا احمدي نامي المطبوع باللغتين العربية والكردية. والثاني للأستاذ حسن دريعي. لم يكن بإمكان النكبة تلك إبعادنا عن هذا الفن السابع الراقي. بل زادتنا إصرارا على ارتياد دور السينما التي فقدت بريقها السينمائي، ومع ذلك ألح البعض على إنشاء سينما صيفية وأُخرى شتوية، ارتاد الكثيرون الصيفية، لأنها أمنتهم من الخوف، ولأنها تُيث في الهواء الطلق، وفي داخل كل من يدخلها نداء : إن احترقت فسوف تُنجى أنفسنا، فلا سقف يهم بقتلنا، وكان ارتياد الشتوية أقل حضورا وكثافة. إننا نتحدث عن مرحلة كان للسينما حضور. الحياة التي كنا نعيشها، كانت يشوبها بعض الفتور، فكان لا بد أن نستمتع نحن، والكثيرون لحضور فيلم راقٍ يعيدنا إلى أن نعيد صياغة وتأليف واقعنا ذاك إلى واقعٍ أكثر بهاء وتجمّلاً، والى أن نُنَظّر لواقعنا ليكون قريبا مما شاهدناه في ذاك الفيلم الذي حضرناه بكثير من الود، وبصحبة رفاق لهم إلمام ما بالسيناريووالإخراج والتمثيل، وستكون لنا نقاشات هامة حول الفيلم الذي زادنا حميمية ودفأ ونقاشا، حيث كنا نتأثر بأفكار أفلام تلك المرحلة التي كانت تُثورنا إضافة إلى أنها كانت تُرشدنا إلى المحافظة على بيئتنا وكيفية تقديسها، حيث منعتنا تلك الأفلام ونحن بدورنا منعنا أطفالنا على ألا( يتبولوا في بئر يشربون منها). ما كان أجملنا حين تقمصنا (البطل الايجابي) في علاقاته وحميميته وغيرته وغيريته على (الجار وإن جار) كنا نبتهج الابتهاج كله ونسعد، وتغمرنا آلاف البشاشات ونزداد حبورا وودا قبل ساعات من دخول السينما، خاصة إذا كان الفيلم يُلازم ويُساير أفكارنا كفيلم (الشمس في يوم غائم) المأخوذ عن رواية حنا مينة التي قرأناها في حلقاتنا واستمتعنا بقراءتها فُرادى ساهرين حتى الصباح لنكملها. ذاك الفيلم الذي صورناه وأخرجناه (وان شئتم كتبناه)، وازداد بهاءً حين شاهدناه في السينما. المكر. الخُبث. الختل. اللؤم. الحيل : هذه المُفردات لازمت من أبعدنا عن السينما. كان الفاعل أقوى منا بجهالته وأُميته ونتانته. ويبدوأن الجهّال ينتصرون على العقلاء في هذه المدينة العالمة (الميتة الآن). استطاع أن يستأصل الجسم الأكثر رقيا و الأكثر إنسانية من حياتنا ويزرع عوضا عنه الصفات التي يتحلى بها. تلك الصفات : المكر. والأنانية. والثأر. أي بعكس صفات ذاك البطل الايجابي. ألم يقُل الإمام علي (الجاهلون لأهل العلم أعداء) كانت مدينتا في أعلى عليين : فكرا وأدبا وسياسة وتنوعا حضاريا. وجعل مدينتنا في أسفل سافلين: أخلاقا طفيلية. زيّا.خنوعا.صمتا لا نهاية له. وخوفا. حتى بتنا نخاف ونشك مع من (أكلنا معه خبزا وملحاً) وبتنا نشك أنه سيشي بنا ليس بعد يوم، وإنما بعد لحظات، ليقبض مالا مُغمسا بإبعاد أب لأطفال يلفهم الجوع والمرض والأنين عوضا عن الثياب.أين رقُيّ السينما من هذا الرقيق المأجور إن شئت (الزنيم). عجبا لمن يُصدق زنيما ويُكذب لبيباً ؟! لم يستطع هذا الزنيم أن يقضي على سينمانا دفعة واحدة. بل استطاع أن يقضي علينا وسينمانا على دفعات مُتتالية ومُتباعدة. مرة أبعد عنا الأفلام التي تُحس بنا، ومرة جلب أفلاما بعيدة عن أفكارنا وإحساسنا، ومرة شجّع جيلا هشاً لحضور فيلمٍ هشٍ، ومرة قضى على السينما التي كانت مدينتنا تضج بعدة دورٍ لها، قبل نكبة السينما 1960. واستطاع أيضا ألا نتذكر مُفردة السينما، وأبعدنا أن ننتقد نقدا بناءً بإنشاء دارٍ بسيط للسينما، وبات هذا الطرح مدعاة للاستهزاء. وسببه جوهري بالنسبة له : في كل بيت سينما، المقصود بالتلفاز والملفاز، الذي أبعدنا غالبا عن أفكارنا التي نقتنع بها وحاولنا ونحاول أن يكون أولادنا على هدينا وهُدانا، أبعدنا نتيجة الكم الأخطبوطي والسرطاني للبرامج والمسلسلات والأفلام وقبلها الإعلانات التي أوصلتنا إلى هذا الرثاء وهذا اليأس القاتل، وأبعدنا هذا الكم ( لا النوع ) عن روح المناقشة والنقد، وخاصة عندما يُشاهد أب أُمّيّ مُباراة في غاية السخف، وآه لورأيتم كيف يقمع أولاده الذين باتوا قلقين مُستعجلين ومُرتخين نتيجة جلوسهم الطويل أمام أفلام الكرتون التي لا تناسب بيئتهم ولا لغتهم ولا عمرهم، ولا فقر حالهم وآبائهم، أين منها حكايات جداتهم اللواتي كنّ يُنيمن أحفادهن بحكايات لا تنتهي، تُرشدهم وتُصلحهم وتقوي أواصر الأخوة بينهم، ومثالا على ما نقول (شنكي وبنكي) ها إننا نقف فوق أعلى مكان في مدينتنا ونجعل من أيدينا قُمعاً صارخين : ( هل رأيتم مدينة دون سينما ) فيعود الصدى إلينا مُتقطعاً (هل.... رأيتم.....مدينة....دون.............) هل جربتم ؟ نعم جربتم : نمرّ في أحد شوارع القامشلي، فيُشير ابنٌ لنا على لوحة مكتوبٌ عليها : ( سينما الزهراء ) ويسأل ببراءة الطفولة : ما معنى سينما يا أبي. ؟!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |