|
التغيير والإنسحاب محسن ظافرغريب كتب "ظـافر غريب": "الإنسُ حابوا، بمُحاباة ِ إنس ٍ لإنسْ!"، كلمات لها مساقط ضوء وظلال حضارية، مدنية الحمولة والثيمة، فاللغة أداة التعبير والتغيير النثري الشعري، والمفردة حياة حافلة، وتأنيث المكان العراق، مكانة، بمفردات؛ أميركا، جمهورية تسبق إسم العلم المُذكَّر، فهي"جمهورية العراق"، كمكانة البدر في الليلة الظلماء والعُشب الأخضر في التصحّر. وقد أصاب مميت البدعة والميز العنصري- الذكوري، المتصوف"محيي الدين بن عربي" دفين دمشق الشام، إذ قال؛"المكان الذي لا يُؤنث لا يُعول عليه!". وما كان ليحدث التغيير في أميركا التي قدَّمت رئيسها "إبراهام لنكولن" ضحية لإحياء سنة عتق رقيق أرضها البكر التي ارتوت بدم زنجيها الأسود "مارتن لوثر كينج" حفيد العم توم مواطن العم سام، وقدمت أيضاً خلف لنكولن، الديمقراطي الشاب الأوَّل "جون كنيدي" الذي وُلد إبّان ولايته سنة 1961م خلفه الديمقراطي الشاب أيضاً الأسود سيد البيت الأبيض "باراك حسين أسامة أوباما"!. وما كان ليحدث التغيير نثراً بقوَّة (بلاك باراك) الديمقراطية بين العالمين، المشرق القديم العراق، والجديد أميركا، لولا شاعرية (وايت وايتمان) في شعر حر أميركي منفتح، شامل متفائل، في مقاطع مستطيلة ممتدة، تجاوز دهشة تنوع مادة المواضيع ووجهات النظر، مجسدا الروح الديمقراطي لوطنه الأميركي الجديد. كتب "ظـافر غريب": الإنسُ حابوا، بمُحاباة ِ إنس ٍ لإنسْ! بعض ٌ يشدُّ ببعض ٍ، حائط ٌ فوقَ أ ُسُْ يعلو بواجهة ٍ، والآتي فاقَ - بالإتفاق ِ - هوىً إنسانهُ - ليتَ شِعري - بيتَ شِعر ٍ ، والشُّعور حِسْ . . "بيتمان * " فتنمة ٌ، لبننة ٌ، صوملة ٌ، صولة َ صائلُ، وينسحبُ إلهامُ يعتريكَ غُبَّاً، لو جَفاكَ أمسْ إمَّعَة ٌ أمْ ألمعيُّ؟؛ غزو ٌ فيه ِ حرُّ ، غائم ٌ، عائم ٌ، حالم ٌ، ساهمَ الطرف ِ، ذكيّ ٌ عَطِرا ، شجيُّ نجيُّ، خـَطى خـَفِرا؛ ضوء ٌ فيه ِ ضوع ٌ منفعة ٌ في الإنسحاب ِ، سفسطة ٌ فيها جـِناس ٌ فيها طـِباق ٌ ، أرومة ُ الأبوقراطيّ ِ؛ سِحر ٌ ، سِرُّ ، روع ٌ دربهُ، ليل ٌ، أمر ٌ، ظِل ٌ، ضوء ٌ شعَّ، خمر ٌ، نفح ٌ، وفيض ٌ، بيان ٌ، قول ٌ فـِعلهُ يلي. ريمُ ر ِيْ، لو ترتويْ في الواديْ ما روتْ ليْ: دون الروابيَ نطح ٌ، لكز ٌ قلبهُ خليْ ضرع ٌ تضرَّرَ ، تضرَّعَ كأذرع ٍ ، تكوَّرَ ، مثل لسان ٍ يعتريه ِ لَيْ * 1855م، عام الطبعة الاولى من "أوراق العشب" للشاعر الأميركي (وايت ويتمان)، 12 قصيدة غير معنونة في كتيب صغير، فضلا عن مقدمة . الشاعر ويتمان صمم الغلاف ونضد الحروف، ودفع تكاليف المطبعة من جيبه الخاص. أشهر قصائد الطبعة الاولى:"أغني الجسد الكهربيّ"، عند نشره، أرسل نسخة الى ايمرسون Ralph Waldo Emerson، الذي أثنى على هذه القصائد كثيرا ما جعل ويتمان يعيد نشر ثناء ايمرسون في طبعات لاحقة دون تصريح من ايمرسون. خطاب ايمرسون احتوى على السطر الذي اشتهر الآن: أرحب بك في بداية مهنتك العظيمة . بعد سنة، أصدر ويتمان الطبعة الثانية مع 33 قصيدة. على مدار حياته، عدل ويتمان واضاف. الاصدار الذي تركه عند وفاته، ضم 383 قصيدة في 40 مقطعا ممتدا: "النقوش"، "أطفال آدم"، "كالاموس"، "طيور الممر"، "تيار البحر"، "بجانب الطريق"، "نقرات الطبول"، "ذكريات الرئيس لنكولن"، "الجدول الخريفي"، "همسات الموت السماوي"، "من الظهيرة حتى الليل المرصع بالنجوم"، "أغنيات الرحيل". الملحق الأول": "رمال عند السبعين". "الملحق الثاني": "الوداع يا وهمي". كل مقطع مستقل كأنه كتاب بذاته. اشتهر من النسخة الأخيرة قصائد: منها قصيدتان في ذكرى الرئيس لنكولن: "عندما الليلكات يبقين مزدهرات في الفناء" و "رئيسي، يا رئيسي" و "خارج المهد المتأرجح بلا انتهاء"و "أي أنت يا من تمسك بي الآن" و"أميركا" القصيدة التي اختار أن يسجلها بصوته. 36 ثانية مسجلة على اسطوانة شمعية، متاحة على موقع (ارشيف ويتمان) www.whitmanarchive.org/audio/ أميركا هي موضوع ويتمان الأعظم، بيد أنه كتب موضوعات صغيرة، شديدة التنوع، لإنجاز مهمة الامساك بجوهر بلدته. "اسمعُ أميركا تغني" واحدة من قصائده المحبوبة، وخير دليل على تعامله مع الموضوعات المتباينة لخلق بورتريه شامل لأميركا. أسمع أميركا تغني، مختلفَ الترانيم أسمعها هؤلاء الميكانيكيون، كلٌّ يغني ما يعنيه، كما يجب أن يكون، مرحا وقويا النجار يغني ما يعنيه، عندما يقيس اللوح أو العارضة، البناء يغني ما يعنيه، عندما يستعدّ لعمله أو حين يتركه، البحّار يغني ما يعنيه في قاربه، البحّار يغني في طابق الباخرة، الاسكافيّ يغني وهو يجلس على طاولته، صانع القبعات يغني بينما يقف، أغنية قواطع الخشب.. صبية الحِرَاث في طريقها، صباحا أو في استراحة الظهيرة، أو عند الغروب. الغناء الطيب للأم أو للزوجة الشابة في العمل أو للفتاة على ماكينة الخياطة أو الغسيل. كل منهن تغني ما يعنيها، و ما لا يعني أحدا أيضا اليوم الذي يخص اليوم وقت مجيء الليل حفل الرفاق المرحين الودودين يغنون بملء الفم، أغنياتهم الجزلة الشجيّة . استخدم ويتمان في كثير من قصائده، أنواع الناس والمواقف والأشياء. وجعل النقاد يمتدحون طاقاته الخلاقة. قدرته الواضحة على التدوير، خلال مئات الصور متجنباً التكرار لينجز تنوعا وجدة مذهلين. أنافورا Anaphora أداة أدبية استخدمها ويتمان توظف التكرار الذي يحدث في أول كلمة من كل جملة، مثلا كل جملة تبدأ بـ"أيضاً". ليحاكي صيغة الكتاب المقدس، ويعطي عمله شعورا ملحمياً كثيفاً، لكن أيضاً لخلق ايقاعات تخديرية تحل محل المزيد من الشعر التقليدي. شعرية ويتمان تعتمد أيضاً على التحكم الحذر في الصيغ الآمرة ذات الدلالة (وصفت في مقالة Galway Kinnell ) الاستجابة النقدية والجماهيرية على أوراق العشب أتت مختلطة ومربكة.انتقدَ الكتابُ بقسوة لأن شعر ويتمان الحر لم ينطبق على نموذج الشعر الانكليزي الراهن، الذي كان تقليديا في وزنه وقافيته وبنائه. كتب ناقد، من مراجعةٍ نشرت عام 1855 في (لايف ايلاستريتيد): "انه لا يشبه أي كتاب آخر، كُتب حتى اليوم، لذلك فإن اللغة المستخدمة عادةً في متابعة المطبوعات الجديدة غير متاحة لاعطاء وصف له". كتب اHenry David Thoreau: "مذ طالعته، وجدت أني غير مشوش، بتبجح أو أنانية في هذا الكتاب. ربما حرك عند الجميع الأقل من التباهي المتبجح، حائزا الحق في كونه موثوقا به". كتب Mahew Arnold : "بينا تفكر في أن حسنته العليا انه لا يشبه أحدا غيره، يبدو لي أن هذا هو عيبه". مطلع القرن الماضي 20م، عبر "عزرا باوند" عن اعجابه في تعبيرات مختلطة: ويتمان هو أميركا، جلافته رائحة كريهة عظيمة الشأن، لكن هذه هي أميركا، المكان خلو بين الصخور التي ما تفتأ تصدر صدى. لقد أنشد المرحلة الحرجة، الصوت المبتهج بنصره، انه يثير الاشمئزاز، قرص دواء قويّ التأثير، جالب للغثيان، لكنه يؤدي مهمته. مُذ ذاك وردود الفعل على ويتمان تأتي على طرفي نقيض: هذا الكتاب مُنعَ لحسيته عقدا كاملا، ثم امتدح كحجر الزاوية في الشعر الأميركي. في ذكرى مرور 150 عاما، لدى الشعراء والنقاد حب بالغ للشاعر الأميركي، الذي جاء ليشكل أفكارنا عن الديمقراطية الوطنية، والحرية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |