انتخابات مجالس المحافظات .. بين هيمنة الأحزاب الحاكمة وما يريده الشارع العراقي
 

 

محمد علي محيي الدين
abu.zahid1@yahoo.com

لا يخفى أن الأحزاب الحاكمة في العراق بمختلف توجهاتها السياسية قد أثبتت فشلها وعدم قدرتها على أدارة دفة الأمور في البلاد بسبب الخلافات الناشبة بينها على تقاسم السلطة ومراكز النفوذ ومحاولاتها لفرض هيمنتها على العراق وتثبيت وجودها بمختلف السبل والوسائل ولا تتورع عن استعمال جميع الطرق لتحقيق غاياتها بما في ذلك استعمال السلاح والترغيب والترهيب والتزوير وإنهاء الخصوم السياسيين كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ،وقد لاحت في الأفق البدايات المنبئة عن الكثير من الممارسات الدالة على هذه النوايا ومن ذلك:

*الهيمنة على المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حيث جرى اختيار هؤلاء الأعضاء بموجب المحاصصة التي تمثل الأطراف الحاكمة بحسب حصصها في البرلمان ،ورغم الادعاء باستقلالية هؤلاء إلا أن الحقائق المعروفة لا تؤيد مثل هذه التصورات لأن الجهات القائمة بالاختيار هي ذات الجهات الحاكمة التي تمثل التقسيم المحاصصاتي في العراق وأن القول باستقلالية هؤلاء كالادعاء باستقلالية الوزراء الذين جيء بهم لإكمال نصاب الوزارة بعد الاستقالات من قبل الأطراف المشاركة في السلطة حيث اختير هؤلاء الوزراء بناء على ارتباطهم بهذه الجهة أو تلك وبالتالي فالقول بأن الاختيار لآي وظيفة عامة يأتي بعيدا عن الأسس الحزبية مما يعد ضحكا على الذقون وبذلك فأن أي اختيار له أساسه المحاصصاتي الحزبي وهذا ما لا يستطيع إنكاره أو تجاوزه من أي جهة كانت ،وبذلك فأن استقلالية المفوضية لا يوجد ما يؤيده على أرض الواقع إلا الادعاء المحض.

وقد بنيت فروع المفوضية في المحافظات على هذه الأسس ولم تحيد عنها قيد أنملة فكانت هذه الفروع صورة مصغرة لما عليه المفوضية الأم وسيجري اختيار المراقبين أو المشرفين على الصناديق في مراكز الانتخابات على هذه الوتيرة وبالتالي ستكون المراكز منحازة إلى الجهات التي جاءت بها وستميل بكل ما تملك إلى جانبها وتستعمل جميع الطرق المشروعة وغير المشروعة في التزوير لصالحها كما حدث في الانتخابات السابقة عندما قامت الأطراف العراقية في جميع المحافظات بالتزوير العلني من خلال ملء الصناديق بالأوراق الانتخابية غير المؤشرة وفتح مئات المراكز المتنقلة التي استحدثت صباح الانتخابات وملئت باستمارات الناخبين وهو ما أثار ضجة كبرى لم يخمد أوارها إلا بعد توزيع المغانم على الكتل الكبيرة وتمشية الأمور بسبب الضغوط الأمريكية من أجل أنجاح الأجندة الأمريكية في توقيتها الزمني المقرر للانتخابات وأدت فيما أدت إلى أنشاء برلمان تغيب أكثر من نصف أعضاءه ولم يكتمل نصابه إلا عند إصدار التشريعات الخاصة بأعضائه من زيادات وامتيازات ،ولم ينتج عنه أي قانون يصب في مصلحة الجماهير.

*المحاولات الجارية للالتفاف على قانون انتخاب مجالس المحافظات باستعمال طرق مبتكرة تمهد للتزوير والفوز ومن هذه الابتكارات الطلب بتخصيص أرقام للمرشحين بدلا من الأسماء وهي ظاهرة مبتدعة لم تجري في أي انتخابات على مستوى العالم والغرض منها هو محاولة أرباك الأمور على الناخبين في اختياراتهم تمهيدا لتأشير من يريدون فوزه ،أو المحاولات الجارية لجعل القائمة مغلقة أو مفتوحة إذا ارتأت الكتلة ذلك ،والأمر الذي دبر بليل بأن تكون الأصوات الفائضة لصالح الكتل الكبيرة بدلا من توزيعها على أساس الأكثر أصوات وهذا سيجعل الغموض يلف الآلية الديناميكية للفرز ومحاولة التلاعب من خلال تعدد الطرق وغموضها وما يرافقها من إشكالات تجعل من المستحيل فوز المرشحين من غير القوائم الكبيرة التي يراد فوزها.

*هيمنتهم المطلقة على وسائل ألأعلام من خلال إمكانياتهم غير المحدودة وتعدد مصادر الأنفاق،ونفوذهم الكبير على المؤسسات حيث أخذ المبشرون منذ الآن بارتياد المدارس الرسمية وإلقاء المحاضرات التوجيهية تحت غطاء التربية الإسلامية لبث الأراجيف ضد الأحزاب العلمانية بوصفها كفر والحاد وتجنب انتخابها لما سيئول إليه أمر الدين في حالة نجاحها ،والتركيز على القوى اليسارية بالذات ،وإرسال المبشرين إلى الأرياف لذات الغرض وهو ما يعني عدم تكافؤ الفرص بين المتسابقين وانعدام المساواة،يضاف إلى ذلك إمكانياتهم في الإدارة على التعيين وقضاء الحاجات الملحة للمواطن بما يجعله إلى جانبهم وعدم أمكانية التيارات العلمانية على مجاراتهم في هذا السبيل ،وما رافق ذلك من أطلاق اليد في شراء الذمم على أساس فصائل الإسناد وقوات الصحوة ومجالس العشائر التي تمثل الأطراف الحاكمة على اختلافها،وهو ما خلق نوع من الدعاية التي لا يمكن للآخرين العمل بمستواها لعدم توفر مثل هذه الإمكانيات.

*هناك توجهات لا زالت غير بارزة إلى العلن وأن ستأخذ مداها الواسع عند اقتراب موعد الانتخابات وهي استعمال وسائل الضغط والإكراه لانسحاب المرشحين ،وإغرائهم بالترغيب والترهيب لإفشال القوائم التي رشحتهم للانتخابات واستعمال ذلك كوسيلة إعلامية كما جرى في الانتخابات السابقة عندما أخذت وسائل أعلامهم تداول أسماء المنسحبين من الاشتراك في الانتخابات لحساب القوائم الكبيرة ،مما سيؤثر حتما على توجهات المواطنين الذين ستأخذهم البهرجة الإعلامية وتجعلهم في متاهات عند اختيارهم مما يصب في مصلحة تلك الأطراف.

*عدم أمكانية منعهم من استخدام الرموز الدينية أو الاستعانة بها ،فلا توجد قوة قادرة على المنع لان الأجهزة الرقابية جميعها إلى جانبهم ابتداء من رؤساء الدوائر التنفيذية وانتهاء بإدارات المدارس التي بدأت منذ الآن بالتثقيف بهذا الاتجاه وبالتالي انعدمت الفرص أمام المرشحين في المساواة والعمل بقدرات متساوية،يضاف لذلك امتلاكهم للمؤسسات القادرة على القيام بالدعاية الانتخابية في دور العبادة والمراقد المقدسة التي هي حكر لهم دون غيرهم وقدرتهم على عقد الندوات داخل مؤسسات الدولة والمعامل ومراكز الشباب والملاعب الرياضية التي جرى اختيار مسئوليها من مؤيديهم وعدم قدرة الآخرين على مجابهتهم لما يتوفرون عليه من قوة بحكم سلطة القانون،واستغلالهم للتجمعات الدينية التي لا يعارضها القانون في الترويج والدعاية لقوائمهم كما يحدث في صلاة الجمعة التي تقام كل أسبوع في الجوامع المغلقة لهم والتي لا تستطيع أي سلطة التدخل في أمورها إلى جانب المحاضرات التي يقوم بها الموجهون والتي تستغل لمحاربة الخصوم دون رادع من سلطة أو قانون.

أن مبدأ تكافؤ الفرص لا يتوفر للأطراف المشاركة بالعملية الانتخابية بذات القدر من المساواة وهذا يتطلب أن يكون المطبق للقوانين لا يسير في فلك السلطة التي هي طرف مشارك في الانتخابات مما يستدعي أيجاد قوة محايدة قادرة على العمل بحيادية ولها السلطة المطلقة في اتخاذ القرارات الملزمة فهل يتوفر مثل هذا الأمر حتى نستطيع القول أن الديمقراطية الوليدة أو تكافؤ الفرص قد وجد طريقه للتطبيق ولو بنسبة ضئيلة،هذا ما ستفرزه الأيام وتطورات الواقع العملي في الأيام المقبلة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com