الأتفاقية الأمريكية العراقية!!! .. بين الرفض والقبول

 

قاسم محمد الكفائي/ عراقي مقيم في كندا

canadainsummer@yahoo.com

في تأريخ الأمَم، قديمِها وحديثِها انعقدت اتفاقياتٌ ومواثيقٌ ومعاهدات ما بين أمةٍ وأخرى على أسُس تفاوتت بتفاوتِ ظروفِها العسكريةِ والسياسيةِ والأقتصادية، وكمثال ٍ على ما نعنيه، الأتفاقية الأستراتيجية التي تمت ما بين أمريكا واليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد جمعت هذه الأتفاقية محاسنا، وكذلك مساوئا كان قد تجرّعَها الجانبُ الياباني، ووافق عليها . فمن أنبل وأسمى الأتفاقيات هي أن ُتبنى على رغبة الجَمهور بضوابطِ المصالح ِ المُشتركةِ، وحسن النيّة، وتبَنّي حالة َ الأمن بدلَ الخوف، والسلام ِ بدلَ الحَرب، والتقدم ِ الشامل بدلَ التراجع ِ الشامل . العراق الذي عانى بالأمس من دكتاتورية بغيضة تسَلط فيها نظامُ صدام السيِّىء الصيت لسنواتٍ على كلِّ مرافق ِ الحياة، وفتكَ بها، وجد اليوم الرغبة الحقيقية في عهد الحرية لمد يدِ الصداقةِ الى الكثير من بلدان العالم على أسُس لا  َتحيدُ عن مَصالحهِ أو تلتفّ ُ عليها . وليس من ضير أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية النصيبُ الأوفر من هذه الرغبة  التي هي المعيارُ الأمثل للصعود على سلم تحقيق الطموحات، خصوصا وأن الشعبَ العراقي يثمن المساهمة الأمريكية في سقوط نظام صدام التكريتي، وإن لم تكن على بادرة حسن النية . لقد شهد تأريخُ العراق السياسي الحديثِ عدّتَ معاهداتٍ كانَ أهمُها المعاهدات التي ربطتهُ بمصالح ٍ سياسيةٍ مع بريطانيا العظمى في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي . كلهُا فشِلت، ولم تمض ِ طويلا كونها ارتكزَت على قاعدٍة َهَشّةٍ، فتمّت صياغتها ما بين المستعمِر وحكومةِ العراق المستعمَرَة  لغياب الشرعية  التي استندت عليها بعد حلِّ مجالس الأعيان التي صَوَّتت ( لا للمعاهدة )، أو بعد حدوث تغيير طرأ على الحكومة .

صورة ُ عراق اليوم اختلفت تماما عن صورةِ الأمس والأمس القريبِ فصارَ مجلسُ الأعيان، أي البرلمان المُنتخبَة أعضائهُ بأصوات الشعب، وبطريقةٍ حرّةٍ ونزيهةٍ، له كلمة ُ الفصل، ويُنصِّبُ الحكومة المناسبة أو يقيلها، ويصنعُ الدَستورَ، أو يُصَحِحُهُ . من هنا يَصعَبُ على الفريق الأمريكي المفاوض بشأن الأتفاقيةِ الأستراتيجيةِ المطلوب من حكومة العراق المصادقة عليها فرض الإملاءات التي لا تتوافق ومصلحةِ البلاد والشعب، وهذا ما حصل فعلا عندما رفض الجانب العراقي بعضَ بنود الأتفاقية، فطلب إلغاءَ بعضِها وتعديلَ البعض ِ الآخر .الرَدّ العراقي لابدّ له أن  ُينجز أهدافَ رفضهِ أو القبول، وقد تحقق ولو بالممكن، لكنه أخفق بأحراز أكثر تقدم ما قبل توقيع مجلس الوزراء عليها . ( سنتطرق لها في مقال آخر ) أي أن الذي نلمسُه من الجانب الأمريكي أنه لا يريد غير حفظ ماء الوجه نظرا للخسارة الكبرى التي مُنِيَ بها في العراق، وتبعثر أهدافِه وأمنياتهِ السياسية والعسكرية في مواجهتهِ للمواقف الحكيمة والشجاعة التي تحلىّ بها شعبُ العراق وحكومتهُ بتوجيهات المرجعية الدينية . بالمقابل شعر المراقبون الحريصون على مستقبل العراق ما هو غير مناسب وحكيم لما قام به بعضُ اعضاء البرلمان من فوضى وهم يستمعون الى قراءة بنود إتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011 . كان البعضُ منهم يتصرف على طريقة ( شاف ما شاف .... )، لا يمتلك غيرَ لهجة اللغو بدل الأنتظام، فيدّعيه حرصا على مستقبل العراق، والبعض الآخر موافق على الأتفاقية، لكنه يتحين الفرص لسرقة نشوة الأنتصار السياسي الذي أحرزته الحكومة ليسجله (هدفا ) له، وخلاف ذلك يُحرِّك   ََغضبَه باتجاه الرفض والعبث . أما الآخر فقد أعلن موافقته مقابل إطلاق سراح المجرمين من المعتقلات التي تشرف عليها القوات الأمريكية، لا من باب الحرص على استعادة السيادة الكاملة للعراق  . لا تهمه مصلحة العباد،  والشرف الوطني سوى المقايضة بحفنة من أعداء العراق المجرمين . لقد أبدت المرجعية الدينية في النجف الأشرف استيائهَا لهذا المشهد البرلماني الغير مسؤول، وشددت على إبقاء دَور أعضاء مجلس النواب رائدا وكبيرا . كما حرصت بتوصية منها على التحلي بالنظام والمسؤولية في حال مناقشة هذه الأتفاقية في رواق البرلمان من قبل أعضاءه الذين هم الممثل الشرعي للشعب في كل قضاياه الوطنية والسياسية . بعد هذه التوصية  تحلىّ البعضُ منهم في مجلس النواب بالأنضباط في جلسة المناقشة التي أعقبت جلسة الفوضى المقزِّزة  . في مرحلتنا الراهنة هناك خطورة في المشوار السياسي والأمني الذي تسلكه الحكومة العراقية، وتتسع رقعة هذه الخطورة على مساحة فقدان الكفاءة  في الكثير من أعضاء مجلس النواب العراقي، أو على مساحة الأختلاف الغير موضوعي في الرأي والموقف  اللذين  يتحلى بهما البعضُ الآخر، بينما عدونا الحقيقي يتربّصُ بنا . لقد وجد المراقبون  السياسيون عمق الكفائة، وأعظم الحرص  لدى المفاوض العراقي بشأن هذه الأتفاقية . فأحَسّ الجانبُ الأمريكي بذلك، وعرفها الشعبُ  العراقي . وهناك حقيقة مهمة تدعم هذا القول عندما نجدُ المفاوضَ العراقي كان قد إنتخِبَ من قبل الشعب عبر صناديق الأقتراع لنزاهته، وكفائته، ووضوح شخصيته . فقبولُ الأتفاقية ورفضُها تمرُ عبرَ رموزنا الرسمية الثقاة، أما مناقشتها مع الأطراف المعنية يجب أن تخضع لمعيار الثقة الممنوحة للمفاوض وليس التشهير به، أو خذلانه . وفي كل الأحوال فالاتفاقية ماضية في طريقها، والحواجز التي نراها على الطريق  َسَُترفعُ بتنازل واضعيها عن مطالباتهم بامتيازات اضافية ما فبل إعلان مموافقتهم على الأتفاقية . وبالمقابل نتمنى على حكومتنا أن تدقق وتتابع رأيَ الجَمهور وكلمَتهُ بشأن المصلحةِ العراقيةِ ما قبل الموافقة النهائية  . فعلاقاتنا الطيبة ببعض دول الجوار لا تسمح لنا بتمرير هذه الاتفاقية لو أن فيها بنود تهدد أمنَهم وسلامَتهم، أو تقويض مشاريعهم الأنسانية، فيصبح العراق المحطة التي ينطلق منها الخطر الأمريكي عليهم . هذا مالا نريده، ولا نسمح به .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com