البرنامج النووي الايراني بين الحقائق العلمية والصراعات السياسية الحلقة الثانية

 

د. مؤيد الحسيني العابد/ أستاذ جامعي

متخصص بالعلوم التقنية (الفيزياء النووية)

mouaiyad@hotmail.com

الحلقة الثانية

لقد تطرقنا في الحلقة الاولى الى الامور المهمة التي رأيت من الضروري ان أسلّط الضوء عليها قبل الولوج الى الموضوع الاساس.وكذلك الى: المقصود بالبرنامج النووي، عملية دورة الوقود النووي، ما هو هذا اللغز العجيب في عنصر اليورانيوم الذي تكمن فيه هذه الطاقة وهذه المواصفات؟ثم الى مرور اليورانيوم بعدة عمليات قبل وصوله الى المفاعل النووي كوقود.

تجرى على عنصر اليورانيوم كمادة وقود للمفاعلات النووية عدة عمليات منها:

عمليتا التعدين والطحن ونطلق عليهما المصطلح:

Mining & Milling

تعتبر هاتان العمليتان أولى المراحل في دورة الوقود النووي التي تجرى على خام اليورانيوم لإعداده على شكل وقود حسب الطلب. والمراحل المذكورة تتضمّن العديد من الطرق المختلفة لليورانيوم الذي تتمّ عملية التنقيب عليه في المنجم الخاصّ به حيث يمسح المنجم قبل البدء بعملية التنقيب. علماَ أنّ عملية المسح يمكن أن تتمّ قبل عملية التنقيب بفترة طويلة أو قصيرة حسبما يقرره المختصّ بالاعتماد على عدة عوامل لا مجال لذكرها الآن. وهناك عدة طرق للتنقيب عن اليورانيوم بعملية تسمّى بعملية التعدين أو التنقيب نوع القطع المفتوح. وتتمّ إما في الموقع الاصلي الذي يحوي خامات اليورانيوم أو في باطن الارض الذي تحوي هذه الخامات. وهناك تقنية تفصل عملية الطحن عن التعدين لو أستخرج الخام من الموقع الأصلي ،كما في أوكسيد اليورانيوم الذي يكون مرشّحاَ لتشكيل محلول اليورانيوم الغني. بعد عملية التنقيب لخام اليورانيوم يرسل اليورانيوم الى الطاحونة المناسبة والمعدّة لهذا الغرض لتكسيره وتحويله الى شكل المعجون. ثمّ يعامل اليورانيوم مع حامض الكبريتيك للتخلّص ممّا يعلق به من معادن أي جعله ذائباَ. ثمّ يرشّح المحلول الغني باليورانيوم ثمّ يتم فصل اليورانيوم وتجفيفه لانتاج اليورانيوم الصلب الذي يشكّل على هيئة تسمى بالكعكة الصفراء. وهو الناتج الذي يمكن أن تقوم الشركات المختصّة بتصديره والتعامل معه على أساس تجاري بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرّية وبعلم الدول التي تتعامل مع المنتوج من منظار قانوني أي وفق القوانين المعمول بها في دولة إنتاجه. لتعدين اليورانيوم تستخدم شركات التنقيب ثلاث طرق رئيسة لاستخراج اليورانيوم من الأرض هي: التعدين المكاني المحلولي

وعملية التعدين المكشوف والتعدين الأرضي. حيث تجرى في العملية الأولى أن يضخ الموقع بمحلول خاص عبر ثقوب تحفر في باطن الأرض لتذويب الأكاسيد من ثمّ يضخ المحلول الذي يحتوي على الأكاسيد الى حاويات موضوعة على السطح. علماً أن الثقوب التي تجرى في الموقع تستخدم لإنزال كشّافات الإشعاع التي تقوم بعملية الكشف عن النشاط الإشعاعي ونوعه وغير ذلك. وفي العملية الثانية تستخدم متفجرات بقدرات خاصة لتفتيت الصخور التي تغطّي ترسّبات اليورانيوم قرب سطح الأرض. ثم تجرى عملية التفجير ، وبعدها تجمع الكتل الصخرية التي تحوي خام اليورانيوم التي إرتفعت الى السطح. أمّا في الطريقة الثالثة فتصمم أنفاقاً داخل المناطق التي تحوي ترسبات خام اليورانيوم وفيها أيضاً توضع المتفجّرات داخل جدران الأنفاق ويجرى تفجير الصخور ثمّ تجمع هذه الصخور التي تحتوي على الخام والتي تتفتت بعملية التفجير المذكورة ، بعد ذلك الى السطح.

عملية التحويل وتسمّى:Convention

بعد الحصول على الكعكة الصفراء لليورانيوم والذي يكون على شكل أوكسيد اليورانيوم الصلب والمنتزع من اليورانيوم الخام. يحول الى الصيغة الغازية المسماة سادس فلوريد اليورانيوم بدرجات حرارة منخفضة الى أن ينتقل الى العملية القادمة المسماة بعملية الإغناء.(علماً أنّ إيران لديها الامكانية للحصول على هذه الصيغة كما صرّحت الجهات العلمية الإيرانية وأن إيران قد إمتلكت بالفعل كميات من هذه المادة التي تدفع بها الى عملية الاغناء حسب الطلب). ينقل سادس فلوريد اليورانيوم الى محطة التخصيب لفصل اليورانيوم 235 عن اليورانيوم 238 وينتج عن هذا الفصل يورانيوم مخصب يحتوي على نسبة من اليورانيوم 235 أعلى من النسبة التي يحتويها اليورانيوم الموجود في الطبيعة وتستخدم معظم المفاعلات النووية في محطات القدرة النووية وقودا يحتوي على اليورانيوم 235 بنسبة تتراوح بين 2% و 4% تقريبا(وهذه النسبة يمكن الوصول لها بالطرق المتيسرة وقد قامت بها العديد من الدول منها إيران والباكستان والهند وبعض الدول الآسيوية الأخرى.. اما الاسلحة النووية ومفاعلات السفن التي تعمل بالطاقة النووية فتتطلب نوعا من اليورانيوم يحتوي على اليورانيوم 235 بنسب أعلى من ذلك). وينقل اليورانيوم المخصب الذي يراد إستخدامه في المفاعلات النووية الى محطة صنع الوقود لتحويل سادس فلوريد اليورانيوم الى ثاني اوكسيد اليورانيوم الذي يضغط الى كريات اسطوانية الشكل تستخدم وقوداً.

كيف يتم التعامل مع اليورانيوم؟

ان لليورانيوم عدة نظائر منها 233 ـ 234 ـ 235 ـ 236 ـ 238 ـ 239 . لكن الخامات التي يتم استخراجها من باطن الارض تكون اغلبها من نوع 238 و 235 الذي تكون نسبته 0.7 % اي سبع ذرات من 235 تعادل الف ذرة من اليورانيوم الطبيعي والسبب الاساس لاستخدام النظير 235 اكثر من 238 بسبب كون الثاني يتمّ فقط بالنيوترونات السريعة ذات الطاقة في حدود 1 ميغا الكترون فولت بينما الاول فيمكن قصفه بالنيوترونات السريعة والبطيئة على السواء.

ان اليورانيوم المستخدم في السلاح النووي يكون من اليورانيوم الذي تزيد فيه نسبة اليورانيوم 235 في اليورانيوم الطبيعي الى نسبة 90% تقريباً. لكن كلما زادت نسبة 235 الى اليورانيوم الطبيعي كلما قلت الكتلة الحرجة المطلوبة، لذلك فإن النسبة المذكورة وجدت على انها افضل نسبة لافضل كتلة حرجة لازمة لحدوث الانفجار المطلوب.

إنّ لعملية التخصيب لليورانيوم ثلاث طرق تطورت الى استخدام افضل الآلات والمعدات لتحقيقها. هذه الطرق هي:

طريقة الانتشار الغازي وطريقة الطرد المركزي للغاز إضافة الى طريقة التخصيب بالليزر. امّا الطريقة الاكثر استخداماً هي طريقة الانتشار الغازي. لكن ولتوفر المواد المستخدمة في عملية التخصيب مثل الياف الكربون وغيرها فالقسم من الدول تستخدم طريقة الطرد المركزي. سنقوم بتوضيح بسيط لطريقة الطرد المركزي بسبب إستخدامها الكبير في إيران:

ماهي هذه الطريقة؟

ان نظرة تاريخية الى العملية يمكن القول انها قد بدأت مبكرا في استخدامها في مجال تخصيب اليورانيوم. حيث استخدمت في اربعينيات القرن الماضي لكن العملية اهملت لاسباب عديدة منها ان عملية الانتشار اسهل وارخص رغم قدرتها الضعيفة. بعد ذلك طورت العملية في الستينيات كعملية لانتاج القدرة الاعلى من نسبة الاغناء.

تستخدم هذه الطريقة في العديد من الدول ذات النشاط النووي وتعتمد ( كذلك) على الفرق الطفيف بين كتلتي النظيرين المتمثل في فرق بسيط بين قابليتي طرد جزيئات نظيري غاز سادس فلوريد اليورانيوم في جهاز طرد مركزي. طريقة الطرد المركزي تستخدم في عدد من المحطات في أوروبا واليابان ويتكون جهاز الطرد المركزي في هذه الطريقة من إسطوانات عمودية ذات حركة دوامية سريعة ويضخ غاز سادس فلوريد اليورانيوم في كل أسطوانة عبر أنبوبة عمودية ثابتة داخل كل أسطوانة وتجبر الحركة الدوامية للاسطوانة كل الغاز الخارجي تقريباً في إتجاه الجدران المنحنية وبالاضافة الى ذلك تساعد مغرفة متصلة بقاعدة الانبوبة الثابتة في إنسياب الغاز عمودياً كما تساهم الفروق في درجات الحرارة داخل الاسطوانة في إحداث هذا الانسياب العمودي وبسبب هذه التأثيرات الحركية الدوامية للاسطوانة وحركة المغرفة وفروق درجات الحرارة ينساب الغاز بشكل معقد ويصبح قريباً من قاعدة الاسطوانة مركزاً باليورانيوم 238 أكثر من الغاز العلوي وتزيل المغرفة السفلية النفايات الغازية التي تحتوي على تركيزات أعلى نسبياً من اليورانيوم 238 بينما تزيل المغرفة العلوية الغاز المخصّب الذي يحتوي على اليورانيوم 235 بتركيز أعلى وتتكرر العملية حتى يتم الحصول على التركيز المطلوب من اليورانيوم 235.
ويمكن ان تعاد هذه العملية عدة مرات لضمان الحصول على الفصل الجيد للنظيرين المذكورين. وفائدة هذه الطريقة عن سابقتها انها اقل كلفة حيث تستهلك من الكهرباء حوالي عُشر الكمية التي استهلكت بطريقة الانتشار الغازي. وتقوم دول من العالم المتقدم والدول في العالم الثالث بالاعتماد على هذه الطريقة كالهند والباكستان وايران ( يظن المحللون بانه تمّ اجراء بحوث في تخصيب اليورانيوم في عدة أماكن رسمية ومشار لها في سجلات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي: عسكر آباد رامانديه بالقرب من هاشتجيرد و مأواليم كالايه، موعاليم كيلايه، غازيف و الذي يقع في المنطقة الشمالية الغربية جبال إلبروز من طهران بالاضافة الى المحطة التي تثار الاسئلة حولها وهي محطة إغناء ناتانز(سنشير لها في حلقة قادمة بشيء من التفصيل) .

يدور في مئات اجهزة الطرد المركزي غاز هيكسوفلوريد اليورانيوم بسرعات عالية جدّاً وتؤدي القوى الطاردة المركزية الى فصل جزيئات هيكسوفلوريد اليورانيوم ـ 235 الخفيفة عن تلك الاثقل لليورانيوم ـ 238(كما أشرنا سابقاً). ((علماً ان هناك تقنية او طريقة قديمة لتخصيب اليورانيوم تعود الى ايام مشروع منهاتن الامريكي الذي نفّذ خلال الحرب العالمية الثانية وبهذه التقنية التي تسمى فصل النظائر بالحقل الكهرومغناطيسي, ينحرف ضمن حجرة مفرّغة تيار ايونات اليورانيوم تحت تأثير الحقل الكهرومغناطيسي, ويكون انحراف ايونات اليورانيوم ـ 238 الثقيل اصغر من انحراف ايونات اليورانيوم ـ 235 ويستخدم هذا الفرق الصغير في فصل اليورانيوم ـ 235. ان الحجيرة والاجهزة المرافقة لها هي في الواقع سايكلوترون من نوع خاص يطلق عليه اسم الكاليسترون ( من اسم سايكلوترون جامعة كاليفورنيا) ويحتاج هذا الى كمية من الطاقة اكبر مما تحتاجه طريقة الطرد المركزي)).

وندون ملاحظة ان ليس كل تقنيات التخصيب بالطرد المركزي تستعمل لصناعة الاسلحة النووية بل ايضاً في انتاج وقود مفاعلات القوى( مثلاً) .

لمن يريد ان يطلع على شكل الطاردات المركزية التي تستخدم في العمليةيدخل الى الموقع التالي:

http://www.world-nuclear.org/info/inf28.html

وهناك طريقتان أخريان هما عملية الإنتشار الغازي وعملية الليزر.

مع الوضع النووي الايراني...

توجه إيران الى البحث والتطوير النووي بدأ في منتصف الستينيات تحت رعاية الولايات المتّحدة ضمن إطار الاتفاقيات الثنائية بين البلدين. حيث قامت الولايات المتحدة بإنشاء أول منشأة نووية في ايران في عهد الشاه عام 1967 وسميت حينها بمركز بحوث طهران النووي (تي إن آر سي)،وكان مكانه في جامعة طهران وقد أديرت من قبل منظمة الطاقة الذرية الايرانية والتي يرمز لها بالرمز (أي إي أو آي). وقد لعب هذا المركز البحثي دوراً مهماً في مجال البحوث النووية الايرانية والتي رسمت من خلالها العديد من النشاطات النووية الايرانية.

لقد كانت قدرة مفاعل هذا المركز 5 ميغاواط ويستطيع المفاعل المذكور انتاج 600 غرام من البلوتونيوم بالسنة من وقوده المستهلك . وقد وقّعت إيران في يوليو/تموز عام 1968على معاهدة السماح لها بالبحث في هذا الاطار ودخل الاتفاق حيز التنفيذ شهر آذار من عام 1970 بشرط استخدام الطاقة النووية للاغراض السلمية. وقد شملت هذه الاتفاقية تدريب العاملين وإكسابهم الخبرات اللازمة في هذا المجال.

لقد كانت انعكاسات الحرب التي وقعت بين العرب واسرائيل واضحة على العديد من الدول حيث ارتفع سعر النفط الى الى مستويات عالية جدا مما ادى الى زيادة القدرة المالية للدول النفطية ومنها ايران حيث ساعد هذا الوضع شاه ايران الى التفكير بالحصول على امكانيات جديدة في عملية تطوير البلاد باتجاه الطاقة النووية أكثر من السابق. حيث أكّدت الدراسات التي قام بها معهد بحوث ستانفورد الى ان إيران تحتاج الى حوالي 20000 ميغاواط من القدرة الكهربائية عام 1990. استنادا إلى وثائق حكومية أمريكية سرّية مسموح بنشرها أرسلت عبر أرشيف الأمن القومي الرقمي (تحت عنوان مادة "نزاع إيران امريكا النووي، نشر في يوليو/تموز عام 2003 في أخبار إيران).

في منتصف السبعينيات شجّعت الولايات المتّحدة إيران على توسيع قاعدة طاقتها غير النفطية مما حدا بشاه ايران آنذاك الى التوجه الى بناء مفاعلات نووية داخل ايران للحصول على الطاقة الكهرونووية لتلبية متطلباتها. وأعربت حينها الولايات المتحدة الامريكية عن استعدادها لمساعدة ايران في هذا المجال مقابل تزويد ايران الولايات المتحدة بالنفط الايراني. اضافة الى تصدير الاسلحة الامريكية الى ايران التي كانت بحاجة الى هذه الاسلحة. وحينما سمع الشاه استعداد الولايات المتحدة لذلك قرر وضع برنامج طموح لبناء العديد من المفاعلات النووية حيث كان من المفترض ان يتم بناء 23 مفاعلا حسب ما خطط في هذا البرنامج. وقد منحت الحكومة الايرانية آنذاك عقدا إلى اتّحاد كرافتويرك (شركة تابعة لشركة سيمينز) التابعة لالمانيا الغربية آنذاك لبناء مفاعلات سيمينز بقدرة تصل الى 1200 ميغاواط في بوشهر. وقد بدأ العمل الفعلي بذلك عام 1974 . وقد وقعت منظمة الطاقة النووية الايرانية عقدا مع معهد ماساشوسيتس التكنولوجي في عام 1975 لتزويد المهندسين الايرانيين الذين سيبدأون العمل في تلك المحطة بالخبرة العملية. ووقعت نفس المنظمة مع الهند ما سميت بمعاهدة التعاون النووية الإيرانية الهندية خاصة بعد ان اجرت الهند اول تجربة نووية بالتعاون مع اسرائيل آنذاك. وقد توجه الشاه كذلك الى فرنسا لمساعدته في تطوير هذا الحقل من الطاقة . وفعلا تأسس مركز التقنية النووي في اصفهان في منتصف السبعينيات بالمساعدة الفرنسية لكي تقوم بتدريب الفنيين الايرانيين الذين سيعملون في مفاعلي بوشهر. وفعلاً وقعت إيران في عام 1974 عقداَ مع الشركة الفرنسية فراماتوم لبناء مفاعلين بقدرة 950 ميغاواط .وتقوم منظمة الطاقة النووية الايرانية بتشغيل اربعة مفاعلات صغيرة بمساعدة الصين كذلك في اصفهان.

في عام 1977 صرح سدني سوبير ممثل وزارة الخارجية الامريكية الى ان ايران كانت ستشتري ثمانية مفاعلات نووية من الولايات المتحدة الامريكيةلتوليد الكهرباء وقد وقعت الاتفاقية بالفعل بين ايران والولايات المتحدة الامريكية قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران بسبعة اشهر فقط. وضمن الاتفاقية ان تقوم الولايات المتحدة الامريكية بنقل الأجهزة والمادّة النوويةإلى برنامج إيران للطاقة النووية.

بالاضافة الى ذلك فقد استلمت ايران عدة حلقات من التقنية الأمريكية ومساعدتها في البحث عن ايداعات اليورانيوم. وقد قامت حكومة الشاه كذلك بوضع برنامج لبناء مفاعلين نووين ومحطة كهرباء في دارخوفين، على نهر الكارون جنوب مدينة الأهواز.

في سنوات السبعينيات حصلت ايران الشاه على اليورانيوم من جنوب افريقيا وقد ورد ذلك على لسان الدكتور أكبر إعتماد الرئيس الأول لمنظمة الطاقة الذرّية لإيران من 1974 إلى 1978. وقد قامت منظمة الطاقة النووية الايرانية بإجراء تجارب على انتزاع البلوتونيوم من الوقود المستهلك لاستعماله كعامل مساعد في التصنيع لبعض المواد الكيميائية. ممّا أثار الشكوك حينذاك حول سعي الشاه الى امتلاك السلاح النووي لاهمية البلوتونيوم في صناعة القنبلة النووية!. ولذلك اتهم الشاه آنذاك بانه يسعى الى هذا المشروع بجدّية اي كان لديه الطموح لذلك كما صرح به مستشاره القريب منه لفترة طويلة.وفي فبراير/شباط 1979 عندما أسقطت الثورة الإسلامية حكومة الشاه، كان قد تم من مفاعل بوشهر ـ 1 ما نسبته 90% وقد تمّ تركيب 60% من اجهزة المفاعل الاول و 50% من اجهزة المفاعل الثاني.

خلال حربه مع إيران قصف العراق موقع مفاعل بوشهر ست مرات(في مارس/آذار 1984، فبراير/شباط 1985، مارس/آذار 1985، يوليو/تموز 1986، ومرّتين في نوفمبر/تشرين الثاني 1987)، حيث دمّرت الطائرات العراقية كلّ المنطقة الرئيسة لكلا المفاعلين. علماً أنّ الشركة الالمانية اشارت الى ان بوشهر ـ 1 كان قد تقرر الانتهاء من انجازه خلال ثلاث سنوات قبل ان يضرب من قبل العراق. علما ان الاجهزة الرئيسة لم تكن قد ركبت بعد حين حصول الضربات. وقد خزنت العديد من الاجهزة(اثناء الحرب) في ايطاليا مثل مولد البخار الذي ياخذ الحرارة من المفاعل لانتاج البخار الذي يستعمل في المولدات الكهربائية. بينما خزن جهاز الضغط في المانيا.

إن الاندفاع الايراني لاكتساب الطاقة الكهربائية من الطاقة النووية قد ضعف بعد ان ضربت الطائرات العراقية مفاعلي بوشهر بسبب الضرر الهائل الذي لحق بهما. وتورد العديد من التقارير الى ان امريكا قد شجعت صدام على تدمير اكبر قدر من هذه المفاعلات لكي لا تستطيع ايران الاستفادة منها. ولو ان هناك العديد من العلماء الايرانيين قد بدأوا بحملة من التحدي لما لحق بصناعتهم، الى التفكير في تطوير هذه الصناعة.وكان ذلك التحدي على اشده في عامي 1986 و1987 وقد حفز حكومة الرئيس رفسنجاني آنذاك النقص الذي حدث في الكهرباء والتحدي المذكور اللذين شجعا على تجديد العمل بهذه التقنية. بالرغم من انّ الشركة الالمانية قد رفضت العقد المبرم مع الطاقة النووية الايرانية بسبب الضغوط الامريكية المستمرة بهذا الاتجاه.

هناك عدة محاولات من قبل الحكومة الايرانية على الانفتاح بصورة او باخرى الى تنضيج عقد من العقود وتزويده بما يكمل مشروعها في بوشهر لكن كل المحاولات في عملية التغيير والتوجه الجديد باءت بالفشل. في أواخر الثمانينيات قدم ائتلاف الشركات من الأرجنتين وألمانيا وإسبانيااقتراحا إلى إيران لإكمال مفاعل بوشهر –1، لكن الضغط المستمر على الشركات ادى الى ايقاف الصفقة المذكورة. وقد قام معهد اسبانيا الوطني للصناعة والاجهزة النووية لاكمال المشروع الا ان الضغط الامريكي تم بنجاح وانتهت الصفقة كذلك الى الفشل عام 1990
لقد ذكرت تقارير استخبارية امريكية ان طهران استلمت مساعدة حول تعدين وطحن خام اليورانيوم من روسيا. هذه المساعدة قد تستمرّ على الرغم من تأمينات موسكو عكس ذلك بسبب موقع المحافظة الذي يراد العمل فيها البعيد ووجود بعض الأجهزة النووية التي بسببها ادّعت مجموعات معارضة كمجموعة خلق بان هناك نشاطات نووية غير محبذة في المنطقة. وقد قالت هذه المنظمة ان هناك مركزا بحثيا( آي آر جي سي) كبيرا متخصصا في المجال النووي في مكان تحت الأرض في الأنفاق بالقرب من مناجم اليورانيوم. مما إستدعى الوكالة الدولية للطاقة النووية الى التثبت من هذه المزاعم في يزد . وفعلاً جاء الجواب من تقارير الوكالة المذكورة التي أكّدت عدم دقة ما اشارت اليه منظمة مجاهدي خلق المعارضة.

بل أكّدت عدة تقارير دولية الى أنّ ايران تحتاج الى المساعدة الخارجية في مضمار التعدين والتنقيب. وقد تقوم ايران بالتنقيب خلال سنوات قادمة. رغم ان الاعتقاد ان ايران قد حصلت على الكعكة الصفراء(اي بعد اتمام عملية التعدين والتنقيب)المذكورة من جنوب افريقيا في السبعينيات من القرن الماضي.

أرادت ايران بعد ان اخفقت في التنقيب وطحن اليورانيوم التوجّه الى المساعدة الخارجية وخاصة الى الصين بمساعدة معهد بحوث بيجين لعلم طبقات أرض اليورانيوم وقد ساعد المعهد في استكشاف اليورانيوم الاحتياطي في ايران. وقد حاولت ايران ايضا شراء ما قيمته 18 مليون دولار مكائن مهمة لهذا الغرض من الارجنتين لكن الرئيس الارجنتيني منع مثل هذه الصفقة في شباط عام 1992 بحجة عدم تشجيعه انتشار الاسلحة النووية.!!

. في عام 1993 حاولت ايران اكتساب ثمانية مكثفات بخار من قبل الشركة الإيطالية أنسالدو وفق عقد اتّحاد كرافتويرك، لكنّ ذلك لم يتمّ لاسباب عديدة منها الضغط الامريكي المستمر لعدم اتمام اي صفقة مع ايران كجزء من الضغط عليها لمواقفها من عدة قضايا معروفة منها القضية الفلسطينية ومساعداتها لحزب الله في لبنان. لا علاقة لذلك التصرّف بمحاولة صنع سلاح نووي لان العديد من حلقات هذا البرنامج لا علاقة لها بهذا السلاح المزعوم! وكذلك ناقشت الشركة التشيكية سكودا بلزين لتموين مكوّنات المفاعل المذكورأيضا لكن تحت الضغط الأمريكي نفسه الغيت الصفقة في عام 1994. وقد فشلت في الحصول كذلك على مكونات مفاعل بولوني غير منته الا ان الامر لم ينته بنجاح كذلك. بعد سنوات من التفتيش في الغرب على شركات مناسبة لتمويل هذه الحلقات لإكمال محطة الطاقة النووية الأولى، اتّجهت إيران إلى الإتحاد السوفيتي السابق (وبعد ذلك روسيا). علماً انها كانت قد وقّعت، في مارس/آذار 1990، نظامها الأول على مشروع بوشهر مع الإتحاد السوفيتي. حيث تشير الاتفاقية الى طلب ايران من موسكو إكمال مشروع بوشهر ومفاعلا إضافيا لكن المشاكل المالية أخّرت الصفقة. ويعتقد أكثر الخبراء بأنّ اكمال مشروع بوشهر من قبل روسيا مهمّة معقّدة جدا!

في شهر شباط من عام 2003 إكتشفت العديد من المواقع وتمّ التصريح بها وقد أشير الى أنّ برنامج إيران النووي قد شمل تخصيب اليورانيوم ضمن حلقات هذا البرنامج وخاصة في مدينة ناتانز وبعض المدن الاخرى. كذلك أشير الى وجود وسائل متطورة في ناتانز وقد أعلن حينها الرئيس السابق محمد خاتمي الى ذلك عبر شاشات التلفزيون ودعا حينها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة تلك المواقع. وحينها قام محمد البرادعي مع العديد من المفتشين بزيارة الى ايران وقد ترددت هذه الزيارات عدة مرات وبطلب من ايران نفسها.وفي تقرير تمهيدي نشر في تموز يوليو قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإبلاغ ايران الى أنها مطالبة بكشف كلّ تفاصيل نشاطاتها النووية بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأوّل 2003.

لقد نوقش هذا البرنامج لعدة سنوات منذ إعلان فبراير وقد نشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عدة معلومات أثارت مفاجأة عند الولايات المتحدة الامريكية حول النشاط النووي الايراني. لذلك قام وفد من مفتّشي وكالة الطاقة الذرية الدولية الى ناتانز. وقد أثار الموضوع العديد من التوجسات عند الدول المهتمة بالموضوع النووي عموماَ . علماً ان الخوف والتوجس جاء من خلال الواقع السياسي لا من خلال الواقع العلمي العملي حيث أنّ التقارير التي توضحت من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن خلال دوائر الاستخبارات طبعا الى ان ايران ليس لديها من النشاط النووي الفعلي الذي يخرج عن نطاق السيطرة والعلم من قبل هذه المنظّمة الدولية. حيث أثار الموضوع اول الامر توجس روسيا واليابان ودول الاتحاد الاوروبي بسبب ذلك. وقد أثير الموضوع على أساس أن ايران لديها الكميات الكافية من النفط والغاز الطبيعي فلا تحتاج الى هذا النشاط إلا في الحالات النادرة وغير الكبيرة على هذا النطاق كما يتصورون!. لذلك أثار الرئيس الامريكي جورج بوش الموضوع بإتجاه الرغبة الايرانية في إمتلاك السلاح النووي! وقد قامت الولايات المتحدة بالضغط على العديد من الدول التي لها علاقات إقتصادية مع ايران او في طريق إبرام الاتفاقيات معها بهذا الاتجاه على اساس تنبيهها الى جدّية رغبة ايران الى امتلاك النشاط النووي للاغراض العسكرية اذا ما علمنا ان تلك الدول مازالت تعيش فوبيا السلاح النووي واستخدامه منذ عام 1945. وخاصة كانت هذه الضغوطات قد أخذت منحنى آخر بإتجاه روسيا التي ترغب في إكمال محطة بوشهر النووية والتي تراوح المفاوضات حولها بين مد وجزر معتمدة على واقع سياسي أكثر منه واقع علمي كما قلنا. ورغبة اليابان السابقة الى توقيع اتفاقية نفط مربحة مع إيران لتطوير حقل نفط أزاديجان(وهو أكبر حقل نفطي في الشرق الاوسط) والسؤال الذي يثار من قبل السياسيين ومن بعض علماء ايران هل كان لزاماَ على ايران الاعلان عن موضوع البناء في ناتانز؟ إذا ما علمنا أنّ هناك اتفاقية تشير الى أنّ الدول يشترط عليها الابلاغ قبل 180 يوماَ بالاعلان عن وجود المادة النووية الفعلية في المكان المكتشف او المبني.

إن الوسيلة التي أكتشفت في ناتانز قد كانت وفق الاسس الشرعية والاتفاقيات الدولية. بالاضافة الى أنّ معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (إن بي تي) تسمح لإيران قانوناَ ببناء أيّ منشأة نووية، بضمن ذلك واحدة لتخصيب اليورانيوم، طالما كان القصد من ذلك هو الغرض السلمي. كما تنصّ هذه الاتفاقية على انّ للدول المنضوية والموقّعة على الاتفاقية الحقّ بالانسحاب متى شاءت.

والسؤال الذي يلح على العديد من المتخصصين علاوة على السياسيين هو: هل ايران فعلا تحتاج الى البرنامج النووي بهذه الصورة أم لا؟

إن إستطعنا الاجابة على السؤال نستطيع ان نضع حدا للعديد من التساؤلات. يجب التنويه الى أن البرنامج النووي الايراني قد أثير على اساس امتلاك ايران لهذا البرنامج ضرورة من ضرورات المرحلة وقد قامت الولايات المتحدة الامريكية بمساعدة ايران على انشاء العديد من النشاطات النووية ايام شاه ايران الذي كانت له علاقات مع الولايات المتحدة على اساس التحالف الاستراتيجي ومع اسرائيل ضمن هذا التحالف وهذا يجعل السؤال أن يطرح بشكل آخر هل كانت الولايات المتحدة تعلم أن ايران تحتاج لهذا النشاط ام لا؟ ان كان الجواب بنعم فلم هذه الضجة الكبيرة والتشكيك بإحتياجها؟ ولو كان لا، فلماذا طلبت امريكا من شركاتها استثمار هذا القطاع المهم والخطير في ايران ولعدّة مرّات!؟

إذن وجبت الاشارة الى أنّ التأريخ يشير الى ان الولايات المتّحدة وحلفائها كانوا في الحقيقة القوة الدافعة وراء ولادة برنامج إيران النووي في أواخر الستّينيات وأوائل السبعينيات.بالاضافة الى أن من المهم أيضا الاشارة الى أنّ الولايات المتّحدة وحلفائها أشاروا على إيران الى أنهم يرغبون بالمشاركة في تطوير وبناء المفاعلات النووية في إيران منذ أواخر الثمانينيات عندما استأنفت إيران برنامجها النووي، والذي كانت إيران بعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمتلك السيطرة الكاملة على مفاعلاتها وعلى ما تنتج من هذه المفاعلات. وأن إيران رفضت كل مساعدة من قبل الولايات المتحدة لموقفها من الحرب التي إستنزفت ايران اقتصاديا حيث وضعت الولايات المتحدة العديد من إمكانياتها العسكرية والاستخبارية لمساعدة صدام ونظامه في محاولة تقويض الثورة الايرانية منذ إنبثاقها عام 1979 أي بعد أشهر من السيطرة على مقاليد الحكم والتي ادّت بصدام الى ان يشعل الحرب لهذا الغرض. إذا ما ناقشنا العديد من المسائل سنرى أن القضية لا تتعدى الجانب السياسي بأي حال من الاحوال. حيث أن ايران كأي دولة من الدول الاخرى وضمن الاتفاقيات الدولية من حقها أن تبني العديد من المنشآت النووية للاغراض السلمية والتي من حقها أن تفكر عن بدائل للطاقة إن للاغراض الداخلية أو لتصديرها الى الخارج. علما أنها تمتلك الخبرات العالية في هذا الجانب والمدون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعند العديد من المؤسسات المتخصصة في هذا المجال.

يجب أن نعترف بأنّ التطوير لاي مورد من موارد الطاقة هو جزء مهم جدا من المصالح الوطنية لكلّ أمّة من الامم. وهذا ما تسير عليه الولايات المتحدة نفسها. علما أن الولايات المتحدة قامت بإسقاط العديد من الانظمة النفطية (إن صح التعبير) وبشكل غير قانوني (طبعاَ إذا تجردنا من الاسباب الاساسية التي تتعلق بكل نظام كنظام صدام الذي يختلف وضعه عن العديد من انظمة الدول النفطية الاخرى بسبب عدوانيته وإعتدائه على العديد من الدول إن بالاحتلال أو التآمر لزعزعة الاستقرار في هذه البلدان كما هو معروف). أي لو سعت ايران الى امتلاك السلاح النووي حقا فله ما يبرره خاصة بعد اعلان الرئيس الايراني السابق خاتمي عن بناء ناتانز المشار اليه آنفا بإعتبار ان ايران باتت مهددة من قبل الولايات المتحدة نفسها. ولكن الامر يتطلب الكثير من الحكمة لتنفيذ أو عدم تنفيذ مثل هذا المشروع الذي ان كان موجودا كما قلنا له ما يبرره!! خاصة وأن ايران لها تجربة في محمد مصدق والانقلاب الذي حدث بمساعدة الولايات المتحدة عام 1953 بعد ان قام مصدق بتأميم النفط آنذاك.
وممّا يقير العجب ان يقوم مسؤول امريكي ليلعب على حبال الترويج الاعلامي قبل ساعات ويصرّح انّ لايران برنامجاً نووياً سرّياً قد قامت بايقافه!!

كيف لايران ان توقف برنامجاً نووياً سرياً لتصنيع السلاح وهي لم تبلغ اجهزتها لتخصيب اليورانيوم الى الدرجة التي تصل فيها نسبة التخصيب الى القدر الكافي لتصنيع او تخصيب اليورانيوم الذي يستخدم لصنع السلاح النووي!!؟ حيث ان اجهزة الطرد المركزي غير كافية باعتراف الوكالة الدولية للطاقة النووية.

ولنا عودة حول العديد من المسائل المتعلّقة بنشاط البرنامج النووي الايراني... فالى الحلقة الثالثة باذنه تعالى

# ملاحظة: لقد اشرت من خلال الحلقات الى مسمّى الطاقة النووية مرة والى الطاقة الذرية مرة اخرى .. لم يكن ذلك اشكالاً الا ان المسمّيات اذكرها متجرّداً عن المعنى العلمي الدقيق. والفرق واضح للمتخصص فلا داعي للاطالة!

   العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com