(أمكنة ٌلا أسماءَ لها) .. - تمكين اللغة -

 

عبداللطيف الحسني

alanabda9@gmail.com

كأننا جئنا من التاريخ . أزحْنا الترابَ، والطمي عن وجوهنا . وعدْنا لنرى أنْ لا شيءَ بقيَ على حالِهِ،وكأنْ لا عيونَ لنا . سد مسدَها الطميُ والرملُ . كأنا عُدْنا إلى أصلنا الترابي الصلصالي . فقالوا ( كنْ ) فكنا لحماً ودماً هشاً .  ولوأنا لمْ نغادرْ مدينتا وقريتنا يوماً . وكأننا منْ كتبْنا (يا منازلُ لكِ في القلوب منازلُ ) . ما هذا الجرمُ الذي ارتكبَهُ المكانُ حتى يتغير هذا التغيرَ كله .حتى يغيره كل هذا التغيير .  حتى لوأجرمَ لما تعاملْنا معَهُ بهذه القسوة والصلابة . وكأن فيه عدواً يتربصُ بنا، فيجبُ أنْ نغرمَه، ونغير معالمَهُ ببطء ٍ. مرة ً نهدمُ بيتاً ترابياً مبتهجاً بأهلِهِ (المكينُ بالمكان ). ومرة نشردُ أهلَهُ منه ( المكانٌ بالمكين )، بحججٍ علميةٍ لا  يفهمُها إلا مَنْ غيرها وسادها . وسيسودها زمنا ليس بالقليل ،نسود مهبطَ الروح أمامَ أعين آهليها .  ومراتٍ بتغيير اسمه . بل أسمائِهِ . حتى باتَ المكانُ دمية نطلقُ عليها أسماءَ هزلية ً غريبة تُضحك الغريب الذي  يمرََ بها . ولأن للمكان كلَ هذه الأسماء . حتى يصلَ الأمرُ إلى ( لا اسم له ) . في مجلس ٍضمَ ناشئة . أصبحَ لقرية مغضوب عليها (ثلاثةُُ أسماءَ) الكلُ تعاركَ بأن اسمَ القرية هوما يقولُُهُ هو، وكما سمعَه من آخرين . لهم مشاربُ في تغيير التسميات .  جاءَ في الحديث: (ولا تنابزوا بالألقاب ) . بمعنى عدم إطلاق تسمية على شخص تقلقٌهُ التسميةُ الجديدة ُالغريبةُ عنه  ، غير أن الأمرَ يختلفُ للجماد الذي لا يحاسبُ مَنْ أطلقَ عليه الاسمَ الجديدَ . بل يشتمُهُ، ويثأرُمنه بطريقته الغرائبية . يلطمُ كفاً ترابياً على خد من غير اسمَهُ ، فضاعَ وتبددَ اسم ُ القرية الحقيقي من بين كل الأسماء المُطلقة عليه. لكن ماذا يفعلُ طفلٌ مدرسيٌ. له اسمان، في البيت (ولات)، وعند التفقد المدرسي (وطن) . - هنا الترجمة الحرفية تلعبُ دوراَ بلاغيا قاسيا وجلموديا -، هذا التغييرُ يمنحُ صفة الأبله، والعقل الجليدي للطفل ذاك، الذي يُنادى عليه دون إجابةٍ منه: فهوالمشتتُ بين اسميه في البيت والمدرسة . إن ( تمكينَ اللغة ) وهذه تسمية في غاية الفصاحة البلاغية الحديثة المرنة. تقرأُ وتُفهم بوجه واحد . وليس لها وجهان وأوجهٌ كما في البلاغة، وعلوم الآلة . إن المصطلحَ الجديدَ يغيرُ أمكنة، وأسماءَ, لكنْ قراءةُ العمق للمصطلح تقولُ: تمكينُ اللغة يغيرُ بنية الإنسان والمكان .  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com