|
الاصلاح السياسي في العراق .. هل هو ممكن ام مستحيل
منصور قابيل كشفت التطورات المرتبطة بقضية الاتفاقية العراقية ـ الأميركية عن حقائق مرة في المشهد السياسي العراقي.. ففي الوقت الذي سعت فيه قوى معروفة، وفي مقدمتها جبهة التوافق ومحورها الحزب الإسلامي العراقي، لأنْ تكون الكلمة الفصل بخصوص الاتفاقية بيد الشعب العراقي. فقد سعت كذلك لأنْ تعيد ضبط العملية السياسية، وتعيدها إلى سكة الديمقراطية والشفافية والتوازن والعدل، وتبعدها عن مهاوي الدكتاتورية والمكاسب الطائفية الضيقة وغير الشرعية التي يدعي أصحابها بأنهم لن يتخلوا عنها. إنّ من أبرز مظاهر العملية السياسية العراقية، ذلك الإصرار العجيب من قبل رئيس الوزراء على تأكيد نهجه وتوجهاته الطائفية، ومواصلة مخططه لسحق القوى السياسية الأخرى وتهميش من يبقى منها، وأظهر حباً شديداً عجيباً للتفرد بالسلطة، وتملص دائم من أية التزامات يقدمها لمختلف حلفائه، ولو كانت على حساب جثث الآلاف من أبناء العراق. يردفه في النهج ذاته فريق المحيطين به، الذين يبدو أنهم، لا يقلون نهماً وحباً للتسلط والإنفراد. في مقابل ذلك دأبت القوى الأخرى وفي مقدمتها التوافق، على أنْ تثبت وتنتزع حقوقاً ومطالب والتزامات تنصلت منها القوى الطائفية المتنفذة في الحكومة، وقد أكدت مسيرة الوضع العراقي أنّ الكثير منها يمثل حلولاً حقيقية للمأزق العراقي، في ظل غياب الثقة التامة بينها وبين المالكي، فهي من تجربتها تجد أنّ المالكي قطع لها أغلظ الإيمان على أنْ يلتزم بكذا وكذا..الخ ، وتعلمون ماذا يعني ذلك..!! ولنبدأ بطرح مطالب التوافق التي تم إدراجها في وثيقة الإصلاح السياسي.. فالتعديل الدستوري كان يفترض أن يجري بعد مرور أربعة أشهر من بدأ العملية السياسية عام 2006، وهو ما لم يتم حتى الآن، ومنذ ذلك الحين برزت علامات استفهام كبيرة أمام السلوك السياسي الذي انتهجه رموز الائتلاف العراقي الموحد. أما المصالحة الوطنية، التي روجت لها الأجهزة الدعائية التابعة للمالكي، فقد كشفت الأيام أنها لم تكن لا مصالحة ولا وطنية، وإنما تحولت إلى عملية منظمة لاكتشاف جوانب القوة لدى الأطراف الأخرى، ومن ثم ضربها الواحدة بعد الأخرى، لإضعاف نفوذها. وعندما قبل المالكي بمشاركة قوى وطنية في حكومته، فإنه لجأ إلى أسلوب التضليل والإيهام والوعود الزائفة، وفي الوقت الذي كان يؤكد لها حرصه على تحقيق مشاركة حقيقية، فإنه انتزع منها كل الصلاحيات، ويكفي سؤال وزراء القوى الأخرى عن ذلك. فانتزع منهم كل صلاحياتهم القانونية، ولم يعد بمقدورهم تعيين ولو مستخدم واحد. وأغلق أمامهم أية إمكانية لإجراء توازن وطني داخل تلك الوزارات.. والواقع أكثر مرارة في المؤسسات العسكرية والأمنية، حيث تم تنفيذ سياسة منظمة لعزل أبناء السنة من مختلف المواقع في الجيش والشرطة، فضلاً عن عدم شمولهم في وزارة الأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب المقتصرة على طائفة واحدة، بل أنْ رهط رئيس الوزراء التفتوا إلى جهاز المخابرات عبر عملية دمج الميليشيات وإقالة العديد من ضباطها الخبراء، وأبرز من تم عزلهم نائب رئيس الجهاز محمد الجبوري. وقس على ذلك في القبول بالمعاهد والكليات العسكرية وأكاديمية، ويشير أحد المطلعين في كلية الدفاع الوطني أنّ الدورة الأخيرة للكلية شملت ( 14 ) شخصاً منهم ( 12) من الشيعة و( 2 ) من الأكراد..فيا له من توازن وطني..!! أما قانون اجتثاث السنة ( عفوا ما يطلقون عليه اجتثاث البعث ) الذي تحول إلى المساءلة والعدالة، فإنه رغم محاولات تزيينه وإخراجه، فقد أضحى واضحاً بأنه ليس أكثر من وسيلة مقننة للانتقام من الأبرياء لأغراض سياسية، فضلاً عن الانتقائية في تطبيقه، بحيث يستثنى من يريدونه بناء على توصية حزبية وطائفية، في حين تم اجتثاث المئات من أبناء السنة، من الوطنيين والمهنيين والخبراء، وأحلوا محلهم عناصر الميليشيات. وعندما اتجه المالكي نحو احتكار الصلاحيات، فإنه التفت إلى صلاحيات رئاسة الجمهورية، وعمل بكل طاقته للتجاوز عليها وتجريدها من تلك الصلاحيات، بالرغم من أنّ الدستور ينص على أنّ السلطة التنفيذية تتكون من فرعين هما رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء. والكارثة الكبيرة تكمن في الالتفاف على القانون (19 ) الخاص بإطلاق سراح المعتقلين، فحسب معلومات مجلس القضاء الأعلى، فإنّ المشمولين بهذا القانون يتجاوز (123 ) ألف بين معتقل ومطلوب، ولكن كم هو عدد الذين تم الإفراج عنهم منذ أكثر من عام، إنه لا يتجاوز الألف إلاّ بقليل، في الوقت الذي واصلت فيه الأجهزة الحكومية اعتقال الآلاف من الأبرياء بمختلف التهم. ولجأ المالكي إلى أسلوب الضرب تحت الحزام، فدفع أجهزته الأمنية إلى استهداف العناصر القيادية من الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، وفي مقدمتها الحزب الإسلامي في محافظات بغداد، البصرة، ديالى والموصل، وبحجج واهية معتمدة على ما تسميه معلومات المخبرين السريين، متهمة إياهم بشتى التهم وفي المقدمة منها تهمة الإرهاب، والهدف كان واضحاً وهو إفراغ مناطق معينة من المنافسين المحتملين في الانتخابات المقبلة، وفسح المجال أمام مؤيدي المالكي لملء الفراغ فيها. أما موضوع المهجرين في الداخل والخارج، الذي كان يفترض بالحكومة أنْ تجد له حلولاً ـ حسب ما تقوله في دعايتها الرسمية ـ فقد شهد تراجعاً ملحوظاً، بحيث لم يرجع من المهجرين والمهاجرين إلاّ عدد صغير لا يتناسب مع الحجم الضخم للمهجرين. بل حتى هذا الملف أخضع لتقييمات طائفية مقيتة، فالمهجرين من الطائفة (س) لا يكادون يحصلون على شيء إلاّ بشق الأنفس، بل ويتم اعتقال عدد كبير منهم عند عودتهم إلى مناطقهم الأصلية بمختلف الذرائع التي يأتي بها المخبر السري، ولا يتم الالتفات إلى شكاواهم ومعاناتهم، في حين تقدم كل التسهيلات للمهجرين من الطائفة (ش) ويعتمدون عليهم كمصادر للمعلومات الكيدية لاعتقال أبناء السنة في مناطق مثل حي العدل والجامعة والعامرية والغزالية والسيدية والفضل...الخ. وحال المؤسسات التي يفترض أنها تقدم خدمة اجتماعية للعوائل المنكوبة، مثل مؤسسة الشهيد التي لا تعترف بحق لأحد إلاّ لمن كان من الشيعة فالشهداء درجات.. ألا بئس ما قادتكم إليه عقولكم المريضة من ظلم وباطل..!! وقس على ذلك ما يعانية الخريجون من أبناء السنة في مختلف التخصصات وفي مقدمتها التربوية والصحية، حيث التمييز الطائفي واضح لا يحتاج إلى برهان. وذلك التمييز بارز أيضاً في تقديم الخدمات البلدية في مختلف أحياء بغداد.. ولا أقول أنّ جميع الأحياء الشيعية تتمتع بالخدمات، ولكن ما استطاعوا توفيره منحصر في بعض مناطقهم فقط. والضغط الأمني على مناطق السنة مستمر منذ خمس سنوات. والتستر على المجرمين من القتلة وسراق المال العام وتعطيل عمل هيئة النزاهة الوطنية ومنعها من التحقيق معهم أصبح سياسة ثابتة لحكومة المالكي منذ إجبار القاضي راضي الراضي على مغادرة العراق. هذا غيض من فيض، وإذا أراد القراء أنْ يستمروا في استعراض ميادين الفساد والظلم فما على القارئ إلاّ أنْ يستذكر أي ميدان ويطالب المراقبين باستعراض الحقائق حوله، وسيأتيه شريط مفصل بالحقائق المرة.. بعد كل ذلك ألا نعذر التوافق وحزبها الإسلامي من الإصرار على إصدار وثيقة الإصلاح السياسي..؟؟..!!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |