من هي قوى ثورة (14تموز1958)..؟ ومن هي القوى التي ناهضتها..؟  .. مسلم عوينه 

 

 

ذياب ال غلام

thiab11@yahoo.com

من هي القوى التي حكمت البلاد لغاية ليلة الاثنين 14 تموز 1958 المباركة ولصالح من كانت سياسة ذلك النظام الذي اقامته بريطانيا وجاءت برجل هاشمي من الحجاز ونصبته ملكاً للدولة المستحدثة ؟ ومن هي القوى التي اسندته وايدته ؟ ومن هي القوى التي عارضته وناضلت في سبيل ازاحته ؟ وماهي الاهداف التي طالبت تلك القوى بتحقيقها ؟...

14 تموز ليس عابراً

لم يكن يوم (14 تموز 1958) حدثاً عابراً في تاريخ بلادنا، كما لم يكن هذا الحدث التاريخي تحقيقاً لنزوة رجل او مجموعة ضباط اغراهم التربع على كراسي السلطة... انها كانت تحولاً نوعياً نجم عن تراكم كمّي لزمن طويل، من الظلم والاضطهاد والاستغلال والاستهتار الجاثم على البلاد والمتحكم بثرواتها عن طريق شركاته النفطية على وجه الخصوص اضافة الى قواعده العسكرية في الحبانية والشعيبة... انها ثورة توجت نضالاته المتصاعدة منذ ثورة العشرين مروراً بكل الحركات والانتفاضات المجيدة، فشكلت استجابة طبيعية لتطلعاتنا الى التحرر، وفك الارتباط بالاحلاف والمعاهدات المكبّلة لبلادنا، وتحقيق حياة حرة كريمة... لقد عانى شعبنا ما عانى من بؤس وشقاء وفاقة خلال العهد الملكي السعيدي... جور واستهتار بحقوق وحياة العمال والكسبة والفلاحين والمهنيين والفئات المثقفة والشباب المتنور من خريجي الكليات والدراسات العليا. كان الجميع في اعين تلك السلطات والطبقات المتنفذة رعاعاً لا يستحقون غير الذل والهوان، وتجابه المطالبة بالحقوق بالرصاص المنهمر، والمطاردة والاعتقالات كما حدث لعمال النفط المضربين، بما عرف حينئذٍ بمجزرة كاورباغي 1947 وملحمة ساحة الشهداء وجسر الشهداء في وثبة كانون المجيدة 1948 واعدام القادة العسكريين 1941 والقادة السياسيين 1949 ومجزرة سجني بغداد والكوت 1953 حينما وجهت الرشاشات الى صدور السجناء السياسيين الوطنيين الشرفاء ردّاً على مطالبهم السجنية البسيطة فاستشهد العديد وجرح العديد، وكذلك شهداء الانتفاضات التشرينية وضحايا تظاهرات الاحتجاج 1954 على ربط العراق بالحلف التركي الباكستاني الذي سمي فيما بعد (حلف بغداد). ومن ثم مظاهرات الاحتجاج على العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة 1956 وفي الجانب الاقتصادي عانت الجماهير الفاقة والحرمان والفقر المدقع في المدن حيث يلتحق الشباب ب (المسطر) يومياًَ بانتظار الحصول على عمل قد لايحصلون عليه فيعودون الى عوائلهم محبطين. ولا يختلف واقع الريف عن حياة المدينة بل انه أمرّ وأدهى فقد عانى الفلاحون الويلات و الكوارث من تصرفات وممارسات الاقطاع والسلطة الساندة له... وهكذا هي عقلية الحكم الرجعي العميل فكانوا ينظرون الى هذه الجموع بعين التعالي والاحتقار معتبرينها قطعانا من الرعاع لاتستحق غير النكد والعسف وشظف العيش.

قال الراحل العظيم الجواهري وهو يستنهض الهمم ويدعو الى الثورة :

يقولون من هم اولاءِِ الرعاع فافهــمُ بدمٍ من هــمُ

وافهــمُ بدمٍ انهـــم عبــــــيدكَ ان تدعهم يخــــدموا

وانك اشـــرفُ من خــيرهم وكعبك من خده اكرمُ

وقال الرصافي :

علمٌ ودستورٌ ومجلس امــة ٍ كلٌّ عن المعنى الصحيح محرفُ

بالله يـــاوزرائنا مــابالكم ان نحن جادلناكمُ لم تنــصفوا

هذي كراسيُّ الوزارة تحتكم كادت لفرطِ حياءئها تتقصَّفُ

الشعبُ في جزعٍ فلا تستبعدوا يوماً تثورُ به الجموع ُوتزحفُ

كم من نواصٍ للعدى سنجزّها ولحىً بايدي الثائرين ستنتفُ

قمع بالحديد والنار

وهكذا دأبت السلطة على قمع اي تململ شعبي بالحديد والنار حتى غدت بعض الكلمات يستحق ناطقها الحساب والعقاب مثل (التحرر) و (العدالة) و (حقوق الشعب) و (الوعي) وكلمة (العامل) فعلى من يحمل هذه الصفة ان يقول (كاسب) بدلاً من (عامل) وغدا الاستماع الى اذاعة القاهرة ودمشق وصوت العرب يستدعي الردع والعقاب اما الاستماع الى اذاعة (موسكو) فتلك جريمة لاتغتفر... وقد ابدع شاعر العراق والعرب الاكبر الراحل الجواهري في تصويره الدقيق لما آلت اليه الامور حين قال:

فالوعيُ بغيٌ والتحررُ سُــبةٌ والهمسُ جرمٌ والكلامُ حرامُ

ومدافعٌ عمّا يدينُ مــــــخربٌ ومطالبٌ بحقوقهِ هدّام ُ

ومشى باصلابِ الجموعِ يهّزها الجهلُ والادقاعُ والاسقامُ

فكــرامةٌ يُهزى بها وكرامةٌ يرثى لها وكرامةٌ تستامُ

ومازلت الذاكرة تروي كيف تزوّر الانتخابات، حتى اطلق الشعب على آخر مجلس نيابي (مجلس التزكية) لأن اعضاءه فازوا جميعا بالتزكية دون اجراء التصويت. واخذ قانون مكافحة المبادئ الهدامة يلهب الظهور فطورد حملة الفكر التقدمي والرأي الاخر والميول اليسارية ووصلت العقوبات على هذه الامور حد الاعدام... واسقطت الجنسية عن عدد من المناضلين، منهم الشهداء كامل قزانجي وتوفيق منير ومحمد حسين ابو العيس وغيرهم، وحوربت الثقافة والمثقفون بموجب مخطط منظم، فلا يلتحق خريجوا الدراسة الاعدادية بالكليات الاّ بعد حصولهم على (شهادة حسن السلوك) من التحقيقات الجنائية، والهدف منها منع الشباب الناشط في الحركة الوطنية من التطور الثقافي والعلمي. وازاء هذا الواقع المؤلم اقتنع الناس بضرورة ازاحة هذا النظام الرجعي الجائر، بأن ازاحته لا تتم الاّ عبر اسناد النضال العنيد الذي تخوضه الاحزاب والتنظيمات الوطنية.

انبثاق جبهة الاتحاد الوطني

وخلال مجرى النضال تبلورت القناعة بضرورة توحيد عمل الاحزاب والتنظيمات الوطنية فبدأت فكرة وحدة العمل تتعمق وتترسخ حتى انبثقت جبهة الاتحاد الوطني اوائل 1957 وانعكست هذه الوحدة على القطاع العسكري فتوحدت تنظيمات الضباط الاحرار في منظمة واحدة واصبح هدف الجميع، في القطاعين المدني والعسكري، اسقاط النظام الملكي بثورة مسلحة، يشعل فتيلها الجيش العراقي الباسل، وهكذا اشرقت شمس الثورة الوطنية في (14 تموز 1958) وأعلن تأسيس الجهورية العراقية لاول مرة في التاريخ، وتشكلت حكومة الثورة من عدد من الضباط الاحرار اضافة الى عدد من قادة جبهة الاتحاد الوطني، وباشرت في تحقيق مطاليب الشعب وحركته الوطنية، فالغت مراسيم الحكومة السعيدية بحق المناضلين، واطلقت سراح المعتقلين والسجناء السياسيين، واصدرت قانون تطهير الجهاز الحكومي من المفسدين والمتلاعبين بالقوانين، هذا القانون الذي نحن الان باشد الحاجة الى مايماثله لاجتثاث الفساد الاداري المستشري لكي لايبقى الحديث عنه مجرد اضغاث احلام، وُشرّع قانون الاصلاح الزراعي الذي انتزع اراضي العراق الزراعية من حفنة الاقطاعيين، وبوشر بتوزيعها على ملايين الفلاحين الذين تحرروا من جحيم السيطرة الاقطاعية. وتحقق هامش واسع من الحريات العامة والعمل الحزبي لكل الاحزاب الوطنية وانطلق النشاط النقابي والطلابي والجمعيات الفلاحية. وتحررت عملة البلاد من الارتباط بمنطقة الاسترليني، كما تحررت من الارتبا ط بحلف بغداد والاتفاقية الخاصة مع بريطانيا واتفاقية الامن المتبادل مع الولايات المتحدة، وعقدت مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية والفنية مع الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، تلك الاتفاقيات التي رسمت سبيل النهوض بالصناعة والزراعة والثقافة، واقدمت حكومة الثورة على اصدار قانون الاحوال الشخصية رقم (88 سنة 1959) الذي كان اول قانون ينظم الاحوال المدنية للعائلة العراقية، وتم تحرير الاراضي العراقية من امتياز شركات النفط الاجنبية باصدار القانون رقم (80 سنة 1961)، وصدرت الانظمة والتشريعات التي تحمي الصناعة المحلية وتشجع راس المال الوطني على النشاط الاستثماري للمساهمة الفعالة في تنمية اقتصاد البلاد، واتجهت الحكومة الى التوسع في مشاريع الاسكان في مختلف مدن البلاد، بحيث تراجعت ازمة السكن الى حد كبير، وتم تدعيم القطاع الصحي والتوسع في بناء المدارس، ولغرض مواجهة شحة الكادر التعليمي ُوجهت الدعوة الى رجال الدين للانخراط في الدورات التربوية المكثفة التي اهلت عدداً كبيراً للالتحاق بسلك التعليم، محققة بذلك الفوائد الجمة في هذا المجال. وغير ذلك الكثير من الاجراءات الوطنية التي صبت في خدمة الشعب والوطن، وبذلك اتضحت قوى الثورة التي التفت حولها والتي انبثقت الثورة لتحقيق مصالحها. ولذلك ظلت الجماهير متمسكة بحب ثورتها وحب اولئك القادة الميامين الذين فجروها ومجدتهم واعتبرتهم شهداءً للوطن. واستمرت، رغم المضايقات، تحتفل بهذه الذكرى معتبرة ذلك اليوم هو يومها الوطني وستبقى تعتز به وتحتفل بذكراه لاتثنيها كل المحاولات المعاكسة، فشعبنا لا يمكن ان يتنكر لتاريخه الوطني المجيد وايامه الوطنية المعروفة...

فمن هي القوى التي ناصبت ثورة الشعب العداء وتآمرت عليها واسقطتها... وهي اليوم يستفزها اسم (14 تموز) ويثير اعصابها وعملت وتعمل لاتنزاعه من ذاكرة الشعب ولكن دون جدوى؟

من عادى ثورة تموز

انها تمثلت في بقايا النظام الملكي من كبار موظفيه والمستفيدين منه وبقايا الاقطاعيين ممن كانوا يسيطرون على اكثر من 80% من الاراضي الزراعية والرجعيين ممن لايروق لهم تطور البلاد والتحاقها بركب الحضارة والتقدم. ولا يرضيهم تحرر العمال وحصولهم على حقوقهم وانتظامهم في النقابات المهنية او تحرر الفلاحين من جور الاقطاع، وتفتح زهور الثقافة في المجتمع وتنوره ودخوله في افاق الحضارة و التقدم كما تحالف مع تلك القوى جماعات تغلفت باردية القومية و الدين، وبضمنها (حزب البعث العربي الاشتراكي)، واخذت هذه المجاميع تلملم صفوفها، ومارست ضغوطها على الحكومة بكل مالديها من اساليب منحطة.

تراجع مؤسف ومؤلم

ومما يبعث الاسف تراجع قيادة الثورة امام تلك الضغوط وبالتالي تحول النظام الى سلطة عسكرية فردية مما جعلها تبتعد شيئاً فشيئاً عن القوى الوطنية والشعبية الحريصة على الاستقلال والتقدم، فتوفرت اجواء ملائمة جدا للنشاط التآمري الرجعي وبالمقابل حرمان القطاعات الشعبية من وسائلها التنظيمية للدفاع عن نفسها وحقوقها ومكتسباتها، وفي هذا الظرف الذي كان عرساً للقوى الرجعية التي بادرت الى تنظيم نفسها في جبهة معادية تحت عنوان (الجبهة القومية الموحدة) التي ضمت في صفوفها كل القوى والافراد الذين يهمهم اسقاط الثورة وتصفية مكاسبها وتصاعد النشاط التآمري لهذه الجبهة. ومما ساعدها على تحقيق مخططاتها تورط الحكومة في حربها ضد الشعب الكردي الذي افقدها كثيراً من قدرتها العسكرية وزاد من اعبائها المالية اضافة الى ضغوط شركات النفط الاحتكارية بتخفيض الانتاج، كما زادت في الطين بلة اثارة مشكلة الكويت... ويكون الحكم قد ساهم مساهمة فاعلة في توفير الظروف الملائمة لاسقاطه في انقلاب (8 شباط 1963) الفاشي الاسود الذي اغرق البلاد بالدماء في حملة وحشية شرسة لتصفية الاف الشيوعيين، والوطنيين الديمقراطيين والعناصر اليسارية المستقلة، والاعتداء على كوادر العلم والادب امثال عبد الجبار عبد الله رئيس جامعة بغداد وابراهيم كبة وغيرهم وغيرهم من الوجوه الوطنية والعلمية، فصفيت المكاسب التي انجزتها الثورة على يد الانقلابيين الفاشست.

اولئك هم اعداء ثورة (14 تموز) واهدافها الوطنية التقدمية، لكن شعبنا بقي ويبقى متمسكا بحبه واعتزازه بثورته ويومها المجيد. وتظل روح (14 تموز) حية في عقول وضمائر العراقيين الطيبين الحريصين على مصلحة بلدهم، وكانت اهداف (14 تموز) حافزاً لهم لمواصلة الكفاح الباسل في سبيل عراق اتحادي وطني ديمقراطي متقدم تصان فيه حقوق الجميع... عراق يسير في مراقي الحضارة والتقدم دون معوقات رجعية مستنيراً بشمس يومه الوطني المجيد، يوم (14 تموز)

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com