|
العراق .. من ارهاب البعث الصدامي الى الارهاب الديني .. "الخوف .. اول امهات الالهه" لوكريش
علي بداي حين تهاوت اعمدة النظام في العراق عام 2003، كان اكثر من 90 بالمئة من العراقيين ( بما فيهم قطاعات واسعة جدا من البعثيين) مستعدين لتأييد حكومة وطنية، ذات برنامج مدني ، تطويري ، تستثمر موارد البلد الهائلة، وتعيد الكفاءات العراقية المتناثرة في العالم، وتبدأ بتثبيت اسس دولة المواطنة. ليس في الامر مبالغة اطلاقا، فقد كانت اولى اولويات العراقيين وقتذاك هي ان يرفع الحصار، وينهى مسلسل الحروب، وتنتهي العزلة التي انتهت اليها البلاد بعد غزو الكويت، وكانت امنية مكبوتة لمئات الالاف من البعثيين ان يجود الزمان بمن يقطع ارجل الاخطبوط الذي التف على اجسادهم، اذ ان من المعروف عراقيا للجميع ، ان الدخول الى حزب البعث كان امرا اجباريا والخروج منه كان امرا مستحيلا، وضمن هذين القوسين كانت دوافع المنتمين له تتراوح بين غريزة البقاء في الحياة وتجنب مناطحة الحكومة، اوتحقيق امتيازات وظيفية معينة وصولا الى الفئة الاقل عددا و الاكثر تطرفا وانحرافا عن القيم الاخلاقية وهي الفئة المشتغلة باجهزة القمع المختلفة. بمعنى من المعاني، كانت قاعدة صدام حسين المستعدة للدفاع حتى الموت عنه، ضيقة جدا ولاتكاد تتعدى مجموعة ارتبط مصيرها بمصيره ، فكل العراقيين كانوا مادة اختبار في وطن صدام حسين، وكل هؤلاء كانوا يعرفون ان لادولة في العراق، ولاحزب حاكم، ولا مجلس وطني، ولا مجلس وزراء بل كان شبح صدام حسين المرعب هو من يحكم ، شبح الشك والاذان المفتوحة لالتقاط صوت الافكار وهي في ادمغة اصحابها، وكان اقرب المقربين من صدام يضع يده على قلبه حين يستمع لخطاب من لسانه الذي لايكف عن التلميح بالمصير المحتوم الذي ينتظر من يتجرأ على التفكير بدولة بدون صدام، وفي اعقاب كل خطاب كان الكل يسأل : من تراه سيكون الضحية القادمة؟؟؟ كانت فرصة التاريخ قد لاحت في الافق اول مرة بعد هزيمة نظام صدام في ام المعارك ، وشهدت تلك الفترة انسلاخ طبقات احاطت بالنظام وحمته فترة طويلة، ولو توفر منطق وطني معارض عقلاني انذاك ،لاستطاع كسب القوى والفئات المترددة والمتوجسة من التغيير وصولا الى عزل النظام بحلقتة الصغيرة الملتفة حوله ،كانت فرصة التاريخ كي يبدا العراقيون بجرف رماد الحطام دون الحاجة لحرب امريكا ،وكانت فرصة امام المجتمع لان يقف امام الخطا الكبيرالذي ادى الى ان يقف بلد غني على قائمة الدول الاكثر فقرا،وشعب عرف باباءه وكبرياءه في طوابير المساعدات الدولية ودول اللجوء . ولكن ماذا حصل؟؟ لقد طوحت الشعارات والصور الطائفية التخويفية باولى محاولات العراقيين لتغيير النظام في عام 1991 وادت الى اظهار الانقسام الطائفي المناطقي واضحا لاول مرة. وخلال فترة اعادة انقضاض صدام على المنتفضين وسريان مفعول الحصار الاقتصادي استغلت الاحزاب الدينية الطائفية التحلل الاجتماعي وتفسخ النظام والدولة لتنسج عبر مساجدها التي لاتحصى خيوط شبكة الخوف، يساعدها واقع العوز والفقر المادي والروحي الذي تغرق فيه ملايين الناس ملمحة الى ان كل هذه المأسي التي مرت على البلاد كانت \" انتقاما من علي بن ابي طالب واولادة الذين نكل بهم اسلاف العراقيين\"، وهو اتهام باطل من جانب المؤسسة الطائفية بحق علي بن ابي طالب ذاته اذ انها تحمله مسؤولية الدمار الهائل الذي حل بالعراق كنتيجة لسياسات ارضية بشرية لاعلاقة لها بالسماء وحين اتت امربكا ،تخندقت احزاب الشيعة الطائفية خلف صورقادة احزابها، مطالبة باعادة تصحيح التاريخ والغاء نتائج بيعة السقيفة التي حدثت قبل الف واربعمائة سنة لانها انتخابات مزورة لم تستوف الشروط المطلوبة ! وبسبب من القصور الفكري لاحزاب الاسلام السياسي وافتقارها الى مفاهيم وطنية واقعية خا رج نطاق الشعائر الدينية ، اختصرت مشاكل العراق جميعها بقضية حرية التعبير عن الشعائر الدينية مستخدمة للوصول الى اهدافها كل اشكال التحويف الديني. وخاضت احزاب الاسلام الطائفي السياسي الانتخابات الاولى والثانية باطلاق موجة تخويف وارهاب هائلتين طالتا الملايين الشيعية مدقعة الفقر، ملوحة بيوم الحساب وعذاب الذين لا يبايعون علي في يوم الغدير، وتجرأت هنا الطائفيات الشيعية على التطاول مرة اخرى على علي بن ابي طالب بمقارنتها دورعلي في مرحلة صدر الاسلام المعروف بانحيازه للفقراء بدور الاحزاب الطائفية الشيعية التي عرف اغلبها فيما بعد، بتهريب النفط ،و الاستحواذ على الاراضي، وكنز المليارات فيما يعيش ملايين العراقيين فقرا نادرا في منطقة الشرق الاوسط. واستخدمت تلك الطائفيات الدعم الايراني العلني والسري السخي، في ارشاء الفقراء المعوزين( اقسم بالامام علي ان ترشح قائمة الائتلاف وستستلم مؤونة شهر كامل!) اضافة الى تشغيل عشرات الاذاعات الايرانية الموجهة لسكان جنوب العراق للترويج للطريقة الايرانية في الخياة( اي الموت ) وحث العراقيين على اتباعها وتشويه تاريخ العراق السياسي الثوري باستخدام الفزاعة الدينية ووصم نضال الشعب العراقي من اجل التقدم منذ ثلاثينات القرن الماضي بصفة الضلال والالحاد والى مافي جعبة الرجعيين من الفاظ التخويف الديني .وخلقت في الفترة مابين سقوط النظام والانتخابات اجواء استقطاب حاد كان لابد ان تؤدي الى نشوء قطب طائفي سني مقابل زحف الرايات والبيارق الشيعية وحفلات الدم ومسيرات مئات الالاف على الاقدام وتخصيص الملايين من ميزانية الدولة لاغراض توفير الحماية الامنية لمسيرات الزيارات المتكررة المفروضة بفعل العرف الشعبي المتوارث والمؤيدة من قبل الاحزاب الطائفية لاسباب الاستعراض السياسي. والان وبعد خمس سنوات على تغيير شكل الارهاب تبدو اللوحة واضحة للعيان فكلما سدت المنافذ امام فقراء الناس على الارض ، اتجهت وجوههم صوب السماء بحثا عن حل، وكلما ضاقت الارض باحلامهم المتواضعة ، كلما توغلت عقولهم ولاوعيهم اكثر في رحلة البحث عن الخلاص والاستسلام للقدرفي النهاية ، وصولا الى القناعة بلاجدوى البحث عن الراحة والاستقرار على الارض تلك القناعة التي تقطر يأسا والتي يجسدها القول الشعبي\" الانسان لايرتاح الا بالقبر\" ، وحين يصل الفقراء الى هذه المرحلة التاريخية من رحلتهم باتجاه القدر، تعرض المؤسسة الدينية \"خدماتها\" عبر تنظيم مراسيم التقرب الى السماء باختلاف اشكالها من نذور، وقراءات طالع، وتنجيم، وتبرعات لاولياء وزيارات لقبورهم، ومن راس المال هذا تبني المؤسسة الدينية قلاعها الحصينة التي تسجن الفقراء والمساكين والمغلوب على امرهم داخل جدرانها الى ان تستوفى الامانات وترد الارواح الى خالقها، ويذهب اهل العمائم الى جنات الخلد فيما يتأهب الفقراء المساكين للدفاع عن أنفسهم جراء مااقترفوا في حيواتهم البائسة!! وسياسة التخويف الديني ليست جديدة على مجتمعاتنا العرباسلامية فحتى جنكيزخان الخائض بدماء الالاف، نصب نفسه ممثلا لله فخطب في الناس حين فتح بخارى عام 1219 قائلا: \"انا افة من الله ارسلت للناس قصاصا على معاصيهم\" وقد اشاع العباسيون بين الناس \"ان نظام العالم سيختل وتحتجب الشمس ويمتنع القمر اذا قتل الخليفة\" و لكل هذا فان هذه الاحزاب الطائفية الدينية تجد نفسها بمعارضة صارخة عنيدة لكل اشكال التحديث والتقدم الاجتماعي لان في ذلك نهاية لاسطورة التخويف الديني التي تعيش عليها ،فتقدم الناس وتحررهم سيفك الرابطة القسرية التي تربطهم مع المؤسسة الدينية، لتنسج بدلا منها رابطة التدين الطوعي المبني على المعرفة الواعية والعلاقة المباشرة مع السماء دون وساطة رجال الدين ومؤسساتهم . ان الحاجة الروحية التي لازمت الانسان منذ ان تطورعن بدائية الحيوان وميله الطبيعي لتسكين قلق الكينونة وسعيه للاجابة عن اسئلة الوجود والعدم التي رافقت تطوره هي امور شخصية مقدسة لابد ان تصان من تخريب اهل العمائم وهكذا فتحقق الامال على الارض سيطيح بمشروع المؤسسة الدينية التوسطي بين الناس والسماء ويلغي بالتالي الحاجة التي ادت الى نشوئها و تبرير دورها النيابي عن الخالق، اما التدين الحالي لملايين المغلوب على امرهم فهو باغلبه الاعظم استسلام للخوف وليس معرفة واعية بالخلق والخالق فالخوف لايتفق مع العقل بل مع الغريزة لهذا ابطلت بعض الاتجاهات الاسلامية صلاة الخائف . ان مستقبل بقاء سياسة التخويف الديني مرتبط وجوديا ببقاء المجتمع متخلفا، وهذا هو التناقض الاساس في الواقع الحالي بالعراق وايضا السبب الاساس في قلة حماس الحكام الطائفيين للشروع باعادة الاعمار المادي والروحي الذي ينتظره العراقيون. ولكن ما العمل ؟ هل نعود بالعراق الى عهود التطاحن الايديولوجي والتصفيات الجسدية الجواب مرهون بقدرتنا جميعا على خلق تيار ديمقراطي قوي الى جانب تياراسلامي عقلاني كالذي يمثله محمد عبد الجبار وضياء الشكرجي واياد جمال الدين يسحب كل الابسطة من تحت اقدام الملوحين بفزاعة التخويف الديني.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |