الاتفاقية الأمنية والإرهاب ركنان من أركان الاستراتيجية الأمريكية في العراق

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

لكل نشاط منظم أو عمل هادف استراتيجية، سواء كانت معلنة أم غير معلنة، ولكل استراتيجية ثلاثة مقومات رئيسة: الأنشطة والأفراد والمال، بدون أنشطة أو عمليات محددة وهادفة لا يؤدى عمل، وبالتالي لا تتحقق النتائج المستهدفة، ولو قلت أو نضبت الأموال لتسرب الأفراد وتعثر أو توقف العمل، ولو لزم الأفراد بيوتهم فأي عمل سينجز مهما كثرت الأموال؟ وهذه البديهيات منطبقة على كل الأنشطة سواء المشروعة منها وغير المشروعة، والمراد في هذه المقالة تحديد موقع الاتفاقية الأمنية المزمع عقدها بين أمريكا والحكومة العراقية في المخطط الأمريكي الاستراتيجي للمنطقة، والذي يشمل الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والنظم العربية المتحالفة معهما.

احتل الأمريكيون العراق لتحقيق مصالحهم، وهم ينفذون الاستراتيجية التي يرونها مناسبة لبلوغ أهدافهم، وقد سخروا لذلك الألاف من جنودهم وشركاتهم الأمنية والأموال الطائلة، ومن الجلي للجميع بأن الأمريكيين كذبوا في بيان أهدافهم الحقيقية من وراء احتلالهم العراق، فلم يكن اسقاط النظام البعثي هدفاً وإنما وسيلة وإلا لغادروا العراق بعد أسابيع من احتلاله كما فعلوا في الكويت، وبالتأكيد لم يأتوا للعراق لتجريده من أسلحة الدمار الشامل لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين بأن النظام السابق كان قد تخلص منها قبل زمن، أما قولهم بأنهم يريدون إرساء نظام ديمقراطي يكون نموذجاً لبقية دول المنطقة فقد برهنوا هم على بطلانه بإنشاءهم نظاماً طائفياً فاشلاً، أشبه بالنظام الطائفي الذي أوقع لبنان في آتون حربين أهليتين مدمرتين وأزمات متواصلة، والأسخف من هذا وهذاك ادعاؤهم بأنهم يحاربون الإرهاب في العراق، ولم يعرف العراقيون الإرهاب إلا بعد الإحتلال الأمريكي. 

اعتمد الأمريكيون في وضع استراتيجتهم للعراق نموذجاً أكاديمياً معروفاً لعملية التغيير، ويتضمن هذا النموذج الديناميكي ثلاث خطوات أساسية: إذابة الوضع الحالي Unfreeze، إدخال التغيير المناسب Change ، وإعادة تجميد أو تشكيل الوضع الجديدRefreeze ، وبالمقابل هنالك ثلاث مراحل للاستراتيجية الأمريكية في العراق: أولاً،الإحتلال والتفكيك والإرهاب، وثانياً،إعادة بناء النظام السياسي والمؤسسات، وثالثاً،الاتفاقية الأمنية والهيمنة، ولقد أنجز الأمريكيون المرحلتين الأولى والثانية من استراتيجيتهم، إلى حد ما، وهم يستعجلون تنفيذ المرحلة الأخيرة،لإعلان نجاحهم، أو هكذا يتمنون.

في المرحلة الأولى من استراتيجيتهم أتم الأمريكيون احتلال العراق وتفكيك مؤسساته العسكرية والمدنية، ومن ثم استدرجوا الإرهابيين لبلوغ هدفين، هما ترويع أكثرية العراقيين من الشيعة لكي يتخلوا عن ثوابتهم التي تمليها عليها عقيدتهم ويحتموا ويرضوا بالإحتلال، ومن ثم تصفية الإرهابيين أو اعادتهم للسعودية لكي يعاد تأهيلهم، وهو أمر نستدل عليه من دعوة الرئيس الأمريكي للإرهابيين للمنازلة على الأرض العراقية وترك القوات الأمريكية الحدود العراقية مفتوحة أمام تسلل الإرهابيين ووجود مؤشرات على اختراق عملاء أمريكا للمجموعات الإرهابية وسكوت الأمريكيين على التحريض السعودي الوهابي المعلن للإرهابيين إضافة إلى استهداف الإرهابيين للشيعة العزل، مما يقود للاستنتاج بأنهم أدخلوا الإرهاب المسير بالمصالح الأمريكية السعودية المشتركة عامدين لتعديل تركيبة القوى المحلية بما يتناسب ومصالحهم، وذلك من خلال قمع الأكثرية الشيعية وإرهابها وإضعافها، لكي تقبل بحماية الأمريكيين وترضى بنصيب من السلطة والموارد يقل عن استحقاقها وفقاً لعديدها بين السكان، وقد نجحوا في ذلك إلى حد كاف في نظرهم.

عندما أصبح الوضع جاهزاً للتغيير بدأت المرحلة الثانية من الاستراتيجية الأمريكية، ففرضوا نظام المحاصصة الطائفي والتنظيم الجديد للمؤسسات العسكرية والأمنية، والذي يرسخ وضعاً إنقسامياً بين العراقيين وفئاتهم المذهبية والإثنية، وهي الوصفة  الاستعمارية القديمة: فرق تسد. ولتنفيذ المرحلة الثالثة والأخيرة من استراتيجيتهم يريد الأمريكيون من الحكومة العراقية توقيع اتفاق شامل طويل الأمد لكي يضمنوا اكتمال تنفيذ استراتيجيتهم وهيمنتهم على الوضع العراقي برمته، وهذا ما أشار إليه القادة الأمريكيون المدنيون والعسكريون مؤخراً بقولهم إن المخطط الأمريكي قد وصل إلى مراحله الأخيرة.  

كان النظام البعثي الطاغوتي كابوساً بغيضاً يجثم على صدور العراقيين، فاستبدله الأمريكيون بكابوس آخر، بمضمون مختلف، ومظاهر براقة خادعة، ولكنه لا يقل قباحة عن الكابوس الأول، فهل من المعقول أن نغمض أعيننا عن الحقائق الساطعة ونبقى أسيرين للكابوس الأمريكي؟ أما آن الوقت ليستفيق العراقيون المنخدعون بالوعود الأمريكية الزائفة ويدركوا بأن أمريكا، صانعة الإرهاب والخراب في بلدهم، لا تضمر لهم سوى الشر، فهل نعينها على إتمام مخططها التخريبي في العراق والمنطقة بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com