|
التيار الديمقراطي وتأثيره في الفترة المقبلة
محمد علي محيي الدين طرح الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي والحركة الاشتراكية العربية مشروعهم الرائد تحت عنوان "مدنيون" نقتحم المنون ،وكان المؤمل من القوى الديمقراطية الأخرى أن تتجاوب مع هذا النداء وتبدي توجهاتها وأرائها حول بنود النداء في إضفاء ما لديها من رؤى وتصورات وأن تصافح اليد الممدودة إليها لتقيم تحالفاتها على أسس واضحة وطرح المشروع الوطني الذي تتفق عليه جميع الأطراف،ويبدو أن النداء الوطني لا يستهوي من في قلوبهم وقر أو يحملون توجهات أخرى قد تتقاطع أو تختلف مع المشروع الوطني فأصموا آذانهم عن داعي الحق وتحاشوا التجاوب مع مثل هذا النداء الذي جاء استنادا لقراءة موضوعية للواقع العراقي واستطلاع واع لأفاق المستقبل وما تتطلبه العملية الديمقراطية من تفاعل وتقارب بين الأطراف التي تتلاقى في الكثير من الرؤى والتصورات ،فظل المشروع معطلا ،لم يفعل رغم مضي فترة طويلة على صدوره ويبدو أن ما يعيق هذه القوى أكبر من الخطوط العامة التي طرحت في المشروع وبالتالي قد يتقاطع مع أجنداتها وأساليبها النضالية. ولنا أن نتساءل أين هي القوى الديمقراطية التي تتناسب إمكانياتها وطبيعة المرحلة وهل تستطيع هذه القوى أن تجد لها مكانا في ظل المكونات السائدة والتي أظهرت قدرتها المشروعة وغير المشروعة على تجاوز الصعاب وتسخير الأحداث لصالحها بما يجعل الأطراف الأخرى خارج حلبة الصراع،وهل تجد هذه القوى نفسها قادرة على خوض المعركة الحاسمة بما لديها من إمكانات وقدرات،لقد انقسم اليسار العراقي إلى مكونات شللية كثيرة وتشظت قوته حتى أصبحت واجهاته المعلنة وغير المعلنة أكبر من حجمه الطبيعي في الشارع العراقي وأرتضى الكثيرون لأنفسهم أن يكونوا قيادات بلا قواعد،فيما لا زال البعض يعيش أوهام الماضي بأطروحاته التي لم تجد لها مكانا بين الجماهير،ويحاول ما وسعه الجهد الإساءة إلى الأقرب إليه فيما يترك العدو الحقيقي يعمل بصمت لإرساء جذوره وتمتين قواعده وهو لاه عنه بكيل التهم لهذه الجهة أو تلك والهاء الآخرين بمعارك جانبية ليس لها مبرر إلا أضعاف اليسار وطلائعه العاملة في العراق. أن القوى العلمانية قادرة أن كثفت من جهودها ووحدت صفوفها على اكتساح الساحة العراقية بعد أن ثبت فشل الآخرين وعدم قدرتهم على القيام بالمهام الأساسية لبناء الدولة والسير بها إلى أمام ،وهذا الأمر لو أحسن استغلاله لكان فيه الخير الكثير لهذه القوى ولكنها تستند لقراآت خاطئة لا تتماشى مع المرحلة ومتطلباتها ،لذلك على هذه القوى أن تعمل المستحيل لفرض وجودها في الشارع العراقي من خلال العمل بين الجماهير لتحقيق مطالبها الملحة في الحياة الحرة الكريمة بالتركيز على أخطاء الآخرين وإظهارها والعمل لإصلاح الأمور من خلال تبني مطالبها والسعي لتحقيقها من خلال المسيرات والاحتجاجات والنضال السلمي بالظهور كقوة مؤثرة تستند لجماهيرها التي ستكون إلى جانبها إذا سعت لتحقيق مصالحها. لقد كان بإمكان القوى الوطنية العلمانية تبني مطالب العمال وإضراباتهم في المطالبة بزيادة الأجور أو تحسين ظروف العمل فعلى سبيل المثال ماذا استطاعت أن تفعل القوى العلمانية حول تخفيض رواتب العاملين في التصنيع العسكري ،هل تبنوا هذه المطالب وأثاروا الدنيا على وزارة الصناعة أو المالية حتى يرى فيهم هؤلاء النصير والمحامي والمدافع عن الحقوق،وهل كسبنا الجماهير سابقا بالقوة أو بالقسر والإكراه فسارت خلف قياداتها لوطنية وساندتها في مسيراتها ومظاهراتها أم كان ذلك من خلال العمل المخلص والمتفاني لتحقيق مطالب وتطلعات الجماهير،لذلك علينا العمل بين الجماهير ومن خلالها لأنها الأساس الذي تستند عليه القوى السياسية في الوصول إلى السلطة ،وأن العمل المكتبي أو التنظير العقائدي لوحده ليس كافيا في كسب الجماهير إلى جانب القوى السياسية. أن الفشل الذريع الذي منيت به الأطراف الأخرى سيدفع الجماهير للتوجه نحو القوى العلمانية الديمقراطية لأنها البديل للفوضى والاضطراب السائد ولكن الأمر يحتاج إلى عمل جاد وخطط ناجحة في كسب الجماهير إلى جانب المشروع الوطني فهل وجدت الجماهير في الأحزاب العلمانية هذه القدرات؟ وهل استطاعت هذه الأحزاب أثبات وجودها الواقعي في المجتمع من خلال عملها بين صفوفه؟وما هي النشاطات التي قامت بها الأحزاب العلمانية في الشارع العراقي ليلمس وجودها ؟ لا شيء من هذا قد حدث فالحركات العلمانية(عدى الشيوعيين) لم تستطع العمل بين الجماهير الحقيقية صاحبة القدرة على التغيير واكتفت بالعمل المؤسساتي المكتبي تاركة الساحة العراقية للأطراف الأخرى في العمل الجماهيري ،فيما يتكأ هؤلاء على التاريخ الذي لا يجدي إزاء العمل الحاضر. لقد لاحظنا من خلال العمل الميداني ان الكثير من الحركات الوطنية والديمقراطية قد اكتفت من النضال الجماهيري بإقامة الندوات والمحاضرات في القاعات المكيفة وهذه المؤتمرات لا يحضرها سوى الطبقات الاجتماعية ذات المستوى العالي من الثقافة أو المهتمين بالعمل المؤسساتي ممن يمثلون أحزاب ومنظمات واتحادات دون أن يكون للجماهير الشعبية حضورها في مثل هذه التجمعات وبالتالي فهي لن تؤدي دورها الجماهيري لأن جل هؤلاء أساسا ضمن التشكيلات الديمقراطية التي لها مواقفها المناهضة للمشاريع الطائفية مما يتطلب أن يكون لهذه الندوات بعدها الجماهيري من خلال الحضور الشعبي المكثف من عمال وفلاحين وطلبة وشباب ليطلع هؤلاء على المشاريع والتوجهات الوطنية الديمقراطية ،وبناء القاعدة الشعبية الرصينة التي يكون لها تأثيرها في تحديد توجهات المسيرة المقبلة وأن كسب العنصر الشبابي له تأثيره في تغيير الصورة التي عليها التيار الديمقراطي الذي لا نجد فيه غير الكهول وكبار السن ،مما يعني أن هناك قطيعة بين الجيل الماضي والأجيال الجديدة صاحبة التأثير الكبير في تحديد التوجهات المستقبلية للعراقيين. لذلك يتطلب الأمر العمل الجاد لإقامة الحفلات الترفيهية وإشاعة أجواء جديدة غابت عن العراقيين عشرات السنين،ومحاولة سحب الشباب من الفوضى التي خلقتها الظروف الاستثنائية التي مر بها العراق،وبالتالي سيكون لمثل هذه الحفلات تأثيرها الكبير في كسب الشباب وأبعادهم عن الأجواء التي خلقتها الفوضى في السنين الماضية وهذا يتطلب جهودا استثنائية على القوى العلمانية السعي لخلقها تمهيدا لإعادة بناء المجتمع على أسس بعيدة عن الانغلاق والتقوقع الذي تخطط له الأطراف الأخرى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |