كيف يصدق العراقيون حكومة أمريكا التي كذبت عليهم وعلى شعبها والعالم؟

 

د. حامد العطية

hsatiyyah@hotmail.com

  هنالك شبه اجماع عالمي على كذب حكومة أمريكا، وأول الشهود على هذه الحقيقة الشعب الأمريكي، الذي تؤكد استطلاعات الرأي العام الواحدة بعد الأخرى انخفاض ثقته بمصداقية الرئيس بوش وإدارته إلى الحضيض، وقبل شهور قال البريطانيون والأستراليون وغيرهم بأن المعلومات التي قدمتها الحكومة الأمريكية لإقناع حكوماتهم بالمشاركة في احتلال العراق غير صحيحة، وبالأمس اعترف بوش بأنه كذاب، ملقياً باللائمة على أعوانه الذين زودوه بمعلومات ملفقة.

    كذبت أمريكا لاقناع مجلس الأمن الدولي بمنحها الضوء الأخضر لاحتلال العراق، وكلنا نتذكر التقارير وصور الأقمار الصناعية، التي قدمها الأمريكيون لإثبات امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، ولكن برهنت نتائج سنوات من البحث والتفتيش على طول وعرض العراق كذب ادعائهم، وحاولت أمريكا التملص من هذه الأكذوبة بإلصاقها بالمعارضين العراقيين، فزعمت بأنها كانت ضحية خدعة كبيرة دبرها المعارضون العراقيون، ولو قبلنا بصحة ادعائهم بأن المعارضين ضللوهم فهل نصدق بأنهم  قبلوا بهذه المعلومات من دون تمحيص وتدقيق؟ كما أن بعض المعلومات مثل الصفقة المزعومة بين العراق ودولة أفريقية لشراء كميات من اليوارنيوم  مصدرها المخابرات الأمريكية نفسها، والواضح بأن أمريكا كذبت على مواطنيها والعالم أجمع ، وعندما افتضحت كذبتها لفقت كذبة أخرى لتغطيتها.

    لم تصدق أمريكا في  دعواها بوجود ارتباط أو تنسيق بين النظام البعثي الطاغوتي والإرهاب السلفي، فالنظام البائد مدان بأفظع الجرائم بحق شعبه وجيرانه، لكنه بالتأكيد لم يكن بحاجة لمعونة الإرهابيين السلفيين لتنفيذ جرائمه، وقد اضطرت الحكومة الأمريكية نفسها للاعتراف بأن لا صلة بينهما، وهكذا سقطت ذرائع أمريكا لاحتلال العراق.

   لكن ماكنة الكذب الأمريكية لا تتوقف عن العمل وانتاج الأكاذيب، فما أن سقطت أسباب احتلالها للعراق حتى اختلقت ذرائع جديدة، ومن أبرزها إرساء نظام ديمقراطي في العراق وتحقيق الأمن لسكانه وتنمية اقتصاده وتحسين أوضاع العراقيين المعيشية، فهل صدقت وعود أمريكا؟ من المؤكد بإن النظام السياسي الذي فرضته أمريكا بتواطء بعض الساسة هو ديمقراطي بالاسم فقط، فالسمة الأساس للنظام الديمقراطي الحق هو حكم الشعب من خلال صناديق الإقتراع  والرقابة على السلطة التنفيذية من خلال ممثليه، ولا شك بأن نواب الشعب منتخبون ولديهم سلطة دستورية لاختيار ومحاسبة الحكومة، لكن أثبتت الحقائق أن تمثيل العملية السياسية لإرادة الشعب وهمية، بسبب إملاءات سلطة الإحتلال، وإخلاف بعض أعضاء البرلمان لوعودهم الانتخابية، واتهام بعضهم بتخريب العملية السياسية بتحالفهم  مع الإرهابيين والدفاع عنهم علناً، كما أخفقت الحكومة العراقية في تحقيق وعودها بتحسين الخدمات، لذا تدنت ثقة المواطنين العراقيين بالعملية السياسية، مما يتوقع إنعكاسه سلباً على مشاركتهم في الانتخابات المقبلة، ويشجع على ظهور إنشقاقات في التكتلات السياسية المشاركة في الحكومة، ويحمل العراقيون الإحتلال الأمريكي جزءاً كبيراً من المسئولية عن تشوه النظام الديمقراطي وتدهور العملية السياسية وانخفاض كفاءة الأداء الحكومي، ويعتبرونها أدلة إضافية على الكذب المتعمد للإحتلال الأمريكي.

       ترك قرار إدارة الإحتلال بحل الجيش العراقي البلاد من دون قوة عسكرية نظامية، لذا كان لزاماً عليها وليس تفضلاً منها المساهمة في تأسيس جيش جديد بدلاً من الجيش المنحل،     ووعدت حكومة أمريكا بتطوير القوى الأمنية العراقية، وقالت بأنها رصدت لذلك المليارات من الدولارات، وكلفت الألاف من خبراءها العسكريين بتدريب المتطوعين العراقيين في الجيش والشرطة، واستعانت بالشركات المختصة، وبعد مرور خمس سنوات على اطلاقها ذلك الوعد تقر الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية بأن الجيش العراقي غير مستعد تماماً لتولي مهامه الأساسية، ومن المعروف للجميع بأن معظم فرق الجيش والقوى الأمنية التي يقدر عديدها بنصف مليون مكونة من المشاة المزودين بأسلحه خفيفة، بل إن مستواه التسليحي أدنى وأقل تنوعاً من الجيش العثماني في القرن التاسع عشر، فما يمتلكه الجيش العراقي من دبابات ودروع غير جدير بالذكر، وليس لديه قوات مدفعية أو جوية أو صاروخية أو بحرية، وعندما تكون هذه الحصيلة الهزيلة نتاج كل تلك الجهود التي قيل بأنها خصصت والأموال الطائلة التي ادعوا بأنها صرفت والمدة الزمنية التي انقضت فالتفسير الوحيد هو أن وعد إدارة الإحتلال بإنشاء جيش عراقي كاذب، بل لعلها أكبر خدعة أمريكية مفضوحة.    

      حكومة أمريكا متهمة بخداع العالم برمته، فالازدهار الاقتصادي الذي تبجح به الرئيس الأمريكي تبدد بأسرع من غمامة صيف، والحرب على الإرهاب الذي وعد بأن تكون حاسمة وسريعة لا يبدو بأن لها نهاية عاجلة، وتبين بأن أمريكا لا تكترث بنشر الديمقراطية كما تدعي وإنما بتعزيز نفوذها وحماية حلفائها.

      يستدل على إيمان الفرد بصفاته، ومن صفات المؤمن أن لا يلدغ من جحر مرتين، وإذا أتاه فاسق بنبأ يتبين صدقه من كذبه، ومن الواضح بأن هاتين الصفتين المميزتين للمؤمنين غير متوفرة في الحكومة وأعضاء البرلمان العراقي الذين صدقوا كذب أمريكا وأبرموا الاتفاقية الأمنية.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com