|
أعراس عراقية بتوقيع الإتفاقية
علاء الخطيب / كاتب وأكاديمي عراقي كان صاحبي على موعدٍ مع الاتفاقية وعلى شرط ٍ مع خطيبته فهو منذ أحد عشر شهرا ً وخطيبته تلَّح عليه بأتمام الزواج, وهو يقول دعينا ننتطر قليلا ً ونرى ما سيحدث في أمر الاتفاقية الامنية فسألته ذات مرة وما علاقة زواجنا بالسياسة والإتفاقية؟ ردَ عليها: سأخبرك لاحقا ً حينما يحين الوقت، فجلست تنتظر وتبتهل الى الله أن يحقق أحلام خطيبها التي أحبته، فهي لا تدعو من أجل أمريكا بالطبع ولكن شيئا ً ما كان يراودها وأسئلة تدور في فكرها، هل ياترى خطيبي هذا عميلا ً للأمريكان؟ وهل هو خائن لشعبه ووطنه ؟، لماذا لا يحب العراق وهو الذي نشأ وترعرع فيه؟ وكثير من الأسئلة الأخرى ولكن حبيبها التي تعرفه يذوب عشقا ً بوطنه فهو لا يستطيع العيش بدونه، لأنها سألته ذات يوم عن حبه لوطنه فأجابها أنت والوطن عشق واحد وطني يعني أنت وأنتِ تعنين وطني ثم أردف قائلا ً وهل هناك كرامة للإنسان بدون وطنه أتعلمين أن الحروف الأربعة التي يتشكل منها اسم العراق هي العين والراء والالف والقاف فعين العراق عيوني التي أنظر بها وراءه روحي والالف ألف قبلة ٍ لوجهه والقاف من عراقنا قلبي، وكأنه يردد صوت السياب: الموج يعول بي عــراق والريح تصرخ بي عراق ليس سوى عـراق الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام حتى الظلام هناك أجمل حيث يحتضن العـــراق اذا كان يحمل كل هذا الحب لوطنه, إذن مالذي يجعله متحمسا الى هذا الحد من أجل الاتفاقية لابد وراء ذلك سر ٌ كبير؟ فقررت أن تسير معه للنهاية فشاءت الصدف أن يكون يوم التوقيع هو الخميس فجاءها قبله بأيام وقال لها استعدي للعرس في الخميس ، فقالت له ارجو ان تخبرني عن السر الذي جعلك تنتظر كل هذه المدة وأعادة عليه السؤال ما علاقة الاتفاقية بزواجنا ؟ سأقول لك : أظننتي ياحبيبتي أنني لا أحب وطني!!! أظننت أنني خائن!!!! قالت لا ولكن ليطمئن قلبي, فجَرت دموعه وهو يحدثها فقال: انا أعلم أن أمريكا لم تأتي إلا من أجل مصالحها ولم تغير النظام الساقط من أجل العراقيين فهناك العديد من الدكتاتوريات في المنطقة و امريكا تقيم معها أفضل العلاقات، وأعلم كذلك ما ستجنيه أمريكا من أموال ومواقف إتجاه دول المنطقة ولكن أعلمي إن ما رأيناه في ظل النظام الساقط من الذل والهوان والتشريد وهتك للحرمات وإنتهاك للكرامات ومقابر جماعية واسلحة كيماوية وقتل دون ذنب, و ما مر علينا من مآسي في زمن الإحتلال من تمزيق وطائفية ودمار جعلني أفكر هكذا. و أنني أنتظرت كل هذه المدة من أجل أن لا أجعل مستقبلنا في مهب الريح كما حصل لكثير من العراقيين وهذه بلدان العالم شاهدة على ذلك, ومن أجل أن لا تتشحي بالسواد دائما ً، وأن لا أجعل أولادي يولدون عبيد لا يعرفون معنى الوطن فقد رأيت شبابا ً عراقيا ً ولد و نشأ في المنافي كادوا أن ينسوا لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم فهم عراقيون ولكن لا يحملون الوطن هماً لهم أتعلمين لماذا لأنهم لم يرًّوا العراق ولم يحملوا وثائقه وكان آباءهم يحدثونهم بأن كان لهم وطن أسمه العراق، وفيه حاكم ظالم وعندما يسألونهم الاطفال لماذا لا نذهب الى وطننا في العطلة على عادة المهاجرين والمغتربين ونلتقي بأهلنا، كان الجواب يأتي سريعا لا نستطيع نحن محرومون وممنوعون من الوطن ونخشى من سفاراته فليس لنا علاقة بسفارته لأنها لا تمثل العراقيين بل تمثل النظام وحاشيته, وفرحوا بسقوطه لكن الأولاد استمروا في السؤال لم َ لا نذهب الى الوطن فكان جواب أن الوطن محتل . نحن يا حبيبتي لم نتذكر من الوطن غير المآسي فأرضنا موبؤة بالصراعات والموت، وكان العراقي منبوذ وغير مرحب به ، فدول الجوار ياعزيزتي منشغلة ٌ ببناء الدور و العمارات وتعمير الشوارع وإنشاء المتنزهات وملاعب الاطفال، ونحن إنشغلنا بحفر القبور وتشييد المقابر وأتقنا صناعة البكاء والحزن والطائفية وكاد وطننا ينزلق الى الحرب الأهلية لولا عناية الله التي أبعدت عنا هذا الامر، فقالت له مستغربة ومتعجبة : أتعني أن أمريكا ستوفر الامان والاعمار والرخاء للعراق ؟ فتبسم من قولها وقال لها بالتأكيد لا، أن العراق لا ينهض إلا بسواعد أبنائه المخلصين وهمة رجاله الطيبين،ولكن الذ ي حدث في السنين الماضية يثبت أن الوفاق الوطني مفقود في العراق وان بقايا البعث متربصة والبعثيون الجُدد متأهبين لأن تعود الدكتاتورية لأن الكثير من السياسين يحملون عقلية السلطة وثقافة القمع والاقصاء والمزايدات ونحن نحتاج الى مزيد ٍ من الوقت لكي نتصالح, وما جرى من دماء وتأجيج لثقافة الكراهية خير دليل على ذلك، لقد كنا نخشى أن تنسحب القوات والامريكية وتقسَّم بغداد لا بل كل المحافظات هذا نوع الدواء المر ولكن العلاج أهم، نعم ياعزيزتي انا ممن لا يرحبون بالمحتل و لا أحب أن أراهم في العراق إلا سائحين وضيوف إلا أننا رضينا بأسوء الحلول وأهون الشرور . من يحب ان يكون بلده محتلا ً ؟ ومن يحب أن يكون منقوص السيادة في وطنه؟ لا أحد بالتأكيد. ولكن كما يقول المثل العراقي ( أشجابرك على المر غير الأمر منه) لقد عبرت ياحبيبتي الحروب من دماءنا الى الفراغ, لقد آن الآوان ان نزرع البسمة على شفاه أطفالنا وأن نعمر وطننا، نعم الآن ستثق الشركات العالمية بالعراق وستأتي لأعماره والآن نحلم أن يكون العراق خارج البند السابع الذي كبل به من قبل النظام الساقط نتيجة غزوه للكويت، والآن نحلم بالحب ونحلم بزوال الاحتلال وخروج قواته . لقد رسمت هذه الاتفاقية خارطة طريق لأنهاء الاحتلال وترسيخ الديمقراطية، أن جدولة الانسحاب تعني أننا سوف نحرر عراقنا من المحتل، والان يمكننا القول أن العد التنازلي لزوال العبودية قد بدأ، وقد ظهرت بدايات التحرير فأنا أحلم ان يناديني ولدي( بابا) والعراق حر معافى, فلا أريد له ان يولد عبدا ً كما ولدت، لقد عشنا انا وأنت هذه المعاناة الظلم الداخلي والاحتلال الخارجي, نعم عزيزتي لهذه الاسباب أجلت العرس حتى يصبح العراق محرراً ويكون بيد أباءه, ولهذه الأسباب ستكون هناك أعراس عراقية, وللحديث بقية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |