|
صـــناعة العراق الجديد... المشاكل والحلول (1)
سهيل أحمد بهجت كيف نستطيع الوصول بالعراق إلى محطة الديمقراطية والأمان والاستقرار؟ إنه سؤال كبير ولكننا سنحاول وخلال أكثر من مقال وإثنين أن نضع أصابعنا على مكامن الخلل والضعف لتجاوز الأخطاء والمشاكل في التجربة العراقية وثانيا أن نضع أيدينا على الإيجابيات وما هومفيد وعصري في التجربة العراقية لنقوم باستثماره وتقويته والبناء عليه، بهذا المنهج العلمي والواقعي البعيد عن لغة الشعارات التافهة والسخيفة سنتجاوز الأزمة الحالية، ولعلنا نساهم ولوبشكل بسيط في التغيير الإيجابي. من سمات العراق الحالية هوبناء دولة برلمانية يتم بناء وصياغة هيئتها وقوانينها وحتى تعيين رئيس حكومتها "رئيس الوزراء" ورئيس الجمهورية وسائر السلطات من خلال البرلمان، ومن خلال معاينتنا خلال هذه السنوات للبرلمان العراقي، نجد أنه برلمان ضعيف تسوده الخطابات الرنانة واللا واقعية والخطاب الآيديولوجي التنظيري الديني والقومي، بل إن بعض الكتل تنظر إلى المواضيع المطروحة للنقاش بما يشبه "عمى الألوان"، فالشيء – القوانين والاتفاقيات وتعديلاتها – هي إما سوداء وبيضاء، كما أن التعامل مع هذه القوانين والتشريعات (مثالنا الحاضر الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة) لا يتم إلا بالنظر إليها على أنها شرُّ كلي وخير كلي، وهذا بالتأكيد خطأ أوقع العراق في أزمة حقيقية منذ تشريع الدستور المشوه والناقص، حيث يظن البعض مثلا أن الفدرالية تعني "فوضى شاملة" وقام بتطبيقها على هذا الأساس، من هنا وجب للشعب أن يصوت للعقل العلمي الوطني الذي يضع العراق نصب عينيه دون أن يتأثر بالشعارات الدينية "الإسلاميون مثلا" والقومية وحتى التنظير الفلسفي الفارغ كما يفعل الشيوعيون. إن النظام البرلماني غالبا ما يكون ضعيفا ومائلا إلى إضعاف الدولة وآلية صناعة القرار، وكنماذج على ذلك نجد أن إيطاليا وإسرائيل وولبنان تعاني من هذا الأمر، لكن النظام الرئاسي ولأنه لا يصلح غالبا في دولة سادته الدكتاتورية لأمد طويل وقصير، كالعراق وألمانيا، لكن يمكن تقوية الدولة البرلمانية لتصبح مركزية – قانونية – كالنموذج التركي، الذي طور نظاما برلمانيا يصنع رئيسا للوزراء (السلطة التنفيذية) مقابل رئيس جمهورية يتم انتخابه عبر التصويت المباشر السري وليس عبر البرلمان، وإيجاد صيغة كهذه يهدف إلى إخراج البلد من حالة "التوافقات" والمساومات التي تعطل الديمقراطية وهذه الصيغة البديلة عن هذه الصيغة الموجودة والمطبقة في العراق حاليا هي الحل الأمثل لمشكلة المحاصصة الطائفية والعراقية القومية. كان العراق في ما قبل البعث وهيمنته وقبل "الثورة الإيرانية" يعيش حالة من الانفتاح الفكري والأخلاقي رغم الضجيج الذي كان يثيره الشيوعيون والقوميون وكان المجتمع – على سبيل المثال – ينظر إلى المرأة باحترام أكثر قبل أن تظهر موضة "المرأة عـورة"، لكن هذا الانفتاح انتهى بهيمنة البعث والثقافة القومية والذي أنتج بالمقابل خطابا معارضا "آيديولوجيا" يلتزم الخطاب العقائدي المؤمن بالصراعات، وللأسف فإن تجربة ما بعد تحرير العراق 2003 أفرزت مرة أخرى برلمانا مليئا بخطاب الأزمات الطائفية والقومية، إحدى تيارات البرلمان مثلا يتبنى خطاب الكراهية تجاه الأمريكيين أسوة بجيراننا الإيرانيين وكتلة أخرى تكره أمريكا وإيران لمساهمتهما – حسب هذه الكتلة – في إسقاط صدام وحكم الطائفة الفاسدة، وكتلة ثالثة تتبنى القومية وتطرح خطابا شعاراتيا "أخويا" وعلى أرض الواقع يكرهون الجميع ويتبنون قتل المرأة كنهج عشائري. من النقاط الخطيرة الأخرى المهمة التي يهتم العراقيون لها كثيرا هوخوفهم من الدكتاتورية، ومن الخطأ أن يظن العراقيون أن هناك تلازما بين بين المركزية والدكتاتورية وأنه لا مجال للخيار فإما الدكتاتورية والفوضى، وهذا بالتأكيد فهم خاطيء للواقع، فالدكتاتورية ليست مسألة مظاهر، كأن يكون العراق ذا نظام رئاسي وبرلماني، بقدر ما هوانتزاع الهيمنة القانونية والتنفيذية من الحزب والعشيرة والطائفة لصالح المواطنة والمواطن، ومن المؤسف أن هناك من جعل الإسلام تبريرا لاستمرار الدكتاتورية، بل إن عضوا في منظمة إسلامية سياسية قال حرفيا بأن الحكم الإسلامي هونقيض للديمقراطية لأن الإسلام يعني حكم الله والديمقراطية تعني حكم الشعب بالتالي فإعطاء حق التشريع للشعب يعني أن الشعب ضد الله، من هنا كان واجبا علينا كعراقيين أن نقوم بتنزيه الدين "المقدّس" عن السياسي "المدنـّس" لأن خلطهما يؤدي إلى تشويه الإسلام والدين عموما، ومن المؤسف أننا نشهد ترويجا لثقافة تعتبر أن "كل دولة ديمقراطية" هي نقيض وفي أحسن الأحوال ندّ للإسلام لأنها ببساطة لا تقطع اليد وترجم الزاني والزانية وما إلى ذلك، بل أستطيع أن أحكم على هذا العقل بأنه خرافي رجعي وأنه ببساطة شر مطلق. إن الدكتاتورية كانت، ولا زالت، حصيلة ونتاج مجتمع، ولا يمكن أن نقبل أكاذيب البعض ممن ينتحل السياسة حينما يزعمون أن صدام ونظامه كان نتاجا للغرب وأمريكا، فطوال التاريخ ومنذ أيام معاوية والحجاج وبني أمية وبني العباس وآل عثمان وامبراطورية التقوى والورع الكاذب، كان العراق يعاني من ويلات الاستبداد وحكم الأقلية الفاسدة، من هنا علينا أن لا نصدق هؤلاء الذين يرسمون صورة مشوهة عن الواقع – وكأن صدام والبعث هبطا الباراشوت على العراق – لأن رؤية الواقع بخلاف ما هوواقع وموضوعي وتصور أسباب وعلل وهمية لما هوموجود ينتهي بالشعوب إلى أن تحل بها الكوارث، خير مثال على ذلك هوما حل بالألمان حينما صدقوا هتلر وحزبه النازي فقاموا بإبادة الأقلية اليهودية وحملوها كارثة الحرب الكونية الأولى 1914 – 1918 ونتائجها الوخيمة على الألمان، فكان أن حاقت بهم كارثة الحرب الكونية الثانية 1939 – 1945 والتي أدت إلى محوألمانــــيا كدولة، ونحن العراقيون إذا صدقنا مزاعم التيار البعثي والقومي فيما يسمى بالمؤامرة الأمريكية المزعومة على العراق فإننا بالتأكيد لن نتجاوز هذه المرحلة وسنكرر إنجاب المستبدين والطغاة، وإلى حلقة أخرى..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |