الشعب العراقي – رهينة الماضي والحاضر
 

 

سهيل أحمد بهجت

sohel_writer72@yahoo.com

من المؤسف حقا أن العراقيين بقوا حبيسي ورهائن لعقل العشرينات وحتى لما قبل العشرينات، إن أي باحث ضليع في علم نفس الشعوب والأمم والمجتمعات والتاريخ ومتعلقاته لا بد وأنه لن يستغرب تصرفات غالبية العراقيين تجاه محرريهم سواء ما حصل في العشرينات وما رافقها من تناقضات، ككراهية العراقيين للعثمانيين وترحيبهم بالبريطانيين ثم انقلاب الصورة وتحولهم نحوالعكس أي التعاطف مع العثمانيين الذين تركوا العراق رمادا وعداء البريطانيين الذين جلبوا للعراق التطور والاقتصاد والنظم الحديثة.

الشيء ذاته حصل مع الأمريكيين عام 2003 حينما أطاحوا بالبعث وصدام، فأغلبية العراقيين تنفست الصعداء وسرت بهذا التغيير العظيم مع فارق هوأن غالبية العراقيين لا زالت مرتاحة للإطاحة بالبعث، لكن مع مرور الوقت وبدء بعض الأحزاب والتيارات الطائفية والعرقية في نشر الفوضى والدمار ونظريات المؤامرة وشعارات "المقاومة" المزعومة، حتى بدأت الصورة تتشوش في ذهن المواطن البسيط الذي احتار وظن أن الأمريكيين هم من يقف وراء الأحداث، وفي بيئة حكمها البعث بنظريات وثقافة "المؤامرة الإمبريالية الأمريكية الصهيونية"!! وتبني أحزاب من ضمن معارضي النظام المقبور لنظريات لا تختلف عن هذه الأطروحات المليئة بالصراع والكراهية، كل هذا الجوالعبثي الفوضوي هيأ لفترة الفوضى ودخول الإرهاب إلى العراق وبدء جرائمه ضد الشعب العراقي والتحالف وذلك بالتعاون مع المستفيدين من النظام المقبور.

كــان من الممكن أن يستفيد العراقيون من الوجود البريطاني في العشرينات والأمريكي حاليا لوأنهم تعاملوا مع الواقع بمنطق العقل الذي يحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب للشعب من امتيازات سياسية واقتصادية واجتماعية وتجاوز حالة الفوضى وتآكل المجتمع بفعل عقلية ما قبل الدولة، لكن العاطفة والشعاراتية هي التي كانت الغالبة وتعامل آخرون مع البريطانيين والأمريكيين بمنطق "الموسوس" الذي يرى في التعامل والتعاون مع أصحاب التغيير مفيدا وأمرا واقعيا وضروريا، بينما يتردد في جانب آخر بفعل بعض المعممين "المحللين والمحرمين" وأصحاب الشعارات الوطنية والقومية التافهة.

أذكر ذات مرة وأنا أشاهد برنامجا بثته "العراقية" عن حياة الشاعر العراقي الراحل محمد مهدي البصير، شاهدت صورة لتظاهرة "وطنية" حـاشدة رفع عليها لافتة مكتوب عليها "نـموت ويـحيا الـوطن"، ربما كان هذا الشعار ينم عن قمة الثقافة في عصر "الدولة الوطنجية"!! حينما كان الانتماء إلى الوطن والمواطنة يعني أن على المواطن أن يضحي بــكل ما يملك وبالغالي والرخيص في سبيل "الوطن"!! دون أن ينتظر من الدولة أن تقدم له حتى أبسط الحقوق، إن المشكلة هي أن العراقيين كانوا ولا زالوا متأثرين بثقافة وعقلية الدولة الشمولية، التي لا تقدم للمواطن شيئا سوى الشعارات، وهي صفة ملازمة للدولة القومية على الدوام وضحكت فعلا من قلبي لأن الوطن هومجرد حفنة تراب ورماد إذا لم يكن الإنسان "المواطن" صاحب حقوق وقيمة.
ففي الدول الغربية االديمقراطية كبريطانيا وأمريكا سادت فكرة دولة الحقوق والإنسان والعقد الاجتماعي وحرية الفرد منذ أمد بعيد جدا، بينما كان المعسكر الشرقي وكل الدول التي خرجت من الانتدابات "ومن ضمنها العراق" تعتبر أن لا "قيمة" للفرد في الجماعة، وهومفهوم يشبه مفردة "الفرد العشائري" الذي يذوب في مصالح العشيرة ومتعلقاتها مقابل "توفير الحماية" لا أكثر، وهنا فإن العراق لا يمكن أن يتقدم كدولة وينجومن التدخلات السلبية للجوار الجيوسياسي والإثني الإنقسامي ما لم تطوى فيه ثقافة هيمنة نقيضي الدولة (الدين السياسي والقومية كهوية) واستبدالها بعلاقة مباشرة بين الفرد والدولة وأن لهذا الفرد حقوقا - حتى حينما يتحول إلى مجرم يحاكم بموجب أصول قانونية - وحينما يتم خلق هذه الرابطة تختفي كل الوسائط العديمة القيمة سياسيا "الدين السياسي والهوية القومية".

لوكان العراق دولة أكثر عزلة كإحاطته ببحار وأسباب جغرافية أخرى، لربما كان نجا من كارثة التأثيرات السلبية ولكان حاله حال اليابان الآن، لكن العراق تعرض لموجة بربرية من الفلسفات الشمولية القومية والماركسية والإسلاموية وبالتالي أصابت الهوية العراقية حالة من التآكل والتشظي انتهت بأن أشعرت الإنسان بمدى ضعف علاقته وانتمائه لا إلى الأرض – الانتماء الأرضي وهم قومي – ولكن ضعف الانتماء للدولة كمؤسسة حامية للحقوق البشرية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com