العراق... من هيمنة الفرد (الدكتاتور) إلى حقوق الفرد (المواطـن)

 

سهيل احمد بهجت

    sohel_writer72@yahoo.com

لقد أوجد الكائن البشري على الأرض نظاما متكاملا – أخلاقيا قانونيا سياسيا – وذلك بفعل ما يملكه من إحساس بالتجربة وحيويتها في خلق وعي يفرق بين ما هونافع ومفيد وبين ذلك الذي أصبح نظاما باليا وغير قابل للتطبيق، وإذا كان البعض من المفكرين "الدينيين" يشكك في قيمة التجربة بحجة أنها تقوض الإيمان الديني وبالتالي يخلطون بين التجربة كحالة من التمرن على الوعي والارتقاء بهذا الوعي نحوالأفضل والأحسن، متناسين أن مجال التجربة كمؤثر على الواقع يختلف عن مجال الدين، فاليقين الديني له أيضا تجربته الخاصة ومجاله الاستكشافي المحصور به، فمثلا حينما يقول القرآن ((واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين)) فإن ذلك يعني أن يعيش المؤمن تجربة روحية معينة تجعله يتجاوز الحالات الروحية الواحدة تلوالأخرى، وكما يصفها المتصوفة بالمراتب والمنازل الروحية وكما يقول المسيح في الإنجيل: إلهي لا تجعلني أخوض تجربة.." ونحن استشهدنا بالنص الديني لنبين لأؤلئك الذين يخلطون الدين بالسياسة – والسياسة لها تجربتها المنفصلة عن الدين – بأن التجربة الدينية مختلفة كليا عن التجربة السياسية التي تتعلق بالعالم الزمني المادي.

والآن ونحن كعراقيين نعيش "تجربة" جديدة قائمة على التعدد والحرية والديمقراطية، فإن علينا أن ننتبه إلى أن هذه التجربة تسير نحوالرقي رغم الأخطاء بفعل التجربة التي تنمي الوعي باللحظة وظروفها المحيطة بها وكيفية إضافة المزيد إلى هذا الوعي، فقد عشنا مرحلة الهيمنة للدكتاتور الإله الذي تنفذ مشيئته فوق أي شيء آخر والذي كان يتحكم بكل شيء – لا راد لقضاءه – بمعنى أنه أعطى نفسه صلاحيات الإله، وانتقلنا فجأة إلى حالة الفوضى وفقدان الدولة – لا القانون لأن القانون لم يكن موجودا أصلا أيام الطاغية – وتفتت الهوية العراقية التي كانت ملتهبة أصلا.

هنا تنامى الوعي لدى الإنسان العراقي، خصوصا النخبة المثقفة، مدركين عبر تجربتين مرّتين أن الحالة الوسطية بين استغلال الدولة للفرد وبين الفوضى ودكتاتورية الأقاليم والفدراليات هوبناء توازن متين، كأي دولة فدرالية حقيقية، يقوم على حماية الفرد أولا وضمان حرياته مقابل دولة قوية ذات صلاحيات واضحة لا شك في حدودها، وإن كانت الأمور ستستمر من حيث الدراسة والبحث في كيفية تنظيم هذه العلائق الحيوية كون التجربة تثبت نفسها بنفسها وبمعنى آخر فإن الوعي لا يتطور إلا من خلال رؤية ولمس الخطأ ومن ثم يكون من الأسهل معرفة كيفية معالجة هذا الخطأ.

إن الإنسان العراقي عموما لا يزال يعيش حالة الانتماء الهامشي والفرعي أي إلى العشيرة والمنطقة والقومية وحتى الدين – إذا ما تحول الدين إلى التدخل في الشأن السياسي – بالتالي فإن العراق والعراقية كهوية لا يمكن أن تتطور إلا من خلال خلق واقع شعوري يمكن للمواطن من خلاله ضحالة وتخلف كل الانتماءات الجانبية، وهذا لا يتم من دون جعل الفرد والفرد وحده غاية للدولة، لإن تحويل أي قومية ومذهب ودين وطائفة غاية – مع الفرد وبدونه – سيخل بتوازن العراق مرة أخرى ومن ثم نعود إلى الوراء في التناحر والصراع والتناحر، كما أن الفدرالية القومية والطائفية ستحطمان العراق لا محالة وتعيقانه عن التحول الفلسفي ليصبح العراق مظهر العقل العراقي "الفــرد" الخلاق الذي هوأحب المخلوقات إلى الله، بل هوغاية الله – الله والإله هنا هوإله كل الأديان ولا ينحصر في دين وعقيدة – وهذه الدولة هي الضامن الوحيدة لراحة ورفاهية الإنسان العراقي.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com