|
هذا المقال ليس موجهاً للحكومة العراقية والفئات السياسية التي أقرت الاتفاقية الأمنية، أي المجلس والدعوة والتوافق والحزبين الكرديين، فهؤلاء وقعوا على الاتفاقية الأمنية، عندما كانت مجرد فكرة، وأبرموها قبل صياغة موادها، وقبلوا بها وهم يتظاهرون بالتفاوض حولها، وصادقوا عليها وهم يمثلون مسرحية تعديل بنودها، والاتفاقية منجزة ومعتمدة قبل البدء يتشييد السفارة الأمريكية، في 27 عمارة، فهل من المعقول أن تقدم أمريكا على بناء أكبر سفارة لها في العالم من دون اتفاقية استراتيجية، يكون فيها العراق تابعاً ذليلاً وأمريكا السيد المطاع؟ يحتكم الفرد إلى العقل أو العقيدة أو العاطفة أو خليط منها في تحليل وتقييم الأمور، واتخاذ الموقف المناسب منها، ولقد محصنا الاتفاقية الأمنية بالعقل فوجدناها غير مقبولة لأسباب منطقية واضحة، لأنها نافعة تماماً للطرف الأمريكي، وضارة بالكامل للطرف العراقي، فالهدف الرئيس منها هو طمس حقيقة الاحتلال الأمريكي، فعندما لم تنطلي على أحد خدعة "قوات التحرير" استبدلوها بقوات متعددة الجنسيات، للعراقيين فقط، ولكنهم أمام بقية البشرية لم يخفوا بأنها قوات احتلال، أليس هذا وحده دليل على استغبائهم العراقيين؟ كرروا نفس اللعبة بخصوص الاتفاقية الأمنية، تلاعبوا بالألفاظ أيضاً، فيوماً هي إتفاقية وضع القوات (صوفا) وبعد أن تأكد بأنها أكثر من ذلك بكثير سموها إتفاقية أمنية، وعندما اقتضت الضرورة استباق المطالبين بالإنسحاب غيروا عنوانها إلى اتفاقية سحب القوات، إنها خدعة ساحر مسرحي لا أكثر، وهل هنالك أكثر خداعاً من أمريكا؟ تغيرت أسماء الاتفاقية الأمنية لكن جوهرها بقي ثابتاً، فالهدف منها توطين الاحتلال الأمريكي، وعندما ينتهي التفويض الأممي لا تكون إلا قوات احتلال، مهما حاولوا التمويه على ذلك بالمسميات، فأما أن تنسحب أو تبقى كقوات احتلال، لذا سعوا لإبرام إتفاقية أمنية، تكتسب بموجبها صفة قوات "صديقة"، وبعد ثلاث سنوات سيكون تنفيذ مخططات أمريكا للعراق والمنطقة قد أوشك على الاكتمال، ولن تحتاج بعد ذلك لاستبقاء سوى بضعة آلآف، وسيسمونها آنذاك "فرق التدريب ونقل التقنية"، وسيبقى العراق بلداً محتلاً خاضعاً لأمريكا. عرضنا الاتفاقية على العقيدة الدينية، فرفضتها رفضاً قاطعاً، كان جد الرسول عبد المطلب، الذي لم يعش ليشهد عصر الرسالة، أكثر إيماناً وثقة بالله من الحكومة العراقية وأنصارها في البرلمان عندما قال لدى سماعه بقدوم أبرهة وجيشه: للبيت رب يحميه، وحرمة دم المسلم عند الله أكبر من حرمة بيته الحرام، فآمنهم من خوف، ومن دلائل إيمان الفرد أن لا يخاف ولا يحزن، والله معه ما دام مع الله، لذا فلا إيمان ولا أمان ولا عزة لمن توخى الأمن والعزة من الاتفاقية الأمنية مع أمريكا. هل ترفض العاطفة الاتفاقية الأمنية أيضاً؟ الجواب على هذا السؤال بديهي، وكل القيم المحركة لعواطف العراقيين تأبى عليهم توقيع الاتفاقية الآمنية، وأهم هذه القيم الرجولة والشجاعة والإرادة المستقلة واحترام الذات والغيرة والشرف والكرامة وعزة النفس والاعتماد على النفس والترفع عن الطلب، فهل خلت نفوس الموقعين للاتفاقية الأمنية وأنصارهم من هذه القيم السامية؟ كل هذه الحجج العقلية والدينية والعاطفية لم تثني الحكومة العراقية والجماعات المتواطئة معها في البرلمان من إبرام الاتفاقية الأمنية، لأنها وإن تنوعت واختلفت في الفكر، أو هكذا يدعون ويتظاهرون، اجتمعت على تمرير الاتفاقية الأمنية لبلوغ مصالحها الحزبية أو الفئوية، أي البقاء في السلطة، وليذهب العراق والعراقيون إلى هاوية الخنوع لأمريكا. لم يتبق سوى البحث في الأمثال الشعبية عن حجة أخرى نستعين بها في دحض الاتفاقية، فوجدتها في القول المعروف: ودع البزون شحمه، ونحن ندرك جيداً بأن البزون الأمريكي لم يكن ليأتي بعديده وأسلحته إلا طمعاً بالشحم "الأسود" للعراقيين، ولنتذكر بأن الحكومة والبرلمان العراقي مؤتمنون على سيادة واستقلال ومصالح العراق، وكل من وقع أو وافق على الاتفاقية أثبت بأنه غير جدير بحمل هذه الأمانة، وما هو سوى "وحاشاً" يتظاهر بالحراسة، ولكنه في الحقيقة شريك صغير للقط الأمريكي الشره والطامع بالشحم العراقي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |