هل من رؤيه عراقيه حقيقيه للأتفاقيه الأمريكيه العراقيه بعيداً عن التأثير الخارجي ؟

 

 

قحطان المعموري

 Kahtan996@hotmail.com

 لم يحظى مشروع إتفاقيه امريكيه (مهما كانت طبيعتها) مع دوله أخرى بأهتمام محلي وأقليمي ودولي واسع مثلما حظيت به إتفاقية سحب القوات المزمع توقيعها بين العراق والولايات المتحده. فعلى الصعيد المحلي إتخذ هذا الأهتمام أشكالاً متعدده ومختلفه من قبل الأوساط السياسيه و الأعلاميه في مراكز صنع القرارأو خارجه إبتداءً من تحليل الأتفاقيه وبيان إيجابياتها وسلبياتها وتأثير ذلك على واقع العراق الراهن ومستقبله السياسي ومروراً بتحشيد التظاهرات المؤيده أو الرافضه وأنتهاءاً بمناقشات الكتل السياسيه في البرلمان العراقي قبل التصويت عليها. وهناك جهات أخرى أكتفت بالرفض القاطع أو القبول المطلق أنطلاقاً من مواقف سياسيه مسبقّه او من أجندات سياسيه خارجيه تعتبر الأتفاقيه خطراً على مصالحها وتهديداً لأمنها, حتى بدت هذه القضيه الوطنيه الكبيره والحساسه للبعض وبكل بساطه وكأنها صراع بين جبهه إيرانيه رافضه وأخرى أمريكيه موافقِه , دون النظر الى او الحديث عن مصلحة العراق الحقيقيه في هذه الأتفاقيه وإنعكاساتها على الوضع السياسي والأقتصادي والأمني في العراق لاسيما وأن الوصايه الدوليه المتمثله بالبند السابع ستنتهي بعد أسابيع معدوده ولابد من التمديد أو البحث عن بديل آخر.

 وأذا كان هذا واقع حال الداخل العراقي فأن هناك أطرافاً أقليميه وعربيه (و كعادتها) قد دست بأنفها في هذا الموضوع والذي لايفهم منه إلا كونه تدخلاً سافراً في شأن عراقي داخلي وتجاوزاً فظاً للأعراف الدبلوماسيه والدوليه, وإلا مالذي يدفع مجلس النواب الأيراني وبشخص رئيسه الى دعوة أعضاء مجلس النواب العراقي علناً الى عدم التوقيع على الأتفاقيه , أو أن يصف المدعو مسعود جزائري نائب رئيس هيئة القوات الأيرانيه الأتفاقيه بكونها ( وصمة عار ) في تأريخ العراق . أو أن يتناول ملوك ورؤساء عرب الأتفاقيه بالنقد الجارح دون أدنى أعتبار للشعب العراقي ولحكومته المنتخبه والتي هي أكثر شرعيه من غالبية الحكومات العربيه الحاكمه اليوم . لابل أن منظمه عربيه متهالكه ( لاتحل ولاتربط ) في أبسط االملفات العربيه , تطالب وبلسان أمينها العام بالأطلاع على تفاصيل الأتفاقيه قبل توقيعها , وكأن السيد الأمين العام ومنظمته الآيله للسقوط قد إطّلع ( مثلاً) على الأتفاقيه الأمريكيه القطريه الخاصه بالقواعد الأمريكيه التي من خلالها تم ضرب العراق ولأكثر من مره أو الأتفاقيه الأردنيه الأسرائيليه في( وادي عربه) أو الأتفاقيات الأمنيه التي عقدتها أمريكا مع دول عربيه بموجب قانون مكافحة الأرهاب والتي تسمح لأمريكا ضرب أي هدف تشك به كما جرى في االيمن أو حتى الأتفاقيه التي وقعتها أمريكا وحلفائها مع مع النظام السابق في( خيمة صفوان) بعد خروج النظام خاسراً في حرب الكويت, وغيرها من الأتفاقيات العسكريه والأمنيه والأقتصاديه التي تزخر بها الكواليس والأقبيه السياسيه العربيه.

 إن من حق البعض ان يرفض الأتفاقيه ولكن ليس لأسباب ( إيرانيه ) مثلما ان للبعض أن يقبلها ولكن ليس لأسباب (أمريكيه).  إن الرفض والقبول لابد وأن يكونا لأسباب عراقيه خالصه , أسباب تضع في أهم أولوياتها مصلحة العراق العليا ومستقبله السياسي فوق كل أعتبار ووالنظر الى الأتفاقية برؤيه موضوعيه عقلانيه بعيده عن المزايدات السياسيه والشعارات الرنّانه والمصالح الحزبيه الضيقه. إن الأحتكام الى منطق العقل والحكمه السياسيه هو الذي يجب أن يتصف به السلوك السياسي للكتل والقوى السياسيه العراقيه أما اللجوء الى الصراخ وأفتعال الأزمات والعمل على أحتقان الأجواء السياسيه وخلط الأوراق فهو دليل على المراهقه السياسيه والفقر المعرفي بالوسائل الديمقراطيه وكيفية ممارستها بأيجابيه بعيداً عن التعنت والأدعاء بأمتلاك الحقيقه المطلقه . إن التركيز على إظهار سلبيات الأتفاقيه ( وهي سلبيات يتفق عليها الجميع ) دون الحديث عن الأيجابيات بغية أعلان الرفض المطلق للأتفاقيه هو موقف يفتقر الى الموضوعيه التي يجب أن يتصف بها السياسي وإلا هل من المعقول أن الأتفاقيه قد خلت تماماً من أية نقطه إيجابيه لصالح واقع ومستقبل العراق السياسي.

 لقد كشفت مناقشات مجلس النواب ليوم 19/ 11 حول الأتفاقيه من أن هناك أراء متباينه داخل الكتله الواحده نفسها وإن أغلب المواقف التي طرحت من قبل النواب كانت تمثلهم شخصياً ولم تمثل كتلهم السياسيه وهذا مؤشر واضح على أن المستقبل السياسي سيشهد إنفراط عقد أكثر من كتله سياسيه أضافة الى كونه مؤشر على إكتساب العديد من النواب المعرفه الديمقراطيه وأدراكهم للعبه السياسيه القائمه حتى أصبحت القرارات التي تصدرها كتلهم غير ملزمه لهم , ولقد برز ذلك جلياً  ( على سبيل المثال لاالحصر) لدى نائبه برلمانيه عن كتله معروفه بتماسكها وتشددها إزاء الأتفاقيه كالكتله الصدريه هي النائبه ( غفران الساعدي ) حيث قدمت مشروعاً سياسياً وطنياً ( على حد قولها ) الى البرلمان للتعامل مع الأتفاقيه دون علم كتلتها كما أجابت على تساؤل رئيس المجلس مبررةً ذلك كونها نائبه منتخبه عن الشعب. كما كشفت هذه المناقشات عن اسلوب التسلط والأنفراد بالرأي داخل الكتله الواحده حيث كشفت النائبه ( زينب الكناني ) عن الكتله الصدريه أيضاً لوكالة أنباء العراق من ان ( البرلمانيات لن يتمّكن من إتخاذ موقف موحد من الأتفاقيه خاصة وأن بعضهن لايعرفن تفاصيل الأتفاقيه ويعتمدن على رئيس الكتله ) لابل إنها أطلقت تسمية الحمائم على البرلمانيات والصقور على البرلمانين في إشاره واضحه الى نظرة البعض من البرلمانيين الى المرأه ودورها في المؤسسات السياسيه .  

وأذا كان هذا حال الكتله الصدريه التي تمثل تياراً شعبياً مهماً نكن له ولتأريخه كل الأحترام , فأن كتله أخرى طالما إدعت تمثيلها لمكون مذهبي ومناطقي عراقي مستغلة عزوف قوى شعبيه واسعه عن المشاركه في إنتخابات 2005 وأستفرادها بأصوات الناخبين في المنطقه الغربيه وبعض مناطق محافظة ديالى , تلوح اليوم برفض الأتفاقيه محاولةً ليّ ذراع الحكومه بطرحها شروط تعجيزيه ( حالياً على الأقل ) كأجراء الأستفتاء العام ومطالب أخرى ذات مصالح حزبيه ضيقه لا علاقه لها بالأتفاقيه , في الوقت الذي تشهد شوارع الرمادي وديالى تظاهرات واسعه من قبل العشائر والقطاعات الشعبيه لتأييد الأتفاقيه والأسراع بتوقيعها , وهو مؤشر واضح على تنامي الحس الوطني لدى أبناء هذه المناطق التي كانت مسرحاً للأعمال الأرهابيه , ومن أن الناخب العراقي اليوم هو ليس كما كان عام 2005 , كما عكست هذه المناقشات النفاق السياسي التي تتصف به هذه الكتله حيث صوت نائب رئيس الوزراء والوزراء المحسوبين عليها لصالح الأتفاقيه في مجلس الوزراء ( عدا وزيره واحده ) ولا أدري اية مرجعيه سياسيه هذه التي خولت هؤلاء الوزراء بالموافقه على الأتفاقيه في الوقت الذي يرفض نواب هذه الكتله الأتفاقيه في مجلس النواب

 لعل الجميع يعرف والمتابع السياسي على وجه الخصوص من أن هناك كتلاً وقوىً سياسيه عراقيه قد رفضت الأتفاقيه حتى قبل كتابتها رافضة أي أتفاق مع أمريكا متجاهلةً وجود مايقارب  150 ألف جندي أمريكي في عموم مناطق العراق ولابد من وجود آليه قانونيه تحكم تواجد هؤلاء على الأرض العراقيه , وليس سراً القول أن هذا الموقف كان بأيحاء من دول مجاوره كانت ولاتزال تعرقل أي تطور إيجابي وعلى كافة الصعد منطلقين من فكرة ان أمنهم من أمن العراق وان أي استقرار في الوضع السياسي العراقي من شأنه أن يجعلهم الهدف الأمريكي الجديد بعد العراق واستناداً على هذا التصور تحاول هذه الدول وضع العصي في دواليب العمليه السياسيه الجديده في العراق دون أدنى أعتبار لما يواجهه الشعب العراقي يومياً من قتل وتدمير وارهاب يومي تساهم هي فيه هذه وبأشكال مختلفه . لابل ان دوله جاره مثل إيران تحاول تصفية حسابات قديمه مع العراق خلفتها حرب الثماني سنوات رغم رحيل النظام الذي اشعلها غير ماسوفٍ عليه وكأن الشعب العراقي هو المسؤول   عن تبعاتها , وهي تصرخ ليل تهار محذرة من الوجود الأمريكي في العراق ومن مخاطر عقد أية أتفاقيه معه, لكن الغريب في الأمر هو أنها لم تعترض يوماً على الأتفاقيات العسكريه الأمريكيه مع دول قريبه جداً منها كدول الخليج مثلاً التي تمثل أكبر ترسانه عسكريه امريكيه خارج حدودها , والأغرب من هذا هو صمت إيران على جيش أمريكي جرار بعدده وعديده  يربض على حدودها الشرقيه  تستضيفه أفغانستان ولم يجري الأعتراض عليه قط , إذن لماذا العراق والعراق فقط؟ إن ماتخشى منه إيران في واقع الأمر ليس الوجود العسكري الأمريكي في العراق والذي لم يتجاوز يوماً الحدود العراقيه الأيرانيه طيلة الخمس سنوات الماضيه من عمر التواجد الأمريكي في العراق رغم تدفق عناصر جيش القدس والأرهابيين الى العراق , بل إن ماتخشاه فعلاً هو الوجود السياسي الأمريكي أو لنقل المشروع السياسي الأمريكي الذي تبنته الأداره الأمريكيه و الذي أصطلح على تسميته بمشروع الشرق الأوسط الكبير, حيث يقف هذا المشروع كسد منيع أمام نزعات إيران الأيديولوجيه التي بدأت منذ قيام الثوره الأيرانيه عام 1979 والقائمه على مبدأ تصدير الثوره وتوسيع النفوذ في بلدان المنطقه وإيجاد موضع قدم فيها مستغلةً المد الديني في المنطقه والجانب المذهبي هنا وهناك وفشل المجتمع الدولي في إيجاد حلول لنزاعات المنطقه وخصوصاً الصراع العربي الأسرائيلي

يخطئ من يعتقد بأن الموافقه على الأتفاقيه هو شكل من أشكال الدفاع عن الولايات المتحده وقواعدها في العراق , فالقوات الأمريكيه في العراق هي واقع حال لابد من التعاطي معه بموضوعيه ولابد من تقنين هذا الوجود بأتفاقيه وصولاً الى أنسحابها النهائي والكامل وإلا فأن أي بديل آخر سيكون أما تمديد التفويض الدولي وعودة العراق الى المربع الأول بعد خمسة سنوات من التضحيات الجسيمه أو الأنسحاب الفوري والذي ستكون نتائجه مدمره على العراق بأعتراف الجميع وسيتحمل المواطن العراقي الذي عانى ماعانى من الحروب والويلات كل هذه النتائج المدمره.

إن العراق اليوم في لحظه تأريخيه حساسه وحرجه ولابد لسياسيه المخلصين من التفكير جدياً بما سيقررونه لأنهاء الواقع المر الذي يعيشه الشعب وتأسيس واقع جديد يعيد للبلد سلطته على ارضه وبحره واجوائه ويضمن الأمن والأمان لشعبه وتخليصه من أية وصايه فرضتها ظروف قبل ومابعد التغيير عام 2003 . إن الجميع اليوم مسؤول عن أستحقاقات الوضع الراهن ولايتم ذلك بتراشق الأتهامات والمزايدات الوطنيه والمكاسب الضيقه بل بالوقوف صفاً واحداًواتخاذ موقف وطني مسؤول من شأنه إحداث نقله نوعيه في المسار السياسي العراقي

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com