|
توقيع الاتفاقية الامنية لمصلحة من؟
محمود الوندي لعل تكلم عن الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية هو موضوع أكثر أهمية بين العراقيين هذه الايام ولا سيما المثقفين الى درجة دفعتهم الى المتابعة والكتابة حسب ما يراه وجهة نظرهم ، ومن خلال متابعتي وقرأتي لكتابتهم تبين بان اكثرهم يحث على الموافقة ويعتبرونها لمصلحة العراقيين ويكون يوماً تاريخياً حاسماً في تاريخ الانسان العراقي . خلال الأيام الماضية لقد شاهد الشعب العراقي على شاشات التلفاز التي كانت تبث على الهواء مباشرة وقائع جلسة مجلس النواب في أروقة البرلمان التي شهدت التصويت على وثيقة الاصلاح السياسي واتفاقية انسحاب القوات الاميركية من العراق . حيث صوت البرلمان العراقي بالاجماع الكبير بنعم للاتفاقية الأمنية العراقية - الأمريكية اي حصولها على اكثر من ثلثي اصوات مجلس النواب ، وهذا يدل على النضوج السياسي لدى الاغلبية . بعد ان اظهرت الخلافات والمواقف المتفاوتة بين النواب بشأن الاتفاقية المذكورة ، والمناقشات حولها ، خلال اليومين الماضيين ، وفي نهاية المطاف كان النصر إلى جانب الحياة والديمقراطية وفق منطق حتمية التاريخ ، لأن اقرار اتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق كان قرارا عراقيا من اجل مصلحة الشعب والوطن وضمان سلامة النظام السياسي الديمقراطي في العراق وهو امر مرحب به .. وهكذا انتصر الحق على أولئك الذين يقفون دائما حجر عثرة أمام مسار التاريخ ، فجميع هؤلاء استماتوا في محاولاتهم اليائسة لمنع تمرير الاتفاقية لأنهم يخشون ردود فعل تهدد مستقبلهم الانتخابي . لقد حاول نواب التيار الصدري ، وحلفاؤهم من البعثيين القدامى والجدد ( الذين يعانون من عزلة سياسية خانقة بفعل مواقفهم المكشوفة والهزيلة ) لعرقلة هذه الاتفاقية بشتى الوسائل . وهم يتقافزون كالسعدان على مقاعد البرلمان و يهتفون كالأطفال بشعارات بالية لا تغني و لا تسمن شعبا و لا وطنا لا من ظمأ و لا من جوع . فيا عجائب وغرائب تحول هولاء المجرمين وملطخة أياديهم بدماء العراقيين وبقدرة قادر من رافضين لإتفاقية سحب القوات الأجنبية من العراق بأعتبارها تمس بسيادة العراق ولم تصب في مصلحة الوطن و تكبل العراقيين بأغلال العبودية ، وأعلنوا بصراحتهم أنهم سوف لن يصوتوا للاتفاقية بحجة أنها تمس بالسيادة الوطنية وهم يرفعون لافتات ترفض الاتفاقية وينباكون بدموع التماسيح على سيادة العراق ، كلنا نعرف هولاء الناس لم تكون لهم مواقف وطنية ولا صلة لها بالسيادة والاحتلال والاتفاقية من قريب او بعيد ، بقدر اهتمامهم بتحقيق مكاسب فئوية وشخصية على حساب الشعب والوطن ، وهم يرمون الى الحفاظ على اقدامهم في السلطة فقط . فيما يغيب عن بالهم ان الاتفاقية شأن وطني عام . ان التفكير والعمل والتحرك بأطر وزوايا وسياقات واجندات فئوية ضيقة لايعود بأي نفع او فائدة على العراق ، كوطن وشعب . والأغرب من ذلك الذي جرى تحت قبة البرلمان الا انه أمر معيب ومدهش ولا صلة للديمقراطية بأي علاقة ، حيث شاهدنا مناقشة الاتفاقية وكيفية استغلت امام مطالبات كثيرة من قبل البعض، برغم لا علاقة الإتفاقية بهذه المطالبات او التغييرات القانونية ، وانهم يعلمون قبل غيرهم فهذه قضايا يحسمها الدستور وليست الإتفاقية، ولا تلغى هذه المواد إلا بآلية دستورية حسب ماينص عليه الدستور العراقي ، ولكنهم انتهزوا الفرصة عملية التصويت في البرلمان حول مشروع إتفاقية سحب القوات الأمريكية ، ومارسوا لعبة الابتزاز السياسي والمساوة مع الحكومة ، عندما أعلنوا بعض الكتل النيابية شروطا مقابل التوقيع على الاتفاقية ، اذا تمت الاستجابة لمطاليبهم التي تنطوي علــى مكاسب سياسية وحزبية للمطالبة بإطلاق جميع السجناء ومنهم الإرهابيون والقتلة وإلغاء قانون المساءلة والعدالة ( اجتثاث البعث سابقا ) دون تدقيق وتحقيق والغاء القضاء القائم بمحاسبتهم بما أجرموا بحق ابناء شعبنا دون وجه حق وعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن وعلاوة على تخريب البنية التحية للبلاد ، وكأن تخريب الوطن لا تهمهم ، ودماء الشعب العراقي من ضحايا أمس واليوم لا تعنيهم ، ما لم تستجب الحكومة لمطالبهم ليس يصادقون على الاتفاقية... هولاء يريدون من خلالها في الحصول على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة وتحت ستار مطاليب الاصلاحات السياسية والمناداة بالوطنية . ومن هنا يكشف المعدن السيء لهؤلاء السياسيين الانتهازيين الذين يصدق عليهم قول الفيلسوف إفلاطون حين يصف الرجال فيقول (( لا يمكن أن نصنع رجالا ذهبا من مواهب نحاسية )) . كلنا نعرف بان الاعضاء داخل برلمان تشريعي في دول العالم المعاصر غالبا يضم نخبة من الشخصيات المعروفة التي تمثل المجتمع ما تكون مستندة الى مواقف وطنية وإنسانية وفكرية ، والبلد الذي انتخب مواطنيه وأوصله إلى مكانته الحالية ومنحه وصف نائب برلماني وعبر آليات الديمقراطية المعروفة ، يجب ان يكون وفيا ومخلصا لوطنه وخادما امينا لشعبه من خلال البرامج الذي قدمه فبل الانتخاب . اذا كان الاختلاف في المواقف والتوجهات السياسية امر طبيعي ولكن دون مزايدات ، فأن حدود الاختلاف وسقفه لابد ان يكون محدد ، ولابد ان تكون هناك نقاط تحسم عندها القضايا المختلف عليها وتتخذ على ضوئها القرارات ، وترسم السياسات للمصالح والثوابت الوطنية ، التي ينبغي ان تؤشر الى المواقف الصحيحة والسليمة والصائبة . وعلى خلاف ذلك أن البعض من هؤلاء النواب الذين أنتخبهم الشعب العراقي لا يستحقون عضوا برلمانيا (واضح على انهيارهم الاخلاقي وفراغهم الفكري وخوائهم العقلي) ولا يستحقون بكل هذه مزايا لم يحلم بها في حياتهم بل لا يستحقون أن يكون عضوا في أي مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني او الديمقراطي في الدولة العاصرة لانهم لا يؤمنون بديمقراطية وفدرالية العراق ولا بحقوق الاقليات والطوائف ولا بحقوق المرأة . فأصبحت المعركة هي معركة مصير بين خيرين واشرار ، معسكر الخير هم أنصار الديمقراطية والإنسانية ومعسكر الشر هم دعاة الموت وعودة حكم الدكتاتورية لتدمير احلام الشعب العراقي . وأخيرا انتصرت إرادة الشعب العراقي وقرر مواصلة مسيرته الحضارية في إلحاق الهزيمة بالإرهابيين والميلشيات الاسلامية وفلول البعث وعصابات الجريمة المنظمة . ومن الواضح هذه الإرادة الخلاقة يستهدف اقامة دولة مدنية عصرية في العراق وتقوم على اسس الموطنة والتعايش السلمي بين ابنائها والشروع ببناء دولته الحديثة الديمقراطية القانونية الدستورية المزدهرة بدون المحاصصة وليس الخوف من الآخر والتعامل مع الجميع مكونات شعبنا على مستوى واحد من الحقوق والواجبات وبناء القوات المسلحة على اسس مهنية غير سياسية . وقيام بعملية اصلاح بحاجة ماسة اليها المواطن العراقي وتضمن اصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي لكي يشعر ابناءنا بنتيجة فعلية من كل الحراك السياسي من خلال توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولايات الامريكية المتحدة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |