|
السلفية التكفيرية وخوارج التاريخ .. ووالد وماولد
حميد الشاكر
عجيب هذا الشبه بين السلفية التكفيرية هذه الايام وبين اسلافهم في العقيدة والدين المارقين من الدين كما يمُرق السهم من الرمّية كما وصفهم رسول الله محمد ص، من خوارج العصر القديم، فتقريبا وفي كل شيئ تلتقي السلفية بالخوارج في اصول ومناهج التفكير العقلية والدينية وحتى الشكلية، فالخوارج كما هم اليوم السلفية من اشد الناس تظاهرا بالتعبد ومعظمهم من اهل الجباه السوداء واعقدهم عكوفا على قراءة القرءان وهو لايجاوز حناجرهم ابدا ليصل الى قلوبهم بتقوى او عقولهم بتدبر !. ولعلّ الدارسين للتاريخ يدركون بوضوح مانشير له من شبه عجيب غريب بين السلفية والخوارج باعتبار ان للدارسين صورة واضحة للخوارج في الماضي يستطيعون من خلالها المقارنة بين القديم الخارجي والجديد السلفي الذي هو ولاريب الامتداد الطبيعي لحركة الخوارج في الماضي !. نعم : ان ادراكنا لبداية النشأة الدينية للخوارج تعتبر بحق ادراك لنا لبداية ونشأة السلفية التكفيرية في هذه الايام من منطلق ان هاتين الحركتين ولدتا من منبع وحفرة وجذر واحد، ولهذا فمعرفتنا باصول ومبادء الاتجاهات والافكار الدينية وخاصة منها الضالة والمارقة عن سواء السبيل، ستكشف لنا الكثير من اسرار هذه الحركات الهدامة للاسلام من داخله وبأسمه، ومن ثم تعطينا هذه المعرفة السبل الصحيحة للتعامل مع مثل هذه الحركات التي ظاهرها ايمان وتقوى وباطنها شيطان وجهنم والعياذ بالله سبحانه !. أذن كيف نشأت حركة الخوارج في تاريخ المسلمين وحتى لحظة يومنا هذا في السلفية التكفيرية ؟. يُذكر ان سبب ولادة ونشوء حركة الخوارج في الاسلام هو عملية ( شُبهة ) ادخلتها عليهم عقولهم القاصرة عن الوعي والادراك والفهم القويم لمبادي الدين الاسلامي الحنيف التي اخذت الدين من مصدر آسن، ولهذا ترى ان لظهور الخوارج في حقبة خلافة أمير المؤمنين عليّ بن ابي طالب ع وهي تناهض خلافته وتدعوا للتمرد والخروج على ولايته المباركة دلالة الاهية عظيمة وبيان لايقبل الشك بأن هذه الفئة هي من الضلال بملامح لاتقبل اي تأويل، فمجرد اختلافهم بموضوع الفهم الديني المتعلق بقضية التحكيم وان شعار (( لاحكم الا لله )) هو كان السبب الاصيل لضلالتهم والعياذ بالله رب العالمين، وعدم رجوعهم الى فهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم في فهم مايعنيه الاسلام ب ((أن الحكم الا لله))، والانكى عدم رجوعهم الى فهم امير المؤمنين لهذا الاسلام الذي نمى مع عليٌّ ونمى عليّ امير المؤمنين معه حتى قال رسول الله ص :(( عليٌّ مع الحق والحق مع عليّ )) فمجرد وجود مثل هذه الظواهر التاريخية حول الخوارج يؤكد للقاصي والداني ان هذه الفئة الضالة لها دين خاص تفهمه هي حسب مزاجها العقلي لايمت بصلة لا لله سبحانه الذي انزل الكتاب الكريم، ولا لرسوله ولالاهل بيت النبوة ولالصحابة الرسول الاعظم ص، ولهذا وجدنا الخوارج في الماضي تكفّر حتى الصحابة، لابل وتقتل الصحابة ايضا بدعوى الشرك وانهم اشركوا بعد اسلامهم وشعارهم في ذالك الاية الكرية :(( ولئن اشركت ليحبطن عملك ..)) !. وكذالك اليوم في السلفية التكفيرية فهي على نفس الطريق في التوحيد او فهم التوحيد او حكم الله سبحانه وفي قضية الشرك، وكيفية ان لهذه السلفية كما كان للخوارج نفس المقاييس والمناهج في فهم الدين واعتبار انفسهم فئة مستقلة في الفهم للدين، وباقي الناس اجمعهم بمافيهم المسلمين اهل شرك وبدع، لابل ربما غير المسلمين من باقي الاديان الخرافية تنظر لهم السلفية التكفيرية اليوم كما كانت الخوارج تنظر لغير المسلمين على اساس انهم اهدى سبيلا من المسلمين الذين ليسوا هم على نفس منهج التفكير الخارجي والسلفي !. والحكايات والروايات التاريخية في هذا المجال كثيرة جدا، بحيث ان الخوارج في الماضي كانوا يوقفون المسلم وغير المسلم في الطريق ( يقطعون الطريق كما يفعل السلفية اليوم في الكثير من بلدان المسلمين لسفك دماء المسلمين ) ويسألون المسلم :(( ماذا تقول في التحكيم )) فان نطق بغير مايرضي فهمهم لقضية التحكيم نزعوا رأسه من فوق كتفه وان كانت له زوجة وذرية اخذوا سبايا ...، بينما غير المسلم كانت الخوارج تتذمم في دمائهم ويعتبرون ان دماء اهل الذمة معصومة فيطلقون صراح اليهودي ومن هو على غير دين الاسلام بكل الحب والاحترام !. ان الاشكالية الحقيقية في الماضي للخوارج وفي الحاضر للسلفية هي كانت ولم تزل في النكسة العقلية والفكرية التي ابتلي بها هؤلاء في شبهة الفهم الديني الشيطاني الذي يحملوه، فلهم مقاييس غريبة عجيبة في الفهم الديني كما ان لهم دين الهوى التي تتجه اليه انفسهم الشريرة في محاكمة كل شيئ، فهم على سبيل المثال يقدسون الصحابة في معتقدهم لكنهم وبنفس الوقت لايتورعون عن قتال الصحابة ومهما كان الصحابي عظيما في الاسلام كعلي بن ابي طالب ع او اي صحابي اخر ؟!. وهم كذالك مع انهم يتظاهرون بالتدين والتمسك الشديد بالاسلام، الا انهم من ابعد الناس عن تقوى الاسلام في دماء المسلمين وغير المسلمين واموالهم واعراضهم ؟!. وكذالك قل في دعوى الخوارج والسلفية في التمسك بالقرءان كاهم مصدر من مصادر الشريعة الاسلامية، ولكنهم ومع ذالك من احقر الناس فهما وتدبرا لهذا القرءان الكريم ومقاصده الشريفة وغاياته السامية .... وهكذا !. حتى ان المسلمين الواعين ومن خلال تجربتهم التاريخية مع نمطية التفكير الخارجية السلفية القديمة قد فهموا النظام الفكري المرتدّ لهذه الفئة المارقة، مما دفع بكثير من المسلمين عندما يقعون في كمين الموت الخارجي في الطرق البعيدة عن العمران وحماية الدولة يلجأ هؤلاء المسلمين الى انكار اسلامهم والتظاهر بعدم الانتماء للاسلام خوفا من يقيم عليم خوارج العصر القديم حد الردّة عليهم باسم الشرق فيقتلونهم !. روي ان واصل بن عطاء خرج مع اصحابه للحج في عام من الاعوام، وفي الطريق اعترضتهم عصابة من الخوارج، فقال اصحاب واصل لواصل ادركنا ياسيدنا فان الموت قد قدم لامحالة ؟. فطلب منهم واصل التزام الصمت على الاطلاق الا هو سيكون متحدثا للخوارج، فقال اصحابه نعم !؟ فسألهم الخوارج : اي القوم انتم ؟. فأجابهم واصل : من المشركين يستجيرون بكم !. فقال الخوارج : نعم يقول الله سبحانه :(( وان احد من المشركين استجارك فاجره ..)) ثم قالوا اجرناكم فاذهبوا راشدين بسلام لايمسسكم احد بسوء !. فقال واصل : ولكن لنا عندكم واحدة اخرى ؟. فقال الخوارج : وماهي ؟. قال واصل : فأن الله يقول :(( وان احد من المشركين استجارك فاجره )) وانتم قبلتم الاجارة، ولكن بقي لنا عندكم :(( حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه )) ونحن نريد ان نسمع منكم كلام الله سبحانه، ونريد ان تصحبونا الى ان نبلغ مأمننا قرب العمران فنخشى ان تركتمونا يظهر لنا اخوانكم فيقتلونا ؟!!. فقال الخوارج : صدقت ايها المشرك !. فقرأوا القرءان عليه وواصل ينظر الى اصحابه وهو يبتسم، وصحبوهم حتى ادخلوهم لعمران المدن !. ان هذه القصة التاريخية تظهر لك كيف هي عقلية هؤلاء الشراذم من البشر، وكيف ان اسلامهم ممسوخ وشيطاني وما انزل الله به من سلطان، وكيف ان الضلالة اطبقت على القوم حتى اصبح المشرك آمنن على دمائه وعرضه واهله بينما المسلم غير آمن على شيئ مع هذه الفئة الضالة !. نعم كذالك اليوم هي السلفية التكفيرية، تتميز بانها الطائفة الوحيدة التي تعتقد ان المسلمين كلهم على شرك وضلالة وعدم توحيد الا هم اهل التوحيد والاسلام والفهم السلفي الصحيح للدين، مع انهم ابعد خلق الله سبحانه عن التوحيد بسبب ان عقائدهم في الله سبحانه تجسيمية وشركية وغير اسلامية في الاساس، وانهم في الاساس لايستندون على فهم السلف الصالح من الصحابة في الدين، فليس هناك من الصحابة من يكفر مسلما يشهد ان لااله الا الله وان محمد رسول الله ص، ومع ذالك يدّعون السلفية وهم ابعد خلق الله عن فهم السلف للدين، وانهم ابعد خلق الله عن التدين بسبب اجترائهم على الدماء المحترمة المسلمة وغير المسلمة بغير بينة ولادليل سوى شبه ما انزل الله بها من بيان، لابل هم ابعد خلق الله سبحانه عن العدالة وفيهم ميل الى التعسف والظلم ليس له نظير لافي دين ولافي دنيا، وهذا هو السبب الذي يجعل الدعوة الخارجية والاخرى السلفية لاتعيش طويلا في ادارة الدول والمجتمعات من منطلق انها فكرة نشأت من شبهة والشبهة لاتقنع المجتمعات عندما يستبين بها العوج، ولاتستطيع الاستمرار في العمران والعدل بسبب انها فكرة ولدت في الصحاري وفي البوادي منعزلة عن الاجتماع وقريبة من عصابات قطاع الطرق المتنقلة من مكان الى اخر، وهكذا السلفية اليوم تراهم لايدركون اي معنى عن العدل في ادارة المجتمع، ولايفهمون اصلا ان لهذا المجتمع حقوقا يجب ان تحترم، بل مايفهمونه ان هناك حق لله على العباد فحسب يجب ان يلتزم المجتمع بتطبيقها، وعندما تتأمل في هذه الدعوة ترى ان ماتعتقده السلفية من انه حق لله سبحانه في الدين يجب على المسلمين الخضوع له، ماهو في حقيقته الا تعسف للامير والحاكم من خلاله يقهر المجتمع باسم الله ليمنع الناس عن المطالبة بحقوقهم في العدل وفي الانصاف وفي حسن السيرة في الحكم !. الحقيقة ان مصائب الخوارج في القديم والسلفية في الحديث لاتنتهي قائمتها ابدا، ولكننا احببنا للمسلمين ان يدركوا الجذور الحقيقية للمدرسة السلفية اليوم ان ارادوا ادراك المنشأ وفهم السلوك وانماط التفكير السلفية اليوم التي تعيث في الارض الفساد، وتشوّه بالاسلام وتنفر البشرية منه وتطرحه على اساس انه دين عصابة وقطاع طرق ونهب وقطع رؤوس وكرة للحضارة والعمران وحب للتدمير والارهاب ...... وباقي الموبقات !. ومن هنا نوجز مواصفات الخارجي والسلفي بالنقاط المختصرة التالية ليتم المطلوب وتتضح الصورة : اولا : نشأت الخارجية والسلفية شبهة تسمى شبهةُ التحكيم في الماضي وشبهة التوحيد الوهابية السلفية في الحاضر . ثانيا : للخارجي والسلفي نمطية اجتهادية واحدة هي الاستحسان والهوى فكل ماوافق هوى السلفي فهو دين وكل مانافر طبائعه البدوية فهو شرك وكفر . ثالثا : الخارجي يرى اعدائه من المسلمين وكذا السلفي ايضا لايرى بجميع الاديان المنحرفة خطرا بقدر خطر باقي المذاهب الاسلامية عليه لذا حربه داخل المسلمين وعليهم . رابعا : للخارجي مظهر تعبدي، وكذا للسلفي ادعاء تمسك بقرءان وسنة فقط وليس له علاقة من قريب او بعيد باي تدبر او تفكّر او اي شيئ ورد في القرءان والسنة تدعوا لاعمال العقل والتأمل، بل يرى ان التفكير زندقة والحاد ايضا . خامسا : لايستطيع الخارجي بناء حضارة، وكذا السلفي يرى الحضارة من عمل الشيطان والغزو والتدمير جهاد الدين الاوحد . سادسا : الخارجي انسان يناقض اوله اخره، وكذا السلفي لايدرك من مبدأه ومنتهاه الا التسليم، فهو شديد التقديس للصحابة، ولكنه بنفس الوقت يرى قتل الصحابي ليس فيه اي بأس كالذي حصل لعلي بن ابي طالب او لعمار بن ياسر او .... للحسين بن علي ع، فالقاتل والمقتول عند السلفية صحابة اجلاّء بنفس اللحظة يلعن السلفي من يذكر الصحابة لمجرد الذكر السيئ ويصف الذاكر بالكفر، فكيف الذكر السيئ للصحابة هو كفر وقتل الصحابة وسيد شباب اهل الجنة ليس بكفر ؟. سابعا : الخارجي مارق من الدين اي خارج من الدين باسم الدين، وكذا السلفي مارق من السلفية اي خارج على فهم السلف الصالح للدين باسم السلف، الا ان الاول اعتمد في شبهته على نص القرءان الكريم، والثاني اضل سبيلا اعتمد على الرجال من الصحابة ليمرق من الدين ؟. ويوجد ايضا هناك الكثير من المفارقات التي تجمع بين الخوارج في الماضي والسلفية اليوم اعرضنا عنها خشية الاطالة، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين على نعمة الاسلام الصحيح والدين القويم .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |