هل تشمل المنطقة الدولية المذكورة في الاتفاقية الأمنية علاوي الحلة؟

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

نصت المادة التاسعة والعشرون (المنطقة الدولية) من الاتفاقية الأمنية على ما يلي: (عند بدء نفاذ هذه الإتفاقية تتولى حكومة العراق المسؤولية الكاملة عن المنطقة الدولية. قد تطلب حكومة العراق من قوات الولايات المتحدة دعما مؤقتا للسلطات العراقية في المهمة المتعلقة بالأمن في المنطقة الدولية وعند تقديم مثل هكذا طلب تقوم السلطات العراقية ذات الصلة بالعمل بصورة مشتركة مع قوات الولايات المتحدة بشأن الأمن في المنطقة الدولية خلال الفترة الزمنية التي طلبتها حكومة العراق)

أول ما تبادر لذهني عند قرائتي لهذه المادة بأن المقصود بالمنطقة الدولية هي تلك المساحة، ذات الشكل المعيني، الحائرة بين العراق والسعودية، لم تكن مادة الجغرافية محببة لنفسي، لكن ذاكرتي لم تخذلني، اسمها المنطقة المحايدة لا الدولية، وأثناء اقامتي في المنفى الاختياري تناقلت أوساط المعارضة نبأ اختفاءها من الخرائط الرسمية، وقيل وقتها بأن الطاغية صدام تبرع بها لحلفائه حكام السعودية، مقابل دعمهم السخي لحربه العدوانية على إيران، مثلما تنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي العراقية للأردن، ويبدو بأن التكرم بأرض العراقيين أصبح عادة، فبالأمس القريب اقطع حكامنا المنتخبون مشيخة الكويت أراض عراقية حدودية.

أتراهم يقصدون المنطقة الخضراء، ولكن متى أصبح اسمها المنطقة الدولية؟ بحثت فوجدت أن الأمريكيين استبدلوا قبل أعوام صفة الخضراء بالدولية، فاصبح مسماها المنطقة الدولية، ولكن فضل الناس الخضراء، فداوموا على ذلك المسمى.

ليس هنالك من يدرك أهمية الصياغة اللغوية أكثر من الدبلوماسيين والمختصين بالقانون الدولي، وهم أصحاب الخبرة في إعداد المعاهدات والاتفاقيات، ولا ننسى بأن الاتفاقيات والمعاهدات رسمت حدود معظم دول العالم، فهي صانعة حقائق على الأرض، سواء قبلنا بتلك المعاهدات والاتفاقيات ونتائجها أم لا، وقد تغير كلمة واحدة من معنى مادة في اتفاقية، أو تثير الاختلاف حول تفسير جانب رئيس في الاتفاقية.

التهاون والتقصير في الصياغة اللغوية والمصطلحات الواردة في مسودة الاتفاقية الأمنية فادح ومتكرر، بدءً بإهمال تعريف مصطلحي المساحات والمنشآت في المادة الثانية وانتهاءً بالمنطقة الدولية في المادة التاسعة والعشرين، وهنالك تفسيران محتملان لذلك: قلة خبرة الطرف العراقي أو التواطؤ مع الطرف الأمريكي، وحتى لو أحسنا الظن وعزونا الأمر لقلة الدراية فلا معذرة، لأن النتائج المترتبة على ذلك وخيمة جداً، وقد تطرقت في مقالة سابقة للثغرات الواسعة التي يتركها إهمال تعريف مصطلحي المنشآت والمساحات، وبعد نشرها بأيام ذكرت قناة العالم الفضائية بأن الطرف الأمريكي قدم للحكومة العراقية قائمة بالمنشآت والمساحات، أما بالنسبة لمصطلح المنطقة الدولية فالملاحظ ما يلي:

أولاً:  إغفال تعريف المنطقة الدولية في الاتفاقية أمر مغاير للأصول المهنية في إعداد وصياغة الاتفاقيات، ولو كانت هذه المنطقة معرفة في الوثائق الدولية أو الحكومية المعترف بها من قبل الطرفين لكان كافياً تبني الاتفاقية لهذا التعريف، ولكن يعرف الجميع، بما فيهم الطرفان المفاوضان، بأن المنطقة الدولية، أو الخضراء، غير محددة جغرافياً أو مناطقياً، بصورة رسمية، لذا فإن اهمال تعريفها في الاتفاقية تقصير فادح.

ثانياً: قد ينشأ عن استعمال مصطلح "الدولية"  في المعاهدة إضفاء صفة الدولية على المنطقة المقصودة، والضد من الدولية هي الوطنية، فالأمم المتحدة منظمة دولية لأنها مشتركة بين الدول الأعضاء فيها، وبالمقارنة يعتبر البنك المركزي العراقي الذي يملكه ويديره العراق حكراً مؤسسة وطنية، كما أن الممر المائي الدولي مثل مضيق جبل طارق متاح للجميع على العكس من الممر المائي الوطني مثل نهر الفرات الخاص بالعراقيين، وفي القرن التاسع عشر اتفقت فرنسا وبريطانيا وأمريكا على جعل مدينة شانغهاي الصينية مدينة دولية واستحوذوا على مناطق فيها، وفي 1923م أعلنت فرنسا واسبانيا وبريطانيا مدينة طنجة المغربية "منطقة دولية" وأخضعتها لسيطرتها الاستعمارية، ولم تسترجع المغرب السيادة عليها إلا في عام 1956م.

إعتراف الاتفاقية الأمنية بالصفة الدولية للمنطقة الخضراء وإغفال تحديدها مثلبان جسيمان، يضافان إلى المثالب الأخرى للاتفاقية التي بينتها في مقالات سابقة، وهي أما تفرط بسيادة واستقلال العراق بصورة مباشرة أو تمنح الطرف الأمريكي مزايا يستطيع استغلالها عند الحاجة لصالح أطماعه ومخططاته الشريرة، والآن وبعد ركوع الحكومة العراقية والفئات السياسية المشاركة فيها للصنم الأمريكي وتوقيعها على الاتفاقية الأمنية فالآمال معقودة على البرلمان لرفضها، وإن خذلنا البرلمان فلا خيار أمام المخلصين من الشعب العراقي، وعلى رأسهم التيار الصدري، سوى أخذ المبادرة لاسقاط الاتفاقية الأمنية بكل الوسائل المتاحة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com