|
مركزية الدولة في خطاب المالكي بين النظام البرلماني والاخر الرئاسي
حميد الشاكر عندما سقط طاغية العراق المقبور صدام حسين لخمس اعوام مضت، وتمّ بعده انشاء مجلس الحكم، ومن ثم توالى الاحداث الى وصولنا الى هذه اللحظة من تاريخ نظامنا السياسي البرلماني الاتحادي العراقي الجديد، كنتُ من المتسائلين حول فحوى وغاية وهدف ولماذية ...... انتخاب السياسيون العراقيون الجدد في قيادة العراق، وتفضيلهم للنظام البرلماني على النظام الرئاسي ؟. وكان الجواب دوما حاضرا عندي بانه ومن خلال التجربة اثبت النظام الرئاسي في العراق انه يسير بخطى متسارعة لانتاج اولتفرد شخص على مقاليد الحكم، ومن ثم انقلاب هذا النظام السياسي الى دكتاتورية مطلقة، ومن هنا ارتأى الساسة العراقيون : ان النظام البرلماني هو النظام الذي يضمن الحد الادنى من توزيع السلطة في ادارة الدولة ومن ثم عدم رجوع العراق لهيمنة الشخص الواحد على الدولة من خلال النظام السياسي الرئاسي !. وبالفعل ففي دراستنا لحسنات وسيئات النظام البرلماني منه عن النظام الرئاسي سنجد ان هناك فروق كبيرة يهيئها النظام البرلماني لتوزيع السلطات لاتوجد في النظام الرئاسي، وعليه كان انتخاب الساسة في العراق للنظام البرلماني مبررا من هذه الوجهة من النظر !. نعم ايضا في النظام البرلماني سيئات كما هي الحال في باقي النظم السياسية ومنها في النظام الرئاسي ولكن من جانب آخر، وهو جانب ان النظام الديمقراطي البرلماني هو لاشك الاضعف في اتخاذ القرارات الحاسمة منه من النظام الرئاسي الذي يوفر وحدة القرار في الدولة، وقوة الدفع للقرار الموحد بلا عراقيل كالتي يخلقها النظام البرلماني بطبيعته !. اي بمعنى اخر : انه وكما ان للنظام الرئاسي سيئاته وحسناته، كذالك في جنبة النظام البرلماني فله ايضا حسناته والتي تتبلور في المشاركة الواسعة لخلق القرار السياسي وكذا توزيع السلطات، وسيئاته في انها تنحصر بتفتيت وحدة القرار السياسي وعرقلة الحزم في انتاج القرار بصورة مباشرة وسريعة وقوية !. والى هنا ليس للديمقراطية من وجهة نظرنا الدراسية دخل في موضوعة دراسة حسنات وسيئات النظم السياسية البرلمانية اوالرئاسية، فالديمقراطية كألية لادارة السلطة والسياسة والمجتمع بالامكان تطبيقها من خلال النظام الرئاسي، كما انه بالامكان تطبيقها وانتاجها من خلال النظام البرلماني او الملكي او اي نظام سياسي آخر، مما يدفعنا الى الاعتقاد ان انتاج الديكتاتورية هي ليس منتج مرتبط بنوعية معينة من النظم السياسية، ولكنها منتج بيئي وتربوي وفكري تنتجها بعض العوامل المتعددة في المجتمعات والشعوب الانسانية لتمارس فيما بعد من خلال النظم السياسية وبمساعدة منها لتؤمن الغطاء السياسي الشرعي لممارسة الدكتاتورية هذه !. صحيح : في بيئة كالبيئة الاجتماعية العراقية الفكرية والاجتماعية والنفسية ربما كان انتخاب نظام سياسي معين على اخر يساهم من هنا وهناك في تخفيف وطأة خلق روح الدكتاتورية السياسية منه من النظام الاخر الذي يعطل من حركة خلق روح الدكتاتورية، فالنظام الرئاسي مثلا ربما ساعد دكتاتورا متطلعا على استغلال هذا النظام السياسي للوصول الى مقاليد الحكم للاستيلاء عليها شيئا فشيئا حتى وصوله لأعلان حالة العصيان المسلح على الشرعية السياسية بكل اطيافها الاجتماعية ليقلب النظام الى دكتاتور كالذي حصل في العراق ايام حكم البعث في هذا البلد، ولكنّ هذا لايعني مطلقا ان هذا النظام السياسي الرئاسي غير صالح تماما لانتاج الديمقراطية في المجتمع، لا ...ولكن يعني ان هذا المجتمع او ذاك من المجتمعات الانسانية هي صالحة لهذا النظام عن ذاك من النظم السياسية المتعددة، وكذا النظام البرلماني ان اخذناه كنموذج للبيئة الاجتماعية العراقية، فاننا سنكتشف ان هذا النظام ومع انه يؤمّن حالة توزيع السلطات والقرار السياسي على اكثر من جهة، الا انه وفي الجانب الاخر ربما كان من النظم التي تعطل الحياة والقوّة السياسية بالكامل في مجتمع تتعدد فيه الاراء وتتشعب فيه القرارات والمصالح والتوجهات بشكل حاد ومتنافر بصورة كبيرة، عندها يكون النظام البرلماني بدلا من انه يكون اداة لعدم خلق روح الدكتاتورية السياسية، هو نفس النظام الذي يساهم بتعطيل قيام الدولة وقوتها على الحقيقة، لابل كان من النظم التي تمد بحياة الفوضى السياسية والضعف الدائم لقوة الدولة، وهنا نقول ان للنظام السياسي البرلماني سيئات لاتقل كارثية عن النظام الرئاسي الا بالمضمون فحسب، وهذا كله لايعني ان هذه النظم هي سيئة بحد ذاتها، ولكنها سيئة وحسنة حسب تطبيقها في هذا او ذاك من المجتمعات الانسانية التي يوافقها هذا النظام اكثر من ذاك !. ان هذه الرؤية هي التي تفرض علينا سؤال : اي النظم السياسية بعد تطبيقها على مجتمع مثل المجتمع العراقي هي الاصلح لقيادة هذه الامة، بحيث انها توفر القوة والحزم في قيام الدولة ونفوذها وحضورها الاجتماعي من جهة، وبنفس الوقت توفر عدم انتاج الدكتاتورية والتفرد وخطف الدولة بقرارها لصالح فرد او عائلة او فئة او طائفة او قومية من القوميات من جهة اخرى ؟. انه السؤال الذي ربما يعتقد البعض الان : ان المرحلة العراقية قد تجاوزته تماما، عندما قررت الاخذ بالنظام البرلماني السياسي وصوتت عليه وانتخبته وانتهى الامر الى غير رجعة !. وهذا صحيح تماما الا ان هذا السؤال هو نفس ماطرحه حديثا السيد رئيس الوزراء نوري المالكي المحترم واّن كان بصورة مختلفة، الا انه نفس الطرح الذي يبحث عن صياغة جديدة لادوات دستور توجه نظام سياسي يُراد له ان يكون الاكثر مناسبة لمرحلة العراق الجديد، مرحلة تكون فيها الدولة فاعلة بقرارها السياسي من خلال رئاسة الوزراء، التي تشعر بالضعف بسبب النظام البرلماني الاتحادي العراقي الذي يفتت قوة قرار الدولة ونشر نفوذها بشكل يؤهلها لان تكون اكثر قدرة على ادارة ملفات الاجتماع العراقي الحساسة في السياسة الداخلية والخارجية والدفاع والاقتصاد والامن الداخلي ..... وهلمّ جرّا !. بمعنى آخر النقطة التي اشار لها رئيس الوزراء من امكانية اعادة النظر في الدستور ومواده القانونية مشفوعة بالحديث عن قوة الدولة وجهازها التنفيذي، ووجوب اعطاء المركز صلاحيات اكبر لادارة الاقاليم .... كل هذا هو مما يتفق مع النظام الرئاسي القوي الشوكة من جهة، وما يعني الوجه الاخر لسؤال : اي النظم السياسية هو الافضل الان لقيادة العراق نحو المستقبل من جهة اخرى، ولكن ليس بشكله الذي يدعوا للتراجع تماما عن انتخاب النظام السياسي البرلماني الذي صوتّ له الشعب العراقي وقضي الامر الذي فيه تستفتيان ؟!. لا ... ولكن من خلال الخلط بين ايجابيات النظام السياسي الرئاسي الذي يصلح في جزئه الاقوى لادارة الدولة ونشر نفوذها وحضورها السيادي على كل العراق باعتبار انه النظام الذي يصلح ما افسده التنوع العراقي بكل مصالحه المتناقضة المعيقة لوحدة وقوّة القرار السياسي الذي تحتاجه اي دولة تتطلع لفرض النظام والقانون مضافا اليه قيامها كدولة مركزية، وبين ايجابيات النظام البرلماني الذي يعيق خلق حالة الدكتاتورية الفردية في صنع واتخاذ القرار السياسي من جهة اخرى !. الحقيقة ان في حدود هذا التصوّر لرئاسة الوزراء العراقية، ومطالبتها المشروعة بوجوب اعادة النظر ببعض بنود الدستور العراقي لاعطاء صلاحيات اوسع للدولة العراقية لممارسة وظائفها الطبيعية، نكون على خطأ ان وقفنا ضد هذه المطالب الحيوية لحياة الدولة العراقية، ونكون قد ضربنا كشعب عراقي عصفورين بحجر واحد لمصلحة العراق شعبا وحكومة : الاول يتمثل في ان الاصلاحات المرجو ادخالها على مواد الدستور هي تقوية للدولة كدولة وليس كشخص او فرد من هنا وهناك لنخاف من عودة الدكتاتورية !. والثاني : هو اننا سنتجاوز سلبيات النظام البرلماني السياسي الذي يميل للترهل شيئا فشيئا حتى تعطيل قرار الدولة وقوته!. ومن هنا نحن نعلم ان دعوة رئيس الوزراء العراقي المحترم نوري المالكي لاعادة النظر في مواد الدستور، هي ليست دعوة انقلاب على الديمقراطية بقدر ماهي دعوة لتصحيح مسار للدولة والمجتمع يتناسب وروح المجتمع العراقي وكيفية قيادته الصحيحة التي تجمع بين وجوب ان تكون الدولة قوية وبنفس الوقت ليست دكتاتورية او تميل لخلق روح الدكتاتور الجديد، وهذا ماسوف يحصل بالفعل اذا كانت نوايا الساسة العراقيين جادة في انشاء مجتمع ودولة عراقية جديدة تعمل لصالح الامة العراقية، وليس لصالح هذه الفئة او تلك!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |